ثورة الإمام زيد .. بين حضور المرأة وغياب المحصورين في المسجد .. إعداد/ لجنة الثقافة بالمجلس الزيدي الإسلامي
ثورة الإمام زيد .. بين حضور المرأة وغياب المحصورين في المسجد
في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليه السلام 1439هـ حري بنا أن نسترجع منها ما يعزز وعينا، ويصحح مسارنا، ويراكم تجاربنا، ويفيد واقعنا، وهذه بعض العناصر التي يسر الله ذكرها.
أولا: القرآن الكريم .. مصدر الثورة
ولِدت ثورة الإمام زيد بن علي عليهما السلام بالأمس من رحم تعاليم ومنطلقات القرآن الكريم، الإمام زيد الذي يقول: "خلوت مع كتاب الله ثلاث عشرة سنة أتدبره وأتأمله"، والذي كان لا يتوسد القرآن ليلة من الليالي، بل كان يمر في ليالي عبادته الطويلة على آياته تأملا وتدبرا واهتداء، إلى الدرجة التي شاع في أهل المدينة المنورة، إذا زارها أحد العلماء، فسأل عن الإمام زيد فإنهم سيجيبونه: (ذاك حليف القرآن). وهو اللقب الذي لم يحظ به ابن أم منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا.
وقبل أن يتحرك الإمام زيد في ثورته المسلحة كان قد تحرك تحركا معرفيا وفكريا وثقافيا ودينيا، فأعاد الناس إلى المصادر الأصيلة للمعرفة، واتجه أساسا إلى القرآن الكريم يدعو إليه، وإلى إحيائه، فمكث سنين طويلة يتأمله ويتدبره، يناجي الله من خلاله، ويستشعر أنه والأمة مخاطبون بهذا الخطاب، في إطارِ تحركٍ عملي واعٍ، ولهذا وصلت قناعاته إلى وجوب الجهاد ضد أعداء الله المعتدين، وهذا شأنُ كلِّ من يتحرَّك من خلال القرآن ويتجه إليه باعتباره المصدر الأصيل للمعرفة المكوِّنة للرؤية والوجدان والسلوك والممارسة.
اليوم اتجه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي إلى إحياء حالة الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبناء حالة اليقين بما عند الله ونصره للمؤمنين، لمَّا بات الكثير ينتظر أن يكون في قوةٍ ماديةٍ موازيةٍ للظالمين والطاغين؛ وهو الأمر الذي لم ولن يحصل، وحينها لا يعدم المتعذِّرون المسوِّغات والمبرِّرات للقعود، والتنصل عن المسؤولية، فعاد إلى القرآن ودعا إلى العودة إليه، وخلق هذه الروحية العالية في الشعور بالله، وباليقين بما عنده، في نفوس أهل هذا الجيل العظيم الذي نراه اليوم يسطر أروع أمثلة التضحية والفداء، واليقين، والشعور بالمسؤولية العظيمة.
إن بقاء الارتباط بالقرآن الكريم والتحالف معه هو الضمان لبقاء الروحية الثورية الجهادية في هذه الأمة العظيمة التي أثبتت جدارتها تجاه هذا العدوان الصلف والغاشم. وكما انتصر التحالف مع القرآن الكريم في مسيرتنا الأولى للبشرية جمعاء، وقدَّم لهم نصرا استراتيجيا، أسَّس لمفهوم الثورة على الحاكم الظالم الغشوم، وأسقط عروشَ الظالمين في فترات تاريخية عديدة، وصار مثلا أعلى ونموذجا ملهِمًا لكل الأحرار داخل هذه الأمة وخارجها، كذلك نشهد اليوم تباشير انتصار ثورتنا المباركة والتي تعد حسنة من حسنات إمام الجهاد والاجتهاد، وإن النصر لكبيرٌ ما دمنا مرتبطين بالله تعالى، متوكِّلين عليه، مقَدِّمين مؤهلات المعية له عز وجل، وهو الذي بيده النصر والعون.
والمرأة اليوم بوعيها العميق بمشروع الله في أرضه، تقدم نموذجا واعيا لهذه الثورة المباركة، التي نعايش أحداثها.
ثانيا: النية .. الأصل
المطلوب منا دائما أن نعمل على تصحيح النية التي نتحرك بها مع الله تعالى، وأن تكون خالصة لله، لا عصبية، ولا عنصرية، بل استجابة لأمر الله تعالى بجهاد المعتدين المستكبرين، وهذا الإمام زيد كان حريصا على تنقية نيات أصحابه المجاهدين من أي شائبة شك أو انحراف، يقول لهم عليه السلام:
"عباد اللّه ! لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل اللّه، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن اللّه يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسًا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسًا بغير حق. عباد اللّه البصيرة .. البصيرة " .
وكتب عليه السلام إلى أهل الآفاق كتباً يصف فيها جور بني أمية، وسوء سيرتهم، ويحضهم على الجهاد ويدعوهم إليه، وقال: "لا تقولوا خرجنا غضباً لكم، ولكن قولوا خرجنا غضباً لله ودينه".
ثالثا: ثورة إسلامية بقيادة أهل البيت
كانت ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام مجمعا عليها بين القوى الإسلامية، كما كانت قيادته للثورة الإسلامية ضد الطغيان الأموي مجمعا عليها داخل البيت النبوي الهاشمي، باعتباره أعلم أهل بيته، وأقومَهم بالحق، حتى أن أخاه الأكبر الإمام محمد الباقر، قال - وقد أشار إلى أخيه الإمام زيد-: "هذا سيد بني هاشم، إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا استنصركم فانصروه"، ويروي أحد المحبين عن ابن أخيه الإمام جعفر الصادق (ع) أيضا: " قال لي جعفر بن محمد: هل شهدت عمي زيداً؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت فينا مثله: قلت: لا، قال: ولا أظنك والله ترى فينا مثله إلى أن تقوم الساعة، كان والله سيدنا ما ترك فينا لدين ولا دنيا مثله".
يتحدث أحد علماء البلاط الأموي، ويسمى أبا عوانة، أنه اختلف وسفيان الثوري - وهو أحد أعلام الفكر الإسلامي - قائلا: "فارقني سفيان على أنه زيدي"، وهنا لا يقصد النسبة المذهبية بقدر ما قصد النسبة الثورية الجهادية، وهكذا صار الإمام زيد علما للثوار الأحرار، كما صار اليمن اليوم مثالا كبيرا للأحرار الأبطال الذين يتخذون من الإمام زيد قدوة حسنة.
رابعا: بشراكم .. يا حرائر وأحرار اليمن
إن جملة وافرة من الأحاديث النبوية المبشرة بخروج وثورة الإمام زيد، والتي تنسجم بشكل واضح من الآيات الآمرة بالجهاد وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تبين المدى العظيم التي تحدثه هذه الثورة الإسلامية، فمثلا هذا الحديث "يخرج رجل من صلبك يقال له: زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب".
أما الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام والذي يقول: "يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبهة (والأبهة الملك)، لا يسبقه الاولون، ولا يدركه الآخرون، إلا من عمل بمثل عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطوا أعناق الخلائق، تتلقاهم الملائكة فيقولون: هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: (يابني قد عملتم ما أُمِرْتُم به فادخلوا الجنة بغير حساب)"؛ فإنه يبشر جميع المجاهدين الذين يسلكون مسلك الإمام زيد، ويعملون بعمله في الجهاد بهذا الاستقبال الرائع من الملائكة عليهم السلام ومن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا لنا أن نسأل أنفسنا: من هو الذي يعمل عمل الإمام زيد في هذا الزمان؟ وهل نحن من هؤلاء؟
خامسا: المرأة في خضم ثورة الإمام زيد
شاركت المرأة الكوفية، ولا سيما تلك التي تعود لأصول يمنية مشاركة فعالة في ثورة الإمام زيد سلام الله عليه، وتبين روايات عديدة أنها اقتحمت مجالات متنوعة في المشاركة في هذه الثورة العظيمة.
1-تقوية الثورة
بعد أن استشهد الإمام زيد أخذ الوالي الأموي على الكوفة "امرأة قوّت زيداً على أمره فأمر بها أن تقطع يدها ورجلها، فقطعت يدها ورجلها ولم تحسم (أي تُرِكَتْ تنزِف) حتى ماتت. وضرب عنق زوجها.
هذه الرواية مع روايات أخرى بعضها سيأتي تبين أنه كان لهذه المرأة دور مهم في تقوية الثورة وإعانتها بالدعم بالمال، والرجال، حتى أنه يأتي دور زوجها كدورٍ تابعٍ لدورها، كما يعاقب بالتبع لعقوبتها لعظيم أثرها في تلك الثورة، كما تكشف الرواية أيضا الوجه الداعشي الأموي بملاحقة النساء، وقطع أيديهن وأرجلهن، واختيار أبشع أنواع القتل، وبأن الطغاة في كل زمان ومكان يرتكبون أسوأ أنواع الإجرام الداعشي، إذا أتيحت لهم الفرصة بالانتصار المادي، فإنهم لا يبقون على نساء ولا على رجال.
2-المشاركة الفعلية في القتال
روى البلاذري أنه "عرض نساء من نساء أهل الكوفة على الإمام زيد أن يخرجن فيقاتلن معه .. فقال: ليس على النساء ولا على المرضى قتال"، أي أن المرأة الكوفية المؤمنة كانت مستعدة للمشاركة في الأعمال العسكرية المباشرة في نصرة ثورة الإمام زيد بن علي، وهي قضية خارقة لعصرها، حيث لم نشهد نساء مقاتلات بشكل جماعي يعرضن مشاركتهن العسكرية كمثل هذه الحادثة.
ولم يكن رفض الإمام زيد بن علي لقتالهن، إلا لأن هذه المسألة لم تكن معهودة اجتماعيا، وتحتاج إلى تمهيد، وإلى تهيئة مجتمعية، لكن مع تجنيد العدوان السعودي الأمريكي لنساء في معركته لبعض الأعمال العدوانية مثل التجسس، وزرع الألغام، والشرائح، وغير ذلك، ولأننا في معركة دفاعية توجِب على جميع فئات المجتمع الاشتراك فيها بما فيهم النساء، فإنه يجب أن نأخذ هذا الأمر على محمل الاستعداد، وهذا ما أثبته المرأة اليمنية المسلمة خلال أكثر من 600 يوما من العدوان، وإذا كانت نسوتنا على استعدادٍ للدفاع عن بلدنا، فما أحرى (المحصورين) في البيوت أن يكون لهم موقف مناهض للعدوان.
3-الطغاة .. وأمه التي هي (امرأة) أيضا
بقدر ما مثلت المرأة السيئة بضاعة سيئة للظالمين، وسلعة خبيثة للحركات الهدامة، تشكل المرأة الصالحة عنصرا مهما في الحركة الجهادية، والأخلاقية، والتربوية، وتمثل دائما شوكة في حلوق الطغاة؛ ولهذا نجد الطاغي هشاما يعيِّر الإمام زيدا، بأمه تلك المرأة الصالحة؛ لأنها ابتليت بالرق والعبودية، وهذا الحوار يبين نظرة الإسلام الأموي الجاهلي المستكبر، الذي نجده اليوم أيضا ماثلا للعيان، وهذا نص الحوار:
هشام: أنت زيد المؤمّل للخلافة، ما أنت والخلافة وأنت ابن أَمَة؟!
زيد: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن حتم الغايات، ولا أعرف أحداً أحب عند اللّه من نبي بعثه وهو ابن أمَة، وهو إسماعيل بن إبراهيم، والنبوة أعظم عند اللّه من الخلافة. ثم لم يمنع ذلك أن جعله اللّه تعالى أبا للعرب، وأبا لخير النبيين محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فلو كانت الأمهات تقصر عن حتم الغايات لم يبعثه اللّه نبياً.
4- تغطية تحركات الثائرين
لما رُمِي الإمام زيد بذلك السهم الذي خالط دماغه، قال: عليه السلام كلمته الشهيرة: "الشهادة في الله .. الحمد لله الذي رزقنيها"، وبالمناسبة فهي الكلمة التي جاءت من معنى كلمة جده الوصي سلام الله عليه لمَّا مرّ بنفس الحالة الجهادية الاستشهادية، فقال: "فزت ورب الكعبة". عند ذلك أمر الإمام زيد أصحابه أن يحملوه إلى دار امرأة همدانية، أي من أصل يمني.
دار هذه المرأة الهمدانية بحسب الرواية الأخرى في الأمالي الإثنينية كانت من دور أرحب وشاكر القبيلتين الهمدانيتين اليمانيتين المعروفتين، وهذا يبين مشاركة النساء والرجال اليمنيين في هذه الثورة الإسلامية العظيمة، وأن المرأة فتحت دارها لتكون مقرات للثورة.
5- تضحيات بلا حدود
أما المرأة اليمانية الأخرى والتي تنتمي إلى قبيلة الأزد اليمانية أيضا، فإنها في ثورة الإمام زيد عليه السلام كشفت عن مقدار وعيها وعقلها ورزانتها وقوة منطقها ثم صبرها اللامحدود، كما عهدنا اليمانيات اليوم وهن يقفن بجدارة عظيمة أمام المعتدين الظالمين، حيث بعث يوسف بن عمر بعد استشهاد الإمام زيد إلى أمِّ امرأة للإمام زيد أزدية، فهدم دارها، وحُمِلَت إليه فقال لها: أزوَّجْتِ زيداً ؟ قالت: نعم زوجته وهو سامع مطيع، ولو خطب إليك ابنتك إذ كان كذلك لزوجته. هكذا خاطبته خطاب الحجة البالغة والقوة الدامغة، فماذا كان موقف الوالي الحقير والطاغية الذي نراه اليوم متمثلا في (عسيري)، و (بن سلمان)، وأضرابهما؟
قال: شقوا عليها ثيابها، فجلدها بالسياط وهي تشتمه، وتقول: ما أنت بعربي، تعريني وتضربني لعنك الله، فماتت تحت السياط ثم أمر بها فألقيت في العراء فسرقها قومها ودفنوها في مقابرهم.
هكذا نرى تراث وجذور الداعشية الوهابية في الممارسات الأموية؛ ولهذا لا غرابة أن يدافع الشيخ القرضاوي، والزنداني، وصعتر وأمثالهم عن الدولة الأموية، ويسمونها (الدولة العربية)، كما يسمون الآن السعودية: (دولة العرب)، رغم أن هذه المرأة فضحت عروبتهم، كما فضحتها بنت اليمن اليوم، وتماما مثل فعل هذا الحقير مع المرأة السابق ذكرها، بقطع يدها، ورجلها، وتركها تتشحط بين دمائها حتى ماتت، ألا يأتي كثرة أعداد الشهيدات من النساء وأطفالهن اليوم نتيجة غارات حقراء اليوم، في سياق واحد مع ممارسات الوالي الأموي؟!
أما نصيب "امرأة أشارت على أمها أن تؤوي ابنة الإمام زيد" فقط مجرد إيواء فقد كان "خمسمائة سوط"، وأما من زوَّج ابنته بيحيى ابن الإمام زيد، وهو عبد الله بن يعقوب السلمي والذي كان أحد أنصار الدولة الأموية، وقد أثنى على طاعته لها حتى هذا الوالي الحقير، لكن لأنه ارتبط بعلاقة مصاهرة مع أسرة الإمام زيد فقد جيء به مكبَّلا يرسف في القيود، فقال له يوسف: ائتني بابنتك. قال: وما تصنع بها جارية عاتق في البيت. قال: أقسم لتأتيني بها أو لأضربن عنقك. فأبى أن يأتيه بها، فضرب عنقه، وأمر العريف (شيخ القبيلة) أن يأتيه بابنة عبد الله بن يعقوب فأبى فأمر به فدقت يده ورجله.
أما الدرس الذي يجب أن نعيه من هذا فإن ملة الظالمين الحقراء واحدة، وطريقتهم ومنهجيتهم لا تختلف، وسوف لن يتخلف هؤلاء عن ممارسة ما هو أشنع مما فعله أولئك لو أتيحت لهم الفرصة لا سمح الله.
وأما إحدى إماء الإمام زيد فقد أخذوها، وَقَطَعُوا ثَدْيَهَا فَمَاتَتْ فِيْ ذَلِكَ رَحَمْةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ ولهذا تحركت امرأة اليوم في اليمن حركةٍ جادّةٍ في مواجهة الظالمين الحقراء، حتى لا تتكرر مآسيهم لا سمح الله.
6- المرأة .. ووحيدها المجاهد الشهيد
الدرس العظيم الذي يتكرر في مسيرة الحق، منذ آدم وإلى يوم البعث هو ما رواه الإمام المرشد بالله في أماليه الإثنينية، بأن امرأة من خراسان (منطقة شرق إيران وغرب أفغانستان اليوم) كانت من أشدِّ الناس حبا لأهل البيت سلام الله عليهم، وكان لا تنجب ولدا، فطلبت من زوجها أن يحُجَّ بها إلى مكة، فتعلقت بأستار الكعبة، وسألت الله أن يهب لها غلاما ذكرا تقرُّ به عينُها، قالوا: فوالله ما رجعت حتى علِقَتْ، فمكثت حتى وضعته غلاما كما طلبت من الله، فلم تزل تربيه، وتدلله، وتعلمه، وتثقفه، حتى كبُر ونشأ على أحسن طريقة، فلما ثار الإمام زيد بن علي في الكوفة، وقد نزلتْ فيها "جَهَّزَتْهُ بِأَحْسَنِ مَا تَجَهَّزَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ، وَاشْتَرَتْ لَهُ فَرَساً، فَحَمَلَتْهُ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَتْ لَهُ، وَوَجَهَتْهُ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَجَاهَدَ، وَاسْتُشْهِدَ مَعَ الإمام زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-".
ثم رأت فِيْ مَنَامِهَا كَأَنَّ رُوَاقاً قَدْ ضُرِبَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ: أَيْنَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ؟ فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ مَعْصُوُبُ الرَّأْسِ فِيْ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَخَرَجَ أَصْحَابُهُ مُعْتَمِّيْن الرُّؤوس، فِيْ أُزُرٍ وَأَرْدِيَةٍ، فَقِيْلَ لَهُ: يَا زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مَاذَا قَاتَلْتَ الْقَوْمَ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ الْقَوْمَ كَانُوا ظَالِمِيْنَ.
ثُمَّ يُنَادِي الْمُنَادِي ثَانِيَةً: يَا زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مَاذَا قَاتَلْتَ الْقَوْمَ؟ قَالَ: قَاتَلْتُهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِيْنَ.
قَالَ: ثُمَّ يُنَادِي الثَّالِثَةَ يَا زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مَاذَا قَاتَلْتَ الْقَوْمَ؟ قَالَ: قَاتَلْتُهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِيْنَ.
فَأَجَابَهُ الْمُنَادِي: قَدْ أَفْلَحَ زَيْدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَدْ أَفْلَحَ زَيْدٌ وَأَصْحَابُهُ. ثُمَّ انْتَبَهَتْ، قال ابن أخيها راوي القصة: فَحَدَّثَتْنَا بتلك الرؤيا، وقَالَ: كَانَتْ إِذَا ذَكَرَتْ رُؤْيَاهَا فَرِحَتْ بِهَا فَرَحاً عَظِيْماً.
وفي هذا درس عظيم للمرأة اليمنية أما وأختا وبنتا وزوجة، وهي تودع حبيبها، وربما كان هو وحيدها أيضا، إلى المعركة للقتال والجهاد ضد هذا التحالف اللعين، المكون من ظلمة وفساق العرب، وكفار الغرب والشرق، فيغادرها إلى ربه وهي راضية عنه مرضية، ألا ما أسعدكِ يا بنت اليمن، وأنت ترين في هذه المرأة الخراسانية مثلا أعلى تقتفين أثرها، مؤمنة صابرة.
7- تقدّم الشهيد والاثنين والثلاثة .. من البيت الواحد
استشهد مع الإمام زيد كثير من الشهداء، بل إن بعض الشهداء كانوا من أهل بيت واحد، فهؤلاء الشهداء: َنُعْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي النُّعْمَانِ، كانوا من أهل بيتٍ واحد استشهدوا جميعا مع معركة الفضيلة التي خاضها الإمام زيد، كما نخوضها نحن اليمانيين اليوم، وهؤلاء نوحٌ، وَمَنْصُوْرٌ، وَحَمْزَةُ ثلاثة إخوة شهداء كلهم بَنُوْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، أحد أهم رجال العلم والمعرفة والفكر من أنصار الإمام زيد سلام الله عليهم.
ألا ما أعظمك أيتها المرأة المؤمنة قديما وحديثا، وما أقوى احتمالك، وما أشد اصطباركِ!!
8- إعلامية تنقل أخبار الثورة وأدبياتها إلى الأجيال اللاحقة
وكما تنوِّع اليمانية العظيمة من أبواب جهادها اليوم، كانت تلك المرأة الهمدانية اليمانية تنوِّع من جهادها، فقد تولى بعضهن وظيفة (إعلامية) تروي للأجيال أدبيات الثورة الزيدية العظيمة، وما الذي جرى فيها، وهو دورٌ ما أروع إعلامياتنا اليوم وهن يقمن به أحسن قيام، يقول الراوي: حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني قال: حدثتني عمتي عزيزة بنت زكريا عن أبيها قال: أردْتُ الخروجَ إلى الحج فمررْتُ بالمدينة، فقلت: لو دخلت على زيد بن علي فدخلْتُ فسلَّمْتُ عليه فسمعْتُه يتمثَّل بقول الشاعر:
ومن يطلبِ المالَ الممنَّع بالقنا*** يعِشْ ماجدا أو تخترِمْه المخارمُ
متى تجمعِ القلبَ الذكيَّ وصارما***وأنفا حميًّا تجتنبْك المظالمُ
وكنتُ إذا قومٌ غزوني غزوتُهم***فهل أنا في ذا يال همدانَ ظالم
سادسا: الخروج من الذلة إلى العزة
تعي المرأة الكريمة اليوم عواقب الانحباس والانحصار في البيوت، وعدم المشاركة في الجبهات، ولهذا تدفع تعمل على حشد المقاتلين من ذويها إلى الجبهات، إنها تعي أن أهل المسجد المحصورين في بيوتهم اليوم سوف لن يغنوها من الدواعش شيئا، وأنهم بهذا سوف لن يجلبوا إلا الذلة، التي حذر منها الإمام زيد أولئك المحصورين في المسجد يوم قال لهم: "اخرجوا يا أهل المسجد من الذل إلى العز، وإلى الدين، والدنيا، فلستم في شيء منها".
نقول اليوم: اخرجوا أيها الجيش والأمن من بيوتكم إلى الجبهات، أخرجوا من الذل إلى العز، و إلى الدين والدنيا.
سابعا: يسبون الزهراء
يجد اليوم المتابع لكتابات ومحاضرات مرتزقة الرياض جراءة عجيبة للنيل من المرأة، ولا سيما من سيدة نساء العالمين الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقط لأن الله أخرج من ذريتها الطيبة السيد القائد عبدالملك الحوثي، وبدلا من أن يكون ذلك مصدر احترام، جعلوه مبعث سباب وشتيمة لمن بشرها الله بالسيادة على نساء العالمين.
لا يعدم أحدُ هؤلاء المرتزقة سلفا سيئا له في هذه القضية على عهد معركة الإمام زيد سلام الله عليه، فقد برز هناك جندي أموي يسب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سمعه الإمام زيد بكى حتى ابتلّت لحيته، وقال: أما أحدٌ يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحدٌ يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لله؟ .. قال أحد الأبطال: فجئت إلى مولى فأخذت منه ثيابه، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربْتُ عنقَه وأنا متمكن منه بالمشمل، فوقع رأسه بين يدي بغلته، وشد أصحابه عليَّ حتى كادوا يرهقونني، وكبَّر أصحابُ زيد وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت فأتيت زيداً، فجعل يقبل بين عينيَّ، ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها، إذهب بالبغلة فقد نفلتكها.
ومن يخوض هذه المعركة في هذه الأيام إنما في الحقيقة يدرك شرف الدنيا، والآخرة كما وصف ذلك الإمام زيد نفسه سلام الله عليه.
ثامنا- ملة السباب والشتيمة
هؤلاء الطغاة مفلسون من الحجة، ولا أخلاق لهم ولا قيم؛ ولهذا يستعينون بالأكاذيب والسباب والشتيمة لخصومهم، وما يلوكه إعلام العدوان اليوم على مدار الساعة من أكاذيب وسباب وشتيمة لليمنيين، بتسميتهم روافض، أو مجوس، أو بتكفيرهم، وشيطنتهم، يذكرنا أيضا بما مارسه أولئك الطغاة أيضا، فبالإضافة إلى لعنهم مَنْ أثنى الله عليه في كتابه الكريم، وهو الإمام علي عليه السلام على منابر المساجد، فقد واجهوا الإمام زيد في مرة من المرات بالسباب، حيث نادَوْه قائلين: "يا ابن أبي تراب، يا ابن المنافق، يا ابن السندية، إلى أين ؟ فلما سمع زيد ذلك كرّ عليهم فكشفهم، فما رأى الناس قط فارساً أشجع منه".
تاسعا: جذور داعش .. وأسرانا
الممارسات الداعشية التي نواجهها اليوم كانت موجودة على عهد الإمام زيد سلام الله عليه، وما يرتكبونه مع أسرانا يمكننا أن ننظر نسخته الأولى في الوالي الأموي الحقير يوسف بن عمر، حيث يخبرنا التاريخ أنه ما إن استشهد الإمام زيد سلام الله عليه، حتى نادى منادي يوسف بن عمر: من جاء برأسٍ أو أسيرٍ فله ألف درهم، فاستبق أهل الشام على الرؤوس والأسارى، فكان لا يؤتى يوسف بن عمر بأسيرٍ إلا أمر بقتله وإحراقه.
وهنا هل نستطيع إحصاء ما ارتكبه دواعش اليوم مع أسرانا من قذارات؟!
عاشرا: إهانة .. تحوله لرمز شعبي كبير
لما حرّق بنو أمية جسد الإمام زيد وصار رماداً وأذري في الرياح ، نادي منادي بني أمية : يا أهل الكوفة هذا حبيبكم ووليكم ، لنحرقنه ثم لننسفه في اليم نسفا. قال جرير : فوالله ما بقي فقيه ولا عالم ولا جارية في خدرها إلا وهو ينادي وااااأهل بيت نبي الله ، يا رسول الله ما تلقى ذريتك من بعد!! قال جرير: فدفع علي والدي ، فقال : يا بني ما هذه الضجة ، فأخبرته بما صنع بزيد بن علي عليه السلام ، فقال: والله ما رأيت والدي ضحك بعد ذلك ، حتى خرج من الدنيا حزينا على زيد بن علي عليه السلام.
إن ما ارتكبه هذا الحقير مع النساء المؤيِّدات للإمام زيد شيء يثير الاشمئزاز، ثم ما فعلوه مع الجثة الشريفة، من صلْبٍ، ثم تحريقٍ لها، ثم ذرِّ رمادها في نهر الفرات، يشير إلى النفسية المتشابهة لحقراء اليوم من آل سعود ومرتزقتهم، حيث يقصفون مقابر الشهداء، ومنهم قبر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الذي بعد أن أخفوه سنين، فلما أظهره الله غارت أسراب طائرات عارهم وحقدهم ونذالتهم لقصف مقامه الكريم.
فهل نجد أكثر من نذالة الأمويين إلا نذالة السعوديين.
حادي عشر: ينصره الضعفاء والموالي
مثلما يتحرك اليوم فقراء اليمنيين قبل أغنيائهم، وصغارهم قبل كبارهم في مواجهة العدوان الحقير، فقد كان أنصار ثورة الإمام زيد خليطا من مختلف مكونات المجتمع الإسلامي، حيث يخبرنا التاريخ أنه كان من أنصاره العربي والمولى، والسيد والعبد، والعالم والجاهل، والتاجر والمزارع، والفقيه والمحدث، وتخبرنا روايات الثورة كيف واجه واصلُ الحنّاط قائدَ جيوش الأمويين الأحول عبيد الله بن عباس الكندي، وضربه ضربة وقال: خذها وأنا الغلام الحناط. فقال: والله لأتركنك لا تكيل بقفيز بعدها، وحمل عليه فضربه، فلم يصنع الكندي شيئا، بل انهزم من هذا الحناط حتى انتهى إلى دار عمرو بن حريث.
ولهذا لا غرابة أن ينصر الثورات الشعبية الناجحة الفئات المجتمعية المتخفِّفة من قيود المصالح، والارتباطات المعقدة، التي تغوي عن اتباع الحق، وتعمي طريق الرشد، كما كان عليه دائما أتباع الأنبياء سلام الله عليهم، وما أشبه الليلة بالبارحة.
ثاني عشر: نظاااااااااااارة
يا للأسف فقد كان هناك محبوسون في المسجد، يبحثون في أسفار الأعذار عذرا عن الخروج للقتال مع الإمام زيد، واليوم أيضا هناك المحبوسون في دورهم من لا يألون جهدا عن البحث عن تعلة يتوسلون بها للبقاء مع نسائهم، بل هناك من هم أسوأ هم أولئك الذين يدعون الحياد، ويقفون بعيدا عن طرفي النزاع محايدين، يخذلون الحق، فينصرون الباطل، وهنا نذكر المحايدين اليوم بمحايدين سابقين، وصفتهم الرواية بقولها: "وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة".
هل يعي هؤلاء أي خطيئة يكررونها لو بقوا على حيادهم، ومقدار الجريمة لو بقوا نظارة يشاهدون المجرمين يعتدون، ولا يحركون ساكنا!!.
ثالث عشر: الجزاء من جنس العمل
إمعانا في قتل فكرة الثورة التي قادها الإمام زيد سوَّل للأمويين شيطانهم الداعشي أن يصلبوه على خشبة، عريانا، وأن يطوفوا برأسه في الآفاق، غير أن الله جعل من تلك الإهانة مكرمة، حيث أرسل العنكبوت لتنسج خيوطها وتستر عورة الإمام، كما تدلَّت بعد ذلك قطعة من جسده لتستر عورته، وهذا ما أحدث أثرًا عكسيا لما أراده الحقراءُ من تحقير الإمام، فتعلّقت بالإمام الشهيد الثائر قلوب المسلمين، وازدادت منزلته وفضله بشكل كبير.
ومع ذلك فإن الله قد عاقب الظالمين بعقوبةٍ مماثلة لإجرامهم، حيث تتظافر الروايات أن الزمان عاقب الظالمين بذات العقوبة التي ظلموا بها المجاهدين.
بعد حوالي 10 سنوات فقط رؤي جسدُ هشام بدمشق – وكان قد طلي عند موته بمواد حافظة للجسد من التحلل – مُحْرَقاً، ومصلوبا مجلودا، وتحقّق ناموس الله حيث يقول: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، أما يوسف بن عمر الوالي الأموي الحقير فإنه ضمن تصفيات الأمويين فيما بينهم حُبِس، ثم أخرِج من الحبس، وقطِّع قطعا، ووضِع عَلَى كُلِّ بَابٍ منْ دِمَشْقٍ مِنْهُ عُضُوٌ، قال الراوي: "كُنْتُ بِدِمَشْقَ حِيْنَ قُتِلَ يُوْسُفُ بْنُ عُمَرَ، فَجُعِلَ فِيْ رِجْلِهِ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ وَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَجُرُّوْنَهُ وَقَدْ قُطِعَ رَأْسُهُ، وَكَانَ قَصَيْراً، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمُرُّ بِهِ فَتَقُوْلُ: لأَيِّ شَيءٍ قُتِلَ هَذَا الصَّبِيُّ".
ألا ما أكثر إنصافك أيها الزمان، وبعد ذلك يأتي حكم الحاكم الديان.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 2335 مرة