الجامع الكافي .. في حلة ضافية
التعريف بالجامع الكافي
(الجامع الكافي) الذي ألفه الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي، المتوفى سنة(445هـ)، صدر لأول مرة منذ ألف عام من تأليفه، عن (مؤسسة المصطفى÷ الثقافية)، بتحقيق العلامة/ عبد الله حمود العزي، بعد عشر سنوات من الاعتكاف على تحقيقه، وقد وصلت الدفعة الأولى منه إلى عدد من المكتبات اليمنية، والكتابة عنه تعد بشارة كبيرة خاصة للعلماء والأكاديميين، والمثقفين والباحثين، وطلاب العلم وغيرهم من المهتمين.
ومن المعروف أن هذا الكتاب القيم يعد أول كتاب جامع لأقوال الأئمة المتقدمين من أهل البيت عليهم السلام في مكة، والمدينة، واليمن، والعراق، وخراسان، وغيرها من البلدان، حتى سماه البعض بـ(جامع آل محمد) إضافة إلى اشتماله على أقوال عدد من كبار الفقهاء المنتمين إلى أهل البيت عليهم السلام، واشتماله أيضاً على أقوال عديدة لعدد من الصحابة والتابعين وتابعيهم بما فيهم أئمة المذاهب الأربعة، وهو بهذا يصنف بأنه أول كتاب في الفقه المقارن.
وتأتي أهمية هذا الكتاب لاعتبارات عديدة من أهمها:
1ـ خصوصيته بين كتب الفقه عند الزيدية، باعتباره من أقدم الكتب الفقهية التي جمعت أغلب فقه الأئمة المتقدمين من آل محمد وشيعتهم الكرام والصحابة والتابعين، قال العلامة صارم الدين الوزير المتوفى(914هـ): ((ومن أكثرها جمعاً وأجلها نفعاً كتاب (الجامع الكافي) المعروف بـ(جامع آل محمد)، الذي صنفه السيد الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني، وهو ستة مجلدات، ويشتمل من الأحاديث والآثار وأقوال الصحابة والتابعين ومذاهب العترة الطاهرين على ما لم يجتمع في غيره، واعتمد فيه على مذهب القاسم بن إبراهيم عالم آل محمد، وأحمد بن عيسى فقيههم، والحسن بن يحيى بن حسين بن زيد وهو في الشهرة بالكوفة في العترة كأبي حنيفة في فقهائها، ومذهب محمد بن منصور علامة العراق وإمام الشيعة بالاتفاق، وإنما خص صاحب الجامع ذكر مذهب هؤلاء، قال: لأنه رأى الزيدية بالعراق يعولون على مذاهبهم، وذكر أنه جمعه من نيف وثلاثين مصنفاً من مصنفات محمد بن منصور، وأنه اختصر أسانيد الأحاديث، مع ذكر الحجج فيما وافق وخالف))([1]).
2ـ تضمنه آراءعدد من فقهاء المسلمين من كل المذاهب الإسلامية، ففي الوقت الذي خصص فيه مؤلفه مساحة واسعة لفقه ثلاثة من العترة النبوية وواحد من شيعتهم الزكية، فإنه أيضاً تطرق إلى فقه عدد آخر من العترة النبوية (آل محمدعليهم السلام)، وفقه عدد من الصحابة، وفقه عدد من التابعين وتابعيهم، بما فيهم أئمة المذاهب الأربعة، وعدد من أتباعهم.
3-استيعابه لأغلب مصنفات الحافظ الكبير المعمر محمد بن منصور المرادي، الذي يعد في طبقة مشائخ شيوخ الحافظ البخاري، ولكنه لم يشتهر كاشتهاره، لإظهاره محبة آل محمد عليهم السلام من ذرية الإمام علي عليهم السلام، والتي كانت تعد في نظر السلطة الأموية والسلطة العباسية جريمة لا تغتفر.
وتزداد أهمية هذا الكتاب باعتباره أصبح الوعاء الوحيد الحافظ والجامع لتلك المصنفات المهمة، إذ أنها أصبحت شبه مفقودة إن لم نقل مفقودة، ولم نعثر منها حتى الآن إلا على كتابين هما كتاب (أمالي الإمام أحمد بن عيسى) وقد طبع طبعتان والثالثة تحت الطبع بتحقيقنا، تم فيها تصحيح ما وقع في الطبعتين السابقتين لها من أخطاء مطبعية وتصحيفات خطية، مع استدراكات مهمة جداً، والكتاب الآخر (المناهي) ولا زال قيد التحقيق.
4ـ معالجته لقضية هامة طالما نادى إليها عدد من المهتمين بوحدة الأمة، وعدم إثارة المسائل الخلافية بين مذاهبها، وهي ما بات يعرف بـ(التقريب بين المذاهب) حيث تناول التقريب بأسلوب جميل يجعلك تعيش حقيقته بعيداً عن الإقصاء والتعنيف، ففي الوقت الذي نجد بعض أتباع المذاهب مأسورين لثقافة الإنغلاق والتحجر وعدم الإنفتاح الفقهي مع غيرهم، نجد أن هذا الكتاب وغيره من كتب آل محمد نماذج واقعية على الروح الإسلامية العالية التي يتمتع بها فقهاء أهل البيت داخل المدرسة الزيدية في التعاطي مع المسائل الفقهية الخلافية وذكرهم لتعدد الآراء حولها وعدم الشعور بالضيق من الآخرين، وكأن هذا الكتاب جاء ليعالج قضية علم الخلاف الفقهي ويرسم منهجيته ومادته وآدابه وكيفية التعاطي معه.
وفي هذا السياق أورد شهادتين لعالمين مشهورين من غير المذهب الزيدي:
الأول الشيخ محمد أبو زهرة حيث قال: ((وإنا نجد في كل مذهب تعصباً من معتنقيه، خصوصاً في القرنين الرابع والخامس إلا المذهب الزيدي، فإننا نجد من معتنقيه قبولاً لكل ما يكون له مستند من الشرع، وفي الوقت الذي كانت المناظرات على أحدّها في القرن الرابع والخامس الهجري في بلاد ما وراء النهر بين المذهب الحنفي والمذهب الشافعي، نجد أن المذهب الزيدي في تلك البلاد وغيرها يسير هادئاً كالنمير العذب، يأخذ مجتهدوه خير ما في المذهبين إذا انقدح في نفوسهم سلامة منطقه، وفي الوقت الذي نجد فيه الفتن في العراق تقع بسب التعصب بين الشافعية والحنفية نجد أن المذهب الزيدي هادئاً كالبحر الساجي يحمل في سفائنه خير ما في الكنوز الإسلامية من فقه.... وفي كل بلد من البلاد التي حل فيها كان له اجتهاد يتناسب مع حاجات أهل هذا البلد ومتفق مع العرف فيها وإنتاج أحكام لما يَجِدُّ فيها من أحداث، فإنه يجد للناس من الأقضية بمقدار ما يجد لهم من أحداث، فكان تنوع الأحداث في البلاد الإسلامية ثم اجتماع هذا كله في مذهب واحد فيه نماء لهذا المذهب أي نماء))([2]).
والثاني الدكتور أحمد صبحي قال: ((لا أكاد أجد مذهباً أكثر سماحة وأعدل قصداً تجاه الخصوم من الزيدية، بل إن منهج معظم مفكريهم في العرض لَفَرِيد؛ إذ يعرض مختلف الآراء على السواء في نزاهة وموضوعية، ثم يرجح المفكر ما يراه، لا شطط ولا إسفاف، ولا ارتداء زي كهنوت وإصدار أحكام التكفير على المخالفين))([3]).
7ـ اشتماله على أغلب دلالات المسميات الفقهية المعاصرة التي يرددها الباحثون في عصرنا ويعقدون من أجلها المؤتمرات والندوات، ويؤسسون لها المراكز والمؤسسات المتخصصة كـ(الفقه المقارن)، و(فقه الوقائع والنوازل)، و(فقه الواقع والتوقع)، و(فقه المصالح والمقاصد)، و(فقه الاحتياط ودرء المفاسد)، و(فقه الثوابت والمتغيرات)، و(فقه الموازنات والأولويات)، و(فقه السياسة الشرعية)، و(فقه تقنين الأحكام).
وقد قسم المحققُ مقدمة الدراسة والتحقيق لكتاب (الجامع الكافي) إلى أربعة مطالب أساسية، نوجزها في الآتي:
المطلب الأول: خصصه لإيضاح فقه الزيدية وأبرز أئمة وفقهاء الزيدية في الأربعة القرون الأولى، وأوضح لكل قرن مسمى يتفق مع مراحل التطور التي مر بها فقه آل محمد:
- فسمى القرن الأول باسم (تفقيه الآباء للأبناء)، وفيه أوضح العلوم التي تلقاها الإمام علي × عن الرسول ÷ ثم العلوم التي تلقاها أبناؤه عنه.
- وسمى القرن الثاني باسم (الحفاظ على التوجه العام لأهل البيت عليهم السلام)، وفيه أوضح الملامح الأساسية التي حاول أعداء أهل البيت محوها وكيف استطاع أهل البيت عليهم السلام الحفاظ عليها.
- وسمى القرن الثالث والرابع باسم (الجمع والتأصيل)، وفيه أوضح كيف تم جمع فقه آل محمد والتأصيل لملامح المناهج الفقهية التي اعتمدوها.
أما المطلب الثاني: فقد خصصه لكيفية طريقة تحقيق ودراسة كتاب (الجامع الكافي)، وضمنه عشرة فصول:
- الفصل الأول: خصصه لأهمية كتاب (الجامع الكافي).
- الفصل الثاني: خصصه لطريقة المؤلف في تأليف كتاب (الجامع الكافي).
- الفصل الثالث: خصصه لخارطة الكتاب ومواضيعه، وكيفية ترتيبه قبل الطبع وبعده.
- الفصل الرابع: خصصه للكلام عن الزيادات وكيف تعامل معها.
- الفصل الخامس: خصصه لمن تم ذكر قوله في هذا الكتاب من أهل البيت والصحابة والتابعين والفقهاء، وقد بلغوا أكثر من ثلاثمائة.
- الفصل السادس: خصصه للإحصائيات الرقمية المهمة مجدولة، وقد تضمنت: الأحاديث النبوية، والآثار العلوية، وأقوال أهل البيت، والتخريجات على أقوالهم، وأقوال الصحابة، والتابعين وتابعيهم، والفقهاء الأربعة، وأقوال أصحاب أبي حنيفة.
- الفصل السابع: خصصه لتنبيهات مهمة تتعلق بكيفية التعامل مع الألفاظ والمصطلحات في هذا الكتاب وغيره عند إطلاقها أو تقييدها.
- الفصل الثامن: خصصه للإيضاح عن النسخ المخطوطة المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب، وقد بلغت ثمان نسخ متنوعة.
- الفصل التاسع: خصصه لنماذج من النسخ المخطوطة.
- الفصل العاشر: خصصه لخطوات الدراسة والتحقيق للكتاب من مرحلة المقابلة إلى مرحلة الفحص والتدقيق إلى مرحلة التوثيق ثم التنسيق وانتهاءً بمرحلة الفهارس.
أما المطلب الثالث: فقد خصصه لترجمة المؤلف والثلاثة الأئمة من أهل البيت والحافظ المرادي، وقد قسمه إلى خمسة فصول كما يلي:
- الفصل الأول: ترجمة المؤلف الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي، المتوفى سنة (445هـ).
- الفصل الثاني: ترجمة الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المتوفى سنة (246هـ).
- الفصل الثالث: ترجمة الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المتوفى سنة (247هـ).
- الفصل الرابع: ترجمة الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، المتوفى سنة(260هـ).
- الفصل الخامس: ترجمة الحافظ الكبير المحدث محمد بن منصور المرادي.
أما المطلب الرابع: فقد خصصه لطرق توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وضمنه ثلاثة فصول كما يلي:
- الفصل الأول: طرق رواية المؤلف لروايات ومسائل الكتاب.
- الفصل الثاني: طرق رواية هذا الكتاب عن المؤلف.
- الفصل الثالث: طرق رواية المحقق لهذا الكتاب وأسانيد توثيقه.
وجميع تلك المطالب وما اندرج تحتها من الفصول تعتبر في غاية الأهمية يحتاجها البحاثة المتضلع ناهيك عن الباحث المتطلع.
وفي الأخــــيـر نرجو أن نكون قد وفقنا في التعريف بأهمية الكتاب وطريقة تحقيقه.
([1]) الفلك الدوار: 59-60.
([2]) الإمام زيد، حياته وعصره: 489-490.
([3]) الزيدية. د. أحمد محمود صبحي: 729.
نقلا عن موقع حزب الحق
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 7805 مرات