خطبة الغدير 1436هـ
خطبة الغدير 1436هـ
اعداد اللجنة الثقافية بالمجلس الزيدي
الأولى:
الحمدلله الذي هدانا لما يصلحنا في أمر ديننا ودنيانا، أنهج السبيل، وأنار الدليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع الجهاد ليدافع المظلومون عن وجودهم وكرامتهم، وأشهد أن سيد المجاهدين وقدوة المرابطين محمدا عبدالله ورسوله النبي الأكرم المؤيد بالرعب من الأعداء، والحب من الأولياء، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الأكرمين الأخيار الأنجبين، ثم أما بعد
أيها الإخوة المؤمنون، حديثنا اليوم سيكون إن شاء الله عن حديث الغدير وواقعنا الجهادي اليوم.
ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من مناسك حجة الوداع، وبينما هو في طريق عودته أنزل الله قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، قال جماعة كثيرة من المفسرين وأصحاب الصحاح والمسانيد من المذاهب المختلفة إن الآيات أمرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ ولاية الإمام علي عليه السلام، فأقبل صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نحو المدينة، ونزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدوحات، فأزيل ما تحتهن من شوك؛ ثم نادى ((الصلاة جامعة)) فخرجنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في يوم شديد الحر؛ إن مِنَّا من يضع رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدمه من شدة الحر، حتى انتهينا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فصلى بنا الظهر؛ ثم انصرف إلينا فقال: ((الحمد لله، نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، أيها الناس، فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ما عُمِّر مَنْ قبله، ... ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون؛ فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبدالله ورسوله، قد بلغت رسالاته، وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره، وعبدته حتى أتاك اليقين؛ جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. فقال: ((ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وتؤمنون بالكتاب كله؟)). قالوا: بلى. قال: ((أشهد أن قد صدقتم وصدقتموني؛ ألا وإني فرطكم وأنتم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقوني عن ثَقَليَّ، كيف خلفتموني فيهما؟)). قال: فأُعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما الثقلان؟ قال: ((الأكبر منهما كتاب الله، سببٌ طرفٌ بيد الله وطرفٌ بأيديكم فتمسكوا به ولا تولوا ولا تضلوا؛ والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تَقْصُرُوا عنهم؛ فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير؛ فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ؛ ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها، وتظاهر على أهل نبوتها، وتقتل من قام بالقسط منها)). ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها؛ وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ـ قالها ثلاثاً ـ))، وفي رواية: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار). فسارع المسلمون الحاضرون إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام يهنئونه ويباركون له هذه المنزلة، وقالوا: بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال حسان بن ثابت في ذلك اليوم:
يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخمٍّ وأسمِع بالرسول مناديا
يقول فمن مولاكمُ ونبيكم؟ *** فقالوا: ولم يبدو هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبينا *** ولن تجدنْ منا لأمرك عاصيا
فحينئذ نادى عليا وشاله *** بيمناه حتى صار للقوم باديا
فقال له: قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه *** وكن للذي عادى عليا معاديا
أيها الإخوة المسلمون نتذكّر اليوم حديث الغدير ونهتم به؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اهتم به، وحشد الحشود الكبيرة من المسلمين تحت هجير الشمس وحرارتها ليسمعهم حديث الولاية، وفي رسول الله لنا أسوة حسنة تدفعنا لأن نستعيد حديث الولاية هذا، حيث يجب أن نجدد تأكيدنا بأننا على منهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منهج الإسلام والقرآن.
لقد كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا اليوم منهجية حميدة ومنصفة، تبين ملامح ومواصفات الحاكم الذي يجب أن يتولاه المسلمون ويلتفوا حوله، منهجية تبين مدى اهتمام الإسلام بالكفاءة والعلم والشجاعة والتضحية والذوبان في ذات الله، والإخلاص له، والمسارعة إلى رضاه، وهي صفات كانت على أفضلها تتجلى في أمير المؤمنين علي عليه السلام.
كان الإمام علي بطل الإسلام الأول، وأخلص الصحابة رضوان الله عليهم للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فكان اختياره وليا للمؤمنين اختيارا للفضيلة والعدالة، وانتخابا للكرامة والحرية، وتشجيعا للشجاعة والتضحية، واستدعاء للرجولة والعفة، ودعما للمسارعة إلى الخيرات، وإشادة بالفضائل والمكرمات.
إن رجلا نزلت آيات القرآن الكريم تشيد بفضله وإخلاصه ووعيه وجدارته بتحمل المسؤولية لجدير بأن ترقبه الأمة اليوم في حكامها وأوليائها، وحري بأن تختار من كان على مواصفاته أو حتى على بعض منها مما لا يمكن الحكم العادل إلا بها، وهي تدين بالولاء والطاعة للحكام، ولو أن الأمة أخذت بمنهج وثقافة يوم الغدير في اختيار الحاكم المسلم لما وصل إلى الحكم أمثال يزيد، والحجاج وأضرابهما وأمثالهما، ممن قال فيهم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: (لو جاءت كل أمة بجبابرتها وجئنا بالحجاج لعدلنا بهم).
لو أن الأمة اختارت منهج الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أعلنه يوم الغدير في اختيار الحاكم الفاضل لما رأينا هؤلاء الحكام المجرمين من آل سعود وهم يتربعون على العروش الفاجرة، والممالك الغبية، لما رأيناها تحمل الطغاة والظالمين والمستبدين والفاجرين وأولياء اليهود والنصارى على ظهورها إلى عروشهم فأذاقوها سوء العذاب، ونكلوا بها.
حين لا يكون هناك ولاية لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين ممثلين في الإمام علي ومواصفاته سيكون البديل هو موالاة اليهود والنصارى، موالاة أمريكا وإسرائيل، ستضيع بوصلتهم وِجهة الإسلام ، وتحضر بوصلة الشياطين، لاحظوا أولئك الذين لا يتولون الإمام علي، ويكرهون الذين يتولونه ماذا يفعلون بالمسلمين اليوم، لاحظوا ماذا يفعل آل سعود الذين يؤمنون بولاية الشيطان، وولاية أمريكا وإسرائيل، لاحظوا ماذا يفعلون بالمؤمنين في اليمن، كم يعبثون بمقدرات هذه الأمة، كم يسرفون في أموالها، كم يلِغون في دمائها، كم يقتلون من شبابها، كم استلبوا من أرواح نسائها، كم مزقوا من أجساد أطفالها، كم دمروا، كم خربوا، كم أحرقوا، كم جدوا واجتهدوا في تدمير مجتمعات المسلمين، بينما العدو الصهيوني في أمن ودعة منهم، يعقدون معه اللقاءات السرية والعلنية، ويدبِّرون الخطط الكيدية، ويصممون الاستراتيجيات اللعينة، وهو المحتل الغاصب لأرض المسلمين ومقدساتهم، الذي يهتك العرض، ويحتل الأرض، هذا هو الحال الذي وصلنا إليه؛ لأننا فرّطنا في منهجية الولاء لله ولرسوله والذين آمنوا، ممثلة في الإمام علي، ومن كان على شاكلته ومنهجيته، وطريقته.
هؤلاء السعوديون بدعم أمريكي وبريطاني وإسرائيلي ومشاركة فعلية لهم يدمِّرون اليمن إنسانا ومقدَّرات، يدمرونه ذاتا وقيما وأخلاقا، يدمرونه ماضيا وحاضرا ومستقبلا، يقولون لأن أهل اليمن مجوس، وواعجبا من إفكهم وتضليلهم، هل رأيتم أنتم يا أهل اليمن مجوسيا يعبد النار في هذه الديار، أرأيتم أي وقاحة عليها هؤلاء المعتدون، يكذبون علينا ونحن أحياء نسمع ونرى، ثم يقتلون أطفالنا ونساءنا بتبريرات سخيفة، وأعاذير قذرة، إنها مملكة قرن الشيطان حين تفتري على يمن الإيمان، التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه والإيمان، بينما شهد على نجدها التي خرجت منها بأنه يخرج منها قرن الشيطان والفساد والزلازل المجتمعية والاضطرابات المعنوية.
لنسألْ أنفسنا ما علاقة آل سعود بحديث الغدير وثقافته، أرأيتم كم يمعن السعوديون ودعاتهم ومطاوعتهم في السعودية واليمن وغيرهما في التشنيع على حديث الغدير والتشغيب عليه والتشكيك في دلالاته واستحلال دم من يؤمن به مع أن حديث الغدير موجود في كتبهم وأدبياتهم، لكنهم لا يؤمنون بمقتضاه، ولا يصغون لفحواه.
ألم يقتل السعوديون أهل اليمن بحجة أنهم روافض، وأنتم تعلمون أن أهل اليمن من أعدال الناس قولا، وأحسنهم رأيا، لقد جمعوا في هذه الديار أعدل المذاهب وأفضلها المذهب الزيدي الشيعي، والمذهب الشافعي السني، وكلاهما أهل الاعتدال، وخير المنهاج، كلاهما تعايشا في اليمن مئات السنين بدون مشاكل ولا اختلافات حتى جاءات مذاهب مملكة قرن الشيطان، على أنه لو افترضنا صحة دعاواهم الشيطانية الكاذبة لما كانت مسوِّغة لعدوانهم القبيح ولا مبررة لاعتدائهم الأثيم، ومع ذلك يوقن المؤمنون في اليمن أن هذا العدوان الغاشم والهمجي المتوحش لا يستثني أحدا من أهل اليمن، وأنهم حين يدّعون بأنهم يستهدفون الروافض كاذبون مفترون، من حيث أنه أولا لا يوجد في اليمن من يسمونهم روافض، ثم من حيث أنهم يستهدفون بعدوانهم كل اليمنيين زيدية وشافعية، وجبالية وتهاميين، وشماليين وجنوبيين، وشرقيين وغربيين، لم يستثنوا أحدا من هذا العدوان، ولم يتركوا طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا شابا، ولا مدنيا ولا محاربا، ولا كبيرا ولا صغيرا، ولا مدنيا ولا قرويا، الجميع يقع في دائرة الاستهداف، وفي كل ليلة تطالعنا شاشات التلفزة بمجموعة من المجازر من هنا وهناك، من هذه المحافظة القريبة ومن تلكم المحافظات البعيدة والنائية.
إنهم كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (قرن الشيطان) أي جيله وجنوده وخيله ورجله وانتشاره وقوته وسيفه وماله، ولو قارنا دورهم بدور الشيطان الرجيم كما ورد في القرآن الكريم لوجدنا أنهم يمارسون ذات التضليل والإغواء والإفساد والتدمير والقتل وإيقاع العداوات والبغضاء الذي يمارسه الشيطان، لهذا كانوا قرنه وجيله وأدواته وامتداداته، فكل خطوة يخطوها الشيطان تجدهم يسلكون ذات طريقها، وما ذلك إلا لأنهم تخلوا عن ثقافة الغدير البنّاءة، ثقافة التولي لأولياء الله، فصاروا إخوان الشياطين، وأولياء الشيطان، وحلفاء الأمريكان والإسرائيليين. وحين يطرد الإنسان من قلبه معاني الخير سيملأها بوعثاء الشر، وقيم البغي والكبر والعناد.
أيها اليمنيون لا داعي لتذكيركم بمآسيهم وجرائمهم اليومية فهي تدمي حتى القلوب الجامدة وتوقظ حتى الضمائر الميتة، وإلا فما ذنب تلك النسوة اللاتي قتلن في عرس المخا في ثاني مجزرة تحط على رؤوس أهل تلك المنطقة البعيدة؟ وما ذنب آلاف الأطفال الذين قتلوا ويقتلون يوميا؟ أليس قتل الأطفال والنساء جرما كبيرا وموبقة خطيرة لدى جميع الأديان وفي جميع الأعراف والدساتير؟ لو لم يكن هناك إلا هذه المجزرة فقط لكانت كافية في أن يتحرك جميع المسلمين في مواجهة هذا الصلف والطغيان؟ فما بالكم بمئات المجازر وعشرات الآلاف من الضحايا؟ لماذا يتم قتل وتحريق وتمزيق وتقطيع الأطفال والنساء آمنين في بيوتهم تحت جُنْح الليالي ثم إذا هب الإسعاف لاستخراج جثثهم عاد الطيران المعتدي لقصفهم؟ هل رأيتم عدوا وقحا وفاجرا وفاسقا وخبيثا كان على هذه الدرجة من الخسة والدناءة؟ كم رأيتم فجارا يستهدفون المدن والقرى السكنية لقتل الأسر التي لا علاقة لها بالحرب، مع أنه بالطبع يجب على كل الأسر والقرى أن تتحرك في الدفاع عن أنفسهم وعن جيرانهم وعن إخوتهم في الدين والوطن ضد هذه الاحتلال الغازي الغشوم والمتوحش والوقح؟ يجب أن يكون الجميع على علاقة بالدفاع عن بلدهم ودينهم وكرامتهم.
إنه بغي وعدوان وظلم وفجور يمارسه طرف لديه إمكانات هائلة ضد شعب مسالم وبريء بدون ذنب ولا سابق جرم، بغي وعدوان من طرفٍ معتدٍ يحاول احتلال بلدنا ويحتل أجزاء منها، تؤيده عصابات الإجرام الصهيونية سرا وإعلانا، وتخطط له وتموله الأنظمة الكافرة والفاجرة في أمريكا وبريطانيا وغيرها، قتَلِ النساءَ والأطفال، واستباح كل المحرمات الدينية والعقلية والعرفية، لم يترك شيئا قائما إلا واستهدفه، ولا رأى حياة إلا وأراد خنقها، ثم عمد إلى كل دول العالم التي تنتمي للنظام العالمي الخبيث الذي تهيمن عليه أمريكا فاستنفرها ضد شعبنا، وأسكت ضمائرها بأمواله الطائلة، واشترى صمتها بنفطه الغزير، وضلل شعوبها بدعاته الأبالسة، وقنوات تضليله الشيطاني.
أيها الإخوة المؤمنون مع كل ذلك وكل تلك الإعدادات فإن هذا العدو الشيطاني خسر معركته ويخسرها يوما بعد يوم، وسقطت أسطورته في أول تبة من تباب اليمن الغراء، وعند أول تلة من تلال الشرف والرجولة، وذهب جيشه الفرار لا يلوي على شيء وراءه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) التوبة14، ويقول: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) النساء75.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم منه بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى ملك جواد بر رؤوف رحيم، فاستغفروا يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الثانية:
الحمدلله ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المجاهدين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدالله ورسوله إلى الناس أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله الفرسان، وصحابته الشجعان، ثم أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون
إننا حين نتذكر الإمام عليا في هذا اليوم يوم الغدير، يوم الولاية، فإنما نتذكره لما يوقظ فينا الضمائر، ويحيي النفوس، وليس لإثارة الخلافات، وإدخال الأمة في سراب المتاهات، حين نتذكره نستحضره فينا منهجا وأخلاقا وقيما وسلوكا باعتباره أبرز ابطال الإسلام الذين قدّموا من العطاء ما تتفاخر به الأمم، وتشير إليه الشعوب ببنان الفضل، وإشارة الإشادة، نتذكره في هذا اليوم وفي ظل هذا العدوان الفاجر باعتباره أعلم الأمة وأقضاها، وباعتباره الامتداد الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علمه وجهاده، وأي مشروع لا يحمل هذين الركنين الأساسيين فإنه يعتبر مشروعا ناقصا، نتذكره باعتباره الحاكم الإسلامي العادل الذي قدّم نموذجا في العدل تحبِّذه البشرية كلها، وما أحوج العالم اليوم للعودة للاستفادة من عدله وحلمه، نتذكره اليوم باعتباره المعارض الإيجابي، الذي حين عارض خصوما له تخلّى عن حقوقه الشخصية ودار حيث المصلحة العامة، يدور معها أينما دارت، ونتذكره اليوم باعتباره معلم الأمة بعد رسول الله في حسن المبادرة إلى الفعل الإيجابي الفاعل والمؤثر، الذي لم يدخر وسعا ولا جهدا إلا ومضى فيه لما فيه مصلحة الأمة وسبيل الإسلام، نتذكره اليوم باعتباره التلميذ الواعي، والطالب الحصيف، الذي سمع فوعى، ونحن طلابا أحوج ما نكون كذلك اليوم، نتذكره اليوم باعتباره أول الناس إسلاما، وأسرعهم بدارا نحو الدين الحق، فنكون على شاكلته، لا نتأخر حيث يجب التقدم، ولا نتكاسل حيث الكسل مذموم، حين يدعونا الإسلام، وينادينا نداء الحق تبارك وتعالى، نتذكره اليوم باعتباره فيلسوف الإسلام وعلامة الاجتماع الذي هدى الأمة إلى خير المقاصد، وردّد فيها أقوم المراشد، فكل كلمة قالها تشير إلى عمق الدلالة ودقة المقصود وتستجمع الفروع وتحلل النفوس وتفرز الحيثيات بشكل أثار العالم، وأصغى إليه الأمم، ولا زالت مقولاته من أفضل المقولات يستقي منها البلغاء، ويحدب عليها العلماء، ويعكف عليها الحكماء، ويحن إليها البعداء، ويمير منها الواردون.
لقد كان الإنسان الكامل في صفاته وخلاله، فكان مضرب الأمثال، ومهوى النفوس الإنسانية، أحبه الناس جميعا المتقدمون والمتأخرون، المسلمون والكافرون، لعدله، وكرمه، وبساطته، وحكمته، وشجاعته، وفدائيته، وانحيازه للفقراء والبسطاء والمساكين.
أيها الإخوة المؤمنون
إن الغدير نهر الأمة المتدفق بالعطاء الثوري الخلاق، لا زال يذكِّر بالمسؤولية العملية، ويهدي إلى مواصفات الحاكم العادل، ويرشد إلى مقومات وعوامل النصر، ويحذر من عواقب الخذلان.
لكن أهم درس يجب أن نستعيده اليوم في هذه الذكرى من تاريخ بطل الإسلام الغضنفر، وقائده العبقري المظفر، هو أن الإمام علي عليه السلام - الذي استحق مقام الغدير الرفيع، وشأوه الضليع – ظلَّ أستاذ العالمين في ميادين الجهاد، ومعلِّم البشرية في التضحية والفداء، إنه مدرسة الجهاد المتكاملة، وكليته العامرة، وجامعته الموقرة، نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تذكر أعلام الجهاد والفحولة، واستحضار أبطال الشرف والرجولة، لا نستطيع أن نجد خيرا من هذا البطل، ولا أوفى منه درسا، ولا أكمل منه كياسة وفطنة وحنكة.
يا من قد أنكر من آيا *** ت أبي حسن ما لا ينكرْ
إن كنت لجهلك بالأيا *** م جحدت مقام أبي شبَّرْ
فاسألْ بدرا و اسألْ احدا *** و سلِ الأحزاب و سلْ خيبرْ
من دبّر فيها الأمر و مَن *** أردى الأبطال و من دمّرْ
من هدّ حصون الشرك و من *** شاد الإسلام و من عمّر
من قدّمه طه و على *** أهل الإيمان له أمّر
قاسوك أبا حسن بسوا *** ك و هل بالطود يقاسُ الذرّْ
من غيرُك مَن يُدْعَى للحر *** ب و للمحراب و للمنبر
أفعال الخير إذا انتشرت *** في الناس فأنت لها مصدر
و إذا ذكر المعروف فما *** لسواك به شيء يُذْكَرْ
أحييتَ الدين بأبيضَ قد *** أودعتَ به الموتَ الأحمر
قطبا للحرب يدير الضر *** ب و يجلو الكرب بيوم الكر
فاصدع بالأمر فناصر *** ك البتار و شانئك الأبتر
أيها المؤمنون: نحن اليمانيين - مَنْ شهِد لنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان - أحوج ما نكون اليوم لأن نستلهم من بطل الإسلام ومجاهده الأكبر وفاروقه الأول الإمام علي عليه السلام دروس الجهاد الكثيرة.
فنستلهم منه مبادرته إلى نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أول يوم في الإسلام والثقة بما عند الله من النصر والتمكين وقرب الفرج عن المستضعفين مهما تكالب المستكبرون والكافرون.
ونستلهم منه درس الاستئناس للحق والمحقين ولو كان عددنا قليلا، فقد قاتل بشراسة في بدر الكبرى غير مكترث بعدد وعتاد الكافرين، فلا نكترث للكثرة والعدة والعتاد التي يتسلح بها عدونا المستكبر علينا الذي يفوقنا في السلاح والعتاد ولكنه ينقصنا كثيرا وكثيرا جدا في الروحية القتالية والمعنويات الدافعة، ونثق أنه كما انتصر الإمام علي والمسلمون وهم قلة قليلة في بدر بفضل روحيتهم العالية وموقفهم الحق ضد كفار قريش ومستكبريها سننتصر في معركتنا ضد أحفادهم اليوم.
نستلهم منه - أيها الإخوة - درس الانضباط والالتزام لأحكام وقيم وأوامر الإسلام حتى لا يقع التفريط منا فيكون من ورائه الهزيمة والتراجع والعياذ بالله، كما نستلهم منه درس الثبات والوقوف بصلابة حين تهب رياح العواصف الهوجاء للامتحان والاختبار والتأديب، حيث ثبت هو في معركة أحد شامخا مع عدد قليل من رجال المسلمين بينما فر الكثيرون لمّا حلت بهم الهزيمة بسبب مخالفتهم لتعليمات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه بقي ثابتا ينكِّل بالمشركين ويقتل الأعداد الكثيرة منهم، لم يهزمه كثرة المعتدين، ولم يأنس لكثرة الناصرين، إنها الثقة بالله تعالى.
نستلهم منه كيف يكون المؤمن المجاهد صابرا محتسبا ذا روحية عالية ويقين كبير، ونحن نشاهده يتصدّى بشموخٍ وكبرياء لأعتى وأقوى وأشجع فرسان الجزيرة العربية عمرو بن عبدود، وقد اقتحم الخندق، وتحدى جميع الخلق، فيخرج إليه مبارزا وقد كاع عنه الشجعان، وخافه الفرسان، لكنه انطلق مؤيَّدا بالله، محفوفا بدعاء رسول الله، فما أمهله حتى أطاح به وضربه، ثم لما أغاظه لم يجهِزْ عليه وتركه حتى برد غضبه، حتى يقتله غضبا لله وليس غضبا لنفسه، نستلهمه وزملاءه من المجاهدين الأوائل وهم يتصدّون لأكبر زحفٍ معتدٍ غاشمٍ تكوّن من اليهود المخطِّطين، وقريش الكافرين، وأعراب نجد المنافقين، ومن لف لفيفهم، إلى الخونة في المدينة، يريدون القضاء على نبتة الإسلام، واقتلاع شجرة النامية، وها نحن نجد أنفسنا اليوم مع أحزاب الجاهلية المعاصرة التي تحزّب فيها الأمريكي والإسرائيلي الكافر، مع السعودي والأعرابي المنافق والعميل لليهود والنصارى، مع المرتزقة العملاء، من باعوا أرضهم وديارهم وإخوانهم بفتات كاذب، ووعود معسولة، هاهم يكررون سيناريو الأحزاب الأوائل، ولكن لأننا بادلنا الإمام فارس الفرسان المحبة صفوا، وتأثرنا به منهجا، فلا بد أن ننتصر عليهم وأن نمزق جمعهم، وأن نكسر جبروتهم، وأن نذل كبرياءهم بعون الله وقوته، وببسالة الفتيان الذين رأوا في هذا الإمام منهجا خالدا يستمدون منه معاني العزة والشموخ، إنها الأمة التي تعلمت من مدرسة الغدير أن الشهادة فوز كبير وهدف سامٍ وخطير، وهي الأمة الجديرة بالنصر، وحري بها الفوز والظفر.
نستلهم منه في هذا اليوم مواجهته لليهود وأحابيلهم الشيطانية ونحن نواجه كيد اليهود وهم يتحدثون عن بلدنا وبحارنا ومضيق باب مندبنا وكأنه تراث آبائهم وملك أمهاتهم، هاهم اليوم يشاركون السعودية وأمريكا فيقصفون أحياءنا السكنية بقنابل محرمة دولية، من وراء جُدُر السماوات، لكننا نعِدُهم أننا سنسلك ذات الطريق التي سلكها مولانا الإمام علي عليه السلام الذي اقتحم حصون اليهود في خيبر، وسيقتلعهم المسلمون وفي مقدمتهم اليمنيون من مقدسات المسلمين في الأقصى كما اقتلع الإمام باب حصنهم الكبير، وسنجندل مقاتليهم وجيوشهم كما جندل مولانا الإمامُ فارسَهم الأول مرحب، وسيكون النصر حليفنا، لأننا الكرارون، تلامذة الكرار فلا نرجع حتى يفتح الله على أيدينا الأبواب المقفلة في وجوه المنحرفين، ألم يقل له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه). وما عليكم إلا تجديد المحبة لله ولرسوله وللمؤمنين، وبعد ذلك النصر والظفر.
أيها الإخوة المؤمنون
لقد أثبت اليمنيون وهم الذين بادلوا الإمام حبا نقيا طاهرا صافيا أنهم يمضون على ذات الطريقة، ويسلكون في نفس المسلك الذي كان يسلكه؛ وهاهم فتيانهم الأشاوس وأبطالهم الميامين يتحدون الصعاب، ويقهرون المستحيلات، ويناطحون شفار الموت، ويتحدّون قنابل الغازات، ويتعايشون مع أقوى الانفجارات، ولا يحزن أحدُهم أن ناله جرح، أو أصابه أسر، إنهم هم من تخرّجوا من مدرسةٍ تعتبر الشهادة فوزا عظيما، ألم يعل صوتُ ذلك الإمام العظيم بقوله (فزت ورب الكعبة) حين جاءته الشهادة في المسجد غدرا على يد أول تكفيري داعشي في الإسلام، وهو الذي ظل يبحث عنها دهرا طويلا بين صفحات المعارك، وثنايا الأهوال حتى أوتيها وفاز بها، وكان يتوسل إلى رسول الله بأن يدعو له بالشهادة، ولما سأله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن مدى صبره حين تنزل بساحته، أجاب تلك الإجابة الخالدة قائلا: (يا رسول الله تلك من موطن البشرى، وليس من مواطن الصبر). ومع ذلك فقد كان في قتاله ومبارزاته كثير الحذر يتلفت يمينا ويسارا وأماما، فلا يقدر أحد أن يغدر به، ولا أن يناله من ظهره ولا من عن يمينه ولا من عن شماله.
أيها الإخوة المؤمنون ثقوا أن النصر حليفنا نحن اليمانيين ذلك انهم اعتدوا علينا وبغوا وتجبروا وأكثروا في الارض الفساد، ثقوا أن الهزيمة الساحقة الماحقة من نصيب أولئك المعتدين المحتلين الغاشمين قتلة حجاج بيت الله الحرام، والصادين عنه المانعين من الحج إليه، أولياء اليهود والنصارى وأحبائهم.
ليستبشرْ جميعُ الإخوة المؤمنين أن هذا الجيل وهذه الأمة خير جيل وخير أمة بقدر ما امتحنهم الله بالمحنة الشديدة، فإنه يسر لهم منحة كبيرة، فالجهاد حين يسر الله أبوابه، وهيأ موجباته، فانطلق المجاهدون الأبطال زرافات ووحدانا، إنما كان هذا يشير إلى أن هذه الأمة أمة مباركة، وذات خيرية متدارَكة، حيث اختصهم الله بالجهاد وتيسير أسبابه، وأنعم عليهم بالجهاد بابا عظيما ومقدسا من أبواب الجنة، يقول الإمام علي عليه السلام: (إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة).
وما أجمل أن نختم بكلام صاحب هذا اليوم العظيم لنقتطف منه رسائل متنوعة إلى جهات مختلفة، فنقول لقيادة الثورة المتولية الدفاع عن ديننا وارضنا وديارنا، نقول لهم يقول الإمام علي عليه السلام صاحب يوم الغدير: (فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلَا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ)، ويقول: (وأكثِر مدارسة العلماء، و منافثة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به النّاس قبلك).
وأما رسالته إلى جميع أفراد المجتمع المجاهد المبتلى نساء ورجالا، ولا سيما الخطباء منهم حيث يحثهم على الجهاد بألسنتهم فيقول عليه السلام: (اللّهَ اللّهَ في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل اللّه).
وأما رسالته عليه السلام إلى المرتزِقة أدوات الاحتلال الباغي، وأبواق العدوان الأمريكي السعودي، وشيوخ التضليل ومطاوعة التكفير وفقهاء التفخيخ والتفجير، فهو يتحدث عنهم موصِّفا إياهم ومحذِّرا من الاغترار بهم، يقول: (تَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأمْرِهِمْ مِلاَكاً، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكا، فَبَاضَ وَفَرَّخَ في صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَل، وَزَيَّنَ لَهُمُ الخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ في سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالبَاطِلِ عَلى لِسَانِهِ!).
وأما رسالته إلى المجتمع جميعا فهي قوله: (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السُّفْلَى فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى وَقَامَ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ).
وأما رسالته عليه السلام إلى الخاذلين من الفئة الصامتة السلبية فقد سماهم (أموات الأحياء)، حيث يقول: (مِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ فَذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ وَمُضَيِّعٌ خَصْلَةً، وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذَلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ وَتَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ، وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ).
وأما رسالته التي تحذر المجتمع عن التكاسل في القيام بدوره، فهي قوله: (أيّها النّاس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ ، و لم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، و لم يقو من قوي عليكم . لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل . و لعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا ، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم ، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد . و اعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم ، سلك بكم منهاج الرّسول، و كفيتم مؤونة الاعتساف ، و نبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق).
وأما رسالته للأبطال في ميادين الجهاد من عشقوه منهجا، وأحبوه دربا، وذابوا فيه أخلاقا وسلوكا، فهي قوله لهم: (تزول الجبال و لا تزل، عضّ على ناجذك، أعر اللّه جمجمتك، تد في الأرض قدمك، ارم ببصرك أقصى القوم و غضَّ بصرك، و اعلم أن النّصر من عند اللّه سبحانه)، (اغزوهم قبل أن يغزوكم فو اللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا) (مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ ... وَالْحَظُوا الْخَزْرَ وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ ... وعَاوِدُوا الْكَرَّ وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً، وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً، فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (وإنّ أخا الحرب الأرِق (أي ان صاحب الحرب لا ينام)، ومن نام لم ينم عنه ، والسّلام).
وأما رسالته عليه السلام للحكومة العادلة التي يجب أن تدير البلاد بالعدل والشورى والتسامح، فهي قوله: (استعمل العدل، واحذر العسف والحيف؛ فإن العسف يعود بالجلاء، والحيف يدعو إلى السيف)، (وآلة الرياسة سعة الصدر)، (ومن استبد برأيه هلك)، (ومن شاور الرجال شاركها في عقولها)، (ولا يقيم أمر الله إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع)، (وإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، وأخذوهم بالباطل فافتدوه).
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما: (إن الله وملائكته ..).
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1800 مرة