خطبة الجمعة 1 ربيع الثاني 1438هـ (نصائح ومواقف في مواجهة العدوان) .. للسيد العلامة شمس الدين شرف الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
الحمدلله رب العالمين، الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبدالله ورسوله، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أيها الإخوة المصلون .. نحن نعلم أننا ما وجدنا في هذه الدنيا إلا للابتلاء، بسم الله الرحمن الرحيم (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). فإذا فقهنا هذا فيجب علينا ان نعرف أنا إنما وجدنا في هذه الدنيا لعبادة الله وللابتلاء بتكاليف الله سبحانه وتعالى ألتي أوردها في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الأكرم يجب علينا أن نتعامل مع ذلك بمنتهى الحذر، وبمنتهى وأن لا نتعدى حدود ما أنزل الله لأن الله وعد عباده الصابرين بجنة عرضها السموات والأرض ولأنه توعد عباده الفاجرين والفاسقين بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، وإن ما يمر اليوم بالشعب اليمني، بل بالمنطقة العربية بأسرها لا يعدو أحد أمرين:ـ
ــ إما أن تكون عقوبة وإما أن تكون ابتلاء ، إن ما يحدث اليوم في الساحة العربية وبالأخص في الساحة اليمنية إما أن يكون عقوبة من الله سبحانه وتعالى ، وإما أن يكون ابتلاء، ولا نستبعد أن يكون الأمر عقوبة، لا نستبعد أن يكون الأمر عقوبة ؛ لأن الناس في كثير من الأحيان تعدوا حدود ما أنزل الله، ولنضرب لكم مثلا على ذلك يبقى الأهم والأكثر في هذا الشأن كله، تفرق الناس وتمزق الناس وتشتت الناس وتحزب الناس، والله نهانا عن التفرق وعن التحزب وعن الشتات في آيات من كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما نعانيه اليوم هو نتيجة التفرق والتشرذم والتفرق والتحزب الذي نهى الله عنه أليس قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) وقال I: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أليس قال الله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
ألسنا نحن من حمل الحمار والحصان والشمس والقمر والليل والنهار والنجم والطير وما إلى ذلك؟ أليس ما نحن الذين توجهنا إلى غير سبيل الله؟ وتحزبنا لأحزابنا وفئاتنا وطوائفنا؟ فكانت النتيجة هذا التناحر، وهذا التمزق وهذا القتال، وهذه الدماء التي تسفك يوميا، هو نتيجة التفرق. لماذا نسينا قول الله I: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) هذه آية من آيات الله (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) وما يحدث اليوم هو نفس ما توعد الله سبحانه وتعالى عباده العاصين والمتمردين والخارجين عن حدود الله I، هذه نتيجة التفرق لا شك في ذلك.
ومن أمثلة المخالفات التي تكون نتيجتها مثل هذا العذاب الأليم عندما تسخر المنابر ولطالما سخرت المنابر عقودا من الزمن، لشحن صدور الناس وتمزيق أواصر المحبة بين الناس وإثارة الأحزاب والبغضاء بين الناس.
عرفنا المساجد وسمعنا تلك النغمة الطائفية التي تدعو إلى تفرق المجتمعات الروافض والمجوس طالما سمعناها في أكثر من منبر، وطالما سمعناها في المناسبات، وطالما سمعناها في حلقات الدرس، وطالما كتبت بها الكتب وألفت المؤلفات، وأهديت بها الكتب كما يقال تهدى ولا تباع، وهكذا تمزق النسيج الاجتماعي، والكل يعرف كل المعرفة، أن الناس في اليمن هم أهل إيمان وأهل فقه وأهل حكمة ، لكن سمحوا لداعي الشيطان ، وتسلل الشيطان إلى قلوبهم عبر هذه المنافذ ــ للأسف الشديد ــ طيلة عقود من الزمن والناس يسمعون ولا ينكرون ولا يغيرون.
وأنشئت لذلك مدارس خاصة ومعاهد خاصة وجامعات خاصة تنفث في قلوب الناس سموم الحزبية والطائفية والمذهبية، حتى صار الفرد يعتقد في أخيه الذي صلى معه في نفس المسجد، وأكل معه نفس الطعام، وسكن معه في نفس البيت، يعتقد أنه كافر، وأنه فاسق وأنه مجوسي، وأنه رافضي وأنه يستحق القتال قبل اليهود والنصارى، أليس ما هذا هو الواقع؟ أليس ما هذا هو الحاصل؟ هو نتيجة الشحن الطائفي المستمر طيلة عقود من الزمن، ولعل الحكومات السابقة والمتعاقبة لم تنتبه لهذا الأمر بل سهلت لهذا الأمر، وأصدرت التراخيص لمدارس خاصة وجامعات خاصة ومعاهد خاصة، ومدارس خاصة حتى صار في تلك المدارس معامل لتفخيخ العبوات الناسفة والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والدراجات المفخخة هذا هو الحاصل.
هذا نتيجة التقصير في حق الله سبحانه وتعالى، والشحن الطائفي والله سبحانه وتعالى يقول: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً)، وهذا هو نتيجة مخالفة كتاب الله، والله يخبرنا في كتابه العزيز: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أوليس ما قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)
واليوم الشعب اليمني يعيش حالة من العيش الضنك نتيجة الحصار المطبق ، ونتيجة غلاء الأسعار، وعدم توافر وتدفق المواد الغذائية والدوائية للشعب اليمني نتيجة الحصار المطبق؛ لماذا لا نسأل أنفسنا ما السبب في ذلك؟ نعم هناك عدوان لا شك في ذلك، هناك عدوان لكن يجب علينا أن نفهم أنه لا بد لكل شيء من سبب، ما نزل بلاء كما قال الإمام علي سلام الله عليه: (ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة) ما نزل بلاء إلا بذنب، أليس ما نراه بلاء؟ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
هذ ه الآيات واضحة وسنة الله السنة الإلهية جارية في كل الأحوال لا تفرِّق بين من كان مع النبي في وقته، ولا من بعدهم، ولا من في اليوم، ولا من في الحاضر ولا من في المستقبل هي سنة الله: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً).
حتى اللحظة والناس في إصرار شديد على مخالفة كتاب الله وسنة رسوله، وأنه ليس من صالح ما يسمى بالأحزاب سواء كان مؤتمر أو كان حزب الإصلاح أو غيرها من الأحزاب، ليس من صالح أحدهم مخالفة كتاب الله وسنة رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم).
الآيات واضحة مثلا في شأن هذا الغلاء الذي نحن فيه أليس قد قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ). حتى اللحظة والبنك اليمني المركزي يصدر أذون الخزانة، ويبيع أذون الخزانة في حالة من الحرب الصريحة الشعواء ضد كتاب الله وسنة نبيه ، ولعله لم يسلط الضوء على هذا الأمر، ولا تكلم الخطباء عن هذا الأمر، ولا يتحرك الناس فيما بينهم عن أن هذا الأمر هو السبب في هذا الظلم وهذا الظلم الذي نحن فيه، لمّا خالفنا كتاب الله رسميا رسميا من جهة الحكومة ومن جهة الشعب.
خالفوا كتاب الله، أذون الخزانة حتى اللحظة يبيعون مئة مليون وهمية بمائة وعشرين مليون وهمية، يبيعون للتاجر على أساس أن يقتضيها فيما بعد في رأس الشهر من الخزانة العامة بأكثر من ذلك بكثير، هذا هو الربا بعينه، و(أيما قرض جر فائدة فهو ربا) كما ورد عن الصادق رسول الله (ص)، فهل فهمنا وعيد الله: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ)، لماذا نذهب بعيدا؟ لماذا نذهب بعيدا ولا نبحث عن الأسباب التي تعقبها هذه النتائج المحبطة المحزنة الأليمة التي تمس كل الناس جميعا؟
(آكل الربا ومانع الزكاة حرباي في الدنيا والآخرة)، هكذا قالها نبيكم أين الدكاترة ؟ أين الفلاسفة؟ أين البروفيسور؟ أين النجدة الاقتصادية الذين يفهمون كلام الله ويقدمونه على كل كلام.
إذا قالوا: إن حالتنا الاقتصادية لا تسمح، ولا بد من معالجات كهذه، فإنه قد حدث في عهد رسول الله ما هو أعظم من ذلك، فقال عز من قائل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) شدة، فقر، حرج وهذا ما نعيشه اليوم (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، الآية واضحة، ولعله لم يكن لأولئك في عهد النبي في مكة المكرمة مصدر دخل غير السياحة، ما يسمى بالسياحة الدينية للحجاج والعمار الذين يفدون إلى بيت الله الحرام؛ لأن مكة لم تكن أرضا زراعية، ولم يكن هناك بترول ولا مشتقات نفطية ولا دخل غير ما يأتي من قبل الحاج أو المعتمر إلى مكة المكرمة، ومع ذلك قيل لهم: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ).
ولعل من العجائب أنه كما يقال لدعم الاقتصاد الوطني، فإنه تفتح بعض المشاريع التي تخالف شرع الله وهدي نبيه محمد ما يسمى بالتشجيع والترويج السياحي، والترويج السياحي كما تعلمون هو إيجاد الفوضى وتوفيرها في الفنادق وتسهيل أمور الفسق من الغناء والملاهي التي حرمها الله I ويدعمون الاقتصاد الوطني بما حرم الله سبحانه وتعالى.
هذه الأمور ما من شك أن نتائجها وخيمة إلى أبعد الحدود، ما يعانيه الناس ما ينبغي أن يستبعدوا أن سببه هو تلك التصرفات الهوجاء العوجاء الخرقاء التي تعرضت لسخط الله ، (وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى . وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى).
ألا وإن من المخالفات التي يجب أن نلفت أنظار الناس وأنظارنا إليها هي المخالفة الحقيقية والصريحة لكتاب الله، حين قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، والقائل سبحانه وتعالى في آية واضحة وصريحة: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، وقال عز من قائل: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)، ومع ذلك ترى التحالفات والتعاهدات الاستراتيجية كما يسمى أو كما يقال بعيدة المدى، العسكرية والاقتصادية والأمنية، وهلم جرا مع دول الكفر مع اليهود والنصارى، هي مخالفة واضحة وصريحة لقول الحق سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء).
وإذا لم تكن الموالاة هي نفسها ما يعمله اليوم حكام الخليج وزعماء العرب والمسلمين مع اليهود والنصارى، ولعله بالأمس القريب لا يخفى عليكم حضور رئيسة الوزراء لبريطانيا مع ولاة أمر المسلمين الذين لا يصدرون أمرا ولا يقرون أمرا إلا بعد الرجوع إلى مشورة اليهود والنصارى، والأمر واضح كل الوضوح مع قول الحق سبحانه وتعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).
اليوم يستمعون لمشورة الخبراء الغربيين؛ بأنن اليمن يشكل خطرا على المجتمع الإقليمي وعلى المجتمع الدولي، ومن المفروض على هذه الدول أن تسارع كما يقال لوأد هذه الفتنة، لوأد هذه الطائفة، أو لدفن هذه الطائفة، قبل أن يستفحل خطرها كما ذكر ذلك نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، ولا مانع من أن يشكلوا أموالهم وأفرادهم وجيشهم وعدتهم وعتادهم من أجل قتل إخوانهم المسلمين في ضربة واضحة، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)، والمراد بالكفر هنا القتال الذي أشار إليه النبي في وصيته، وهي آخر وصية له الوصية الخالدة: (لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض).
فمن أجل اليهودي ومصالح اليهودي، ومن أجل النصارى ومصالح النصارى المعاندين المحاربين يشن إخواننا في السعودية حربا ضروسا ضدنا، واستخدموا في ذلك واستأجروا في ذلك إخوانا لنا كانوا هنا في صنعاء، واليوم يريدون أن يدخلوا صنعاء - كما يقولون - فاتحين، بينما كانوا في صنعاء ولهم ما لأهل صنعاء وعليهم ما على أهل صنعاء، لم يلاحقهم أحد، ولم يطاردهم أحد، ولم يسألهم عنهم أحد، وهذا معلوم لدى الجميع لكنهم استمعوا لوحي الشيطان، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ).
هذا الأمر الذي ذكرت لكم، ما يحدث اليوم لا يعدو أحد أمرين: إما أن يكون عقوبة، والعقوبة كما قلت لكم واردة، ولعلي في ختام الخطبة الأولى أذكركم بقول الله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأحمده تعالى وأستغفره وأستهديه الهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين..
والأمر الثاني: الذي لا ينبغي ولا يجوز إهماله، ذكرت لكم الأمر الأول أنه إما أن يكون عقوبة والعقوبة غير مستبعدة، وإما أن يكون ابتلاء، وما من شك أن أحدا لايشكك في نزاهة الأنبياء، والأولياء والصالحين ولا في فضلهم ولا في أمانتهم ، ولا في إيمانهم، ولا في قربهم من الله ، ولا في طاعتهم لله ، ولا في ابتعادهم كل البعد عن معصية الله ، ومع ذلك حدثت مثل هذه الأمور، وحدثت مثل هذه المآسي والفتن ، حتى في حق الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم وعلى نبينا وآل نبينا الطيبين الطاهرين. والله تعالى قد أشار إلى ذلك في قوله تعالى: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
قد يكون كثير من الناس في حالة الصلاح لا يمارسون الذنوب ولا الخطايا ولا الأوزار، ينفقون صدقات أموالهم و زكواتها، يصلون أرحامهم، يكفون أنفسهم عن الغيبة والنميمة، يطهرون قلوبهم عن الغل والحسد، ومع ذلك الابتلاء وارد؛ لأن سنة الله في خلقه الابتلاء، وقد ذكرت لكم الآية السابقة في سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، لما اجتمع الأحزاب على النبي وأصحاب النبي في المدينة المنورة، ماذا قال المؤمنون الصابرون من أصحاب النبي لما رأوا الأحزاب: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً).
إن عجلة الحياة لا بد أن تتحرك، وعجلة الابتلاء لا بد أن تدور، (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، لا بد من الابتلاء.
كثير من الناس قالوا: ما هذه المحنة التي جاءت لنا؟ من أين جاءت لنا؟ وكثير منهم يرسل إشارات واضحة، يقول: لا رحم الله من كان السبب، لا رحم الله من جلب لنا هذه المصائب، وهو يعرف من الذي يشير إليه؟ الابتلاء وارد، الابتلاء الإلهي وارد، سواء كان سببه الشعار الذي بعض الناس منزعج منه، أو كان أمرا آخر، لا بد من ابتلاء، يميز الله وسبحانه تعالى بين عباده الصادقين منهم والكاذبين في دعواهم، والآيات واضحة في هذا المجال، هذه الآية واضحة؛ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً).
السؤال: ما الذي وعدهم الله ورسوله؟ إن هذا الوعد وعد آخر، هذا الوعد الذي أشار إليه المفسرون في قول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)، هذه الآية التي ذكرها الله في قوله: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، الابتلاء وارد ، سواء على مستوى الفرد عندما يبتلي الله سبحانه العبد سواء في رزقه ، أو ماله أو أولاده، أو بالمرض في الذي يحب، أو في أي شيء، أو على مستوى الأسرة، أو على مستوى المجتمع، لا بد من ابتلاء إلهي ليميز بين الغث والسمين، بين الصادق والكاذب، وهذه الآيات واضحة على سبيل المثال قول الله القائل: ( ألم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، بهذا الابتلاء (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ).
أليس ما قال الحق سبحانه وتعالى : ]ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[ [محمد : 4 - 9] .
ما الذي أنزل الله؟ ما هو الشيء الذي كرهوه مما أنزل الله سبحانه وتعالى؟ يخبرك القرآن الكريم، ومنه تلك الآية الواضحة : ] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [ [البقرة : 216]
الابتلاء يا إخواني وارد، اليوم أمريكا وإسرائيل قضت مضاجع المسلمين، قضت واحتلت واستعمرت بلاد المسلمين، وهجرت الملايين من ديارهم وبيوتهم وأراضيهم على مرأى ومسمع من العالم، فحين أن يقوم أحد ويقول: الموت لأمريكا وإسرائيل، أو يعلن عن عدائه ورفضه لهذا التوجه المشين، أو يعلن عن انزعاجه وبغضه وكرهه لهؤلاء الناس، الذين كرَّههم الله في نفوس المؤمنين في قوله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، عندما يعلن المرء عداءه لهؤلاء الناس، ترى كثيرا من الناس ينزعجون كثيرا من هذه التصرفات، لا يريدون أن يصيبهم أذى في سبيل الله، ولا أن يفعلوا شيئا، ويتوارون ويبتعدون عن الواقع الذي ابتلاهم الله سبحانه وتعالى به، فهذه نقطة مهمة يجب أن يفهمها الناس جميعا، ]إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ [يونس : 7 ، 8].
إن الحرب التي تشن على اليمن هي حرب أمريكية إسرائيلية بامتياز وإنما تخوضها أياد عربية مرتزقة خالفت كتاب الله وسنة رسول الله ولنسأل أنفسنا، ولنسأل إخواننا الذين بغوا علينا، والذين هم اليوم في مأرب وفي الرياض وفي تركيا وفي القاهرة وفي قطر وفي كل مكان، اسألوا أنفسكم هل كانت الحرب بقرار منكم؟ أم بقرار من أمريكا والسعودية؟ هل المال الذي تشنون به الحرب على اليمن منكم ؟ وهل السلاح سلاحكم؟ إذا وقفت الحرب - وإن شاء الله تقف ونحن منتصرون بإذن الله - عندما تقف هل سيأخذون إذنكم ومشورتكم؟ اللهم لا، وأنتم تعرفون ذلك، وإنما أيدتم العدوان بعد شنه على اليمن بأسبوع أو أسبوعين، وهذا معلوم لدى الجميع، وكنا نتأنى عسى أن يكون القرار قراركم، صادرا من قبلكم بمحض إرادتكم، لكنكم مسلوبو الإرادة ، مسلوبو القرار، مسلوبو التوجه، يوجهونكم حيث ما يريدون وحسب الأهواء والنزوات التي ملكتكم وملكت مشاعركم، وملكت قلوبكم، وأنتم تعرفون ذلك جيدا.
ولو قدِّر فرضا أنهم أتوا إلى صنعاء، هل ستترك أمريكا وإسرائيل والسعودية لهؤلاء الذين قاتلونا من إخواننا هل سيتركون لهم الأمر؟ هل سيكونون أحرارا في إصدار القرارات؟ هل ستكون الغلبة و العزة لهم؟
طبعا العزة والغلبة ستكون لليهود والنصارى الذين جلبوهم بأموالهم وسلاحهم؛ لأن المال لم يكن مال الآخذ، ولم يكن السلاح سلاح إخواننا، ولم يكن القرار قرار إخواننا، القرار والسلاح والمال والدعم اللوجستي كما يقال، والدعم الاقتصادي والمالي والأمني والعسكري والمخابراتي كله طبعا أمريكي وإسرائيلي، ما كانوا ليتركوكم وأنتم مصنفون عندهم بإرهابيين، وقد أعلنوا ذلك في أكثر من قرار من دول الخليج، لا سيما دول الخليج، (إخواننا المسلمون) مصنفون إرهابيين لدى الدول الخليجية، وهذا معلوم قطعا لدى الجميع.
ما كان لليهود والنصارى أن يتركوا للمسلمين شأنهم اليوم، اليهود والنصارى يعيشون العصر الذهبي؛ لأنهم يقتلون المسلم بالمسلم، الأرض التي تشن فيها الحروب وتخاض فيها الحروب بلاد وأرض عربية وإسلامية، والجنود الذين يقتلون عرب وإسلاميون، والمال الذي يمول هذه الحرب مال عربي وإسلامي، فماذا يريد اليهود والنصارى بعد هذا كله؟ ونحن حددنا أطماع اليهود والنصارى بغبائنا وسذاجتنا وحمقنا وابتعادنا عن الله سبحانه وتعالى، وعن هدي نبينا محمد (ص).
ألا وإنه في ظل الابتلاء الإلهي تظهر شرائح تملأ المجتمع، ما أكثرها ؟! وما أكثر ما أشار القرآن إليها، منهم الصادقون في مثل هذه الأوضاع حينما رأوا ]وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب : 22] مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ[ [الأحزاب : 23]. وها هم الشريحة التي تمثل الشهداء والمجاهدين الأبرار الصادقين المخلصين الذين باعوا أرواحهم وأنفسهم في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين وفي سبيل عزة وكرامة هذا المجتمع الذي يمارس حرية العبادة، ويمارس أمنه واستقراره نتيجة السهر ونتيجة التعب، أولئك الذين يسطرون أنصع صفحات البطولة والتضحية والفداء من أجل الله، ومن أجل أمن الناس، ومن أجل عزة وكرامة الشعب اليمني هذه الشريحة الأولى.
وشريحة تقول: الأمر لا يعنيني، وهذه فتنة، والنبي قد قال: (ستكون فتنة النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الراكب)، قالوا: وكيف نصنع يا رسول الله ؟ قال: (كونوا أحلاس بيوتكم)، وفي رواية : (حتى تكون عبد الله المقتول). أو كما قال (ص).
وهذه الأحاديث لا ينبغي تنزيلها على ما نحن فيه، إن الذي يبتعد عن المسؤولية بحجة أنها فتنة، فإنه قد وقع في الفتنة، وإن التكليف الشرعي يوجب على الناس جميعا إذا لم يكونوا أحد طرفي النزاع يوجب عليهم أن يبادروا إلى الإصلاح بين الناس، وهذا التكليف واضح في قول الحق سبحانه وتعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، ولم يقف التكليف الشرعي عند هذا الحد بل أوجب على الناس الذين يسمون أنفسهم محايدين أن يكون مع المبغي عليه، (فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)، فها أنا أضع بين أيديكم بعضا مما يجري في الكواليس، في حوارات جنيف الأول والثاني والكويت الأول والثاني، وأنتم أيضا استمعتم إلى ذلك، ولعله لا يخفى على أحد هذه الأمور، عندما يفترق اثنان، عندما لا يأمن الاثنان بعضهما البعض كل واحد يتوجس الشر من الآخر، ما الذي يجب ؟ يجب عليهم في هذه الحالة، أن يشكلوا مثلا كما هو النزاع الحاصل في اليمن ، يشكلوا حكومة وحدة وطنية تستلم المؤسسات الحكومية، وهذا طبعا هو حكم كل عاقل لبيب وكل إنسان، فضلا عن أن يكون مسلما.
الأمر الثاني: عندما يطالبوننا بانسحاب ما يسمونهم المليشيات من المدن، وتسليم السلاح، طبعا العقل الفلاني والمنطقي والنصَف الإنساني أن تشكَّل لجنة عسكرية تستلم هذا السلاح، حتى يأمن كل طرف على رقبته، وحتى يأمن على روحه وعلى دمه، وعلى عرضه وعلى بيته، وعلى أهله وعلى نفسه، هذا هو الواجب، هذا هو الحاصل، هذا هو المفروض. لكن عندما يطلب منك أن تسلم سلاحك، وأن تنسحب من المدن، ثم نفكر في إجراء حوار وطني، هل هذا هو قانون؟ هل هذا منطق؟ هل هذا ما يقول به العقل؟ والحق والإنصاف لدى المجتمع الدولي، ولدى الدول العربية ، ولدى التجمعات العلمائية، ولدى الناس جميعا السياسيين والعلماء والأدباء والأكاديميين وكافة شرائح المجتمع؟
أما هكذا يقول العقل؟ وأليس هذا هو المنطق السليم؟ وهكذا يكون الفرض؟ والآية واضحة (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، هذا ما أوجب الله وهذا ما حكم الله.
وشريحة أخرى؛ عندما تشيع الشهداء تظهر شريحة لتقول مات أحد أولاد هذا الرجل في جبهات القتال، وكان حريا به أن يجلس عند أمه، وعند ولده وعند أبيه وعند زوجته، ما أحمقه ما أكلفه، في حالة من التبكيت والتحزين والتخذيل والتثبيط وإيصال الحزن إلى قلوب الناس، هذه الشريحة نبَّه الله سبحانه وتعالى عليها، وحذر منها ونهانا أن نكون منها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )[آل عمران : 156]. والله يحيي ويميت أصل الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى.
سمعنا أن كثيرا من المجاهدين من اليوم الأول ما زالوا يجاهدون حتى اللحظة؛ لأن الله كتب لهم البقاء، والبعض ربما ذهبوا في نفس اليوم وعادوا في توابيت وكواليس الشهداء، الموت بيد الله والحياة بيد الله، (قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ).
ابتلانا الله تعالى بهذه (المعركة) ونحن قد قضي علينا واعتدي علينا، ونحن قد أعطانا الله سبحانه وتعالى الحق في دفع الصائل والعدو المجرم المستفحل الذي لم يفرق بين أهداف عسكرية وأهداف مدنية، وكما تعلمون فإنهم قصفوا أهدافا مدنية، هل المساجد أهداف عسكرية؟ ومتارس عسكرية؟ وهل صالات العزاء والمناسبات مراكز وأهداف عسكرية حتى تستهدف المساجد والمدارس والطرقات والمباني والمستشفيات ومحطات الوقود وكل شيء استهدف في حق الشعب اليمني.
وحاصروهم برا وبحرا وجوا أفمن حق الشعب اليمني أن يدافع عن نفسه؟ وأن يعتز بعروبته وإيمانه وإسلامه، وأن يعتز بإنسانيته وآدميته؟ أم أن يسلِّم ويخضع لهؤلاء، والله سبحانه يقول في محكم كتابه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة : 190] : ]فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة : 193 ، 194].
هذا هو المنهج الصحيح والسليم ، وأن نمد أيدينا للوداد وللسلام، وإني لأُحمِّل الحجة اليوم من هذا المنبر، من منبر رسول الله (من منبر الجامع الكبير بصنعاء)، كل إنسان عنده تمكن من اتصالٍ بإخواننا الذين غُرِّرَ بهم وبغوا علينا أن يتصل بهم ليعودوا إلى رشدهم، والأرض تتسع للجميع، وعفا الله عما سلف، ولنكن جميعا لا نكن حمقاء إلى أبعد الحدود لنبرر مشاريع اليهود والنصارى في تدمير وتقسيم الوطن العربي والوطن اليمني الحبيب والشعب اليمني إلى ستة أقاليم، كما يقولون وكما يروجون، والأرض تتسع للجميع ، وأيدينا ممدودة للسلام، لكن مع الحذر الشديد، يا إخواننا.
ونحمل المسؤولية كل من يزعم أنه محايد أن يتحرك في هذ الجانب، لنقرِّب وجهات النظر، ونجمع الاشتات والأضداد، ونجمع الشعب اليمني إلى دائرة مستديرة يتحاورون فيما بينهم على ما يرضي الله ويرضي رسوله، ويحقق مطالب الشعب اليمني من الوحدة والعزة والكرامة والقوة والمكانة التي كانت لدى سائر الشعوب وكل الأمم، هذا ما يجب علينا جميعا، والله تعالى يقول في محكم كتابه، عسى أن لا تكون من المكذبين ولا من المثبطين ولا من المكفرين للناس، ولا من الباعثين للحزن واليأس والأسف والأسى والندم في قلوب الناس، (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء : 84].
أكثروا من ذكر الله ومن الصلاة والسلام على رسول الله ممتثلين قول الحق سبحانه وتعالى : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، اللهم فصل وسلم وبارك وترحم وتحنن على عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه، الليث الغالب أشجع كل طاعن وضارب، من قال فيه الرسول الصاد ق: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، وعلى سكنه الحوراء، فلذة كبد المصطفى، خاتمة أهل الكساء، فاطمة البتول الزهراء، وعلى ولديه الإمامين الأعظمين بعد أبيهما قاما أو قعدا، أبي محمد الحسن، وأبي عبد الله الحسين، وعلى آل رسول الله، وأزواج رسول الله، وأصحاب رسول الله، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم يا أول الأولين، و يا آخر الآخرين، و يا رازق المساكين، و يا ذا القوة المتين، لا تدع لنا في هذا المقام أو في مقام غيره ذنبا إلا غفرته، ولا عسرا إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا تائبا إلا قبلته، ولا صغيرا إلا ربيته، وعلمته وفقهته وأدبته، ولا عدوا إلا أهلكته.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم انصر الحق وأهله واخذل الباطل وحزبه، واجمع كلمة المسلمين، وألف بين قلوبهم يا رب العالمين، واجعل كلمتك هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى إلى يوم الدين.
اللهم احفظ اليمن وأهله وسائر بلاد المسلمين، من مكر الماكرين، وكيد الحاقدين وبغي الظالمين والباغين.
اللهم أرنا في بغي آل سعود وكلِّ من حالفهم وناصرهم وشايعهم في ظلمنا يا رب العالمين، أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خيب آمالهم، اللهم أحبط أعمالهم، اللهم ادحض حجتهم، ورد كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم في تدميرهم، اللهم عجِّل بزوالهم، ونكِّل بهم مَنْ وراءهم، واقطع أطماع مَن بعدهم يا رب العالمين.
اللهم أرنا فيهم ما وعدت الظالمين، وأرنا فيهم إجابة دعوة المضطرين، ونحن المضطرون الذين وعدت إجابتهم، ونحن المتضررون الذين وعدت كشف الضر عنهم، وأشبه الأشياء بمشيئتك، وأولى الأمور في عظمتك، رحمة من استرحمك، وغوث من استغاث بك، وارحم تضرعنا إليك، وأغننا إذ طرحنا أنفسنا بين يديك يا رب العالمين.
اللهم لا تحقق لهم غاية، ولا ترفع لهم راية ، واجعلهم عبرة للمعتبرين.
اللهم ارحم شهداءنا، وتقبل شهداءنا، وشاف جرحانا، وعاف مبتلانا، وفك أسرانا ، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ودنيانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا غاية رغبتنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك ، يا رب العالمين.
واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا وإخواننا وأزواجنا ومشايخنا في الدين، ولكافة المؤمنين والمؤمنات يا رب العالمين، آمين اللهم آمين، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90].
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 45947 مرة