ابن ملجم بين الأمس واليوم .. إعداد: حمود عبدالله الأهنومي

ابن ملجم بين الأمس واليوم

ذكرى استشهاد الإمام علي رمضان1436هـ

إعداد: حمود عبدالله الأهنومي

ستركز هذه الورقة على عبدالرحمن بن ملجم باعتباره الأداة التكفيرية للفكر التدميري الذي نفذ عملية عنفية استباح بها حرمة المسلم في مسجد (دار عبادة)، وباعتباره النموذج المتكرر لهذه الجماعات العنفية التي تدعي الجهاد حتى عصرنا الحاضر، وهو النموذج الذي اختطف مشهد العالم الإسلامي إلى الخراب والدمار والقتل والدماء والأشلاء، مع مقارنة بأتباعه الملجميين اليوم.

خمول الذكر وضآلة النسب

هو عبدالرحمن المرادي بالولاء، ومراد فرع من مذحج القبيلة اليمانية المعروفة، لكنه تجوبي الأصل، وتجوب من حمير، وقيل من السكون، أدرك الجاهلية، وقدم مصر، وهذا يشير إلى أن التكفير لا وطن له ولا قبيلة محددة، وأن أدوات التكفير والقتل غير معروفة بشكل واسع حتى قيامها بعمليتها العنفية، ولولا أنه قتل الإمام عليا عليه السلام لما عرفه أحد، ولكن بضدها تتميز الأشياء، قال الإمام علي: "إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلة في غير مأقط حرب، ولا معركة رجال"[1]،  هكذا وصفه الإمام علي بخمول الذكر وضآلة النسب، وإذا كان زعماء الخوارج ومعظمهم في صدر الإسلام ينتمون إلى منطقة نجد (منطقة قرن الشيطان) وهم ممن استقر بهم النوى في العراق وتعلموا بعض أمور التدين فيها على يد بعض الصحابة، فإن هذا العنصر جاء من خلاف هذه المنطقة التقليدية للتكفيريين في صدر الإسلام، لكنه كان متأثرا بأفكارهم، كما هو حال اليوم فإن المتأثرين بفكر (قرن الشيطان) من أهالي البلدان الأخرى يعتبرون قلة بالنسبة للخريجين من مملكة قرن الشيطان، هناك مثلا تكفيريون من اليمن، ولكنهم تأثروا وتعلموا ودرسوا على يد شيوخ التكفير في نجد حيث مملكة قرن الشيطان ومدارسها وجامعاتها.

نجهل كثيرا ظروف نشأته وتربيته، وهو غير معروف كثيرا، وربما يشاطره في هذا الأمر كثير من أدوات التكفير العنفية اليوم، حيث كثير من هذه الأدوات التي تنفذ عمليات التفجير والتفخيخ والانتحار ليست معروفة للكثير، ويسود تاريخها الأول الغموض واللبس.

دور اليهود؟!

ومع ذلك فإن هناك علاقة لابن ملجم باليهود، يورد المؤرخ ابن أعثم الكوفي رواية خطيرة، تفيد أن عبدالرحمن تربّى على يد يهودية، يقول: «.. وقدم علي كرم الله وجهه من سفره، واستقبله الناس، يهنئونه بظفره بـ«الخوارج»، ودخل إلى المسجد الأعظم، فصلى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر، فخطب خطبة حسنة. ثم التفت إلى ابنه الحسين، فقال: يا أبا عبد الله، كم بقي من شهرنا هذا، يعني شهر رمضان الذي هم فيه. فقال الحسين: سبع عشرة يا أمير المؤمنين. قال: فضرب بيده إلى لحيته، وهي يومئذٍ بيضاء، وقال: والله ليخضبنّها بالدم، إذا انبعث أشقاها.

قال: ثم جعل يقول:

خليلي من عذيري من مراد ... أريد حياته ويريد قتلي

فسمع ابن ملجم لعنه الله؛ فكأنه وقع بقلبه شيء من ذلك؛ فجاء حتى وقف بين يدي علي (رض) فقال: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، فهذه يميني وشمالي بين يديك، فاقطعهما، أو اقتلني. فقال علي كرم الله وجهه: وكيف أقتلك، ولا ذنب لك عندي، إني لم أردك بذلك المثل. ولكن خبرني النبي (صلى الله عليه وآله): أن قاتلي رجل من مراد، ولو أعلم أنك قاتلي لقتلتك[2]، ولكن هل كان لك لقب في صغرك؟

فقال: لا أعرف ذلك يا أمير المؤمنين.

قال علي: فهل لك حاضنة يهودية، فقالت لك يوماً من الأيام: يا شقيق عاقر ناقة صالح؟!

قال: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين.

قال: فسكت علي، وركب، وصار إلى منزله»[3].

وروي عن جوين الحضرمي، قال: عرض [على] علي الخيل، فمر عليه ابن ملجم، فسأله عن اسمه، أو قال: [عن] نسبه ـ فانتهى إلى غير أبيه.

فقال له: كذبت.

حتى انتسب إلى أبيه، فقال: "صدقت. أما إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني: أن قاتلي شبه اليهود!!! هو يهودي، فامضه"[4].

إن هذا يمكن أن يسوق إلى شيء خطير، وهو علاقة عبدالرحمن باليهود، من حيث أن حاضنته يهودية، وشبهه الإمام علي باليهود، أو أنه يهودي، وفي الوقت الحاضر يجب أن نتساءل: هل على كل جماعات التكفير عبر التاريخ أن تكون لها علاقة باليهود ومؤامراتهم الكثيرة ضد الإسلام والمسلمين حتى يسلكوا هذا المسلك التدميري، وتدمير المجتمعات شأن يهودي، ولم يعد خافيا علاقة هذه الحركات التكفيرية باليهود، وقبل أيام شاهدتم ذلك الصحافي الإسرائيلي وهو يكشف عن مئات الجرحى من جبهة النصرة التكفيرية يعالجون في المشافي الصهيونية، واعترض بعض سيارات الإسعاف شباب دروز، وحدث مشكل بين زعماء الدروز وأولئك الشباب، ومعروف كيف شاركت المخابرات التكفيرية في صناعة القاعدة ضد السوفيت، ثم رعايتهم لداعش في العراق وسوريا اليوم.

مدرّس للقرآن في حضرة ابن العاص

كان ابن ملجم يظهر الاهتمام بالدين والقرآن، شأنه في ذلك شأن التكفيريين اليوم حيث يبدؤون دورة حياتهم بالقرآن والسنة، وتحفيظهما وتعليمهما، وينتهون بالتفجير والتفخيخ، ولا بد من الاعتراف أن كثيرا ما حدث أن قضى التكفيري مراحل نشأته وأدائه الأول في ظل حكومة منحرفة، وتتمثل هنا في ولاية عمرو بن العاص، تماما كما يتربون وينشأون ويتكاثرون في مملكة قرن الشيطان، ثم يتم توزيعهم على بلدان العالم.

روى الذهبي[5] قائلا: "يقال إن عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه، لأنه كان من قراء القرآن، وكان قرأ على معاذ بن جبل وكان من العباد، ويقال إنه كان أرسل ضبيع بن عسل إلى عمر يسأل عن مشكل القرآن. وقيل: إن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص أن قرِّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلِّم الناس والقرآن والفقه فوسَّع له".

هل تلاحظون انسجام التكفيريين الذين ينفذون الجرائم بحق المسلمين الآمنين اليوم مع طواغيت بلدانهم، كم توجد من المدارس والمراكز والجامعات ومراكز الدراسات التي تضم بين جنباتها عشرات الآلاف من التكفيريين في بلد مثل السعودية التي تؤدي اليوم دور معاوية وعمرو بن العاص مع التكفيريين الأوائل.

ثم أيضا ما مدى علاقة هذا التشجيع من عمرو بن العاص لمثل هذا العنصر لتعليم القرآن والفقه على حد زعمه بتأهيله للقيام بالدور المناط به في آخر الأمر، ألا يشابه هذا الدور ما تقوم به السعودية داعش الكبرى من تشجيع ودعم للفكر التكفيري المدمر (داعش الصغرى) في مرحلة التغرير ومرحلة التكفير (مرحلتي الإعداد)، لتأهيلهم للدور النهائي في مرحلة التفخيخ والتفجير (مرحلة التنفيذ)؟

التاريخ يجيبنا، نعم لعله كذلك.

نمطية الشكل

استطاع التكفيريون اليوم أن يأخذوا شكلا نمطيا في أذهان المجتمعات ولكن بصورة سيئة، بلحاهم المسترسلة، وثيابهم القصيرة، وجباههم المختومة بآثار السجود، وشعورهم الطويلة، لا يكاد إنسان يسمع عن تكفيري إلا ويتبادر إلى ذهنه تلك الصورة النمطية التي يستطيع الباحث أن يجدها في أحاديث التحذير منهم والتي أطلقها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تحذيرا منهم، وامتلأت بها دواوين السنة، وأخبار السير، ابن ملجم هو الآخر، نستطيع أن نظفر بوصف له لدى الصفدي[6]، وهو يصفه بأنه: "كان أسمر حسن الوجه أفلج، شعره مع شحمة أذنه، وفي جبهته أثر السجود".

التكفير بما ليس بمكفِّر

إن البلاء الذي أتيت منه هذه الجماعات التكفيرية وأساس الخلل هو أنهم يكفرون أهل القبلة بما ليس بمكفِّر، كفّروا الإمام عليا عليه السلام وكفروا أنفسهم بقرار تكتيكي (قبول التحكيم) هم كانوا قد ألجأوه إليه، وحين طلبوا منه الاعتراف بكفره رفض الإمام علي ذلك قائلا: " أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ، وَلَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ، أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ، وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ".

لقد كان التكفير ولا يزال هو المنطلق الذي انطلقوا وينطلقون منه لتنفيذ عملياتهم العنفية ضد المسلمين ومجتمعاتهم الآمنة، منه انطلق عبدالرحمن لاغتيال الإمام علي، ومنه انطلقت الحكومات التكفيرية لقتل مخالفيها في المذهب، ومنه ينطلق التكفيريون اليوم لإحداث كل هذا الدمار الشامل في عالم اليوم، وأزعم أنه لولا العقائد التكفيرية التي يعتقدها النظام السعودي بوجوهه السياسية والدينية لما رأى اليمنيون كل هذه الوحشية في عدوانهم على اليمن، من المؤكد أن مستوى شدة العدوان العالي وارتفاع وتيرة حقده وتعميم شروره على جميع أهل اليمن يعود بالدرجة الأساسية لقضية التكفير، إن مملكة قرن الشيطان ودعاتها يكفرون اليمنيين،  لهذا قسوا عليهم بهذا الشكل الذي نشاهده اليوم، ولو كان المعتدي علينا دولة أخرى غير دولة داعش الكبرى مملكة قرن الشيطان لكانت درجة سوء الحرب أقل بكثير من هذه التي نشاهدها اليوم.

تكفير واستهداف المجتمع جميعا

والمصيبة أن من التكفيريين من لم يجعل تكفيره ضمن حدٍّ محدود، يبدو أن شهية التكفير واسعة عند بعضهم، فمن تكفير الشخص إلى تكفير النظام، ومن تكفير الجيش إلى تكفير المجتمع الحاضن، ومن تكفير المجتمع الحاضن إلى تكفير المجتمع المجاور، التكفيريون بعضهم أسوأ من البعض الآخر، مثلا القاعدة في بعض الأحيان تتحرّج من تفخيخ المساجد، حتى لا تخسر مزيدا من المؤيدين، وحتى تتجنّب الإحراج بقتل من تسميهم (سنة) حيث مساجد اليمن مختلطة، بينما داعش لا يهمهما ذلك، تستهدف القيادات، والرعية، والمواطنين، والنساء، والأبرياء، والأطفال.

رأيت على مواقع التواصل نقاشا لقاعدي وداعشي، ذكر القاعدي أن مساجد صنعاء مختلطة، يختلط فيها الشافعي بالزيدي، والسني بالشيعي، فأنكر الداعشي ذلك، ولما استدل القاعدي بأن المسجد المستهدف يُصْرَخُ فيه بـ (آمين) بعد الفاتحة بقوة، بما يدل على وجودٍ كبير للسنة فيه، ردّ الداعشي أن هؤلاء سنة أصبحوا روافض، وإلا لما ذهبوا للصلاة في مساجد الرافضة.

في حادثة تفجير مسجد قبة المهدي في صنعاء وجدنا الضحية من جبل حبيش، أي من المناطق السنية المعروفة، لكن اليمنيين أهل التسامح والمحبة والأخوة لا يتفرقون في المساجد، مساجدهم مختلطة، ولا تأتي في أولوياتهم المذهب والطائفة.

إذا عدنا لقوم ابن ملجم (الخوارج) نجد أن الإمام عليا عليه السلام عابهم بأنهم عمّموا تكفيرهم على جميع الناس، حيث أمرهم عليه السلام إن أبوا إلا العناد والمكابرة أن يحصروا تكفيرهم عليه، وأن لا يستخدموا سيوفهم في العامة جميعا، فقال: "فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَضَلَلْتُ فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) بِضَلَالِي، وَتَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي، وَتُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي، سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ، تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ وَالسُّقْمِ، وَتَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ"[7]، ألا يسلط مسلكُهم هذا الضوءَ على مسلك خلَفِهم المعاصرين لنا وهم يستهدفون المساجد والأسواق والمدارس والكليات العامة، فيقتلون من لا يدرون من المقتول، ويفجرون الطفل والمرأة.

وعي هش وجدار مخترق

هذه الأدوات التكفيرية ليست محصنة من الاختراق، وجدار وعيها هش، وما تعانيه دائما هو كثرة الاختراقات المباشرة وغير المباشرة، قبل حوالي عامين أعلن تنظيم القاعدة في اليمن في خبر رسمي بعد إعلانه القبض على جاسوس لأمريكا، أن المخابرات الأمريكية تخترق الجماعات من خلال أربع طرق، أولها: اختراق الجماعة لحرف مسارها عن أهدافها ومنهجها المتمثل في الحرب على أمريكا وضربها، أما الرابعة فهي توريط من سمّوهم المجاهدين في حروب مع القبائل والمجتمع الحاضن.

وهذا أمر لا مرية فيه، ونحن نعتقد أن جماعة القاعدة شاركت في تأسيسها المخابرات الأمريكية والباكستانية والسعودية، بغرض محاربة السوفيت، ثم لما انتهت المهمة، أعلنت عن مشروعها الخاص، وهو محاربة أمريكا وإخراج اليهود من شبه جزيرة العرب، ولكن ما انفكّت أمريكا والأنظمة العميلة لها في اختراق هذه الجماعة المصنوعة على عينها، لتُغْرِقها في نزاعات مع مجتمعاتها، ولما رأت أمريكا أن دور القاعدة بات في طور التراجع، سمحت بظهور داعش الجيل الثاني من القاعدة وباركته ودعمته، وها هو اليوم يؤدي دوره الذي يخدم أجندات الغرب وإسرائيل على أحسن وجه.

وبالعودة إلى عبدالرحمن بن ملجم الذي روي أنه تربى على يد يهودية، وفي هذا ما فيه من إمكانية الاختراق والتجنيد، واتضح أيضا أنه كان على علاقة محمودة بعمرو بن العاص أحد أخطر رجالات معاوية، فإنه يعطينا بهذا درسا تاريخيا مصغّرا عن طبيعة الأداة التكفيرية والتي هي كوكتيل معقد وغريب له علاقة بأعداء الأمة المسلمة، وأعداء قيادات الأمة الشرعيين. إنهم جميعا يريدون ضرب الأمة من داخلها، يريدون تبديد إمكاناتها عبثا، حتى تنشغل بنفسها عن مخططاتهم، وهل هناك مستفيد اليوم من عمليات الجماعات التكفيرية في العراق والشام واليمن ومصر والمغرب العربي سوى إسرائيل وأمريكا؟

مشكل سياسي بالدرجة الأولى

وإذا أخذنا بعين الاعتبار دلائل خطيرة تشير إلى ضلوع نظام معاوية في تنفيذ عملية الاغتيال بحق أمير المؤمنين على يد هذا التكفيري ابن ملجم، وهي دلائل كنت أوردتها في ورقة سابقة[8]، فإن هذا الأمر يسوقنا إلى الاعتراف أن مشكل هذه الحركات التكفيرية هو مشكل سياسي بامتياز، يستثير بعض التراث السلبي التكفيري، ويستغل بعض المشاكل الآنية، ومنها الأحوال الاقتصادية، ويدل على ذلك ما يمر به اليمن اليوم من هجمة تكفيرية شرسة متزامنة مع عدوان وحشي وهمجي ينفذه الرعاة الرسميون للإرهاب التكفيري في العالم السعودية والأمريكان، وما يتم من تنسيق متواصل ومستمر بين عدوان التحالف وعدوان الدواعش على الأرض، كل هذا يبين لنا أن ورقة الإرهاب التكفيري ورقة سياسية تستخدمها الدول الراعية لتحقيق أغراض سياسية حقيرة في بلدان العالم الإسلامي.

وكذلك عملية اغتيال الإمام علي عليه السلام التكفيرية هي عملية اغتيال سياسي، مثلما يحدث اليوم في مساجد صنعاء والكويت والعراق وليبيا وسوريا وغيرها.

اختلاق المعايب والتهم

يحمل التكفيري مشروعا تدميريا يخيل إليه أنه مراد الإسلام، بسبب التربية الداعشية والتراث الداعشي التكفيري المتمثل في فتاوى التكفير بحق الفرق الأخرى، لكنه بسبب ترعرعه ونشأته في الرعاية اليهودية والطاغوتية وبسبب ضعف وعيه يسهل اختراقه وتوظيفه لصالح أجندات سياسية.

يضيف الإعلام المعادي اختلاق التهم والمعايب بحق الخصوم، ولأن التكفيري يحس بحاجة شديدة إلى حشو غروره بما خفّ وطاب بما يبرر عمليته الإرهابية، فإنه سرعان ما يتلقّف تلك التهم ويشيعها، وفي هذا المقام نتذكر أهل الشام وقد بلغهم اغتيال الإمام علي عليه السلام وهو يصلي في المسجد، فسألوا: وهل كان علي يصلي؟ لقد حشى معاوية في عقولهم أن عليا لا يصلي. ومن ذلك ما يختلقه إعلام مملكة قرن الشيطان عن اليمن وعن المستهدفين من أنواع التهم والأكاذيب، وجديدها أن داعش الأصغر يستهدف الحسينيات في صنعاء، وهي المساجد الواضح عيانا بيانا منذ مئات السنين، إن داعش الصغرى في هذه الحالة لا تكتفي بترداد الأكاذيب بل وتضيف اختلاقها بشكل مقزز وفظيع. كما أن داعش الكبرى تختلق أنهم يستهدفون المسلحين والمخازن حين تستهدف الأبرياء والمدنيين والأطفال والنساء والمساكن الآمنة، والمساجد والمدارس والمشافي والمراكز الصحية والبنى التحتية.

أشد فظاعة

لقد كان الإرهاب التكفيري يغتال القيادات في المساجد وفي الأسواق ويمارس الذبح والإعدام، ولكن ما يمارسه اليوم أشد فظاعة، من قتل مغرِق في الوحشية، وحرق غير مسبوق، وتغريق لا مثيل له، مع تباه وافتخار بكل تلك البشاعات من الذبح والتنكيل، وإسراف في القتل وإعدامات لا حصر لها حتى ضد بعضهم، وما ذلك إلا لاقتران التكفير اليوم  بصورة قوية بالمخابرات العالمية، وبسبب ما تملكه وتقوم به هذه المخابرات من عمليات تعذيب فظيعة، لقد دخل هذا العنصر ليعطي التكفيريين فظاعة غير مسبوقة، ووحشية غير متوقعة.

جهاد النكاح

وفي درس ابن ملجم التكفيري القديم نجد عنصر النساء حاضرا، تمثِّل قطام حلقة الشهوة وموضوع الغرام الحافز والدافع في تلك الدراما التكفيرية، لقد بات عبدالرحمن ليالي في بيتها، وبذلت له نفسها مقابل قتله عليا، ورغم أن موضوع علي كان هو المقصد الذي أقدم ابن ملجم إلى الكوفة، لكن قطام واشتعال نار الغرام في قلب ذلك التكفيري المتدين زاد من وتيرة الاندفاعة إلى اغتيال الإمام، إن جهاد النكاح في مسألة التكفيريين ليس جديدا، أولئك الفتيات الأوربيات والعربيات اللاتي يسابقن الريح إلى العراق وسوريا لممارسة جهاد النكاح ومساعدة زملائهن في الحرب - لسن ببدع في التاريخ، هناك قطام كانت قد سبقتهن جميعا، ولم تكن الصورة النمطية التي رسمها الدواعش الذين ظهروا وهم يبيعون ويشرون الإيزيديات الجميلات (سبايا) بأمر مستحدث في عالم الشهوة لدى التكفيريين، كلا ولم يكن ذلك الوحش الشهواني جديدا وقد أمسك طفلة (سبية) عمرها تسع سنوات وهو يعلن الزواج بها بينما كانت هي مغمورة بدموعها المنهمرة من نهر حزنها الكئيب، إن ابن ملجم المتنسك والمتدين الذي جاء لينفذ مهمة مقدسة في نظره وهي التخلص من الإمام علي، لا بد وأنه اشتعلت فيه نار الشهوة لما رأى قطام، بما يعني أن عنصر النساء لا بد أن يكون حاضرا بقوة في بال هؤلاء التكفيريين أينما حلوا في الجغرافيا والتاريخ، ربما قلوبهم الخالية من الحب للإنسان تعوض فقدانها ذلك بنار الشهوة. وإذا كان ابن ملجم قد أدرك الجاهلية وهو الآن في العام الأربعين للهجرة فإن ذلك يعني أنه قد تقدم في العمر، وعمره يقارب الخمسين أو أكثر، ويعني أنه قد سبق له الزواج، الأمر الذي يشير إلى عدم تعلق قلبه بأي محبة حقيقية ولكن بلوعة شهوة جموح تجتاح التكفيريين في كل واد. لقد وردت روايات تاريخية تفيد أن عبدالرحمن بنى بقطام، ودخل عليها، وأنها بعد ذلك طالبته بالوفاء بتعهداته بقتل علي عليه السلام[9].

الدنيا وشهواتها تسيل لعاب التكفيري

وهكذا يعطينا ابن ملجم نموذج التكفيري الذي يبحث عن الدنيا والذي تغريه الماديات بأنواعها المختلفة، وليس عيبا أن يطلب الإنسان الدنيا من وجهها الشرعي، ولكن أن يطلبها من دماء الأبرياء وآهات الثكالى وتدمير المجتمعات فهذا هو العيب الأكبر.

من يظن أن التكفيريين متعففون عن علائق الدنيا فهو واهم ومخطئ، وحتى ذاك الانتحاري الذي يفجر نفسه إنما يفعل ذلك لأنه مشبوب بحب الشهوات، ومستثار بخطاب النزوات، وموهوم بمتع اللذات، ويريد الرحيل إليها بسرعة عبر ضغطة زر سريعة، إنه يمتطي هذه الدماء والاشلاء التي يبعثرها هناك إلى الحور العين والجنان التي خلبت خياله الخاطئ.

تقضي استراتيجية داعش أن تتوطن البلدان والأماكن التي تشتهر بالنفط والغنى مثل الشرق السوري، والعراق، ويبدو الآن أنها فتحت شهيتها تجاه دول الخليج، بما تحمله من إغراءات، وما توحي به من ضعف، وما تشير إليه من قبول مجتمعي لا سيما في مملكة قرن الشيطان، إن العامل المادي وعنصر المال هو الذي يحرك التكفيري بشكل جيد، صحيح أنه لا يريد المال من حيث إنه مال، ولكن من حيث أنه مال الغنيمة، ومال الكفار، ومال الأعداء، ومال مكتسب من القتال فإنه يتحول إلى شيء مغر، التكفيري هنا يغلِّف حب المال بأغلفة مقدسة، ومثيرة، فيتوارى الزهد عنه بعيدا.

التكفيري والمخدرات

ويشاع أن التكفيري ينفذ مهمته الانتحارية تحت تأثير المخدرات وأنهم يتعاطون مخدرات تضعف وعيهم حتى يستطيعوا تجاوز المناظر الفظيعة التي يرتكبونها بحق الأبرياء، فماذا عن عبدالرحمن قاتل الإمام علي؟

تقول الرواية إن عبدالرحمن بات تلك الليلة لدى قطام، وأنه شرب النبيذ، وروي أنها سقته (الخمر العكبري)[10]، وإذا كان لنا أن نستعين بالتاريخ فإنه يسعفنا هنا للتصديق بأنهم يتعاطون ما يسلب عقولهم، ولكن مع ذلك لعمري فإن خمر التكفير والشحن العدواني ضد الآخر أكثر خطورة من خمر العنب والزبيب، وأشد اندفاعا نحو التقتيل والتدمير.

مسميات وأوصاف زائفة

اليوم يقال لابن ملجم المعاصر: إنه ثائر، أو إنه متدين يتقرب إلى الله بدماء إخوانه المتهمين بالضلال، أو إنه يسعى لتطبيق الشريعة، أو إنه سني يدافع عن الصحابة وأمهات المؤمنين، هذه القاعدة التي تخوض معارك ضد المجتمع اليمني في أحد عشر جبهة باعترافها، وتتبنى معارك جبهة واحدة في بياناتها الرسمية فقط، فأين هي العشر الجبهات الأخرى، إنها تلك الجبهات التي تطلق على نفسها فيها بـ(المقاومة الشعبية)، يطلق اليوم على جماعة ابن ملجم (المقاومة الشعبية) في اليمن، وبالأمس في القاهرة تبنت جماعة (المقاومة الشعبية) عملية اغتيال النائب العام المصري، كما يطلق عليهم أنصار الشريعة في ليبيا، ويوصفون بالثوار في سوريا، وووو.

شأنهم في ذلك شأن ذلك العالم الشاعر المثقف الذي أسبغ سربال المدح والثناء لابن ملجم، إنه عمران بن حطان، الذي أثنى على عملية اغتياله أمير المؤمنين، فقال:

يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حيناً فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا

تقي، وأراد الرضوان من الله، هو أوفى البرية ميزانا، يعني يقارب الأنبياء منزلة عند الله، هكذا الإعلام والعلماء الحاضنون للتكفير يصورون الإجرام.

للأسف كان عمران بن حطان جليس روح بن زنباع وهو المحدث والعالم الذي كان يحظى بالاحترام والقبول لدى الخليفة عبدالملك بن مروان، وهذا ما يكشف عن علاقة التكفيري بعلماء السلاطين، هذا يكشف عن علاقة الانتحاريين بعلماء الأنظمة التي تشجع على التكفير، أيضا عمران بن حطان هذا للأسف وثقه البخاري في صحيحه وروى عنه مروياته في الحديث، وهذا ما يكشف عن التداخل المعقد بين التيارات التكفيرية والحواضن القريبة منها، وعلاقتها بالسلطات الطاغوتية، وهذا نجده في عالمنا اليوم فحين يفجر التكفيري مسجدا يأتي أحد المثقفين أو الصحفيين أو القادة ليقول: إنه إنما فجر مسجد الطائفة الفلانية، وتأتي جماعة تكفيرية لتدعي أن هذا الإرهاب التكفيري نوع من المقاومة، وجميعنا يعرف الإعلام السعودي والإخواني الذي أطلق حملة إعلامية بشرت بانطلاق ما سموه المقاومة في إقليم أزال، فكانت تلك السيارات المفخخة في أول شهر رمضان، لقد أصبح الإرهاب التكفيري مقاومة، مثلما أصبح ابن ملجم أوفى البرية ميزانا عند الله.

ويأتي مثقف أو قيادي ليشمت بالضحايا وذويهم، وقد يكون ذلك بادعاء أن تلك العملية كانت ضد الفصيل الفلاني، أو ضد القيادي الفلاني، تماما مثلما فعل معاوية حيث شمت بمقتل الإمام علي، ووصل نبأ ذلك إلى سمع المسلمين، فقال أبو الأسود الدؤلي:

 أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طراً أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا ... وذللها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا

فلا تشمت معاوية بْنَ حربٍ ... فإن بقيةَ الخلفاءِ فينا[11]

ومثلما ارتكب ابن ملجم جريمته في رمضان ها هم يملؤون الدنيا قتلا وتفجيرا في رمضان وبشكل أشد كثافة، وأكثر فظاعة مقارنة بغير رمضان.

غير أنه للحقيقة مثلما هناك أصوات تعتبر التفجيرات والأعمال التكفيرية خيرية، وتقرب إلى الله، وأنها جهاد مذهبي ضد مذهب آخر، كما ظهر شيء من ذلك على لسان قول عمران بن حطان، فهناك علماء من أهل السنة يعلنون أن هذه أعمال شائنة وسيئة، وفي عالمنا المعاصر نشهد أمثلة كثيرة جدا، لا تحصر، ورأينا الإرهاب التكفيري استهدف علماء السنة وقادتها قبل غيرهم، وعلى سبيل المثال، الشيخ البوطي في سوريا، والشيخ العيدروس في حضرموت، وقديما رد بكر بن حماد التاهرتي على ابن حطان، فقال:

قل لابن ملجم والأقدار غالبة ... هدمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ ... وأول الناس إسلاماً وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما ... سن الرسول لنا شرعاً وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصره ... أضحت مناقبه نوراً وبرهانا.

أيها الإخوة والأخوات الحاضرات

بات ابن ملجم اليوم أكثر تطورا وتعقيدا وشدة وفظاعة، لم يعد ذلك التكفيري الذي ليس لديه سوى سيف يخبئه تحت ثيابه، بل أصبح مثلما لديه عبوات شديدة الانفجار، وسيارات مفخخة تملأ الأرض خرابا ودماء، فإنه يقود طائرة إف16، يستهدف بها الآمنين في دورهم ومساكنهم، ابن ملجم اليوم يمتلك ترسانة أسلحة متطورة، وله علاقة واسعة مع هذا العالم المعاصر، لقد أصبح ابن ملجم اليوم يشتري الصمت على جرائمه، فيسكت الجميع، هل رأيتم بكر بن حماد التاهرتي اليوم ينطق شعرا منددا بجرائم ابن ملجم في اليمن؟

ابن ملجم أيها الإخوة أصبح وعيه مثخنا بالبغضاء لكل العامة، لقد أصبح في مقدور ابن ملجم اليوم صناعة أقوى العبوات لتفجير مسجد في صنعاء، وتفخيخ مدرسة في دمشق، وبات يقود طائرة إف16 وطائرات الأباتشي وصواريخ الكروز فيقتل آلاف الناس، ويحرق مئات النسوة، ويشوي مئات الأطفال، وبات ينام على بحار النفط، ويشتري صمت جميع هذا العالم، ها هو ابن ملجم الجديد يتفحّص بخبث ووقاحة منقطعة النظير تلك العيون الشقراء والزرقاء في سوق السبايا، ويفاضل بين عجر هذه السبية، ومهوى قرط الأخرى، وأصبح لديه خلافة ينتمي إليها، وإمارة يفتخر بها، ومملكة تكتظ أموالها بالخزائن، وتزدحم فيها الدولارات.

لم يعد ابن ملجم ملجما، بل صار مطلقا من كل القيم، ومنفلتا من كل الضوابط، وقد ملأ الدنيا قتلا و شرا، وأثخن العالم ظلما وجورا.

ومع ذلك فإن اليمانيين كانوا عند مستوى المسؤولية التي أهلهم الله لها، وأصدقوا تلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تثني عليهم، وعلى إيمانهم، وحكمتهم، وهاهم يطاردون ابن ملجم في كل مكان، ويفضحونه تحت كل مسمى، ويكشفون أقنعته الكثيرة، وحواضنه المريبة.

اليمن التي عشقت الإمام علي فضلا ونبلا ومنهجا، ستتخلص بلا ريب من ابن ملجم في أسرع وقت وأقرب زمان، وعلى الله قصد السبيل، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص235.

[2] هذه الجزئية في الرواية لا تتسق والمشهور عنه عليه السلام، حيث قال له: "وكيف أقتل قاتلي"، وهذا الموقف هو المنسجم مع منطق العدالة.

[3] ابن أعثم الكوفي، الفتوح ج4 ص136 و137؛ والإربلي، كشف الغمة ج1 ص276.

[4] ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق ج3 ص293 بتحقيق المحمودي؛ وكنز العمال ج15 ص174، وحياة الصحابة ج3 ص75، ومنتخب كنز العمال [بهامش مسند أحمد] ج5 ص62، نقلا عن كتاب علي والخوارج.

[5] لسان الميزان، ج2، ص101.

[6] الوافي بالوفيات، ج6 ص112.

[7] نهج البلاغة، خطبة رقم127.

[8] قلت: هناك دلائل تاريخية ترجح أن المسرحية الهزيلة التي تحكي قصة خوارج اجتمعوا في مكة وعقدوا العزم على اغتيال علي ومعاوية وابن العاص كانت نوعا من التغطية على الحدث المجلجل (اغتيال الإمام علي)؛ لأنها فشلت تماما في التنفيذ ضد قيادات حكومة معاوية، أو أنها لم تنفذ أي محاولة في ذلك، ولأنه سبق التهديد من قبل الأشعث الكندي لعلي قبل الحادثة، ولأن ابن ملجم نزل في ديار كندة قوم الأشعث، ولأن حجر بن عدي الكندي سمع الأشعث وهو يحث ابن ملجم على سرعة تنفيذ جريمته قبيل وقوعها، ولأن عبقريا من عباقرة الإسلام وصاحب ذهنية تقديرية عالية حمّل مسؤولية قتله معاوية مباشرة، وهو أبو الأسود الدؤلي، ولأن عليا عليه السلام كان يذكر في شعرٍ صحّ نسبته إليه أن قريشا هي التي تتمنى قتله، والخوارج لم يكونوا من قريش، ولأن ابن ملجم ليس لديه المال الكافي للحاجيات المالية التي صاحبت عملية الاغتيال، فلا يستبعد أبدا أن قريشا جنّدت تكفيريا من الخوارج لقتله وزودته بالمال الكافي عن طريق عميلها في الكوفة وهو الأشعث بن قيس، كما يفعل الطغاة والمستكبرون اليوم حيث يجنّدون هؤلاء التكفيريين بطرق ملتوية لقتل المسلمين غيلة وغدرا ليتم تنفيذ مخططاتهم في ضرب المسلمين ببعضهم.

[9] الثقات ج2 ص302 والبداية والنهاية ج7 ص329 و327 وتذكرة الخواص ص176 وأنساب الأشراف ج2 ص487 ـ 492، نقلا عن علي والخوارج.

[10] ابن أعثم الكوفي، الفتوح ج4 ص139؛ نقلا عن علي والخوارج.

[11] ابن عبدالبر، الاستيعاب، ج1، ص349.

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024