اليمن والتشيع في صدر الإسلام

اليمن والتشيع في صدر الإسلام

أ/ حمود عبدالله الأهنومي

يعتقد البعض أن ظهور الإمام الهادي يحيى بن الحسين في اليمن وتأسيسه دولة استمرت لأكثر من ألف سنة جاء نتيجة الحظ والصدفة، وأنه أول من نشر المذهب الزيدي والتشيع في اليمن، ويبالغ بعضهم في إنكار أي تشيع في اليمن قبل مجيئه، وينكر أي صلة لليمن بفكرة التشيع والاعتقاد بكون اليمن مغلقة على المذهب السني، ويستغل البعض الحركة النشطة للحديث في القرنين الأول والثاني ليصنفها في إطار الحركة الفكرية السنية، مع أن تلك الفترة (ما قبل الهادي) يصعب تصنيفها بصورة قاطعة ليس في اليمن بل في بلدان كثيرة؛ حيث كانت الأفكار والنظريات المذهبية لا زالت قيد البحث والحوار والتدافع، غير أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن اليمن كانت تذهب باتجاه التشيع منذ وقت مبكر، وأن الإمام الهادي استطاع إظهار الوجهة اليمنية بما أوتي من قدرات قيادية وحركية وفكرية، وفي هذه المقالة استعراض واسع لنقض ما يقوله أولئك البعض، وإثبات ما نرجِّحه من أن التشيع في اليمن ضارب بجذوره منذ أول الإسلام ونمى إلى حدِّ ظهوره كنظام حاكم في اليمن.

ونقصد بالتشيع هو في أقل مستوياته محبة علي عليه السلام المحبة الخاصة، والتي تعني نشر فضائله والاهتمام بها أكثر من سواه، واتباعه، وتفضيله، ولا نقصد بالمذهب السني كثيرا من المحدثين وأتباع المذاهب الأربعة فهناك كثير من المحدثين وأتباع المذاهب الأربعة؛ فهؤلاء كانوا شيعة، ومنهم على سبيل المثال الحاكم صاحب المستدرك، والنسائي صاحب السنن، وكثيرون، وصموا بالتشيع، بل نقصد بالمذهب السني أولئك الذين تشرّبوا حب الأمويين ففهم يتظاهرون بحب معاوية مثلا وحب علي في آن واحد.

بداية يمكن القول إن علاقة تاريخية قوية ومتأصلة وضاربة في التاريخ ربطت اليمن بالحجاز، بحكم الجوار، والقرب الجغرافي، هذا من غير علاقة الفروع بالأصل حيث ترجِّحُ كثير من البحوث التاريخية المعاصرة أنه إلى اليمن تعود أصول الشعوب في الحجاز وبلاد الشام وبلاد الرافدين وشمال أفريقيا؛ وفي مكة يذكر الأخباريون أنه كان هناك جرهم الأولى التي تعتبر من العرب البائدة، والتي قضى عليها القحطانيون، وهو أمر يشير إلى قوة تأثير اليمن في هذه المنطقة القريبة من الحجاز[1].

وُجِد العماليق في مكة، وينسبهم الأخباريون إلى لاوذ بن سام، وتذكر المصادر اليهودية عنهم أحداثا تشير إلى استحكام العداء بين اليهود والعماليق، لكن الرواية تقول: إن جرهم القحطانية وهم جرهم بن عامر قدمت إلى مكة فتغلبت على العماليق بعد حين وقضت عليهم نهائيا[2]، ولما أسكن خليلُ الله إبراهيمُ عليه السلام زوجَه هاجر وابنه إسماعيل بمكة الوادي غير ذي الزرع، وأخرج الله ماء زمزم، تزوّج فيهم إسماعيل عليه السلام، وأنجب أولادا كثيرين، افترقوا وبقي منهم قوم آلت أمور مكة إليهم في وسط القرن الثاني الميلادي بعد أن كانت في يد أخوالهم الجرهميين اليمانيين الذين أساؤوا التصرف في شؤون البيت الحرام.

هذه الخؤولة كانت أول لقاء حميمي بين الجرهميين اليمانيين وبين أولاد إسماعيل عليه السلام، والتي سيكون لها أثر في تدعيم العلاقات التاريخية بين الفريقين لاحقا، بإتباعها بمزيد من التقارب والتآصر الاجتماعي.

لقد تحوّلت منطقة الحجاز وتحديدا مكة بوضع أول بيت فيها لله مباركا وهدى للعالمين، الذي أُمِر إبراهيم عليه السلام بأن يؤذِّن للناس بالحج إليه من كل فج عميق، ولا شك أن اليمن سيكون لها حظ كبير في هذا الحج، وكانت مع ذلك لا تزال تشكِّل المصدر الأهم للهجرات نحو الشمال، حيث لما انفرط عِقْدُ الدولة السبئية وتفرّقت أياديهم، وتخرّب سد مأرب، هاجر الحيان الأوس والخزرج اليمانيون إلى يثرب (المدينة المنورة) وقطنوها، وسادت علاقة طيبة بين العدنانيين أولاد إسماعيل وبين اليمانيين أهل يثرب، ونتيجة لذلك وبعد زمن تزوّج سيد بطحاء مكة كلابُ بن مرة فاطمةَ بنت عوف بن سعد الأزدية[3]، والأزد من القبائل اليمنية التي هاجرت شمالا بعد انهيار الدولة المركزية في اليمن، وبعضهم قطن منطقة عُمَان والسراة شمال اليمن، ثم تزوج هاشم بن عبدمناف بالعقيلة اليمانية سلمى بنت عمرو، من بني النجار، من الخزرج، من أهل المدينة[4]، ثم تزوّج عبدالمطلب بنجارية أخرى وهي فاطمة بنت عمرو بن عامر من بني النجار، ولدت له عبدالله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم[5].

وبهذا يتبين عمق الأواصر الاجتماعية التي ربطت بعض أحياء اليمانيين بسلسلة النسب الطاهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أثمرت هذه العلاقة القريبة أوضاعا إيجابية لأهل مكة، فقد كان عبدالمطلب يزور اليمن بين الحين والآخر، وإذا وردها نزل على عظيم من عظماء حمير، وأخذ من ملوك اليمن لقومه إيلافا بالاتجار مع اليمن، فكانت قريش تنظم عيرا تجارية إلى اليمن سنويا، وهي المنة التي امتنّ الله بها على قريش حيث (آمنهم من جوع وآمنهم من خوف)، فلا يعترض قوافلهم التجارية أحدٌ، بل لعمق العلاقة وعظيم المحبة تأثّر عبدالمطلب حتى في الشكل ببعض أقيال اليمن حيث صبغ شعره بالسواد مثلهم، فما لبث أن سرت هذه الموضة في أهل مكة فصاروا يخضبون بالسواد جميعا[6].

وللعلاقة المتأصلة ذهب عبدالمطلب على رأس وفد إلى اليمن لتهنئة القائد سيف بن ذي يزن في مناسبة انتصار اليمنيين وطرد الأحباش المحتلين، وقد بالغ الملك سيف مبالغة عظيمة في احترام عبدالمطلب وصحبه، وأكرم نُزُلَهم ووفادتهم، لا سيما حين عرف أنه ابن أختهم سلمى النجارية[7]، وهكذا يتضح أن العلاقة الطيبة بين البيت الهاشمي العدناني واليمنيين هي التي كُتِبَ لها الاستمرار ربما لقرون مضت، حتى أشرقت شمس الإسلام، حيث ظهرت بمحيا سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كما سلف ينحدر من جدات قحطانيات، ضمن جداته في سلسلة نسبه الشريف.

لقد كانت اليمن أهم البلدان التي فكّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسل الدعاة لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهناك حالات كثيرة أسلم فيها أفراد يمنيون منذ وقت مبكر، أي من قبل فتح مكة، ويترجح أن باذان الفارسي حاكم صنعاء أسلم في السنة السابعة من الهجرة إثر كتبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملوك العالم، ولما دخلت مكة في الإسلام في السنة الثامنة الهجرية كان ذلك بمثابة انتشاره كالنار في الهشيم؛ لِمَا كانت تمثله مكة من زعامة روحية، ولِمَا كانت تمثِّلُه قريش من أداة تخذيل وصدٍّ عن الدعوة الإسلامية.

من المعروف أن اليمن وقتذاك كانت منفرِطةَ العِقد، لا تجمعها حكومة واحدة، وكل قبيلة لها قَيْلُها، الذي يُدْعَى في كثير من الأحيان بـ(الملك)، وحتى تلك القبائل الكبرى كهمدان[8] ومذحج[9] وكندة[10] وحمير[11] والأشاعرة[12] وقبائل السراة[13] وقضاعة[14] كانت شذر مذر؛ ولهذا نجد أن القبيلة الواحدة تكررت فيها سرايا رسول الله، وجاءته صلى الله عليه وآله وسلم منها وفود مختلفة في عام الوفود والتي تمثل في بعض الأحيان أفخاذا من القبيلة الواحدة.

يبدو أن أبناء الفرس في صنعاء حيث لم يكن تحت أيديهم سوى صنعاء وعدن فقط أحسوا بالخطر عشية ظهور الإسلام، فتحالفوا مع قبيلة همدان، ووقعوا وثيقة تحالف وتناصر معها في الرحبة من ضواحي صنعاء[15]، وكانت لهم علاقات حسنة بحمير، بينما كانوا على علاقة عداء مع بعض أفخاذ قبيلة مذحِج[16].

بدأت طلائع القبائل اليمنية تتوافد على المدينة، وقد أسلم كثير من زعماء حمير، وبعثوا برسالة مع مالك بن مرارة الرهاوي، وأجاب عليهم رسول الله وولاهم على بلدانهم، ومنهم أبو زرعة بن سيف بن ذي يزن وغيره، ثم أرسل إلى ملوك حمير ولاة ومعلمين تحت قيادة معاذ بن جبل وكان ذلك بعد السنة التاسعة، وجعله معلِّما لولاية الجند، التي تتبع (حمير) وعلى تماسٍّ بحدود كندة شرقا، التي تتداخل مع حمير.

تذكر بعض الروايات أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصل إلى اليمن أربع مرات؛ ثلاثٌ على عهد رسول الله، وواحدة في عهد أبي بكر[17]، لكنه يصعب افتراض تاريخ خروجه في هذه الثلاث المرات، وإن ورد في طبقات ابن سعد[18] أن له سريتين إلى اليمن، وإحداها في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة، بينما بقيت الأخريات من دون تاريخ، ومع ذلك لا يمكن أخذ الأمر على علاته.

لقد ثبت بصورة قاطعة أن عليا عليه السلام كان مع رسول الله في فتح مكة، ثم في حنين في السنة الثامنة، من شهر رمضان حتى آخر السنة، وفي السنة التاسعة في شهر ربيع الأول أرسله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طيء لهدم صنم (الفلس)، وفي رجب من نفس السنة تركه صلى الله عليه وآله وسلم على المدينة حين خرج إلى تبوك، وفي آخر السنة في الحج بعثه لإعلان البراءة من المشركين، أي أن هناك فارقا من الوقت وهو ما بين شهر رجب وآخر ذي القعدة وشهر ذي الحجة، وفي السنة التي تلتها يذكر ابن سعد في الطبقات أنه في السنة العاشرة خرج إلى اليمن، ثم يُجْمِع المؤرخون والفقهاء أنه بقي في اليمن حتى أيام موسم الحج وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بموافاته في مكة، وبحسب ابن سعد فإنه عليه السلام إذا كان قد خرج في رمضان فإنه سيحتاج أكثر من 30 يوما للوصول إلى اليمن، أي لن يصل إلا في شوال، ولن يمكنه أن يوافي رسول الله في الموسم إلا قبل يوم عرفة بحوالي أكثر من 20 يوما على الأقل، أي أنه قد ترك اليمن في 20 ذي القعدة، وبهذا تكون مدة بقائه في اليمن قليلة جدا، لا تتناسب والدور التاريخي الذي أوكل إليه عليه السلام.

 لقد جاء في الرواية أنه بعث  قاضيا[19]، وأميرا[20]، وأنه دعا همدان إلى الإسلام وأسلمت في يوم واحد[21]، وأنه جاء نفر من أهل اليمن وطلبوا أن يرسل معهم من يفقههم في الدين، ويعلمهم السنن، ويحكم فيهم بالكتاب، فبعثه معهم[22]، وأنه دخل صنعاء ونزل على أم سعيد بنت برزج زوجة داذويه الفارسي ومكث أربعين يوما فيها، وفصل في مسائل قضائية، وأرسل إلى رسول الله بعضا مما غنمه، وأرسل إليه أيضا تقريره عن إسلام همدان في يوم واحد، وكان يخطب في الناس، ويصف لهم رسول الله حتى أنه كما سيأتي أقنع يهوديا بالإسلام، فمكث لديه يعلمه الكتاب والآثار، ... إلى آخر الأحداث الثابتة التي لا يمكن أن يفي هذا الزمن المفترض لها.

يجب إذن أن نرتب الأحداث التاريخية غير المؤرخة بحسب سياقها الموضوعي؛ فمثلا ليس معقولا أن يذهب الإمام علي قاضيا بين الناس وهم لا يزالون في الكفر.

ولهذا يترجح لدينا أنه خرج عدة خرجات إلى اليمن، وهو كما قلنا يحمل مهمة مزدوجة عسكرية ودعوية وإرشادية وقضائية، وتذكر رواية الجندي أن له أربع خرجات إلى اليمن، إحداها في أيام أبي بكر[23]، ولكن ما يمكن التحقق منه أنه من الطبيعي أن لا يكون له أي تحرك نحو اليمن إلا بعد فتح مكة؛ لوقوعها جنوبا من المدينة على طريق اليمن، ومن ثم كانت تشكِّل سورا مانعا للمسلمين من التقدم نحو اليمن، وربما كانت رواية طبقات ابن سعد هي الأقرب من كونه له سريتان إلى اليمن، وإن أخطأ في توقيت الأخيرة بأنه في رمضان.

يبدو إذن أن السرية الأولى كانت في السنة التاسعة ما بين شهر رجب منقلب رسول الله من تبوك، وآخر شهر ذي القعدة التي أمَرَ فيه عليا بتبليغ (براءة)، وكانت موجهة ضد بعض قبائل (مذحج) والتي منها قبيلة (زُبَيْد)[24] قبيلة الفارس المشهور عمرو بن معدي كرب، ورافقه قائد آخر وهو خالد بن سعيد بن العاص على رأس سرية أخرى متوجهة أيضا إلى (قبيلة) مذحج، وأمِر أنه إذا التقى عليا فعلي هو الأمير، وحدث أن حاول فارس (زبيد) التعرض لهما، فلما دنا منهما ناداهما: أنا أبو ثور، أنا عمرو بن معد يكرب، وحَسِب أن شهرته ستهيبهما، لكنهما ابتدراه وكلاهما يُفَدِّي صاحبه بأمه وأبيه، ويقول: خلّني وإياه، فانسحب عمرو بعد أن رأى تسابقهما إليه[25]، وإذا عرفنا أن مساكن زبيد المذحجية تقع في ما يسمى الآن خولان بن عامر، فإن بعض المصادر أوردت اسم المكان الذي التقوا فيه، وهو (كشر)[26] المعروفة اليوم والتي تقع ضمن المحيط الجغرافي القريب، ويؤكّد هذا أن رسول الله ولّى خالد بن سعيد بن العاص ما بين نجران ورمع، وهي تشمل المنطقة المذكورة[27]، وهناك رواية تقول: إن عمرو بن معدي كرب لم يسلم إلا في السنة العاشرة[28]، ومع ذلك فقد أسلم عدد من زعماء مذحج مع علي في هذه السرية.

ولما أكمل مهمته عليه السلام في السنة التاسعة في الحج أُمِر - كما يترجح لي - بالتوجه بعدها إلى اليمن في بداية السنة العاشرة للهجرة، قائدا وأميرا وقاضيا ومرشدا، ومع علمنا أن هناك وفودا من همدان (حاشد وبكيل) أسلمت في السنة التاسعة للهجرة، وهناك استجابة مبكِّرة من قبل بعض أفراد قبيلة همدان للدخول في الإسلام، إلا أن الأغلب أو القبائل الأقوى لم تشأ الدخول في الإسلام، بل وعاندت القائد خالد بن الوليد ومانعته ستة أشهر، فلم يستجيبوا له، حتى إذا جاء علي عليه السلام جمعهم في مكان واحد، وقرأ عليهم كتاب رسول الله فأسلمت همدان جميعُها في يوم واحد؛ الأمر الذي جعل عليا عليه السلام يرسل تقريره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام همدان سريعا، فما كان من النبي القائد إلا أن يستجيب استجابة حسنة لهذا التقرير فيسجد سجود الشكر، ويقول: السلام على همدان ثلاثا[29]، وهي حالة فرح لم تُعْهَد ولم تعرف في حالات أخرى؛ الأمر الذي يجعل الحدث ذا أهمية بالغة في تاريخ الإسلام وتاريخ اليمنيين، ويبين أن هناك علاقة ما كانت سببا في هذه الاستجابة العجيبة، تعود لأهلية أمير المؤمنين وقدرته الباهرة في الدعوة، وحنكته في القيادة وسمعته في الأخلاق والقتال، وقربه من رسول الله، ولانتمائه إلى بيت عبدالمطلب الشخصية المعروفة في اليمن وابن الأسرة المحبوبة فيها.

لقد مكث شهورا كثيرة مكّنته لأن يقوم بالدور المفترض به والمطلوب منه، وهو تعليم الناس بأحكام الله، وإرشادهم إلى دين الله، وتعليمهم الفرائض والسنن، والقضاء بينهم، وهو الأمر الذي خاف علي عليه السلام أن لا يُوَفَّق إليه؛ لأنه سيأتي إلى قوم – على حد قوله – "هم أسن مني" كما في بعض الروايات، وفيه إشارة إلى التفوق اليمني في مجال القضاء؛ لخلفيتهم الحضارية حتى أن أمير المؤمنين هاب أن يقضي بينهم، ولهذا دعا له رسول الله بتثبيت قلبه، ونصحه أن لا يحكم للخصم حتى يسمع من الخصم الآخر[30]، ومن قضاياه التي حكم بها في اليمن قضية زبية الأسد، والتي يتضح من خلال سياقها التاريخي أنه قضاها في هذه المرة أي في السنة العاشرة؛ لأنهم استأنفوا الحكم لدى رسول الله، حيث أجاز لهم علي عليه السلام ذلك، فلقوه في مكة في حجة الوداع وأيّد صلى الله عليه وآله وسلم حكمه[31].

لقد روى عليه السلام أن يهوديا سأله في اليمن عن أوصاف رسول الله فبيَّنها له وهو على المنبر، فوجدها اليهودي مطابقة لما معه من الكتب التي تبشر به فما كان منه إلا أن أعلن إسلامه، ثم كان يأتي عليا عليه السلام فيعلمه القرآن، ويخبره بشرائع الإسلام[32].

هذا الدور الإرشادي والقضائي المتميز والأداء الجيد حربا ودعوة وقضاء بالإضافة إلى الأخلاق العظيمة التي كان عليها عند الحرب مع أعدائه، حيث كان يرد ما يأخذه الجيش من أموال أناس مسالمين، ويحفظ حرمتهم[33]، وكان يطبِّق معهم مبادئ الإسلام ومُثُله العليا في أخذ الصدقات والرفق بهم، والإحسان إليهم، أدَّى كل ذلك إلى شغف اليمنيين الذين عرفوه به، بالإضافة إلى ما كانت تربطهم بأسرته الهاشمية من علاقات قديمة.

لقد سجّلت الذاكرة الشعبية اليمنية حضورا قويا وطاغيا للإمام علي في مناطق مختلفة من اليمن، ولا زال الناس ينسبون مناطق وعيونا وآبارا وآثارا إليه، فمنها مثلا عين علي، وضربة علي[34]، وهناك المعقر في تهامة حيث اعترضه أهلها وعقروا بغلته فسمي الموضع (المعقر)، كما يروى أنه وصل عدن أبين وأنه خطب على منبرها خطبة بليغة[35]، وهي جميعا تعكس الحالة الوجدانية لأهل اليمن تجاه هذه الشخصية التي ولع الناس بها قديما وحديثا، وصارت الأنموذج المتجسد في الشجاعة والقضاء والعدالة والمساواة.

كان لليمنيين دورٌ مهم في الدعوة الإسلامية ونصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قام الأوس والخزرج القبيلتان اليمنيتان بدورٍ نكص عنه معظم القبائل في الجزيرة العربية، وقد جعل رسول الله حبَّهم إيمانا وبغضهم نفاقا، وأثبت الأنصارُ أنهم الأقربُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، ولهذا تعرضوا لكثير من الأثرة والحيف من قبل الحكام الأمويين لاحقا بسبب مواقفهم في الإسلام.

ومن المعروف أيضا أن القرآن الكريم أثنى على أهل اليمن، وهناك روايات تفسر بعضا من آيات القرآن على ذلك النحو، كما وردت أحاديث  كثيرة ومشتهرة تثني عليهم بالإيمان والحكمة، ووردت مناسبات أثنى فيها رسول الله على قبائل خاصة من أهل اليمن مثل (همدان) حيث قال فيهم: (نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر، وأصبرها على الجهد)[36]، كما أثنى ثناء خاصا على قبيلة (النخع)[37]، وهي قبيلة مذحجية يعود إليها مالك الأشتر أحد أعظم أنصار علي عليه السلام، ولعظيم ذلك الثناء تمنى الصحابي عبدالله بن مسعود راوي ذلك الثناء أنه رجل نخعي[38].

يبدو أن سمعة علي عليه السلام وأخلاقه وقيمه انتشرت في أهل اليمن؛ ولهذا كان أحد أسباب تمرد أهل حضرموت على حكومة الخليفة أبي بكر هو الاعتراض بكون علي هو الأحق بالخلافة، والتساؤل عن سبب إقصائه من الحكم[39]، وتقول بعض الروايات أن أبا بكر طلب من علي الذهاب إلى اليمن لتهدئة الأوضاع فيها[40]، وفي ذلك دلالة على اعتقاد الخليفة أبي بكر بميول اليمانيين إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

وعند لحاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى ثبتت قبيلة همدان التي أسلم كثير منها على يد علي بن أبي طالب على الإسلام، وكذلك فعلت قبيلة حمير الذين تلقوا التعليم على يد معاذ بن جبل، وشاء الله أن يتحرك اليمانيون بأهاليهم تلبية لدعاء الجهاد في جهاد الروم والفرس، وقد نزلت كتائب الجهاد بترتيب قبلي عسكري في مدن قديمة وجديدة في العراق والشام ومصر، وهي التي بني بعضها بتخطيط مهندسين يمانيين عكَس المعرفة الحضارية لليمني كالكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط وغيرها، وفي هذه المدن ترك اليمنيون صبغتهم اليمنية ومسمياتهم الأصلية وحملوها قرونا كثيرة بعد ذلك.

في الكوفة نزلت أعدادٌ كبيرة من قبائل همدان ومذحج وكندة التي لها علاقة أكثر التصاقا بالإمام علي، ولكن أيضا بجانب قبائل تعود إلى أصول نجدية وحجازية، وقد تفشّت في هذه المدن الجديدة روحُ التذمُّر من بعض الأخطاء المالية والإدارية التي وقعت في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، والتي رأوا فيها مخالفة للمبادئ التي آمنوا بها، ولهذا فقد كان العراق ومصر ضمن الثوار الناقمين على حكومة عثمان، والذين كثيرا ما نادوا وهتفوا باسم علي الذي أمّلوا فيه أن يعيد الحكم النبوي كما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ووقعت الفتنة التي انجلت عن مقتل عثمان، فدخل المسلمون فصلا جديدا من الحرب الأهلية حيث استُغِلَّ دم عثمان وقميصه من قبل معاوية للوصول إلى السلطة.

ووقعت معركة الجمل والتي تمثَّل في أحد أوجهها صراعا واضحا وبيّنا بين أولئك الذين تشرّبوا حب المبادئ الإسلامية في المساواة، وكذلك الفقراء الذين قذفت بهم سياسة توزيع المال حسب الأقدمية في الإسلام والتي اتخذها الخليفة الثاني وأقرها الثالث من جهة، وأولئك المستفيدين من هذه السياسة، ومثلوا الطبقة البرجوازية، وهم كثير من كبار الصحابة والذين رأوا في حكومة علي خطرا يتهدد مصالحهم ووضعهم الاجتماعي.

هذه المعركة اضطُرَّت عليا عليه السلام إلى ترك المدينة والبحث عن مدينة أخرى يضمن فيها الموارد والإمكانات البشرية والمادية، ولم تكن هناك مدينة مؤهلة سوى الكوفة بما فيها من قبائل يمنية وبأعداد كثيرة من قبيلتي همدان ومذحج، وهما منطقتان وصلهما علي عليه السلام إلى اليمن، وفيها كثير من أنصاره، ومن خلال الإحصاءات الآتية يتبين ولاء اليمنيين بصورة أكبر للإمام علي، حيث نجد أن:

  • 10 يمانيين من الأنصار و10 مهاجريين مضريين، وفارسيا واحدا هم البذرة الأولى لشيعة علي في الصحابة والذين أبدوا معارضتهم للخليفة الأول بصورة جهرية[41].
  • و40 نفرا يمنيا أو من أصول يمنية مقابل 17 نفرا من نزار هم أول من بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان[42].
  • المقاتلين مع علي من اليمنيين في الجمل كانوا بنسبة 37% بينما شكلت جميع القبائل العربية الأخرى نسبة 62% تقريبا، أما قادة جيش الناكثين البالغ عددهم 20 نفرا فكان منهم 75% من النزاريين، بينما فقط 25 % كانوا يمنيين[43]، وشكلت أربع فرق يمنية من أصل سبعٍ هي مجموع فرق جيش أمير المؤمنين عليه السلام[44].
  • بلغ عدد عماله عليه السلام من اليمنيين 30 نفرا، منهم 12 نفرا من الأنصار، بينما فقط بلغ عدد النزاريين 21 نفرا[45]، وهو أمر له دلالته على الخلفية الإدارية والحضارية للإنسان اليمني، كما يدل على ثقته عليه السلام بهم، ومتانة الروابط الاجتماعية التي تجمعه وإياهم.

ومن المعروف أنه عليه السلام توّج همدان الذين أبلوا معه بلاء حسنا في الجهاد والنصرة في صفين فمدحهم بتلك القصيدة التي ظلت ولا تزال تاجا على رؤوسهم حيث يقول معددا أحياء همدان ومآثرها يوم قاتلت هناك قتال الأبطال، ومؤكدا أنهم يحبون النبي ورهطه:

ولما رأيت الخيل تقرع بالقنى .... فوارسها حمر النحور دوامي

ونادى ابن هند في الكلاع ويحصب .... وكندة في لخم وحي جذام

تيممت همدان الذين هُمُ هُمُ .... إذا ناب أمرٌ جُنتي وسهامي

فناديت فيهم دعوة فأجابني .... فوارس من همدان غير لئام

فوارس ليسوا في الحروب بعزّل .... غداة الوغى من شاكر وشبام

ومن أرحب الشُم المطاعين بالقنى .... ورهم وأحياء السبيع ويام

ووادعة الأبطال يخشى مصالها .... بكل صقيل في الأكف حسام

ومن كل حيٍ قد أتتني فوارس .... كرامٌ لدى الهيجاء أي كرام

يقودهم حامي الحقيقة ماجد .... سعيد بن قيس والكريم محامي

بكل رُدَيني وعَضب تخاله .... إذا اختلف الأقوام سيل عرام

فخاضوا لظاها واصطلوا حر نارها .... كأنهمُ في الهيج شرب مدام

جزى الله همدان الجنان فإنهم .... سمام العدا في كل يوم سمام

لهم تعرف الرايات عند اختلافها .... وهم بدؤوا للناس كلَّ لحام

رجالٌ يحبون النبي ورهطه .... لهم سالف في الدهر غير أيام

همُ نصرونا والسيوف كأنها .... حريق تلظى في هشيم ثُمام

لهمدان أخلاقٌ ودينٌ يزينها .... وبأسٌ إذا لوقوا وحدُّ خصام

وجدٌّ وصدقٌ في الحديث ونجدة .... وعلم إذا قالوا وطيب كلام

فلو كنت بواباً على باب جنةٍ .... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

كما أثنى عليهم قائلا: (يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نصرتم إلا الله ورسوله، وما أجبتم غيره)، فقال سعيد بن قيس، وزياد بن كعب الأرحبي: (أجبنا الله ورسوله وأجبناك، ونصرنا الله ورسوله ثم إياك، وقاتلنا معك من ليس مثلك، فارم بنا حيث شئت)؛ الأمر الذي أثار غيرة عامر بن قيس العبدي، وهو فارس القوم، فقام وقال: يا أمير المؤمنين إذا رُمْتَ بهمدان أمراً فاجعلنا معهم، فإنا يداك وجناحك، فقال عليه السلام: (وأنتم عبد القيس سيفي وقوسي)، فرجع بها العبدي إلى قومه[46].

وبالعودة إلى اليمن فإنه من المؤكّد أن كثيرا من أهلها كانوا قد ذهبوا في الفاتحين، ويدلنا على ذلك أننا لا نكاد نجد إلا القليل من أهل اليمن الأصليين ممن كان لهم دور علمي رائد في القرون الأولى، بينما ذهب بالفضل في هذا المجال الأبناء، فقد جمع الدكتور نزار الحديثي معلومات عن أهل العلم في صنعاء ليجد بصورة تقريبية خلال القرون الأولى 84 عالما، منهم 30 أبناويا، وواحد لكل من مراد، وخولان، وقريش، والأزد، وخمسة من الموالي، واثنان من حمير، وواحد لكل من قريش وكنانة، وبقية الأسماء لم ينسبوا إلى أي جهة أو قبيلة، ومعظمهم توفوا في القرن الثاني الهجري[47]، على أن استئثار الأبناء بالعلم في اليمن مثله مثل استئثار الموالي بالعلم في الأمصار الأخرى؛ لكون العربي الصريح كان مثبتا في ديوان الجند الذي كان محظورا على المسلمين من أصل غير عربي، فعوّضت الفئات من غير العرب نقصها بالاتجاه لإحياء المبدأ الإسلامي الذي لا يفرّق في الحقوق والواجبات بين العرب وغير العرب، والذي وجدوه في العلم بالأحكام الشرعية.

إذن فقد نفّذ الأبناء دورا جيدا في دراسة العلم، ومع أن أصولهم فارسية لكن أمهاتهم يمنيات، وقد حمل كثير من علمائهم الروح اليمنية ونافحوا من أجلها، وأصبحوا يعدُّون أنفسهم في اليمانيين[48]، ومع ذلك نجد أن التشيع تغلغل في أوساطهم، فهذه أم سعيد بنت برزج تستضيف الإمام علي كما تقدم، وحين يأتي الطاغية بسر بن أرطاة أيام خلافة أميرالمؤمنين إلى صنعاء يستخرج ولدي عامله عبيدالله بن عباس من عندها ليذبحهما بسكين الحقد وجنون الطغيان بين يدي أمهما اليمانية ابن عبدالمدان، فأصابها الوله والجنون عليهما[49]، ولا يزال مرقدهما كما هو معروف في صنعاء بمسجد الشهيدين الذي بني باسمهما، ولم يكف بسر ذلك حتى قام بذبح 72 أبناويا، كانوا قد حاولوا التشفع لهم[50]، وفيه مؤشر على أنهم كانوا من أولياء علي؛ لأن مهمة بسر التي كلف بها من قبل معاوية هو تتبع شيعة علي وقتلهم، وقد نفذ مجازر ضدهم فقتل منهم أمما، بل وأغار على قبائل من همدان وسبى نساءهم، وباعهن في الأسواق، فكان أول سبي لمسلمات في الإسلام [51].

وفي تجييش معاوية لبسر وأمره بقتل شيعة علي في اليمن دلالة على وجود محبين لعلي لا يمكن معاوية أن ينتقم من علي إلا بقتلهم، وفيه ما يسلط الضوء على متانة العلاقة بين اليمنيين في اليمن وإمامهم علي، ولعله أراد أن ينتقم من بطولات همدان العراق في همدان اليمن.

ولم يخذل أمير المؤمنين هؤلاء المحبين بل أرسل جيشا بقيادة جارية بن قدامة السعدي لمطاردة بسر الذي فرّ حينما سمع بأخبار جارية، وأدّب جارية في اليمن أولئك المتمالئين من الذين يستحقون القصاص بما ارتكبوا من جرائم، ورغم تأكيد بعض المؤرخين السنة من أهل اليمن كالجندي بذلك إلا أن المؤرخ محمد بن علي الأكوع حاول أن يلصق بالقائد جارية تهمة لا أساس لها حيث اتهمه أنه ماثل بسرا في أفعاله الشنيعة[52]، ومع أن الأكوع تلقّف بعض هذه التهم من مؤرخين سابقين لكنه طوّرها بحسب الهوى الذي يجتاحه، لكن يرد عليهم جميعا أنه من غير المعقول أن يترك علي قائده جارية ولا يعاقبه أو يستنكر عليه، وهو الذي عهدناه لا يحابي ولا يجامل أحدا.

وبالعودة إلى الأبناء فإن هناك قوما في صنعاء من ذرية أخي أم سعيد وهو عبدالرحمن بن برزج، يعرفون ببني الشيعي[53]، وهي نسبة قادمة من محبة علي بن أبي طالب عليه السلام، ويروي أحدهم وهو زياد بن فيروز أنه سأل ابن عمر عن أداء الزكاة إلى أحد الأمراء فقال: "لا تزكينّ إليهم ولا تصل معهم"[54]، وهي عبارة وإن كانت لا تنسجم ومواقف ابن عمر من حكام عصره الطغاة كيزيد، ولكنها تشير إلى بعض التعاليم الثورية التي بثها علي عليه السلام في أتباعه، والتي نجد من الأبناء من يروّج لها على هذا النحو.

لقد تتلمذ على علي عليه السلام كثيرٌ من اليمنيين في بلاد العراق ومن قبل ذلك في المدينة، ومن خلالهم انتشرت مبادئ الإسلام التي نادى بتطبيقها علي وحملها الأئمة من أهله وفضلاءُ الصحابة والتابعون، وذاق الناس في تلك الفترة القصيرة التي حكم فيها علي عليه السلام الأمة برْد العدل، وسعة الإسلام وعظمته وعاشوا المفاهيم التي طالما حملوها وقرأوها في شريعة الإسلام حقيقة واقعة، رغم ما حملته تلك الفترة من محن وفتن وحروب تشيب لهولها الولدان، لقد أصبح عليه السلام مدرسة فكرية وعلمية واجتماعية متميزة، ونهل من علومه أتباعه ومحبوه وازدادوا به بصيرة وهدى.

غير أن ما يهمنا هو اليمن؛ ما الذي جدّ بها بعد رحيله وبعد ضمِّها إلى حكومة معاوية التي عملت على حكم الناس بطريقة تختلف عن طريقة علي تماما، وتضاهي حكومات الملوك والسلاطين البيزنطيين، وليس فيها من الإسلام إلا العنوان، وبالتأكيد فإن نصيب اليمن هو ذاته نصيب الشعوب الأخرى، حيث حاول الأمويون في اليمن إبعاد اليمنيين عن أهل البيت وعن حب علي بن أبي طالب كما فعلوا في غيره من البلدان، ولكن مع ذلك فقد وفّر بُعْدُ اليمن عن العاصمة الأموية فرصة أكثر للتحرك حول أهل البيت والتعلم لديهم، وهناك قنوات اتصال كثيرة تربطهم بالإمام الحسن والحسين حيث سكن أهل البيت المدينة المنورة، وطالما التقوا بالناس في مواسم الحج والزيارة؛ ولهذا نجد ابن عباس يشير على الإمام الحسين عليه السلام التحرك نحو اليمن عند قيامه بالثورة ضد يزيد، واتخاذها مكانا للثورة لكون أهلها شيعة لأبيه، وهي إشارة بقدر ما يعني رفضُها من قبل الحسين أن لديه من المعلومات بشأن خياره المفضل وهو العر اق، فإن لدى ابن عباس معلومات مهمة جدا عن اليمن تبين تشيعهم؛ لكونه قطن مكة وانتصب فيها للتدريس وكثر أتباعه وطلابه ولا سيما من أهل اليمن، والذين طالما ربطتهم علاقات علمية بها، ومن المرجح أن هؤلاء نقلوا له توجهات وميول الناس فيها.

عاد بعض تلامذة علي الذين تتلمذوا على علي (ع) مرة أخرى إلى اليمن، ولدينا بعض الأسماء التي تدل على أنهم فضّلوا الذهاب إليها والابتعاد عن الضغط الأموي الذي كان يمارس على الحجاز والعراق وتحديدا على الكوفة.

 ومن هؤلاء حجر بن قيس المدري الحجوري روى عن جمع من الصحابة وعن علي عليه السلام، وقد صحبه أياما طويلة، وقد حمل علمَه إلى اليمن، وذكر الجندي أنه من مدرات بالقرب من الجند، وبلغ في العلم درجة جعلت أبرز علماء التابعين اليمانيين وهو طاووس بن كيسان يراجعه كثيرا في المسائل التي تشكل عليه[55]، وأصبح خطيبا بأحد المخلافين صنعاء أو الجند، وكان ذلك في فترة حكم الأمير محمد بن يوسف الثقفي (ت91هـ) على اليمن، وحدث في إحدى الجمع أنه لما انتهى من الخطبة أمره الثقفي أن يلعن عليا فتذكّر حجر ما كان قد قاله له أمير المؤمنين من أنه سيؤمر بلعنه في يوم من الأيام، فرفع صوته قائلا: إن الأمير محمد بن يوسف أمرني أن ألعن عليا فالعنوه، لعنه الله، وتفرق أهل المسجد شغر بغر، كراهية لذلك على حد قول المؤرخ الجندي، إلا ما كان من شيخ فإنه فهمها، وقال: لعنه الله[56]، وفي ذلك ما يفيد بقوة كراهية أهل صنعاء للعن علي حتى في أقوى أيام الأمويين وأعزها، بما يشير إلى أن التشيع العلوي في اليمن لم يخمد أوراه من خلال إجراءات الأمويين التضليلية.

ومنهم سعيد بن نمران الناعطي أحد أصحاب علي الذي كان قد ضمّه إلى واليه على اليمن عبيدالله بن العباس مساعدا، وهو الذي عاد مرة أخرى إلى الكوفة، فكان قاب قوسين أو أدني من المذبحة التي نفّذها معاوية بحق حجر بن عدي الكندي وأصحابه، حيث كان أحد المرشحين لذلك لولا شفاعة أحد أقاربه له[57]، ومنهم أبو خليفة القارئ الذي ربما لم ترق له الكوفة والعيش بها، وآثر الانسحاب إلى اليمن، وأقرأ فيها القرآن، وكان له مسجد نُسِب إليه عرف الرازي مؤرخ صنعاء موضعه بعد أن صار خرابا، وقد تتلمذ عليه عبدالله بن وهب بن منبه[58]، وهو أحد علماء اليمن ورواة الحديث بها[59].

وهناك حنش بن عبدالله الصنعاني وقد تتلمذ عليه وعلى ابن عباس وأقام معه في الكوفة، وعاد إلى صنعاء واليا في أيام ابن الزبير[60]، ورغم أنه ذهب بعد ذلك للجهاد في أفريقيا وفي المغرب، لكن عودته إلى اليمن لها دلالتها من حيث نشر مبادئ علي فيها.

من هذا يتبين جسور الأفكار والمبادئ والرؤى العلوية التي تدفقت على اليمن، وسنجد كثيرا منها عند تلامذتهم اللاحقين والتي لا تخرج في مجملها عن طريقة أهل البيت ومنهجهم المعروف والمأخوذ عن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويكفي أن نركّز في القرن الأول على أعظم شخصية علمية يمنية في اليمن وكانت موثوقة الفقه والفتيا والحديث حتى عند المحدثين لاحقا، لنسبر غور هذه المبادئ العلوية فيه ونستقصيها بما تيسر لنا في البحث على عجالة.

إنه طاووس بن كيسان اليماني (ولد 33هـ- وتوفي 106هـ) من أبناء الفرس الهمداني الخولاني بالولاء[61]، الذي أدرك الإمام علي بن أبي طالب، ولا تذكر كثير من كتب التراجم أنه روى عنه، مع إجماعهم على تتلمذه على ابن عباس، وأنه كان لا يدخل إلا في خواصه[62]، لكن هناك رواية تصرّح بما يفيد أنه سمع بعض الأحاديث منه[63]، ويترجح الأخذ بها لتصريحها وإمكانية حدوث ذلك، لا سيما وهناك اتجاهات وميول له تشابه ما كان عليه علي عليه السلام وأهل بيته.

سكن طاووس الجند، وكان له مسجد في صنعاء ينزله إذا قدم[64]، بل وكما ترك تلامذة من الجند فله أيضا تلامذة من صنعاء[65].

لقد كان قريبا إلى أهل البيت فها نحن نجده في منزل الإمام الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن في المدينة، ولما دخل بيت الكامل وجده قد نُجِّد بفراش فاخر، فوضع نطعا كان معه فألقاه على ذلك الفراش في غياب الكامل، وحضور ولديه الصغيرين محمد وإبراهيم اللذين ظنا به الجنون لذلك، فهمس أحدهما للآخر قائلا: مج، فأكملها طاووس قائلا: نون، فخرج الولدان النبيهان يعدوان إلى أبيهما وهما يضحكان[66]، وحين يموت طاووس في مكة نجد عبدالله الكامل يتأثر لمصابه ويحمل السرير على كاهله فتسقط قلنسوته، ويتمزّق رداؤه[67]، وفي هذا ما يبين مدى متانة العلاقة الحميمية بين هذا اليماني القدوة لليمانيين في عصره وبين أهل البيت ممثلين في الكامل عبدالله بن الحسن.

ضُرِب المثل بطاووس في ابتعاده عن الأمراء والسلاطين، وتجرؤه عليهم، ومجابهتهم بكلمة الحق بقوة وثبات عجيب، وهنا بعض الحوادث التي تكشف عنه بصورة أجلى.

  • أتي هشام بن عبدالملك (بويع الخلافة سنة105هـ) بطاووس (ت106هـ) في مكة، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ولكن قال: السلام عليك يا هشام ولم يكنه، وجلس بإزائه، وقال: كيف أنت يا هشام فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله، فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله ولا يمكن ذلك، فقال: يا طاووس ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟ فازداد غضبا وغيظا، قال: خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تقبِّل يدي، ولم تسلِّم عليَّ بإمرة المؤمنين ولم تكنني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت كيف أنت يا هشام قال أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي، وأما قولك: لم تقبِّل يدي، فإني سمعت أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه: (يقول لا يحل لرجل أن يقبِّل يد أحد إلا امرأته من شهوة، أو ولده من رحمة)، وأما قولك: لم تسلِّم عليّ بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب، وأما قولك: لم تكنني فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه، فقال يا يحيى يا عيسى وكنى أعداءه، فقال: تبت يدا أبي لهب، وأما قولك جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام)، فقال له هشام: عظنى، فقال: سمعت من أمير المؤمنين علي رضى الله عنه يقول: (إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته، ثم قام وخرج)[68].

وهو في هذا الموقف أراد أن يلقِّن هشاما درسا كافيا في الإغاظة والإهانة لا سيما حين تعمّد الرواية عن أمير المؤمنين، ليضمن أن لا يستدعيه مرة أخرى.

  • ظل طاووس معارضا للحكم الأموي بصورة واضحة لا لبس فيها، وينطلق في ذلك من مبدأ ديني، حتى أنه كان لا يعتد بالصلاة خلف أمرائهم وولاتهم في صنعاء، وإذا صلى أعاد الصلاة، بخلاف وهب بن منبه فكان لا يعيدها، ولما سئل عن الصلاة مرة أخرى وقد جمّع أي حضر الجمعة، أجاب مستنكرا: أو مع هؤلاء جمعة؟![69]. بل لقد اشتهرت صنعاء وأهلها منذ ذلك الوقت بأنهم لا يصلون خلف الظلمة ولا يعتدون بالصلاة معهم؛ فهذا المحدث معمر بن راشد البصري (ت153هـ) الذي هاجر من البصرة إلى اليمن وقطنها بقية عمره، وصنف أول كتاب حديثي لما سأله أحدهم إن كان يصلي خلف معن بن زائدة الشيباني والي العباسيين على صنعاء، غضب واتهم السائل بأنه صنعاني، وفسّر المؤرخ الجندي معنى (الصنعانية) هنا بأن صنعاء أول بلد في اليمن أنكر أهلها الصلاة خلف الظلمة، وأن من صلى منهم خلف أحد من الظالمين أعاد ثانية، وأن ذلك الغالب على نواحيها حتى عصره[70]. وبهذا يتبين أن هذا الفكر الثوري ضد الأمويين وضد العباسيين بعدهم خلال القرنين الأول والثاني الهجريين كان يعبّر عن نفسه بقوة في صنعاء على الأقل من خلال ترك الصلاة خلفهم، وأصبح مصطلح (صنعاني) مصطلحا ثوريا بامتياز.
  • دخل طاووس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف أخي الحجاج الثقفي والي صنعاء في غداة باردة، فقعد طاووس على الكرسي، فقال محمد: يا غلام هلم ذاك الطيلسان فألقِه على أبي عبد الرحمن، فألقوه عليه فلم يزل يحرِّك كتفيه حتى ألقى عنه الطيلسان، وغضب محمد بن يوسف، وبعد أن غادرا احتج لديه وهب قائلا: والله إن كنت لغنيا أن تغضبه علينا، لو أخذت الطيلسان فبعته وأعطيت ثمنه المساكين، فقال: نعم لولا أن يقال من بعدي أخذه طاووس، فلا يُصْنَع فيه ما أصنع، إذا لفعلت[71]، وفي هذا ما يشير إلى منهج الرجل في مواجهة الجبابرة وعلى انسجامه الكامل مع موقف أهل البيت وتعاليمهم.
  • سأل عبدالله بن طاووس مرة أباه لم لا يخرجون للقتال ضد السلطان إذا اعتدى عليهم؟!، فلم يجبه ولما لقيا في طريقهما عاملا من عمال محمد بن يوسف الثقفي، وكان متجبِّرا، جاء هذا العامل فقعد بين يدي طاووس، لكنه صرف وجهه عنه، فلحقه، فصرف وجهه عنه، وكرر ذلك للمرة الثالثة، ولما أراد الولد الاعتذار عن أبيه بأنه لا يعرف الأمير، كشف طاووس بأنه يعرفه جدا، وأكّد الأمير أنه إنما فعل ما فعل معه إلا لأنه يعرفه[72].
  • ولموقفه المتصلب من الحكام فقد كان يستنكر مذهب الإرجاء، وقال: عجبت لإخوتنا من أهل العراق يسمون الحجاج الثقفي مؤمنا!![73]، وهذا أمر في غاية الأهمية حيث يفيد خلوَّ صنعاء واليمن من هؤلاء المرجئة وهو الحزب الذي تبناه وشجّعه الأمويون ليضمنوا بقاء سلطتهم في تديّن يغيّب وعي الأمة السياسي ويدّخر المواقف فيه ليوم القايمة.
  • وحرص على النصح لعمر بن عبدالعزيز حين ولي الخلافة وكانت نصيحته بتولية أهل الخير إذا أراد أن يكون عمله خيرا كله[74]، وهو يشير إلى معارض من طراز فريد، وليس من طراز الخوارج، بل يبين أنه كان من الثائرين الذين فهموا الإسلام كما فهمه أهل بيت رسول الله، حيث أخذ العلم من منبعه الصافي، ولم تلهه الدنيا، ولا تطرّبته الأهواء.

وبهذا يتبين لنا أن قدوة أهل اليمن وعالمهم وزاهدهم كان (صنعاني الصلاة) رغم نزوله في الجند، وأن أهل صنعاء كان لهم موقف مناوئ لحكام بني أمية، وهذا يعني أنهم إما يكونون من الخوارج، ولم يذكر هذا أحد عنهم، بل وليس لهم من أحكامهم سوى هذا، أو متأثرين بثوار أهل البيت وفكرهم، وهو الأقرب وتدل عليه قرائن كثيرة من لقائه لهم، وتحديثه عنهم، وإغاظته لأعدائهم، وتتلمذه عليهم.

خلال القرن الثاني في بقية الحكم الأموي خلفه ولده عبدالله بن طاووس (ت133هـ) الإمام النحوي، كان من مشاهير العلماء الذي وُصِف بأنه يتشيّع[75]، ورويت له مواقف متشددة تشبه مواقف والده من الحكام الظالمين[76].

كانت اليمن في النصف الثاني من القرن الأول وخلال القرن الثاني تشارك في الحياة العامة للدولة الإسلامية بشكل واضح، وكانت الأضواء الإعلامية إن صح التعبير مسلطة عليها، حيث تبسط الخلافة الرسمية سلطانها؛ وحيث كتب المؤرخون تاريخهم بمحورية الخلفاء والملوك، بينما كان المحدثون يجوبون الآفاق بحثا عن الحديث، وكانت صنعاء أحد أهم المراكز العلمية الحديثية، والتي وجد فيها بعض كبار المحدثين، ومنهم معمر بن راشد البصري الذي أول من ألف في الحديث، ووهب بن منبه، وإخوته، وولده، وطاووس وولده، وآخرون كثيرون، ولما انحسرت الأضواء الرسمية عن اليمن في القرن الثالث الميلادي، وتعزّزت الميول الثورية إلى درجة التخلص من الخلافة المركزية نجد حينئذ المؤرخين في العراق والشام يبعدون شيئا فشيئا عن الحديث عن اليمن، وتبدأ الكتابات المحلية بالتعبير عما يدور فيها.

لهذا نجد معلومات كثيرة حول حركة العلم في القرن الأول والثاني وبداية الثالث، لكنها تضيق بعد ذلك شيئا فشيئا.

وهناك في المحدثين نجد ولا سيما في القرون الأولى ظاهرة المحدثين الشيعة أو الشيعة المحدثين، هؤلاء كانوا أهل حديث، ويجمعهم جميعا حب الحديث والحرص على تقييده والحفظ له، ولكن رغم التشديد والكتم والقمع الذي فرضه الأمويون أولا ثم العباسيون ضد من يروي أحاديث في فضائل علي بن أبي طالب ومثالب أعدائه، فإن قدرا جيّدا من الأحاديث بسبب قوتها وشهرتها الطاغية  تسرّب إلى محدثين كبار، كانت رواياتهم عمدة في الفتوى والأحكام التي تقررت وصارت واقعا، ومن ثَمَّ لم يجرؤ نقادهم على ترك حديثهم جملة، وقد تحامق بعضهم كالعقيلي صاحب الضعفاء وأراد ترك حديث من يتشيع، فانبرى له الذهبي قائلا: "ولو تركت حديث علي (ابن المديني) ....وعبدالرزاق (الصنعاني) ... لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال، أفما لك عقل يا عقيلي؟!!"[77].

بل يبدو أن البيئة اليمنية المطبوعة على محبة أهل البيت كانت تعمل على إفراز هذه الأحاديث والاهتمام بها؛ ولذا نجد محدّثي اليمن كانوا متهمين بالتشيع، ومنهم وهب بن مانوس، أو ميناس العدني، الذي كان في البصرة فنفاه الحجاج بن يوسف الثقفي (ت95هـ) إلى صنعاء[78]، وإن كان سبب النفي غير معروف إلا أن من المؤكد أن علاقة سيئة مع الدولة الأموية حملت واليها على نفيه، أو إعادته إلى بلده.

وإذا كان إبراهيم بن عمر بن كيسان اليماني الصنعاني ثقة عند ابن معين، والنسائي، وابن حبان، وكان من أحسن الناس صلاة إلا أنهم عابوه بتشيعه، حيث قالوا: كان في رأيه شيء[79]، بل إن بعضهم يتهمه بأنه كوفي وأنه أول من قدم بـ(الرفض) إلى اليمن[80]؛ وتفسير الأمر أنه ربما وجد في اليمن بيئة مناسبة لإظهار ما كان يخاف إظهاره في العراق من أحاديث في فضل أهل البيت، وحيث كان لا يجرؤ إلى تفعيلها والعمل بها، ولكنه اختلف عليه الأمر في صنعاء حيث أهل صنعاء يغلب عليهم المحبة لأهل البيت فأظهر ما كان يخاف من قبل، على أن ذلك الاتهام ليس صحيحا بالمطلق؛ لأننا نجد التشيع وكراهة الحكام الأمويين الذي عادة ما يقترن بالولاء لأهل البيت فاشيا في اليمن من قبل هذا الرجل.

ومنهم عبدالملك بن عبدالرحمن الأبناوي ثم الذماري، أحد شيوخ الحديث، تتلمذ عليه الإمام ابن حنبل، وولي القضاء من قبل إبراهيم بن موسى الكاظم، ولما جاء والي العباسيين ابن ماهان وشي به إليه أنه من أنصار الطالبي، فقتله يوم الجمعة في شهر رمضان سنة200هـ[81].

ولعل أبرز المحدثين إثارة هو الإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني الحميري بالولاء الذي عاش ما بين (126هـ- 221هـ)، والذي تجمع كتب التراجم على تشيعه، ولا شك أنه من رجال الحديث المكثرين، وهو الذي لما ذُكِرَ عنده معاوية بن أبي سفيان، قال: لا تقذِّر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان، وحدّث بفضائل أهل البيت، وبمثالب أعدائهم؛ الأمر الذي جعل طائفة من أهل الحديث، يحرقون ما كتبوا عنه، وآخرين لا يروون منها شيئا، وآخرين تمسكوا منها بما يحتاجونه من أحاديث، وتركوا ما لا يعجبهم، ولمّا لم يستسيغوا كون هذا الحافظ الكبير شيعيا، برروا تشيعه بتبرير سخيف حيث قالوا إن جعفر بن سليمان الضبعي البصري الجرشي (ت178هـ) – وهو بالمناسبة أحد المحدثين – هو الذي أفسده، حيث كان متشيعا، وبقدر ما تَحْمِلُ هذه التهمة من سخافة وتُظْهِر أن عبدالرزاق من السهولة بمكان لأن يكون تابعا لكل غادٍ ورائح إلا أنها تبيِّن أن عبدالرزاق لما عاد إلى صنعاء تغيّر عما كان عليه عند رحلاته لطلب الحديث في خارج اليمن، حيث نقل عنه كثير من طلابه الذين قدموا إليه أنه روى أحاديث وتكلم بكلام يدل على تشيعه بل وعلى تشيعه المفرط أيضا على حد قول ابن حنبل، وهذا يعني أنه كان لا يحدّث بمثل تلك الأحاديث وهو لا يزال يتعلم خارج اليمن، ومع ذلك فقد قال ابن حنبل وابن معين حين سئلا: ما الحال فيه وهو على ذلك التشيع، قالا: لو ارتد عبدالرزاق ما تركنا حديثه[82]، وحين نعرف أنهم تركوا أحاديث من هم أقل تشيعا منه بسبب التشيع نجد أنهم محتاجون لحديثه، ولا يمكنهم إلغاؤه وهو عمدة في أحكام قد صارت مذهبا ودينا يدان به كما يوحي به كلام الذهبي سابقا ردا على العقيلي.

وصف الإمام الهادي يحيى بن الحسين عبدالرزاق بأنه من العامة[83]، وهو أمر يقصد به أنه كان على مذهب المحدثين في الأحاديث وقبولها، ولم يتبنَّ المذهب الزيدي مثلا، شأنه في ذلك شأن كثير من المحدثين والفقهاء والأعلام فإنهم في الفترة المتقدمة لم ينضووا تحت مذهب معين، حيث لم تتقرر المذاهب بعد، ومع ذلك فلا يمكن الإنكار أن عبدالرزاق كان متشيعا، وهو أنموذج كثير من رجالات العلم في اليمن، والذين شكلوا حركة ضاغطة للقبول بحكم أهل البيت لاحقا ودخول المذهب الزيدي السياسي على يد الإمام الهادي بآرائهم وأفكارهم المختلفة.

وجدير بالقول أن العصر العباسي الأول (132هـ - 232هـ) سادت فيه علاقات سيئة جدا بين اليمنيين والدولة العباسية؛ ففي عهد أبي جعفر المنصور (ت158هـ)أرسل جيشا بقيادة معن بن زائد الشيباني فأخرب مدينة المعافر (الحجرية اليوم)، وقتل من أهلها نحوا من 2000 رجلا، كما قتل عبدالله بن يحيى الحضرمي وكثيرين من أهل حضرموت؛ لقد طلب منه المنصور أن يبسط السيف في أهل اليمن، فنفّذ ما أراد منه، ومع ذلك فإن أحد الموتورين من أهالي اليمن ظلّ يحمل ثأره فترصّد لمعن بن زائدة بعد عزله عن اليمن وتوليته تنفيذ حملة تأديبية إلى سجستان سنة 151هـ فقتله ثأرا بأقاربه[84].

وذات الأمر في عهد الرشيد (170هـ- 193هـ) فقد تعاقب على حكم اليمن 13 واليا، وهو أمر يعكس القلق والخوف والاضطراب وسوء العلاقة بين الحاكم العباسي والمحكومين اليمنيين، ثم ثار اليمنيون بقيادة الهيصم بن عبدالمجيد الهمداني في مغارب اليمن وجبالها (مسور وحجة والمغرب) سنة 179هـ، فأرسل الرشيد جيشا بقيادة حماد البربري (ولي ما بين 178- 193هـ) وطلب منه أن يسمعه أصوات أهل اليمن، وهي عبارة توحي بضغن الرشيد على اليمنيين؛ لأنهم كانوا على علاقة طيبة مع أبناء عمومته الطالبيين، وقد استقرت هذه الحرب ولكن بعد مقتل أكثر من 20 ألف مقاتل معظمهم من اليمنيين[85]، وخروج هذه الحركات المسلحة والثورية والتي وُصِم قادتها بكونهم من الخوارج، يشير إلى أهلية اليمن المبكرة لأي فكر ثوري يدعو للخروج المسلح ضد الظالم حتى من قبل مجيء الهادي عليه السلام.

قدم الإمام الشافعي في ولاية حماد، ومارس ضده معارضة سلمية فكان يمنعه من الظلم الشديد، وروى هو نفسه أنه كان باليمن حين دخوله سبعة علويون، فنمي إلى الرشيد أنه (الشافعي) يدعو للإمام يحيى بن عبدالله (قتل سنة176هـ على يد الرشيد)، فأمر الرشيد بحمله وحمل العلويين السبعة معه إلى بغداد، فأمر بأولئك العلويين وضربت أعناقهم، وأطلق سراح الشافعي، فهاجر إلى مصر[86]. وفي ذلك دلالة واضحة للنشاط العلوي الدعوي في اليمن، واتخاذها مكانا آمنا، ولسبب الكره الذي كان يكنه العباسيون لليمنيين وأن له علاقة بأعظم ما كان يغيظهم ويخيفهم وهو التشيع للعلويين.

ولما ثار الإمام محمد بن إبراهيم، ابن طباطبا سنة 199هـ ضد المأمون العباسي قيل إنه أرسل إبراهيم بن موسى الكاظم إليها سنة 200هـ، واستولى على اليمن بسهولة[87]، وما كان له ذلك إلا لأن البيئة اليمنية قابلة لمثل هذا الاستيلاء السهل.

ثم يأتي بعده الوالي ابن ماهان المرسل من قبل المأمون العباسي ويفعل ما تقدم بالقاضي عبدالملك بن عبدالرحمن الأبناوي.

وحتى تهامة في بلاد عك كانت تستعر ثورة حيث ظهر بها عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب سنة207هـ حين أساء العمال السيرة، فبايعه الناس للرضا من آل محمد[88]، وهذا يبيِّن سوء العلاقة المزمن بين خلفاء بني العباس الأقوياء واليمنيين وهو ما هيَّأ الوضع للانفصال نهائيا عن الدولة ممثلا في الدولة الزيادية ثم اليعفرية ثم الزيدية الشيعية على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ت298هـ).

في القرن الثالث الهجري دخلت المذاهب الفقهية إلى اليمن، ومنها المذهب الشافعي، والمالكي، ودخل كذلك المذهب الحنبلي[89]، إلا أن الحنابلة هؤلاء كانوا أصلا ينتمون إلى حنابلة العراق، ولهذا نجد متشدديهم في اليمن يلعنون من يبغض عليا، رغم وضعهم إياه في الترتيب الرابع بين الخلفاء[90] كما هو المعروف عند جميع أهل السنة، وفي هذا إشارة إلى تشيع اليمنيين حتى حنابلتهم في القرون الأولى.

وتوّجت هذه العلاقة المتينة بين اليمن وأهل البيت باستقدام اليمنيين الإمام الهادي إلى الحق، أولا فخرج سنة280هـ، ثم عاد إلى الرس، ثم عاد في الخرجة الثانية سنة284هـ واستقر في صعدة، ووصل حكمه صنعاء وذمار، وخاطب اليمنيين بوجوب نصرته مذكرا إياهم بما كان عليه أوائلهم، وفي رد الدعام بن إبراهيم الأرحبي زعيم همدان ما يفيد تشيعهم وموالاتهم استدلالا بحدث غدير خم[91].

وهكذا يتبين بوضوح أن اليمن حفظت علاقات الود والاحترام للبيت الهاشمي الذي اصطفى الله منه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم منذ ما قبل الإسلام، وظلت هذه العلاقات طيبة وحسنة، وحين جاء الإسلام تحوّلت تلك العلاقة إلى دين انطوت عليه قلوب اليمنيين وتقرّبوا به إلى الله، ووجدنا اليمنيين أقرب الشعوب والقبائل إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وهو ما مهّد لظهور الإمام الهادي يحيى بن الحسين وانتصاره، الذي بمقدراته ترجم تلك العقيدة وتلك المحبة بصورة عملية لصالح إظهارِ حكم الإسلام، ونشرِ العدل، واستعادةِ سيرة رسول الله واقعا عمليا، وتبيّن لنا أيضا أن اليمن لم تتخل عن أهل البيت يوما من الأيام رغم محاولات الآخرين فكَّ الارتباطِ الوجداني والعقدي التاريخيِّين بينهما، لكنها جميعا فشلت، وهو ما يجب أن يفهمه من يريد تكرار المحاولة في هذا الزمان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 1/ 361، ط4، 1422هـ، دار الساقي.

[2] تاريخ ابن خلدون 2/ 331، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة.

[3] الأنساب للسمعاني 2/ 29، ط1، 1408هـ، دار الجنان.

[4] سمط النجوم العوالي 1/ 117، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة.

[5] لباب الأنساب والألقاب والأعقاب 1/ 5. ترقيم آلي. المكتبة الشاملة.

[6] جواد علي: المفصل 7/ 77.

[7] ابن عساكر: تاريخ دمشق 3/ 441، 445، ط1، 1419هـ، دار الفكر – بيروت، وجواد علي: المفصل 7/ 99.

[8] ومنطقتها الجغرافية ما بين صنعاء وصعدة فما كان شرقا فهو بكيل، وما كان غربا فهو حاشد.

[9] ويمتد سرو مذحج من دثينة جنوبا مختلطا بسرو حمير، ويمر شمالا مصاقبا لهمدان من جهة الغرب إلى نجران، فتثليث، وقبائل سعد العشيرة ويدور غربا إلى تهامة.

[10] وتقع في شمال حضرموت وشبوه وتتداخل مع حمير في بعض مناطقها شرق الجند.

[11] ومنطقتها أبين وعدن والمعافر (تعز) ويحصب ورعين وبعض ذمار وإلى جنوب صنعاء وبعض مغاربها إلى مغارب حمير بالقرب من مسور.

[12] في تهامة.

[13] جنوب الطائف.

[14] ويقال منهم قبائل خولان بن عامر، وهي كثير من قبائل صعدة.

[15] الوثائق السياسية اليمنية لمحمد بن علي الأكوع.

[16] حركة الأسود العنسي في صدر الإسلام، بحث لم ينشر للكاتب.

[17] السلوك للجندي السلوك ج1 ص70- 80، تحقيق محمد علي الأكوع، ط1، 1414هـ، مكتبة الإرشاد – صنعاء.

[18] ج2 ص169، طبعة دار صادر- بيروت.

[19] الاستيعاب لابن عبدالبر ج3 ص1100، تحقيق علي البجاوي، ط1، 1412هـ، دار الجيل – بيروت؛ وطبقات ابن سعد ج2 ص337.

[20] أبو داود: السنن 1/558 رقم 1797، تحقيق/ محمد محيي الدين عبد الحميد، (د.ط )(د.ت)، دار الفكر- دمشق؛ والنسائي: المجتبى من السنن5/157 رقم 2745، تحقيق/ عبد القادر أبو غدة، ط2، 1406هـ/1986م، مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب.

[21] البيهقي: السنن الكبرى1/345، تحقيق/ محمد عبد القادر عطا، (د.ط)، مكتبة الباز –مكة المكرمة، 1414هـ/1994م، وينظر الطبري: التاريخ 2/197، ط1، 1407هـ، دار الكتب العلمية – بيروت، وقد أخرج شطر هذا الخبر البخاري، محمد إسماعيل، أبو عبد الله الجعفي (ت256هـ) في الصحيح4/1580، رقم 4092، تحقيق/مصطفى ديب البغا، ط3، 1407هـ/ 1987م، دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت.

[22] كنز العمال للمتقي الهندي رقم 36369، ط1989م، مؤسسة الرسالة – بيروت.

[23] السلوك ج1 ص70- 80.

[24]  وكانت تسكن سرو مذحج في الشمال، خاصة في تثليث، وبلاع، ويقال إنها في المنطقة التي تشمل ما يسمى اليوم منبه وخولان بن عامر في صعدة.

[25] ابن عبد البر: الاستيعاب373، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة؛ وابن سيد الناس: عيون الأثر2/322، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة.

[26] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والأدب لمحمد ريشهري وآخرين، ج2 ص130، ط2، 1425هـ، دار الحديث – بيروت.

[27] تاريخ الطبري 2/247.

[28] تاريخ الطبري 2/ 197.

[29] السنن الكبرى للبيهقي 1/345؛ وتاريخ الطبري 2/197؛ والاستيعاب345؛ والبخاري في الصحيح4/1580، رقم 4092.

[30] مسند ابن حنبل1/ 249، وصححه شعيب الأرناؤوط، ط مؤسسة قرطبة- القاهرة.

[31] ورد في المسند لابن حنبل (1/77رقم 573)  أنهم لقوه صلى الله عليه وآله وسلم عند مقام إبراهيم، وذلك لا يتأتى إلا في مكة، وفي حجة الوداع السنة العاشرة.

[32] طبقات ابن سعد 1/ 412- 413.

[33] طبقات ابن سعد 4/ 241.

[34] في بعض مناطق حجة.

[35] الكفاية والإعلام لأبي الحسن الخزرجي، أخذ منه مبحث بعنوان (اليمن في عهد الولاة) ص 36، تحقيق راضي دغفوس.

[36] طبقات ابن سعد 1/ 341.

[37] مساكنها في البيضاء حاليا.

[38] فتح الباري لابن حجر 8/ 100، ط1379هـ، دار المعرفة – بيروت.

[39] كتاب الفتوح لابن أعثم.

[40] دور القبائل اليمانية في نصرة أهل البيت عليهم السلام ص53، المكتبة الإلكترونية الزيدية.

[41] دور القبائل اليمنية في نصرة أهل البيت عليهم السلام ص50.

[42] المرجع السابق ص57.

[43] المرجع السابق ص81.

[44] المرجع السابق ص71.

[45] المرجع السابق ص65.

[46] التحف شرح الزلف ص31، ط2، ومنتخبات في أخبار اليمن من كتاب شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميري ص40، 53، 93، 105، 110، 114، تحقيق عظيم الدين أحمد، ط3، 1407هـ، شركة منشورات المدينة – بيروت.

[47] مقالة (أهل العلم في صنعاء ودورهم في الحركة العلمية في اليمن في القرون الأولى) ضمن كتاب صنعاء التاريخ والحضارة مج2 ص60 -61، ط2005م – صنعاء.

[48] تاريخ صنعاء للرازي ص456، تحقيق حسين عبدالله العمري، ط3، 1409هـ، دار الفكر المعاصر – بيروت، ودار الفكر – دمشق.

[49] فكانت تنشدهما في الأسواق والمواسم وتنشد الشعر فتهيم على وجهها وتقول: ها من أحسن بإبنيّ اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف        ها من أحسن بإبنيّ اللذَين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليوم مزدهف     حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من قبلهم ومن الإثم الذي اقترفوا    أنحى على ودجي ابنيّ مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف. الاستيعاب لابن عبد البر ص49؛ والسلوك للجندي ج1 ص172.

[50] قرة العيون لابن الديبع الشيباني ص86- 87، تحقيق محمد الأكوع، المطبعة السلفية – القاهرة.

[51] الاستيعاب لابن عبدالبر ص49، والسلوك للجندي ج1 ص172.

[52] السلوك للجندي ج1 ص173، وقرة العيون لابن الديبع ص88، ونص بأنه قتل من يستحق القتل منهم فقط.

[53] السلوك للجندي ج1 ص92- 93.

[54] تاريخ صنعاء للرازي ص460.

[55] تهذيب الكمال ج5 ص475، تحقيق بشار معروف، ط1، 1400هــ مؤسسة الرسالة – بيروت؛ والسلوك للجندي ج1 ص110.

[56] السلوك للجندي ج1 ص110؛ وتاريخ الإسلام للذهبي 6/ 470، تحقيق عمر تدمري، ط1، 1407هـ، دار الكتاب العربي – بيروت..

[57] طبقات ابن سعد ج6 ص84؛ وأنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص169، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة.

[58] تاريخ صنعاء للرازي ص334، 449، 466.

[59] التاريخ الكبير للبخاري.

[60] السلوك للجندي ج1 ص113.

[61] التاريخ الكبير للبخاري 4/ 365، طبعة الجمعية العلمية بدائرة المعارف العثمانية.

[62] تهذيب التهذيب لابن حجر  5/ 9، ط1، 1404هـ، دار الفكر – بيروت.

[63] وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص510، ط1900م، دار صادر – بيروت؛ وتاريخ صنعاء للرازي ص362- 363، وإحياء علوم الدين للغزالي بتخريج الحافظ العراقي ج3 ص7، ترقيم المكتبة الشاملة.

[64] السلوك للجندي ج1 ص93، 94.

[65] أهل العلم في صنعاء للحديثي، صنعاء التاريخ والحضارة مج2 ص61- 62.

[66] تاريخ صنعاء للرازي ص384.

[67] وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص509.

[68] وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص510، وتاريخ صنعاء للرازي ص362- 363.

[69] تاريخ صنعاء للرازي ص360- 361.

[70] السلوك للجندي ج1 ص123- 124.

[71] طبقات ابن سعد ج5 ص541.

[72] البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص95، 226، 265، تحقيق علي شيري، ط1، 1408هـ دار إحياء التراث العربي - بيروت؛  وتاريخ صنعاء للرازي ص266.

[73] طبقات ابن سعد ج5 ص540.

[74] وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص509.

[75] أهل العلم في صنعاء، مقالة الحديثي السابقة ضمن (صنعاء التاريخ والحضارة) م2 ص73.

[76] وفيات الأعيان لابن خلكان ج2 ص511.

[77] ميزان الاعتدال ج3 ص140، تحقيق علي البجاوي، ط دار المعرفة – بيروت.

[78] التاريخ الكبير للبخاري ج8 ص168، وتهذيب التهذيب لابن حجر ج11 ص147.

[79] تهذيب التهذيب لابن حجر ج1 ص128.

[80] تاريخ صنعاء للرازي ص430.

[81] السلوك للجندي ج1 ص138.

[82] مشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص252؛ تحقيق فلايشهمر، ط1959م، دار الكتب العلمية – بيروت؛ والكامل لابن عدي ج5 ص311- 315، تحقيق يحيى غزاوي، ط3، 1409هـ، دار الفكر – بيروت؛ والضعفاء الكبير للعقيلي ج5 ص351، ترقيم آلي، المكتبة الشاملة؛ والوافي بالوفيات للصفدي ج6 ص144- 250، تحقيق أحمد الأرناؤوط، وتركي مصطفى، ط1، 1420هـ، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

[83] المنتخب في باب الجمع بين الصلاتين.

[84] تاريخ اليمن السياسي في العصر العباسي الأول لصالح العمارنة، مقالة ضمن صنعاء التاريخ والحضارة مج2 ص113، 115.

[85] المرجع السابق مج2 ص116.

[86] الوافي بالوفيات للصفدي ج1 ص223؛ والسلوك للجندي ج1 ص151، 152، وأئمة أهل البيت الزيدية لعباس زيد ص30، المكتبة الزيدية الإلكترونية.

[87] تاريخ اليمن السياسي في العصر العباسي مج2 ص118- 119.

[88] المرجع السابق مج2 ص121.

[89] السلوك للجندي ج1 ص147، 151، 152.

[90] السلوك للجندي ج1 ص344.

[91] التحف شرح الزلف ص32، 196، 197.

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024