هوية الدولة اليمنية العادلة (1 – 2) ...بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
هوية الدولة اليمنية العادلة (1 – 2)
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
- تمهيد
مرت علينا ذكرى ثورة 11 فبراير التي أُجْهِضت على يد القوى المعادية للشعب اليمني، لكنها سرعان ما عبّرت عن نفسها في ثورة 21 سبتمبر بعد عملية تصحيح ذاتية، والتي لا زال التحرك الثوري ماضيا في تحقيقها، غير أن سؤالا مهمًّا يلِح على طرح نفسه في كل مناسبة ولا سيما هذا العام واليمن يتعرّض لعدوان عالمي يستهدف وجود إنسانه وكرامته وسيادته وماضيه وحاضره ومستقبله، والسؤال هو عن ماهية الدولة وشكلها التي سعى إليها اليمنيون في حركتهم الثورية المعاصرة والتي ينبغي أن نسعى باستمرار إلى إقامتها وتشييد بنيانها.
إن هذا الموضوع مهم لكنه شائك، وتندر فيه الكتابة التنظيرية الإسلامية المراعية للثقافة اليمنية بشكل كبير، وهي مشكلة قديمة حديثة، فرغم أن أهم قضية اختلف فيها المسلمون هي قضية الحكم لكنها ظلت أقل القضايا التي استدعت البحث من العلماء والمفكرين والمنظرين المسلمين، فنتاجهم الفكري في هذا الموضوع قليل جدا، حتى بالمقارنة بموضوعات عملية تعتبر أهون منها بكثير، وعلينا الآن أن لا نستمر في هذا التجاهل الذي لا ولن يخدم راهن المسلمين اليوم.
وهذه المقالة محاولة شخصية تعبر عن رأي كاتبها كمقترح يحرك المياه الجامدة في هذا الوادي، وسأحاول تسليط الضوء على هوية الدولة العادلة وشكلها بناحية تأصيلية بالنظر إلى فكر الزيدية السياسي وواقعهم المعاصر.
- الدولة العادلة في اللغة:
تطلق الدَّولة في اللغة على حصول الشيء في يد هذا تارة، وفي يد هذا أخرى، أو التعاقب في المال والحرب، أي هذا يعقب هذا في ذلك. والإدالة معناها الغلبة، يقال: أديل لنا على أعدائنا، أي نُصِرْنا عليهم، قال أبو سفيان بن حرب لهرقل ملك الروم عند سؤاله عن علاقة قريش بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: يدال علينا المرة، وندال عليه الأخرى، أي نغلبه مرة، ويغلبنا مرة، مشتقة من التداول، ومن ذلك قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
وقد استخدم العرب في صدر الإسلام حتى العصر الحاضر كلمة الدولة على السلطة الزمنية التي تمسِك بزمام الأمور العامة في زمنٍ ومكانٍ ما، سواء كانت عادلة أو ظالمة، مراعاة للأصل اللغوي، الذي يعبِّر عن الإدالة، ولأجل ذلك أمكن وصفها بالعادلة أو الجائرة. وهذا أمر واضح وبين.
ولا يختلف تعريف الدولة بالمعنى اللغوي والتاريخي للدولة عنه اليوم، فلا بد من نظام سياسي، وشعب، وإقليم، كمكونات أساسية للدولة، ويضاف إلى ذلك السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية. غير أن أهم ما يميز الدولة المعاصرة هو السعي للفصل بين سلطاتها الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وهي تجربة حضارية إنسانية خضعت للتأثر والتأثير بين الحضارات المختلفة حتى وصلت إلى هذا المستوى الذي يبدو أنه يحقق العدالة التي هي جوهر هدف قيام الدولة في الإسلام.
وأما العدل والعدالة فهو "لفظ يقتضي المساواة، .. والعَدل والعِدل يتقاربان، لكن العَدل يستَعْمَل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، وعلى ذلك قوله تعالى: (أو عدل ذلك صياما) (المائدة95)، والعِدل والعديل فيما يدرك بالحاسة، كالموزونات والمعدودات والمكيلات، .. وأيام معتدلات: طيبات لاعتدالها" ، وفي لسان العرب: "العَدْل ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم وهو ضِدُّ الجَوْر .. وفي أَسماء الله سبحانه العَدْل هو الذي لا يَمِيلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، وهو في الأَصل مصدرٌ سُمِّي به فوُضِعَ مَوْضِعَ العادِلِ، وهو أَبلغ منه لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلاً، .. والعَدْلُ: الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ، وهو حَكَمٌ عادِلٌ ذو مَعْدَلة في حكمه. والعَدْلُ من الناس المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. وقال الباهلي: رجل عَدْلٌ وعادِلٌ جائز الشهادة، ورَجُلٌ عَدْلٌ رِضاً ومَقْنَعٌ في الشهادة".
ومن خلال الاستعراض اللغوي لمعنى العدل، يتضح أن من مصاديقه المساواة والمعادلة، والتوازن والمرضي قوله وفعله، وجائز الشهادة، ومن لا يميل به الهوى، فالتوازن بين الذنب والعقوبة، والبر والثواب، والمساواة بين الشخص والآخر في الثواب والعقاب والحقوق والواجبات والفرص والتحديات، والتوازن بين السلطة والمسؤولية، والتوازن بين الإمكانات والنتائج، وما شاكل ذلك كله من مصاديق العدل.
لقد أوصى القرآن بالعدل في آيات كثيرة، فأمر بالحكم بالعدل بين الناس، ثم أمر الناس المحكومين بأن يطيعوا ويسمعوا لأولئك الذين يحكمونهم بالعدل، مذكِّرا بأنه في حالة الاختلاف بين الحكام والمحكومين، فإنه يجب الردُّ إلى الله ورسوله، والردُّ إلى الله هو الردُّ إلى كتاب الله، والردُّ إلى الرسول هو الردُّ إلى سنته الجامعة غيرِ المفرِّقة كما ورد في الأثر الصحيح، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا # يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (58-59: النساء). وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، وفي هذه الآية يأمر الله بالعدل، وهو المساواة بلا زيادة ولا نقصان، هي المساواة في الثواب بقدر العمل، والمساواة في العقاب بقدر الإثم، أما حين يزاد على المقدار المستَحَقِّ في الثواب فهو الإحسان، والذي تعتبر دولته صورة متقدمة من دولة العدل ومندوبا إليها. وموارد الآيات التي تحدثت عن العدل يصف فيها القرآن الحكم بالعدل، ويأمر بإشهاد ذوي العدل، ويحث على قول العدل، وفعله.
وتطبيقات العدالة متنوعة، فكلما كان هناك نقص أو حرمان أو قلة تكافؤ بين الفعل وعقوبته أو تشجيع للظلم فإن ذلك يعتبر من الظلم، ومن غياب العدالة، ويتسع العدل "ليشمل كل القضايا التي يختلف الناس فيها، في شؤون الحكم من حيث علاقة الحاكم بالمحكومين، وعلاقات الناس ببعضهم، وفي شؤون التقييم للأشخاص والأوضاع، وفي تقديرهم للمواقف من خلال ما تختزنه من مؤثرات وما يحيط بها من ظروف... وبذلك يكون العدل هو السمة البارزة التي تطبع الواقع الإسلامي في حياة الفرد؛ العائلية أو العامة من جيرانٍ وأقارب وأصدقاء ومعارف… الخ لا سيما الذين يتحمل مسؤوليتهم ويتحملون مسؤوليته، في نظرته للأمور، وفي كلماته وأعماله وفي حياة المجتمع، في تصرفاته وعلاقاته بالمجتمعات الأخرى" .
حين أمر الله بالإشهاد في مسألة التداين فإنما لكي يتم توثيق المسألة المستشَهد فيها فلا يظلم فيها أحد، ويأخذ كل ذي حق حقه، فقد يكون الحاكم عادلا، ويكون الغريم عادلا، ولكن لوقوع تقصير وتفريط في الإجراءات التي كان يجب أن تتبع يحصل الظلم، ولهذا حث الله المتداينين على توثيق حالة التداين بينهم، وعقب تلك التوجيهات بقوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ) (البقرة 282)، وعلى هذا يمكن وصف الدولة بأنها غير عادلة إذا وقعت في القصور الذي يجب عليها أن تتجنبه، حتى ولو كان القائمون عليها ذوي عدالة ذاتية، لكن لأنهم لم يقدموا أداء عادلا يمكن وصفهم بالظالمين، وإذا أخلت دولتهم بواجباتها فإنها تكون غير عادلة، والحاكم المسيء للتقدير والجاهل بالعواقب وغير الجدير بالمسؤولية المناطة به ومن لا يلتزم معايير الحكم العادل يعتبر جائرا وظالما.
هناك صيغتان للدولة، أحدهما صيغة واجبة، وهناك صيغة مندوب إليها، فهناك الدولة العادلة، وهي الدولة التي توفر الحد الأدنى من مقاييس العدالة، ثم هناك الدولة المحسنة، وهي الدولة التي تؤدي واجباتها وزيادة، فمثلا الدولة التي توفر للفقراء الحد الأدنى من المعيشة هي دولة عادلة، أما حينما تسعى إلى توفير الرفاه لهم وما هو أكثر من الحد الأدنى فهي دولة الإحسان. وكلا الصيغتين مطلوبتان إما بالوجوب أو بالندب للشارع الحكيم، حيث يقول تبارك وتعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل90).
- الدولة العادلة والمدنية والحديثة:
آثرت هذا المصطلح للدولة التي ننشدها؛ لأنه يفي بالغرض من الدولة التي بحث عنها اليمنيون، وثاروا من أجلها، لقد ظلت العدالة هدفهم الأكبر وهم يتحركون في ميادين الثورة ولا زالوا، وهو مصطلح إسلامي، قرآني، وجاء وصفا لكل تحرك يرضاه الله عز وجل، ويطلبه من عباده لتستقيم حياتهم، وتعتدل أحوالهم، وأيضا يعطي بذاته حافزا ودافعية للثوار للانطلاق لتحقيقه، ويوفر إجابة واضحة حول هدف الثوار والثورة من تحركهم، ويعالج إشكالا أفسد العلاقة بين الحكام والمحكومين، ويشير مباشرة إلى أهم وظيفة وهدف لأي دولة إنسانية تتحرك بحسب التعليمات الإلهية، ولأن ثقافتنا قرآنية إسلامية فالأولى استخدام هذا المصطلح.
لم يتم وصفها بالدولة المدنية الحديثة، لأن مصطلح (المدنية) مصطلح عائم، ولا يعبر لا بصراحة ولا بتلميح عن العدل المطلوب من الحكام، والمنصوص عليه في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء58)، بالإضافة إلى الإشكالات التي قد يسبِّبُها؛ إذ ربما أوهم معنى الانحياز للمدينة على حساب القرى والأرياف، أو الانتقاص من أي متعلقاتها، وربما أوحش قلوب العسكريين الذين يشكلون عماد حياة الضبط والحفظ في الدولة، وربما استخدمه من يريد انتقاص المكون القبلي الذي يشكل جزءا من طيف المجتمع اليمني.
كما لا نحتاج إلى وصفها بـ(الحديثة)؛ فإذا كان مقصدنا تحديث هذه الدولة التي نسعى إلى تحقيقها، فلعله لا يمكن أن تتحقق عدالة حقيقية إلا بتحديثها، حتى تؤدي وظائفها على النحو العادل؛ وبالتالي فإن وصف (العادلة) يغني عن وصف (الحديثة)؛ لأننا إذا جلبنا حكاما من التاريخ الوسيط للحكم في هذا العصر بأجهزة ووسائل وطرق عصرهم لحصل الظلم والاضطهاد والنقص ولو كانوا في ذواتهم من أفضل رجال العدالة؛ إذ أن هناك ظروفا ووسائل وطرقا حديثة تتطلب من الحكام في هذا الزمن أن يستخدموها لكي يواكبوا حاجات ومقتضيات الشعوب المعاصرة، فتتحقق العدالة المطلوبة.
- هوية الدولة اليمنية العادلة:
هناك عدد من العناصر المهمة التي يمكن أن تكوّن هوية الدولة اليمنية العادلة، وهي كالتالي:
1- جمهورية
لما ثار اليمنيون على النظام في اليمن في 11 فبراير ثم في 21 سبتمبر تحرّك كثير من علماء اليمن في هذه الثورة، واعتبروها حلا للمشكل السياسي والاجتماعي القائم، وكان من ضمن هؤلاء كثير من علماء الزيدية ومفكريها وقادة المسيرة القرآنية (أنصار الله)، فأصدروا مواقف وبيانات تؤيد وتدعم حق الشعب في الوصول إلى صيغة الدولة العادلة، التي تحكم بالحق، وترفع الظلامة عن الشعب، واعتبروا نهضتهم الثورية تلك نهضة شرعية تنطلق من واقع الحاجة، ومناسبة للظروف، ومستجيبة للأهداف والآمال المشروعة؛ فهناك شعب متعدد الاتجاهات والمنازع الفكرية، والسياسية، ومن المحال فرض رؤية سياسية معينة على الجميع، وليس ممكنا التعامل مع نظرية الإمامة بحسب الرؤية الزيدية التقليدية، رغم التسليم بأنها كانت في ماضيها أكثر وأفضل النظريات السياسية جماهيرية. كما لم يعد بالإمكان تطبيق ما كان الإخوان يريدونه وبشر به بعض شيوخهم، من دولة الخلافة، التي ظهرت بنسختها المعدّلة داعشيا كأسوأ وأبشع وأفظع سلطات حاكمة على مر التاريخ.
طرح أولئك العلماء المنتمون للزيدية ولنظريتها السياسية أهمية وجود دولة عادلة، وليكن بشكلها الجمهوري، ولكن بأن يتفق الجميع على أطرها وهويتها وتنظيماتها وتشكيلاتها، ويجب أن تفضي في وظائفها وأعمالها إلى تحقيق العدل في المجتمع، وتحقيق مصالح المسلمين، وإشاعة الأمن والسلام فيهم، فالإسلام يأمر بالعدل بين الناس، ويدعو إلى جلب المصالح لهم، ودرء المفاسد عنهم، وهو هدف إنشاء أي دولة في الإسلام.
يمكن النظر إلى تعامل الإمام علي مع خلافة أبي بكر وعمر كواقع لدولة تحقق الحد الأدنى من العدالة، رغم أنه كان يعبِّر بين الفينة والأخرى عن تظلمه الشخصي تجاههم، ، لكن حين يتحقق من سلطة الأمر الواقع العدلُ العامُّ (أمور المسلمين) بين الناس لم تكن لديه سلام الله عليه مشكلة في التعاطي الإيجابي مع هذه الدولة، ولهذا أعلن تلك الكلمة الشهيرة: (لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين)، والتي تعتبر تأسيسا واضحا لدولة العقد الاجتماعي المبني على تحقيق مصالح المسلمين، والتي تحدثت عنها علوم الدولة والسياسة في العصر الحديث، فتحقيق مصالح المسلمين والعدل فيهم يمكن أن يكون العقد الذي يمكن الاتفاق عليه؛ ولهذا لا نجد أيا من ثوار أهل البيت عليهم السلام على مر التاريخ قد ثار على حاكم مسلم عادل، بل كانوا قريبين نصحاء لمن كان عادلا على ندرتهم؛ فهذا الإمام علي عليه السلام له أدوار قضائية وحضارية في دولة الخلفاء قبله، وهذا الإمام زيد بن علي كان قريبا من عمر بن عبدالعزيز، وكان يواصله بالنصائح؛ وانطلاقا من هذا فليست هناك مشكلة حتى عند الزيدية المتمسكين بنظرية الإمامة بشكليتها التقليدية من وجود دولة عادلة تحقق مصالح المسلمين.
أيضا يمكن النظر إلى تشدّد الزيدية في نظرية الإمامة وفي مواصفات الحاكم فيها إيجابيا، وأنه كان في صالح الأمة، ويساعدها على تصحيح مسارها، ويظهر أن الفكر الزيدي السياسي يقبل بنوعين من الدولة، دولة الإمامة بحسب النظرية المشهورة، حيث يحوز فيها الإمام أربعة عشر شرطا، وهي نظرية مثالية لا سيما اليوم، وكانت لها نجاحات وإخفاقات عبر التاريخ، لكنها في العموم حققت العدل بين الناس، وهناك نظرية الدولة العادلة، والتي قد تكون بدولة ما يسمى بالمحتسب، أو دولة الأمر الواقع، وهي الدولة التي يشترط عليها تحقيق العدل، فإما حكمت بالحق والعدل ومصالح المسلمين، فتكون مرضيا عليها، وإما سقطت في وحل الظلم، وهنا ستتعرض لثورات الثائرين المصلحين.
على ضوء هذا يظهر وجود رغبة صادقة في قيام الدولة العادلة التي تعتبر (مصالح المسلمين والعدل) هدفا أساسيا ورئيسا لوجود هذه الدولة.
*يتبع في العدد القادم
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1338 مرة