أسس ومبادئ قرآنية للتحرك في ميادين الجهاد...... بقلم/محمد الشميري
أسس ومبادئ قرآنية للتحرك في ميادين الجهاد
بقلم/محمد الشميري
عندما يتحرك الإنسان في ميدان الجهاد في مواجهة أعداء الله هناك أسس ومبادئ قرآنية حث الله سبحانه وتعالى إلى الالتزام بها وتطبيقها في واقع حركتهم الجهادية تتمثل فيما يلي:
1- الإيمان العميق بالله والثقة بنصره: فوعد الله سبحانه حتمي ومؤكد: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}. وفي سورة القصص وقبل الحديث عن فرعون يقول سبحانه بسم الله الرحمن الرحيم: {تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون} ما الخبر: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين} وهذه صفات كل فرعون في أي عصر وفي أي زمن؛ لأنه لا يقوم حكمه إلا بتمسكه بتلك الصفات، ثم يأتي الوعد ويأتي الحديث عن السنة الإلهية التي تجري في الكون وبها تزول عروش الظلمة والمستبدين: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} حركة تزيل هذا الكيان المعتدي الظالم بأكمله، مهما كانت قوته وإمكانياته: {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
2- الإخلاص: النية الخالصة هي أساس نجاح أي عمل، بوجودها يكون العمل نقياً من أي شائبات، وبه يكون الطريق إلى الهدف خالياً من أي مطبات تعرقل حركة السير، وبها يكون الهدف واحداً ومحدداً والسعي إليه سريعاً، فإذا ما وجدت شوائب أو عراقيل من أطماع أو رغبات أو مكاسب شخصية لا تخدم القضية سواء كانت مادية أو معنوية فإن أي عمل يتعثر ويتردى، وقد يؤول إلى السقوط والفناء، والإمام علي يضرب أروع الأمثلة على الإخلاص عندما أطاح بأعتى رموز الغطرسة والاستبداد عمرو بن عبد ود، وبينما هو جاثم على صدره تفله اللعين فقام الإمام عنه وهدأ غضبه واحتز رأسه فعندما سئل الإمام عن ذلك أجاب أنه لا يريد أن يكون قتله يشوبه انتقام لنفسه أو حال غضبه وإنما يكون خالصاً لله سبحانه.
ففي مثل هذه المواقف والبطولات يجب إلغاء النفس ونزعاتها وشهواتها مادية أو معنوية، ليحظى من هو جندي لله في ميدان مواجهة الأعداء، بالتأييد الإلهي، والنصر المؤزر.
3- الصبر: للصبر دائماً عاقبة محمودة، وهو خلق عظيم يجب أن يتحلى به المجاهد المناضل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} أمر مهم، عليه عقد الفلاح والنجاح، وموسى لما واجه فرعون رمز الاستكبار العالمي أوصى قومه بالاستعانة بالله والصبر، عندما هددهم فرعون، قال الله سبحانه: {قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.
ولجأ قومه إلى التحلي بالصبر وتضرعوا إلى الله أن يفرغ عليهم الصبر؛ ليواجهوا به كيد ومكر فرعون: {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} فكانت عاقبته النصر، كما قال تعالى: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}.
وفي سورة آل عمران يخاطبنا الكريم سبحانه أن نتسلح بالصبر في مواجهة كيد الأعداء، وغطرستهم واستبدادهم، فيقول: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط}.
4- الحفاظ على لم الشمل والحذر من شق العصا واستيعاب بعضنا: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، فالله نهى عن التنازع والاختلاف لأنه يؤدي إلى الفشل، وأمر بالصبر في سبيل الحفاظ على التوحد، فقد يحدث اختلاف في جزئيات صغيرة يجب ألا تؤثر على ما اتحد عليه الناس من هدف كبير لأن ذلك يؤدي إلى التمزق والتلاشي والفشل، والإمام علي (ع) يقول وهو يوصي ابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل: “ارم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك” وهنا قال الشراح: إن معنى ذلك غض بصرك عن الالتفات يميناً وشمالاً فإن ذلك يكون أثبت للجأش وأقرب للطمأنينة. وكلام أمير المؤمنين رضوان الله عليه يدل على أن تجعل محط بصرك هو الهدف (أقصى القوم) وأن تغض بصرك عما يثني أو يعرقل مسارك بعدم الالتفات لغير ذلك.
5- الاستبسال والثبات في سبيل تحقيق الهدف الذي تنشده الجميع، وفي هذا الموضوع يقول الإمام علي عليه السلام لولده محمد بن الحنفية: “تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذيك وأعر الله جمجمتك تِد في الأرض قدمك”، كناية عن مدى الثبات والاستبسال.
6- عدم الاكتراث بقلة العدد وكثرة العدو: ما دام أن الله حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً على عباده ونهى عن ممارسته كذلك قطع وعداً على نفسه بنصر المظلومين، وجرت سنته بإزالة الظالمين المعتدين، فيجب الإيمان به والثقة بنصره: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}.
وكم كان عدد المسلمين في بدر وفي أحد وفي الخندق، وعلى مر التاريخ كم عدد المؤمنين في أي ميدان، وأي مواجهة مع الأعداء، وكم عدد أعدائهم.
7- عدم المبالاة بالأراجيف والشائعات: طبيعة أي حرب أو معركة أو مواجهة أو حتى مشكلة يكون فيها مسرح واسع للنفاق والمنافقين دورهم الإرجاف ونشر الشائعات والبلبلة الكاذبة وكل ذلك محاولة لخلق هزيمة نفسية في نفوس أنصار الحق، والله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران يقول: {الذين قال لهم الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} الناس غير المناصرين لهم، الناس الواقفون في صف الباطل والظلمة وخدمتهم قالوا: {إن الناس قد جمعوا لكم} وهو نوع من أنواع الشائعات والأراجيف التي تتكرر في كل مواجهة: {لأقطعن أيدكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين}، وكثيراً ما نسمع المنافقين يتحدثون عن قوة العدو وإمكانياته، متناسين قوة الله العزيز الجبار، لكن المؤمنون كيف يكون موقفهم من ذلك الإرجاف {فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
المؤمنون في ميدان المواجهة ردهم دائماً ـ ويجب أن يكون كذلك ـ {حسبنا الله ونعم الوكيل}، {إنا إلى ربنا لمنقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا، ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين}.
لأنه يعرفون أنهم على الحق ويثقون أن الله معهم، وهم مستبسلون في سبيل الله، باذلون أرواحهم للفوز برضوان الله {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى}، مهما فعل العدو فهو الخاسر، ((فوالله ما فريت إلى جلدك وما حززت إلا لحمك فكد كيدك. فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا تدحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين)) بذلك الثبات يتحقق الوعد: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو الفضل العظيم، لأنهم ثبتوا: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب عظيم}.
8- فهم واستيعاب الأحداث والقصص المشابهة: فالمؤمن يجب أن يكون محيطاً أولاً بالأحداث والقصص المشابهة للوضع أو الواقع الذي يعيشه ليستحضر الماضي علّه يضيء له المستقبل، والإمام علي يقول في وصية له: “استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه”.
ويأتي في مقدمة ذلك القصص القرآني، والقرآن تحدث عن الطغاة والظلمة وضرب قصصاً وأمثلة قيمة: {ولقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين} فيه ذكركم رجاء أن تعقلوا وتفهموا، ويذكر: {كم قصمنا من قرية} صفتها أنها: {كانت ظالمة} فكان نهايتها الهلاك، وأنشأنا بعدها قوماً آخرين، وفي آيةٍ أخرى يتحدث الله عن نقمته للمجرمين فيقول: {ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} سنة قائمة، ثم يلفت الانتباه فيقول سبحانه بعدها مباشرة: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.
هذا توجيه رباني يخبرنا أن القصص المذكور في القرآن عبرة ويشير إلى أن القصص الذي يتكرر ويحدث على امتداد التاريخ أيضاً عبرة، يجب قراءة كل حدث مشابه، واستحضاره والاستضاءة به، فاستلهام عبر التاريخ واستحضارها يقدم لنا دروساً قيمة وعظيمة.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 875 مرة