مع الإمام زيد بن علي وكمال الدين .. الدكتور خالد القروطي

مع الإمام زيد بن علي وكمال الدين .. الدكتور خالد القروطي

خطبة بعنوان : مع الإمام زيد وكمال الدين

الخطبة الأولى:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، (رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون)

(إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)، ببركة بنصر بتأييد بعون بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين،

لك الحمدُ من حزب الوصي جعلتني * ومن تابعي أولادِ الرسولِ لك الحمدُ

لك الحمد إذ دلّيتني وهديتني * إلى مذهب الآل الشريف لك الحمد

لك الحمد إذ صيرتَهم مأمنَ الورى * وسفنَ نجاةٍ للعبادِ لك الحمد

لك الحمد إذ طهَّرْتَهم عن مدنِّسٍ * وأذهبت عنهم كلَّ رجس لك الحمد

لك الحمد واختِم بالصلاة مسلما على أحمدَ والآل يامن لك الحمد.

وأشهد وإياكم وكلَّ مؤمن ومؤمنة بأن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، ولا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نثق إلا به، بيده الخير ومنه الخير وباذل الخير، وهو على كل شيء قدير.

ونشهد أن سيدَنا وسندنا، قدوتنا وحبيبنا، عظيمنا وقائدنا، محمدا عبدُالله ورسولُه، حبيبُه وصفيُّه وخليله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، الأخيار الأنجبين. وصلوات وسلامه على صحابته الراشدين ، وصلوات الله على الملائكة أجمعين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وصلوات الله وسلامه على كافة آبائنا وأبنائنا وإخواننا المجاهدين، ورضي الله عن صحابته الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعنا وعنكم وعن كلِّ مؤمن ومؤمنة من يومنا هذا إلى يوم الدين.

أما بعد

عباد الله كل إنسان له قدوة في حياته، كلُّ إنسان له مثلٌ أعلى يسعى للتقرب منه، كل إنسان في هذه الحياة له صاحبٌ يسير معه، له صديق ومعه رفيق، لا يمكن لإنسان أن يعيش لوحده بمفرده منعزلا عن غيره، يؤثِّر فيه ويتأثَّر به، يقتدي به وينتهج نهجَه، يفرح بلقائه، يأنسُ برفقته وبقربه، يأمنُ معه، ويطمئنُّ إليه، ولذلك كان الصاحبُ ساحب؛ كما يقول المثل اليمني، كان الصاحب والرفيق والقريب علامة على سلوك الإنسان وخلُقه، إن خيرا وإن شرا، وقديما قالوا في المثل المشهور:

لا تسل عن الشخص وسل عن قرينه * إن القرين إلى المقارن ينسب

وقديما قال الشاعر أيضا:

واختر قرينك واصطفيه تفاخرا ....

وكان من أعلى الصاحب وأفضل رفيق وأحسن المعيات وأكثرها أهمية معية الله ورفقة الله، وصحبة الله، ومقارنة الله I.

إذا كنا نأنس لأصدقائنا، نأمن مع أحبائنا، نطمئن إلى أخلائنا، فإن الأنس بالله أعظم، الأمن مع الله أبلغ، الاطمئنان إلى الله أشد، أن نكون مع الله معناه أن يكون اللهُ معنا، إذا كنا مع الله أصبح كلُّ شيء لنا ومعنا بلا استثناء؛ ولذلك وفي أحلك الظروف وأشد المواقف حينما يُخْتَبَرُ إيمان الأنبياء وأصحابهم، هاهم قوم موسى يقولون لموسى: (إنا لمدركون فقال كلا إن معي ربي سيهدين). وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه في الغار، فإذا بصاحبه يخاف، فيقول له النبي: (لا تحزن إن الله معنا) (كلا إن معي ربي سيهدين) وهكذا (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).

والعجيب فعلا حينما ننظر في كتاب الله - وهي دعوة مني في أن ننظر في كتاب الله في آيات المعية التي أراد الله في أن نكون معه ويكون معنا - لم تَرِدْ إلا في حالاتٍ صعبة، وردت في القرآن الكريم معية الله لنا، في مقام التحذير من الفشل، التحذير من الاستسلام، التحذير من التخاذل، التحذير من التراجع، التحذير من الخنوع للعدو والخوف منه: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة...) استعينوا على حربكم وعلى صمودكم، وعلى الحرب والحصار الذي حل بكم بالصبر والصلاة (إن الله مع الصابرين).

(فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه....) طالوت عبدُالله الذي اختاره واصطفاه بعدما اختبر قومَه بالنهر فشربوا منه إلا قليلا جاوزه هو والذين آمنوا معه.

ومع ذلك رَغم وصف القرآن لهم بالإيمان، ومع ذلك قالوا: (لا طاقة لنا بجالوت وجنوده...)، لكن هنالك فئة قليلة تستشعر معية الله، تثق بصحبة الله، تأنس برفقة الله، (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا)، لا تختلفوا لا تتباعدوا، لا يلعبنَّ بكم الشيطان والمنافقون والمرجفون والمرتزقة والمتآمرون، أطيعوا الله برص صفوفكم، أطيعوا الله بالاستجابة لقيادتكم، أطيعوا الله بالتوجُّه إلى جبهاتكم، (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، لكن (وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

تأتي بعد معية الله سبحانه وتعالى في الأهمية معيةُ مَنْ أمر الله أن نكون معه، أن نرافِقَهم، أن نأنسَ بهم ونرافِقَهم، من حثَّنا أن نكون في ركابهم، وفي مقدمة هؤلاء وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله عليهم، وبذلك قال الله لنا مرغِّبا وحاثًّا: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً).

جاء ثوبان، عبدٌ خادمٌ، مولىً من موالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء يبكي، وهو رسول الله الذي قال عنه أنس: خدمته عشر سنوات ما قال لي يا فتى لم صنعت كذا؟! ولا يا فتى لم لم تصنع كذا؟ يتعجَّب النبيُّ: (أتبكي يا ثوبان؟) وما الذي يبكيك؟ وأنت في بيتِ مَنْ أرسله الله رحمة للعالمين، قال: "يا رسول الله تذكرت المحشر، تذكرت الساعة، تذكرت القيامة، فإذا بالناس وفودٌ على ربهم، يميِّز اللهُ ذلك اليوم بين الخبيث والطيب، فإن ذهبوا إلى النار وكنت معهم فذلك الحزن الأبدي، لأني لا أراك أبدا، وإن كنت من أهل الجنة فأين مقامي من مقامك؟ علام تبكي يا ثوبان؟ أبكي على فراقك، فأنا لا أصبر على فراقك لحظة ما يا رسول الله، فينزل قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم)، ثم أمسك النبي بيده وربَّت على صدرِه، وقال : (يا ثوبان لا تخَفْ، يُحْشَرُ المرءُ معَ مَنْ أحبَّ).

دلَّنا حبيبُنا صلى الله عليه وعلى آله على أمورٍ وخطواتٍ تجعلنا مؤهَّلين لأن نكون معه وبجواره، أمورٌ كثيرة، ليس المقام هنا مواتيا لذكرها، ومن تلك الأمور، (أنا وكافل اليتيم كهاتين) - ورفع إصبعيه معا -.

حتى لا أطيل عليكم يأتي في مقام النبوة في المعية، مقامُ أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأنت وأنا كلُّنا نعلم بأن (علي مع القرآن، والقرآن مع علي)، (علي مع الحق والحق مع علي)، ومعنى أن نكون مع علي أن نكون مع القرآن، معنى أن نكون مع عليٍّ أن نكون مع الحق، ندور معه حيث دار، ولسائلٍ أن يتساءل، ومن حقه أن يتساءل: وهل في الإمكان أن نكونَ في هذا المكان، في هذا اليوم، في هذا الزمان مع علي؟ ما هي الخطواتُ التي تؤهِّلنا لأن نكون مع علي؟ لن أجيبكم أنا.

ما رأيكم أن نستمِع إلى عليٍّ نفسه؟ وهو يحدِّثنا عن كيفية أن نكون معه، بعد الانتصار المبين في الجمَل، بعد أن أظفرَ الله أمير المؤمنين عليا في الجمل، وبدأ أصحابُه يفرحون، جاء إليه رجل من أصحابه، قال له يا أمير المؤمنين: وددت – رجوت - لو أن أخي كان معنا اليوم ليشهد معنا هذا النصر.

فأجاب أمير المؤمنين: (يا هذا أهوى أخيك معنا؟). أمحبة أخيك لنا، أرغبة أخيك لنا؟ قال: بلى والله يا أمير المؤمنين، قال: (فبشِّرْه فو الله لقد شهدنا أخوك في يومنا هذا). لم يقُلْ هذا فحسب، بل قال: (ووالله لقد شهدنا في يومنا هذا - يومَ الجمل - أناسٌ رجالٌ ما زالوا في أرحام أمهاتهم وأصلاب آبائهم، سيرعُفُ بهم الزمان، ويقوى بهم الإيمان).

إذن تستطيعون أن تكونوا مع علي؛ ولهذا ومن أجل هذا أردت واستحسَنْتُ أن أكون أنا وأنتم في هذا اليوم في يومنا هذا وفي مسجدنا هذا أن نكون جميعا مع الإمام زيد، ومن حقكم أن تستفسِروا وتتساءلوا ولما ذا مع الإمام زيدٍ بالذات؟!.

تعالوا بنا لنرى، لنشاهد، لنسمع .. لماذا ينبغي أن نكون مع الإمام زيد؟. مع الإمام زيد لأن الله I أرادنا أن نكون معه، ألم يقل الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ).

عجيب وأين اسم زيد في الآية؟! أين صفته في الآية؛ يقول الإمام زيد بن علي عن نفسه: (واللهِ ما كذَبْتُ كذبة منذ عرفت يميني من شمالي). فالكذِب والكذَّاب لم ولن يكون زيديا، ولا يكون مع الإمام زيد في أي زمان ولا في أي مكان، مع الإمام زيد؛ لأن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أرادنا في أن نكون معه أيضا.

أو لسنا مؤمنين؟ أو لسنا نطمع في الحق؟ وأن نسير مع الحق وأن نكون في ركاب الحق؟ يقول نبيكم وحبيبكم وقدوتكم صلى الله عليه وآله وسلم: (يُقْتَل من ولدي رجلٌ، يقال له زيد بموضِع يُعْرَف بالكناسة، يدعو إلى الحق، ويتبعُه كلُّ مؤمن).

مع الإمام زيد؛ لأن الإمام زيدا أيضا أراد أن نكون أيضا معه؛ لأنه واثق من منهجه، واثقٌ من طريقه، واثقٌ من سبيله، وهو كجدِّه حريصٌ عليكم؛ لذلك أرادنا جميعا أن نكون جميعا معه.

يقول الإمام زيد : (واللهِ لا ينصرُني أحدٌ إلا كان في الرفيقِ الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أعينوني على أنباط أهل الشام، فو الله لا ينصرُني أحدٌ عليهم إلا رجوتُ أن يجيءَ يوم القيامة آمِنا مطمئنًّا، حتى يجاوِزَ الصراطَ، ويدخُلَ الجنة معي).

مع الإمام زيد؛ لنتعلمَ منه ونستفيد منه التعبدَ الصادقَ، لا الدينُ المشوَّه، ولا التعبدُ السطحي السلبي الذي يُبْعِدُنا ويُعجِّزُنا.

نتعلم التدين المحمدي والعبادة العلوية لا التدين الأموي، والعبادة السعودية النجدية، يقول الإمام زيد: (يا أبا مُرة .. والذي يعلم ما تحت وريدِ زيدِ بن علي: إن زيدَ بنَ علي لم ينتهِك لله مُحَرّما، منذ عرَفَ يمينَه من شماله).

مع الإمام زيد، ومعنى أن نكون مع الإمامِ زيد أن نفنى، أن نتلاشى، أن نذوب، أن نضحي بكلِّ شيء في سبيل صلاحِ وإصلاحِ أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكما كان جدُّه الحسين يقولها مزلزِلةً: (ما خرجت أشِرًا ولا بطِرا، وإنما خرجْتُ لإصلاح أمة جدي)، ها هو حفيده الإمام زيد يقول: (والله لودِدت أن يدي ملصقة بالثريا فأقع منها فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله يصلحَ بذلك أمة جدي محمد ).

يتمنى الفناء لأجل صلاحنا وإصلاح شأننا، يتمنَّى الفناء من أجل نهضة أمة جده، وهكذا ينبغي أن يكون شعارُ ومنهجُ كلِّ من ينتمي إلى الإمام زيد.

مع الإمام زيد .. معناه الثبات، معناه الصمود، معناه عدم الجبن والخوف.

زيدٌ كان واثقا بربه، مطمئنا إلى المنهج الذي كان عليه، متيقِّنا من صوابية خروجه وجهادِه؛ ولذلك لم يعرِفِ الخوفَ، ولا وَجَد الخوفُ ولا الجبنُ إلى قلب زيدٍ وفؤاده سبيلا أبدا؛ قال سعيدُ بن خثيم: كنا في دار ومنزل شبيب بنِ غرقد، نحن والإمام زيد بن علي، وثلة من المؤمنين، فسمعْنا وقْعَ حوافرِ خيلِ يوسفَ بن عمر والي الكوفة الأموي، فخِفنا، فوالله ما واحدٌ منا إلا خاف وارتعدت فرائصه، ظنا منا أنها الخيل، وأنهم سيأخذوننا إلى السجن، وواللهِ ما رأيتُ رجلا أربطَ جأشا، ولا أشدَّ بأسا، ولا أقوى نفسا من زيد بن علي، ووالله ما قطَع حديثَه، ولا تغيَّر وجهُه، ولا حلَّ حبوتَه، فلما مضَتِ الخيلُ وذهبَت، وأتينا نفرِّجُ عن أنفسنا، ونحمد الله على سلامتنا، أقبل علينا الإمام زيد بن علي بوجهه، التفت إلينا وقال : (يخاف أحدُكم الشيئ، يُرعِبُ أحدَكم الشيءُ أن يحل به) - يامن تنتمي إلى زيد، اسمع مقالة إمامك – (واللهِ ما خرجْتُ لغرض الدنيا ولا لجمعِ المال)، يقول: واللهِ ما خرجْتُ لغرضِ الدنيا ولا لجمع المال، يامن تستهويهم المناصب، وتُفتنهم الأموال، وتُغْوِيهم وتفسدهم الدنيا، حتما لستُم بأتباع للإمام زيد، قطعا لم ولن يكون لكم مع الإمام زيد نصيب، ولا معية ولا رفقة، (والله ما خرجْتُ لغرضِ الدنيا ولا لجمعِ المال، ولكني خرجْتُ ابتغاء وجه الله وتقربا إليه، وإذن فمن كان الله همته، ومن الله طريقته، فما يخيفه شيء إذن نزل به).

مع الإمامِ زيد لنكونَ مع القرآن، ويكونَ القرآنُ معنا، ولكن قرآنية زيدٍ مُكْلِفة، لها مذاقٌ وطعمٌ خاص، ترجمة خاصة، بعيدة كل البعد عن واقعِ قرآنيتنا، فقد كان زيدٌ حليفَ القرآنِ، جاورَ القرآنَ ثلاثة عشر عاما كما تعلمون، كان نتيجة ذلك مقولته الشهيرة، كلماته الشديدة التي ينبغي أن نفتح لها مسامع آذاننا، وتصغي إليها قلوبنا، وتترجمُها أعمالنا، يقول زيد بعد أن جلس مع القرآن ثلاث عشر سنة، كان القرآن قاصرا للمرضى، للأبقار، وللبهائم، لا يحرِّك فينا ساكنا، طوال أربعين خمسين سنة، لكن الإمام زيد جلس مع القرآن ثلاثة عشر سنة، وقال فيها مقولة، طالما قد نسيناها، قال: (أأسكت وقد خولِف كتابُ الله)، كتاب الله هذا القرآن الذي يملأ المساجد، يملأ البيوت، حوَّل زيدا وجعله فاعلا، (أأسكت وقد خولف كتاب الله، والله ما يدعُني كتابُ الله أن أسكت).

فإذا كان كتاب الله الذي يقرأه زيد، لم يترك له مجالا للسكوت، فلماذا جعلَنا قرآنُنا نسكت، فمن يريدون معية زيد، من ينتسبون لزيد، من ينتمون إلى الإمام زيد؟ فلماذا ولماذا ولماذا لم يُحْدِث القرآنُ فيهم شيئا؟ لماذا لم يحرِّكْهم كما حرَّك إمامهم؟ لماذا لما يُقِمْهم من سُباتهم كما أقام إمامَهم؟ أم أن قرآنَ زيدٍ غيرُ قرآننا؟ ومصحف زيد غير مصاحفنا؟ ألا نخجل ونحن ندعي الانتماء إلى الإمام زيد صباحَ مساءَ؟ نحن نقرأ القرآن، ونقرأ سيرة زيد ألا ننظر إلى نفوسنا بخجل؟ جالسون؟ ساكتون سلبيون ليس لنا أثر؟ ليس لنا أثر في إحداثِ تغيير أو إنهاض أمة؟

مع الإمام زيد لنكون سباقين كما كان إمامنا سباقا، كان إمامنا سباقا في العلم والعمل، كان سباقا في العلم، نبراسا في المعرفة، قويا في الحجة، يا أتباع زيد يقول إمامكم: (واللهِ ما خرجْتُ ولا قمتُ بهذا الأمر حتى علمْتُ علمَ أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم جدي علي بن أبي طالب، وعلم أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان إماما في العلم، إماما في المعرفة، لكن ليس ذلك له بمكانٍ يقبَع فيه، أتدرون ما معنى ذلك؟!

يا فقهاءنا يا علماءنا يا مشايخَنا .. ما خرج إمامُنا حتى كان إمامَ زمانه، وشيخَ عصره، زيد بن علي يقول لنا بأن ما أخرجه فعلا، ما جعله يجاهدُ هي علومُ آل محمد، هي علومُ القرآن، والتي أردنا كفقهاء أن نجعلَها سَلبية، مُقْعِدة لأمة، لا تنهَضُ بهم ولا تحرِّكهم، إن كلَّ علمٍ لا يحرِّكُك ، كلُّ فقهٍ لا يؤثِّر فيك، كل كتاب لا يجعلك سباقا إلى ميادين الجهاد والعمل، فتأكَّدْ وثِقْ أنه ليس له إلى زيد صلة، ولا إلى زيد نسب، لم نعرف في التاريخ أن أحدا سبق زيدا في تفسيرِ كتاب الله، وعليكم بتفسير غريب القرآن، لم يعرِفِ التاريخُ أن أحدا سبَق إلى جمع سنة رسول الله و (مُسْنَدُه) بينكم موجودٌ ماثلا.

لم يعرِفِ التاريخُ أن شابا خرج مِثْلَ آبائه في مواجهة الباطل وكسر شوكة الباطل، ذلك هو إمامكم زيد بن علي بن الحسين بن علي.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكافة المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، (بسم الله الرحمن الرحيم

والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

الخطبة الثانية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .. أما بعد:

ما زلْتُ أيها الإخوة معكم، أو ما زلنا جميعا مع الإمام زيد؛ لنتعلَّم منه كمالَ الدين، وتمامَ التديُّن، فمهما تعبَّدنا ففي تعبُّدِنا نقصان، مهما تطوَّعنا ومهما قمنا، ومهما سبَّحنا، ومهما صلَّينا وزكَّينا وعمِلْنا .. لا يكمُلُ الدينُ، لا يتمُّ الإيمانُ، لا يزكو العملُ إلا بشيء واحد وضَّحه لنا إمامُنا زيدٌ u، واحدٌ فقط لن تعرفه، لن تفهمه، لن تُدْرِكَه، إلا إن كنتَ مع زيدٍ وبرفقة وصحبة زيد u، (الحمدُ لله الذي أكمل لي ديني)، حينما خفقت رايات الجهاد أدرَكَ أنه قد أكمل دينه، ضحك علينا الناس، من تزوَّج فقد أكمَلَ دينَه، من جلَسَ في بيته فقد أكمَل دينَه، لكنَّ منهجَ زيدٍ يختلِفُ عن تلك المناهج العاطفية، العاطلة، (الحمدُلله الذي أكملَ لي ديني، فو الله إني لأستحي من جدي رسول الله أن أرُدَّ عليه ولم آمُرْ بمعروف ولم أنهَ عن منكر)، زيدُ بن علي خجل من رسول الله ونحن لا نخجل؟ زيد بن علي يتقطع حياء من رسول الله ونحن لا نبالي ولا نستحي؟

فقط أقولها فقط، من يستحيون من رسول الله، فقط من هم على منهج رسول الله، من هم على منهاج زيد بن علي من هم الآن في الجبهات، من هم في الجهاد من هاجروا إلى الله، من يدْعَمون الجبهات بكلِّ ما أوتوا وما يملكون، إنها المكان الوحيد الذي تستطيعون أن تجدوا الإمام زيد ابن علي فيه، الجبهات هي المكان الوحيد الذي تستطيعون فيها أن تعيشوا مع الحسين بن علي، الجبهات هي المكان الوحيد الذي أستطيع أن أُقْسِمَ صادقا أنكم سوف تلاقونَ فيها أميرَ المؤمنين عليا؛ لأنها أماكنهم، وبيوتهم، ومواطنهم، ليسوا بين المتخاذلين ولن يكونوا بينهم في وضعٍ كهذا، ما دام وهنالك طاغوت وطاغية، وما دام وهنالك أمريكا وسعودية.

مع الإمام زيد لنواجِهَ الباطل، لنكسِرَ شوكة المعتدي؛ لندحَرَ الغازيَ؛ يقول الإمامُ زيدٌ عليه السلام، لمن يريدون أن يكونوا معه، لمن يتمنون مرافقته، ادَّعينا سنوات معية زيد، وهو في جهة ونحن في أخرى، هو فوق ونحن أسفل، هو في وادٍ ونحن في وادٍ، فمن أراد مرافقتَه فليستمِع، مَنْ يريدون الانتساب إليه والانتماء إليه فقد قالها في وجه الباطل: (إتق الله يا هشام)، فيغضب هشام، ومن هشام؟ رمزٌ لكل طاغية أمريكي، من هشامٌ؟ عنوانٌ لكلِّ عدوانٍ عربي غربيٍّ أمريكيٍّ صهيونيٍّ، من هشام؟ شعارٌ لكل ظالم سعودي نجدي، يقول هشام: أو مثلُك يأمرُ مثلي بتقوى الله يا زيد؟ (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ)، تهجَّم هشامٌ على الإمام زيد تماما كتهجُّم السعودية على اليمن، سخِر هشام من زيد مثلما سخر العسيري من قدراتنا وقوتنا، طَرَدَ هشامٌ زيدا من مجلسه تماما كما حاولوا طرْدَنا من بيوتنا وأماكنِنا وبلادِنا ومقامِنا، وأرادُوا أن يسلُبُونا حياتَنا، ما هو الموقفُ إذن كيف العمل؟ كونوا مع زيدٍ وسيدلُّكم على الموقف الذي تريدون أن تكونوه، وتريدون اتخاذَه، قالها زيد في مجلسِ هشام، وقولوها أنتم اليوم؛ لأننا إذا لم نقلها اليوم فلن يأتيَ زمانٌ لنقولَها بعدُ، (إذن والله يا هشام لا تجدني إلا حيث تكره، والله لو لم أكن إلا أنا وابني يحيى لخرجْتُ عليك وجاهدْتُك).

مع الإمامِ زيد لن تكون ذليلا؛ فما كرِه قومٌ قطُّ حرَّ السيوف إلا ذلُّوا، مَنْ كان يريد مرافقة زيد، فسيقولها كما قالها زيد، سيفعلونها كما فعلها زيد: لن تجِدَنا يا نظامُ سعوديُّ، لن تجدينا يا أمريكا إلا حيث تكرهون، ولو لم نملِك إلا أرواحَنا وأبناءَنا ونساءَنا وفلذات أكبادنا، لجاهدناكم ولقاتلناكم.

مع الإمام زيد؛ لنقتدِيَ به سلام الله عليه في البذل والعطاء، في الكرم والسخاء، لنتكاتف ونتراحم ونتعاطف ويشفقَ بعضُنا على بعض.

اتُّهِم إمامُكم زيدٌ بأنه بخيلٌ لا يزكِّي بماله، لا يعلمون كم يعُولُ زيدٌ من الأُسَر؟ لا يعلمون كم يكفَلُ زيدٌ من الأيتام، لا يعلمون كم يواسي زيد من الفقراء، لا يعلمون كم يعطِف زيدٌ على محتاجين، فيجيبهم قائلا:

يقولون زيدٌ لا يزكِّي بماله..... وكيف يزكي المالَ من هو باذله

إذا حال حولٌ لم يكن في ديارنا..... من المال إلا رسمه وفضائله

أن تكون مع زيدٍ شخصا، أن تكون مع زيدٍ فكرا، أن تكون مع زيدٍ علما، أن تكون مع زيدٍ جهادا، فأنت على بصيرةٍ ونورٍ وهدىً من ربك، ولسْتَ على شك أبدا.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، عموما بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

اللهم فصلِّ وسلِّم وبارِك وترحَّم وتحنَّن على أبي الطيب والطاهر والقاسم، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه، ليث الكتائب، أشجع طاعن وضارب، مولانا أميرِ المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى زوجته الحوراء، فِلذة كبِدِ المصطفى، سيدة نساء الدنيا والأخرى، فاطمة البتول الزهراء، وصلِّ وسلِّم على آل رسول الله أجمعين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المطهرين، وعلى شبابنا في الجبهات أجمعين، وارض اللهم عن صحابته الراشدين وعن أزواجه أمهات المؤمنين.

اللهم انصرِ الحقَّ وأهلَه، واخذُلِ الباطلَ وحِزْبَه، اللهم انصر مجاهدينا في الجبهات نصرا عزيزا، اللهم افتَحْ لهم فتحا مبينا، اللهم اهدِهم إليك صراطا مستقيما، اللهم كثِّر عددَهم، وقوِّ عدتهم، واشحذْ أسلحتَهم، وواتِرْ بين مِيَرِهم، واحفظْهم من فوقهم ومن تحتهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن بين أيديهم ومن خلفهم، اللهم رُدَّهم إلينا سالمين غانمين، ناصِرين منصُورين، ظافِرين مؤيَّدين، لا فاقدين ولا مفقودين يا رب العالمين.

اللهم وأهلِكْ أعداءَنا وفرِّقْ بين قلوبِهم، وأذهِبِ الطمأنينةَ من بينهم، اللهم أفضل مكرهم، اللهم أذهِبْ مُلْكَهم، وحطِّمْ أركانَهم، وزلزِلْ عروشَهم، وانصُرْنا عليهم نصرا عزيزا يا رب العالمين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

أن تكون مع الإمام زيد، فهو أن تصرخ بالشعار ضد أعداء الله دون مواربة ولا مجاملة، فالإمام زيد بن علي عليه السلام قال: (والله لا تجدني إلا حيث تكره).

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

ملف: 
القسم: 
دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024