فكر الثورة في الإسلام (مبدأ الخروج على الظالم)... أ/طه الحاضري
فكر الثورة في الإسلام (مبدأ الخروج على الظالم)
أ/ طه الحاضري
الحمد لله رب العالمين القائل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والصلاة والسلام على نبينا الكريم القائل: (لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ الله عَلَيْكُمْ شِرَاركُمْ ثُمْ يَدْعُوا خِيَارُكُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ) فصلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين وبعد:
فإن الحديث عن فكر الثورة في الإسلام أصبح ضرورة ملحة وحاجة ماسة لنا كأمة مسلمة عانت الأمرين عبر تاريخها وفي حاضرها المثخن بالجراح وسيبقى كذلك بالنسبة لمستقبلها الذي تتطلع إليه .
وفي ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها أبناء الأمة من هزيمة نفسية ساحقة وضيق في الأفق وتحجر في الفكر والشعور بالنقص والضعف وسيطرة اليأس والإحباط من تغيير واقعها إلى الأفضل وانعدام الثقة بالله واعتبار الذلة والواقع المخزي والمنحط الذي يعيشونه قدراً إلهياً يجب التسليم له والإيمان به والتعامل مع الأحداث العاصفة والفتن العاتية بالتجرد من المسؤولية وبنفسية اللامبالاة حتى أصبحت الأمة كالكرة تركلها الأمم الأخرى حسب أمزجتها وبعد كل ذلك يرجون الأجر من الله والثواب على هذا الوضع .
والأصل أن الأمة الإسلامية سُميت بالإسلامية نسبة إلى الإسلام الدين الحنيف الذي شرعه الله تعالى لكل البشرية هداية لها وجعله سبيل سعادة العالم بكل ما يحتويه من أمم وضامناً للكرامة الإنسانية المهدورة من قبل أعداء الإنسانية .
وطالما لإسلام بهذا الرقي وبهذه العالمية في فكره وتعاليمه فالمفروض أن نكبر ونعظم بعظمة الإسلام وشموليته وعمليته وإنسانيته وواقعيته لا أن نصغر الإسلام بصغرنا أو نحجمه بأفكارنا أو نشوهه بعقائدنا المتناقضة مع غاياته النبيلة وأخلاقه الكريمة التي من أهمها الكرامة الإنسانية والعزة الإسلامية .
ولأن الخلل في الأمة بدأ بالأفكار المنحرفة التي أصبحت فيما بعد ديناً وعقائد وتصورات للحياة حتى وصلت إلى جعلها من أصول الدين الإسلامي ووسيلة لعبادة الله سبحانه وتعالى وتجسدت في الواقع بما الأمة عليه من خنوع وتشتت ومسخ وتناقضمع التعاليم الإلهية فإن النهوض بالأمة يبدأ من الثورة على تلك الأفكار والعقائد ليحل محلها الفكر الإسلامي الحقيقي المنسجم مع الفطرة الإنسانية ولا يتعارض مع العقل والمنطق المنبثق من القران الكريم وحركة النبي صلى الله عليه وآله ونهج أهل بيته الذين لا يفترقون عن القران كما في الحديث الشريف: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ومن ثَمَّ يتجسد هذا الفكر في الواقع على شكل ثورة جهادية لإصلاح الأمة .
والمتأمل في الفكر الإسلامي الحقيقي يجده حاضراً في التاريخ الإسلامي بقوة ويمكن تجسيده في الواقع المعاصر إذا استوعب الثورات الإسلامية النقية التي قادها أهل البيت عليهم السلام بدأ بكربلاء ومروراً بثورة حليف القران الإمام زيد بن علي عليه السلام ومن ثار على خطاه وصولاً إلى عصرنا هذا .
فكربلاء التي رسم الإمام الحسين عليه السلام فيها بدمائه الزكية الصورة الكاملة للثورة في الإسلام بكل تفاصيلها إلا أن الأمة تجمدت بعدها أو قامت بثورات غير مكتملة الفكر أمحدودة الأهداف حتى اكتملت صورة الثورة من جديد بحركة وثورة حفيد حسين كربلاء زيد بن علي عليهم السلام وعاد نبض الخط الجهادي الثوري والاستشهادي في الأمة وعادت معه أخلاق العزة والكرامة والحرية والعدالة والإباء والشهادة والتضحية لتعلن عن وجودها وحضورها في الميادين والساحات بطول وعرض الأمة وتؤكد أن صلاحيتها ممتدة وفاعليتها مستمرة وعمليتها حاضرة لا تنتهي ولا تتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
الأسس الفكرية للثورة
عندما ينظر المسلم في كتب العقائد والأصول الدينية يرى بوضوح حجم الكارثة التي سببتها هذه العقائد حيث سلبت الإنسان الشعور بالحاجة للعمل والحركة في ميدان الحياة وقضت على روح المسؤولية لديه ووضعته في مربع السلبية واللامبالاة معتبرة ذلك جزء من الإيمان بالله سبحانه وتعالى والجمود تقرباً إليه .
وعند البحث عن السبب الحقيقي لظهور هذ العقائد والأفكار نجد أن السلطات الظالمة والحكومات الجائرة هي من اخترعتها لتخدير الناس عن معارضتها ولكي يتقبلوا ظلمها وفسادها وأول من قام بذلك معاوية بن أبي سفيان حيث أظهر عقيدة الجبر والقدر ووجوب طاعة الحاكم الظالم وحرمة الخروج والثورة عليه وتبعه على ذلك كل ظالم حكم بعده بمختلف مسمياتهم من خليفة وإمام وملك وأمير ورئيس وسلطان وغيرها من المسميات .
وأمام هذا الخرق والخلل الفكري والإيماني نهض الإمام زيد عليه السلام لإصلاحه متسلحاً بحليفه القران الكريم الذي خلا به ثلاثة عشر سنة يتلوه ويتأمله ويتدبره فناظر وحاور وناقش ووضح وبين وعلم ودرس وخطب وألف وأقام الحجة ودحض تلك التصورات السلطوية وألجم علماء السوء علماء السلطة والبلاط ونزه الله سبحانه وتعالى عن كل ما ينسبه الظالمون إليه .
فميدان القلوب والعقول والنفوس ميدان الفكر والإيمان والعقيدة والعلم هو نقطة البداية للثورة والجهاد في الإسلام لأنها محتلة بافتراءات وأباطيل الظلمة وتحريرها أول خطوة في طريق نيل رضا الله تعالى واقتلاع الظلم والظلمة من على كاهل الأمة .
ومن هنا سُمي أهل البيت من وافقهم أهل العدل والتوحيد ومن تابع الظلمة والملوك سُموا بالمجبرة والقدرية .
وخلاصة عقيدة أهل البيت عيهم السلام فيما يتعلق بعدل الله تعالى ووعده ووعيده أن الإنسان خلقه الله تعالى مخيراً حراً مكلفاً يستطيع أن يفعل الخير ويستطيع أن يفعل الشر وقد أمره الله تعالى بفعل الخير ونهاه عن الشر فإن فعل الخير أثابه الله تعالى وجعل مصيره الجنة وإن فعل الشر وفعل الكبائر ولم يتب عاقبه الله تعالى فلا تناله الشفاعة وجعل مصيره النار خالداً مخلداً فيها لا يخرج منها أبداً لأن أفعال الإنسان هي صادرة من الإنسان نفسه وهو مسؤول عنها وكل ما كلفه الله تعالى به وأمره ونهاه في حدود استطاعة ولم يكلفه فوق طاقته وزوده بالقوة التي يستطيع بها الفعل والترك وأن الله لا يأمر بالظلم ولا الفساد ولا المعصية ولا القبيح ولم يقدر ذلك على عباده ولم يجبرهم على فعلها ولم يخلقها فيهم .
وهذه العقيدة وهذا الإيمان الواعي يدفع الإنسان أن يتحمل مسؤوليته في الحياة تجاه دينه وأمته وهذا الفكر هو ما يمكن أن نخاطب به العالم ونحاجج به الأديان الأخرى لأنه لغة العقل ومنطق القران ونقاء الفطرة ومن ثمراته عدم الرضوخ للظلم والظالمين والقيام بمسؤولية مجابهتهم ومواجهتهم بكل الطرق المشروعة والتي تأتي في نهاية المطاف الثورة الجهادية العسكرية المسلحة كآخر حل وآخر الدواء الكي كما يقولون .
أما عقيدة الملوك والظلمة والطغاة والجبابرة فهي على النقيض تماماً وخلاصتها أن الله تعالى خلق الإنسان مجبراً غير مخير وقدر عليه فعل المعاصي والآثام بعد أن خلقها فيه وقدر عليه الظلمة وقدر جرائمهم بحقه وبحق غيره وأنهم مهما فعلوا وأجرموا وبغوا وظلموا وفعلوا الكبائر إلا أنهم ما زالوا مؤمنين وإن لم يتوبوا ومن أصحاب الجنة وتنالهم الشفاعة وإن حدث ودخل بعضهم النار فسرعان ما سيخرجون منها ويدخلون الجنة وطاعتهم واجبة ووهم أولياء الأمر وتوليهم ضرورة إيمانية والخروج عليهم والثورة في وجوههم محرمة وخروج من الملة وردة عن الدين ويستحق صاحبه القتل بتهمة الخروج عن الجماعة وشق عصا الطاعة ولا يخفى التناقض الفج في هذه العقيدة حيث لم يعد للأوامر والنواهي الإلهية أي معنى ولا للوعيد القرآني أي تأثير وقدست الظالم أكثر من الله وجعلت طاعته مقدمة على طاعة الله سبحانه وتعالى وناسخة لها .
وهذه العقيدة مهدت الأرضية للظلمة على مر التاريخ ليعيثوا في الأرض فساداً وبكل حرية لأنها أعطت الظالم حصانة مطلقة من المساءلة القانونية والقضائية والشعبية بل وحتى الإلهية وصورت الإسلام وكأن دين الجمود ومسخ ليس لديه رؤية سياسية ولا ثورية ولاجهادية .
ويتضح مما سبق أن الفكر الإسلامي هو من يصنع الموقف ويحث على القيام بالمسؤولية ويدفع باتجاه العمل والحركة في الميدان ويفجر الثورة على الظالمين والمعتدين والمستعمرين المحتلين وينفخ في الأمة روح الجهاد والمقاومة ويدعوا إلى الحفاظ على الكرامة الإنسانية وإلى عشق الشهادة والنصر والحرية ونشر العدالة على الأرض ومواجهة جبابرة العالم ودول الاستكبار فيه ناهيك عن اقتلاع الحاكم الظالم المسلم من جذوره ورمية في زبالة التاريخ حتى يكن جزءاً من الماضي وعبرة للحاضر وعظة في المستقبل .
أما فكر الملوك والطواغيت فهو فكر لا أصل له ولم يكن له وجود وإنما اختلقه الظلمة كما قلنا لتبرير أفعالهم وتحصين أنفسهم من غضبة الشعوب ولشرعنة غيهم وضلالاهم وشتان ما بين فكر يصنع مواقف الحرية والعدالة والبطولة ويحافظ على الكرامة الإنسانية وبين فكر يصنع الجمود والمهانة والخضوع والذلة واللامبالاة ويُقدم الأمة فريسة سهلة للأعداء وكما يُقال على طبق من ذهب .
وهنا يأتي الدور الحقيقي والفعال للعلماء الذين ركز الإمام زيد عليه السلام في ثورته الفكرية عليهم وأرسل لهم رسالة وضح فيها دورهم الإيجابي حينما يتحركون في خط الإسلام ودورهم السلبي حينا يدورون في فلك الظلمة فالعالم ليس وظيفته مجرد الفتوى في الأمور الفقهية والتعبدية المحدودة فحسب ولكن دوره إشاعة الفكر الإسلامي بشموليته وتكامله وعالميته وجهاديته والفكر الإسلامي هو ما نتعلمه في مادة أصول الدين التي من الخطأ اقتصارها على المواضيع التاريخية والفرق التاريخية دون مواجهة الفرق المعاصرة كما فعل الإمام زيد عليه السلام في عصره كما لا يجوز سجن القضية السياسية في الأمة داخل تلك الكتب دون التفاعل مع الواقع وفي الحقيقة فإن دراسة باب الإمامة أو الخلافة في كتب العقائد وأصول الدين وعلم الكلام أو بدراسة باب السير في الفقه هو دراسة العلوم السياسية التي لا بد من وضع الأنظمة السياسية المعاصرة كجزء من الدراسة فيها حتى لا يخرج العالم وطالب العلم وهو جاهل بأهم قضايا الأمة لا يفهم من واقعه السياسي شيئاً ولا يملك الوعي السياسي ولا الحس الثوري ولا الروح الجهادية .
الفكر السياسي في الإسلام وعلاقته بفكر الثورة فيه
من خلال ما سبق ذكره من خلاصتي عقيدة العدل عقيدة أهل البيت عليهم السلام وعقيدة الجبر والقدر والإرجاء عقيدة الملوك والظلمة برز التناقض بين الفكر السياسي الإسلامي الناتج عن عقيدة العدل وبين فكر الملوك والظلمة الناتج عن عقيدة الجبر والقدر .
ولا شك أن الثورة لا تكون إلا على الظالم بقيادة العادل ليحل محله وبذلك يحل العدل محل الظلم ولكن عدم وضوح الرؤية السياسية والثورية في موضوع من يحق له حكم الأمة ومن يقود الثورة في حالة الخروج على الظالم جعل من الأمة ألعوبة بيد السفهاء ويجعل من الثورات فوضى ومجرد عبث.
وهذه القضية هي من صلب فكر الثورة في الإسلام لأن القيادة الواعية التي المفترض أن تحكم الأمة بعد إزالة الظالم هي بمثابة الرأس من الجسد وكما لا خير في جسد لا رأس معه فكذلك لا خير في ثورة لا قيادة واعية معها لأن الثورة ليست مجرد معارضة سياسية ولكنها إصلاح شامل للأمة .
أبرز النظريات السياسية الإسلامية
هناك العديد من النظريات والرؤى والعقائد السياسية باسم الإسلام بل لقد طغت هذا العقائد على العقيدة في الله تعالى فأصبح الناس لا يهتمون بتنزيه الله تعالى وتوحيده ومعرفته بقدر اهتمامهم بمعرفة الحاكم وولي الأمر حسب المذهب والطائفة بل لقد أصبحت العقيدة السياسية هي الأصل والعقيدة في الله تعالى تابعة لها وأصبح منظور الناس في الاتفاق والاختلاف منظور سياسي وليس ديني وجل الخلاف المذهبي والطائفي هو خلاف سياسي في أشخاص من بعد الرسول صلى الله عليه وآله في قضية الحكم والخلافة والإمامة وولاية أمر الأمة نتج عنه الخلاف الفكري والعقائدي والمذهبي والطائفي وحتى أصحاب المذهب الواحد والفكر الواحد والطائفة الواحدة نجدهم مختلفين سياسياً بسبب الزعامة والوجاهة ..
ويوجد هناك ثلاث نظريات سياسية رئيسية وكلها لها علاقة بالثورة من حيث الخروج على الظالم أو الخروج مع العادل كقيادة ثورية تكون البديل عن الظالم بعد إزالته واقتلاعه وهذا الأمر ما فشلت فيه أغلب ثورات ما يُسمى بثورات الربيع العربي .
نظرية الأمر الواقع
خلاصة هذه النظرية هي أن ولاية أمر الأمة مجرد كرسي من وصل إليه أصبح ولي الأمر والخليفة والإمام وواجب الطاعة وصاحب شرعية بغض النظر عن صلاحه من فساده وعن عدله من ظلمه وبغض النظر عن كيفية وصوله إلى الحكم بطرق شرعية أو غير شرعية وبغض النظر عن طريقة حكمه وعن كفاءته وأهليته .
وتعتمد هذه النظرية على عدة وسائل للوصول إلى الحكم منها الشورى وفيها إشكالية حيث لا يستطيع المسلمون الاجتماع للتشاور وهم أمة من المشرق حتى المغرب وستبرز إشكالية من يحق له أبداء الرأي في الاختيار والأمة اليوم عدة دول وعدة مذاهب وعدة طوائف وهل حدث فعلاً أن تشاور الناس على أمر وخرجوا بحل لقد اختلفوا في أمور كثير تتعلق بمعرفة الله تعالى وتوحيده وعدله ووعده ووعيده واختلفوا في الصلاة والأذان والوضوء أفتراهم يتفقون على شخص هكذا بكل بساطة في أعقد أمر على مر التاريخ وفي الواقع على امتداد العالم ثم لو افترضنا أن الشورى قابلة للتطبيق واختاروا فاسقاً وظالماً هل أصبح ولي أمر شرعي واجب الطاعة؟
وتعتمد هذه النظرية أيضاً على ولاية العهد والوراثة والملكية وحصر الحكم في الأسرة المالكة كما وتعتمد على مبدأ الغلبة بمعنى أن من وصل إلى الحكم بسفك الدماء وإثارة الفتن والخروج على ولي الأمر المحرم الخروج عليه حسب النظرية نفسها - وهذا من التناقض – وهزمه أو قتله أصبح هذا الباغي والخارج ولي الأمر الشرعي بعد انتزاعه الولاية ممن كان قبله بالقوة والبطش ثم تعطيه النظرية حصانة من المعارضة وتباركه باسم الله وتغلف حكمه بغلاف ديني وتحميه بالفتاوى .
وهذه النظرية ووسائلها هي التي ضربت الأمة ومزقتها وسفكت دماءها وبها اعتلى بنو أمية عرشها وحصروا حكمها فيهم فتوارثوه فيما بينهم حتى أزاحهم بنو العباس وحلوا محلهم وحصروا الحكم فيهم وتوارثوه حتى صار الطفل منهم خليفة وهكذا دول تتعاقب بهذه الطريقة وصولاً إلى العثمانيين الذين مشوا على طريقة من سبقهم إلى أن وصل الحال كما هو عليه اليوم من تعدد أولياء الأمر في الأمة حتى وصل عددهم إلى سبع وخمسين ولي أمر في وقت واحد وكل يدعي أنه شرعي وأن الله أمر بطاعته وحول كل واحد علماء يشرعون لحكمه ويحرمون معارضته والخروج والثورة عليه فهذا وصل إلى الحكم بانقلاب وذلك بولاية عهد وذلك بالوراثة وذلك بالاستعانة بالغرب المنشئ والمتحالف حليف الدول الملكية المستبدة الذي يدعي الديمقراطية بطريقة المسرحيات الانتخابية وبنسبة الفوز فيها بأكثر من خمس وتسعين في المئة من أصوات الشعب وفي الأخير يثور الشعب عليهم وكلهم حسب نظرية الأمر الواقع في الحكم شرعيون واجبوا الطاعة وفتحت القتل والقتال على كرسي الحكم عبر التاريخ إلى اليوم فهي نظرية فتنة .
نظرية الهروب من المسؤولية
خلاصة هذه النظرية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نص على اثنا عشر إماماً أولهم الإمام علي بين أبي طالب وأخرهم المهدي المنتظر المولود حسب النظرية قبل مئات السنين ثم غاب وهو ما زال حياً حتى يومنا هذا وهو الإمام الشرعي للأمة ولا يجوز أن يلي أمر الأمة أحد قبل ظهوره لأنه الإمام الشرعي وما على الأمة إلا الانتظار له فقط .
ومنشأ هذه النظرية وبدايتها له علاقة بثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام وقد اخترعها قوم كانوا قد بايعوه للقيام بمسؤوليتهم الدينية وأداء واجبهم الجهادي والثوري الذي تمليه عليهم عقيدة العدل والفطرة ولكنهم تراجعوا في آخر اللحظات خوفاً من السلطات الأموية آنذاك فجبنوا عن الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهربوا من المسؤولية بالقول أن الإمام زيداً عليه السلام ليس الإمام وإنما الإمام هو جعفر الصادق عليه السلام الذي كان فعلاً إمام علم وزهد وعبادة ولم يكن إمام جهاد وسياسة وثورة كالإمام زيد الذي كان كذلك بالإضافة إلى كونه إماماً أيضاً في العلم والزهد والعبادة وكفؤاً لقيادة الثورة والأمة وقد حدث هذا الموقف من أولئك القوم في قصة مشهورة سماهم الإمام زيد عليه السلام بالرافضة - وسياتي الحديث عن هذا الموقف وعن تسمية الرافضة في سياقه – ثم دعمت هذه النظرية من قبل السلطات العباسية نكاية بأهل البيت الثائرين .
ولهذه النظرية السلبية التي خذلت الثورات المتلاحقة شطحات كبيرة حيث اعتبرت الأئمة اثنا عشر معصومين بالنص والتعيين وأفضل من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين باستثناء خاتمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونسبت إليهم علم الغيب والولاية التكوينية التي تتحكم في ذرات الكون وغيرها مما يتعارض مع القرآن الكريم ومع العقل والمنطق .
ولكن حصل تحول إيجابي في هذه النظرية في قضية الانتظار للمهدي المنتظر الغائب حسب النظرية وعاد كثير من معتقديها إلى حضن الثورة والجهاد والقيام بالمسؤولية بقيام الثورة الإسلامية في إيران وانتصارها بقيادة مرجعها الإمام الخميني رحمه الله الذي توصل إلى نظرية ولاية الفقيه وقد استدل على ولاية الفقيه ودور العلماء في كتابه الحكومة الإسلامية بمقاطع كثيرة من رسالة الإمام زيد عليه السلام إلى علماء الأمة ونسبها إلى الإمام علي عليه السلام وثم ما ترتب على امتصار الثورة من ظهور حزب الله في لبنان كمقاومة إسلامية وكقوة جهادية أصبحت فخراً لكل الأمة الإسلامية .
ومضمون ولاية الفقيه أنها تعاملت مع الواقع وأعطت الفقيه العالم المجتهد على مذهب الجعفرية ولاية على الأمة كنيابة عن المهدي المنتظر الحي الغائب لبناء دولة قوية عادلة يستلمها الإمام المهدي حال ظهوره ويُطلق على الولي الفقيه كالخميني والخامنئي نائب الإمام المهدي وخرجوا عملياً عن الحصر في الإثنا عشر واصبح لهم إمامان جديدان الإمام الخميني والإمام الخامنئي .
طبعاً ليس كل الشيعة الإثنا عشرية يؤمنون بولاية الفقيه لكن جزء كبير منهم كذلك وهذه النظرية اعتراف بقصور النظرية الأصل في ترك الأمة مئات السنين بلا إمام ولا حكم ولا ثورة ووقعت في طاعة الظالم وحرمة الخروج عليه قبل ظهور الإمام المهدي حيث لا يجوز ذلك إلا تحت قيادته ومن ناحية أخرى هو اعتراف غير مباشر بخطأ تاريخي وعقائدي وفكري كلّف الأمة الكثير ودفعت ثمناً باهضاً لذلك ومع ذلك تبقى هذه النظرية غير عملية بالنسبة لحجم الأمة لأنه مبنيه على أن هناك مهدي حي غائب سيخرج في يوم ما لاستلام زمام الأمور والولي الفقيه نائبه وغير معروف كيف أناب المهدي الولي الفقيه عنه وهذه النظرية محدودة لأنها غير واسعة الأفق وغير منطقية وتحتاج إلى تعميم المذهب الاثنا عشري على الأمة حتى تتقبل فكرة الولي الفقيه وهذا ما لن يتحقق .
نظرية الجهاد والاجتهاد
خلاصة هذه النظرية أن من يلي أمر الأمة يجب أن يكون
- شخصاً مكلفاً – بالغاً عاقلاً - فلا تجوز ولاية الطفل ولا المجنون
- ذكراً فلا تجوز ولاية النساء
- حراً فلا تجوز ولاية العبيد
- سليم الحواس والأطراف فلا تجوز ولاية المشلول ومن فقد أحد الحواس الخمس أو أحد أطرافه
- عالماً مجتهداً في الدين وبما تحتاجه الأمة فلا تجوز ولاية الجاهل
- عدلاً ورعاً فاضلاً نزيهاً ليس في تاريخه سوابق سيئة فلا تجوز ولاية الفاسق والظالم والفاسد
- سخياً كريماً فلا تجوز ولاية البخيل أو المسرف والمبذر
- مدبراً سياسياً محنكاً حكيماً كفؤاً أكثر رأيه الإصابة فلا تجوز ولاية من لا يفهم في السياسة والقيادة والإدارة
- شجاعاً بطلاً مقداماً لديه القدرة على قيادة الجيوش وإدارة المعارك والتدبير في الحرب ورفع معنويات الأمة فلا تجوز ولاية الجبان
- علوياً فاطمياً – من أهل البيت من البطنين من ذرية الحسن أو الحسين - فلا تجوز ولاية غيرهم
- لم يسبقه إمام استوفى الشروط السابقة بايعه الناس والتفوا حوله فلا تجوز معارضته .
ومن خلال النظرية السابقة فإن الإمام ولي أمر المسلمين ليس معصوماً ولا منصوصاً عليه بعد الإمام علي والحسنين عليهم السلام وفي نفس الوقت ليس ظالماً ولا فاسقاً وليس غائباً بل ظاهراً وتجري عليه الأحكام القضائية كما تجري على أبسط إنسان في دولته واللافت في هذه النظرية هو مبدأ الكفاءة فكما في أي شركة من أهم شروط إدارتها لتكون ناجحة الكفاءة والخبرة والمؤهل والأمة أكبر من شركة أو مؤسسة فلا يمكن أن يأتي فلاح مثلاً ويستولي على طائرة وبمجرد استيلائه عليها أصبح قادراً على قيادتها والطيران بها .
وتعتمد هذ النظرية على أمرين للوصول إلى حكم الأمة وهما الدعوة والخروج على الظالم أو اختيار أهل الحل والعقد وبهذا لا يصير الإمام ولي أمر الأمة إماماً تلقائياً بمجرد الوصول إلى الحكم أو بالنص بل بالقيام بأعباء الإمامة وتحمل المسؤولية في الظروف القاسية وفي وقت تخلي الجميع عن مسؤوليته فيخرج في وجه الظالم من أجل إقامة العدل والشريعة ويعرض نفسه للخطر ويضحي بروحه وفي كثير من الأحيان يرقى إلى السماء شهيداً قد أدى واجبه وقام بمسؤوليته وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وأقام الحجة وأبرأ ذمته وجاهد في سبيل الله .
ومن هنا فإن الالتفاف حول القائم المتحمل للمسؤولية واجب ومسؤولية وتركه والتعذر بأنه ليس الإمام والجمود مع شخص قاعد بحجة أنه هو الإمام لا يعفي من المسؤولية وهذا العذر هو ما يضرب الأمة إلى اليوم وهو أن كل مجموعة من الناس يتمحورون حول عالم قاعد ويقدسونه ويعطونه حق الطاعة والإتباع والولاء .
ويؤخذ على هذه النظرية أنه لا توجد آليه معينة لانتقال ولاية الأمر والحكم من الإمام المتوفى إلى من يليه وفي هذه النقطة حصلت حروب بين أبناء الإمام المتوفي والإمام الجديد بالإضافة أنه كان يتعارض أكثر من إمام في وقت واحد ويحصل بينهم قتال وهنا يجب التوضيح في حال التعارض فيما مر من التاريخ من هو الإمام الشرعي ومن هو الباغي ومن هو الإمام الظالم ومن هو العادل الذي خرج وثار عليه وعلى العموم فهو أقل سوءاً من تعارض أمثر من سبعة وخمسين ولي أمر في عصرنا الحاضر ولا ينتقد من ينتقد تعارض إمامين أو ثلاثة او حتى أربعة في عصر واحد في فترة تاريخية معينة تعارض الحكام في عصرنا هذا بل يشرع للجميع ويدافع عن الجميع ويفتي في الدولة الفلانية على ضرورة الشعب في الدولة الفلانية الأخرى بطاعة ولي أمرهم وهكذا دواليك كما أنه باسم هذه النظرية كان في بعض الفترات يكون الخروج والثورة من أجل السلطة والوصول إليها بالغلبة وتصبح الإمامة كالملك العضوض ويصبح الحاكم ظالم ويقمع مبدأ الثورة عليه بحجة أنه من أصحاب هذا الفكر والواجب تنزيه النظرية من مثل هؤلاء وعدم الدفاع عنهم او تلميعهم حتى لا تتشوه هذه النظرية العظيمة .
ومما تجدر الإشارة إليه هو الحصر في أهل البيت عليهم السلام – في البطنين في ذرية الحسن الحسين – حيث اعتبره الأكثر من أصحاب النظرية شرط صلاحية بمعنى أن ولاية أمر الأمة لا تجوز في غير الهاشمي الحسني أو الحسيني والأقل اعتبره شرط أولوية وأفضلية فقط وليس شرط صلاحية وهذا الشرط هو مرتبط أساساً بالشروط الأخرى فلا يجوز ولاية الهاشمي الحسني أو الحسني حسب النظرية من لم يستوفي الشروط كلها فلا تجوز ولاية الهاشمي الظالم والجبان والجاهل و...الخ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التشنيع الذي يُشن على هذا الشرط بحجة أنها وراثية وملكية مستدلين بأن الإمامة كانت تنحصر في بعض البيوت والأسر الهاشمية وبالذات في اليمن والرد على ذلك أنه إذا كان التوارث مجرد من استيفاء الشروط فهو مذموم قطعاً أما إذا تحققت الشروط فليس سبب الإمامة التوارث وإنما اكتمال الشروط فلا إشكال في ذلك وفعلاً ما حصل في الفترة المتأخرة من جعلها وراثية ملكية يتوارثها أبناء وأحفاد الإمام لمجرد أنهم أبناءه وأحفاده وتسمية الدولة بالمملكة وتنصيب الإمام لولده لولاية العهد من بعده وولي العهد من بعد أن يصير حاكماً ينصب ولده أيضاً لولاية العهد من بعده قد أساء وشوه مفهوم الإمامة وزهد فيها وقصم ظهرها وخالفها مخالفة صريحة وتحولت إلى نظرية الأمر الواقع وهو ما يجب الاعتراف بهذا الخطأ الجسيم و للأسف فمن ينتقدون بشدة الإمامة بسبب بعض الأخطاء هم أنفسهم من يقدسون ملكية ووراثية بني أمية وبني العباس وآل سعود وغيرهم من الأسر المالكة المعاصرة ولا ينتقدون ذلك رغم سوء هؤلاء الملوك وظلمهم ولا يتنبه أن هناك فرق بين الشخص من أهل البيت الكفوء والعدل والعالم و ...الخ والذي يُجَوِّز الخروج عليه إذا ظلم ويخط بيده وجوب الثورة عليه أذا خالف وبين الظالم الذي يحرم الخروج والثورة على نفسه بالإضافة أنهم قد حصروا الإمامة في قريش وعملوا بها وشرعنوا لبني أمية وبني العباس بها ويقدسونها أضف إلى ذلك إلى أنهم حصروا الدين الإسلامي بكله في أربعة أشخاص فضلاء هم أصحاب المذاهب الأربعة بدون اي حجة ودليل ولا برهان والعجيب أيضاً أنهم لا يمانعون من الهاشمي الظالم ويؤيدونه ويحرمون الخروج عليه .
ومسألة أهل البيت عليهم السلام وشرط البطنين هو بحاجة إلى مزيد تأمل حيث أن أهل البيت وذريتهم اليوم قد أصبحوا ملايين ويتوزعون على أغلب الدول والمذاهب والطوائف والقوميات واللغات والقلة في هذا العصر يحملون هذه النظرية منهم ويجب التركيز على مسالة المنهج والعدالة لا على مسالة الحصر والنسب لأن في النظرية نفسها وبالخصوص في جزئها العملي ما يجعلها نظرية نموذجية على مستوى الإمة الإسلامية بل وتُقدم كرؤية إسلامية سياسية عالمية وذلك أنه لم يخرج أحد من المعتبرين من أهل البيت عليهم السلام لأنه هاشمي علوي فاطمي يعني من أجل انتسابه لأهل البيت ومن خرج عليه لأنه غير ذلك بل عدل ضد ظلم هذا أمر والأمر الثاني أنهم لا يفسقون من لم يقل بإمامتهم ولا يخرجون على الحاكم العادل من غيرهم ويخرجون على الظالم منهم ولا يفرضون إمامتهم على الأمة بل الأمة هي من تدعوهم وتلتف حولهم فالإمام زيد عليه السلام لم يكن إماماً ولا صار إماماً إلا بعد أن ألزمه الناس الحجة وطالبوه بالخروج ثم بايعوه وأعطوه العهود والمواثيق والإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين لم يكن إماماً ولا صار كذلك إلا بعد أن ذهب اليمنيون إليه في بيته في المدينة المنورة وطلبوا منه الحضور إليهم ليصلح شأنهم فخرج إلى اليمن ثم عاد المدينة المنورة حين لم يستجيبوا له في إقامة الحدود على الجميع دون التفريق بين وضيع وشريف ثم رجعوا إليه مرة أخرى إلى المدينة بدعوة من ملك اليمن آن ذاك طلبوا منه العودة إليهم وأعطوه العهود والمواثيق وعاد بأهله وبعض أصحابه ولم يعد بجيش وأول ما قام به الإصلاح بين القبائل المتناحرة فبايعوه وهذا أرقى اساليب الوصول إلى الحكم برغبة الناس والتفافهم بدون فرض وأجمل ما في النظرية على الإطلاق أنه طالما أن الوصول إلى الحكم فيها بالدعوة إلى إقامة الشريعة وبسط العدل وبالخروج على الظالم فإنه حين تكون الشريعة مقامة والعدل مبسوط والحاكم عادل فإنه لا مبرر للدعوة ولا للخروج ولا يذهب الناس أصلاً لدعوتهم للخروج بل إن أهل البيت عليهم السلام يعينون العادل ولو كان من غيرهم ويؤيدونه و في فترة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وهو أموي شاهد على ذلك لأن الحكم والسلطة عندهم وسيلة لتحقيق غاية العدل والحق وطالما الغاية متحققة فهو مرادهم وطالما والعدل جوهري في هذه النظرية فلتطالب الأمة به وسيطالب معهم أهل البيت وحين يتحقق ولو على يد غيرهم فإنه لا يخرجون ولا يطالبون بشيء بل هم في طليعة المضحين من أجله وهذا ما يسميه البعض إمامة المفضول مع وجود الفاضل .
وعلى كلٍ فالتقديس للحكام بشكل عام ومن الجميع وسواء تقديس الظالم منهم أو العادل والتحسس من نقدهم نقداً بناء أو من النصح لهم أومن قول كلمة الحق عندهم قد جر الويلات على الأمة وساهم في فسادهم وتجبرهم لأن الإمام ولي الأمر في الحقيقة بشر يخطئ ويصيب وتجري عليه الأحكام قبل غيره ويخضع للمساءلة القضائية كأبسط شخص في دولته لا فرق بينهما في هذا الجانب .
الفرق بين الثورة في الإسلام والثورة المذهبية
أول سمة من سمات النهج الثوري في الإسلام هو شموليته وتكامله وإنسانية ونبل أهدافه وغاياته فهو نهج بحجم الأمة لا بحجم المذهب وهذا يفسر إخفاق كثير من الحركات الإسلامية التي هي في حقيقة أمرها واستناداَ لحركتها في الواقع وأدبياتها هي حركات مذهبية وطائفية ومسيئة للإسلام وتستهدف نصرة من يؤيدها في الفكر والعقيدة وتتحرك في دائرة أتباعها متنكرة لغيرها من المسلمين ولهذا سقطت سقوطاً مدوياً وزادت الناس يأساً وإحباطاً وأفقدت الكثير منهم ثقتهم في دينهم وتطور بعضها إلى أن أصبحت تكفيرية لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة .
وتُعتبر ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام الامتداد الحقيقي لثورة الإمام الحسين عليه السلام النموذج الكامل للثورة الإسلامية الإصلاحية التصحيحية لواقع الأمة فكانت النموذج في قيادتها وفي وسطية فكرها وأدبياتها وفي أهدافها وأسلوبها .
قيادة الثورة وإمامة الأمة
شخصية القائد هي شخصية فريدة من نوعها وتتصف بما ذكرناه في شروط نظرية الجهاد والاجتهاد فهي شخصية بحجم الأمة وليست شخصية مذهبية ولا فئوية ولا طائفية ولا جهوية ولا حزبية ولا قبلية ولا سلالية ولا عنصرية وهذا ما مثله الإمام زيد بن علي عليه السلام في ثورته التي أشعلت جذوة الثورة لدى الأمة حتى اليوم والذي أيدها العلماء والفقهاء والقراء والمحدثون والفضلاء والصلحاء والعباد وضعفة الناس والفقراء والمساكين من مختلف الفرق والطوائف آنذاك باستثناء البعض ممن كان يدور في فلك السلطة ومن أبرز مؤيدوها الإمام ابو حنيفة ومالك والشافعي بتأييدهم له وتأييدهم أيضاً من وتييدووةنؤسمن ثار على نهجه من بعده كما أيدها الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي أذن له الإمام زيد بالقعود وكلفه بمهمة رعاية أهل البيت في المدينة كما وأيد الثورات من بعده الإمام موسى الكاظم عليه السلام وكانوا يرسلون أبناءهم للجهاد فيها ولهذا فشخصية وقيادة الإمام زيد وإمامته أجمعت عليها الأمة ولهذا لا نعجب من محاولات جعل الإمام زيد تارة سنياً وتارة اثنا عشرياً ولا غرابة أن تُسمى الزيدية من بعده سنة الشيعة وشيعة السنة وأن يكون لفكره عليه السلام مشتركات مع أغلب المذاهب الإسلامية الفاعلة في الساحة وخطوط تواصل مع الجميع لأنه أصلاً حين ثار عليه السلام لم يكن هناك شيء اسمه الزيدية حتى يكونا إماماً لهم وحدهم أو يثور من أجلهم بل لم يأت هذا المسمى إلا لتمييز الأحرار والثوار من غيرهم فهو إمام الأمة بحق .
والخلاصة أن قيادة الثورة في الإسلام أو الحاكم على الأمة هو شخصية تتعامل مع الجميع من منطلق الإسلام ولا اعتبار للمذهب أو الطائفة عنده ولا يُفرق بين ابناء الأمة بسبب الانتماء العرقي أو المذهبي او الطائفي أو القبلي لأنه للجميع .
الفكر الوسطي
من أهم الأمور التي تواجهها أي ثورة هي القضايا الحساسة التي يختلف عليها الناس وارتباطها بالأحداث التاريخية التي بُنيت عليها ولعل ما يفسد كثير من الثورات هو عدم وجود الرؤية الواضحة تجاه هذه القضايا بما لا يُخرج عن الحق وتأتي في مقدمة هذه القضايا هي ما يتلق بالخلاف التاريخي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والموقف من خلافة من تقدم الإمام علي عليه السلام من الصحابة الذين كانوا ممن سبق إلى الإيمان وجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل الطائفية وأصلها تأتي من هذا المدخل وما يتعلق به من الموقف من الصحابة ومن أهل البيت ومن بين متشدد في شأن الصحابة والمغالاة فيهم وعصمهم من الخطأ بمفهوم أنهم كلهم عدول وعملهم كله صحيح وهو نابع عن اجتهاد وما رافقه من إجحاف في حق أهل البيت وتوهين من أمرهم والدفاع عن من ظلمهم وتقديس من قتلهم وسبهم وشردهم وبين فريق آخر يكفر الصحابة ومن تقدم الإمام علي بالخلافة ويفسقهم ويسبهم ويتبرأ منهم وينسب إليهم الردة عن الإسلام وما رافقه من الغلو في أهل البيت وبالخصوص اثنا عشر شخصاً منهم معصومين وبأنهم أفضل من الأنبياء والملائكة إلى غيره من الغلو حتى أثرت هذه الطائفية والمذهبية على العقيدة في الله تعالى يبرز فكر الإمام زيد عليه السلام فكر الثورة والجهاد بوسطيته وتوازنه وأحقيته فلا إفراط فيه ولا تفريط ففيما يتعلق بالصحابة فنظرته أنهم مجتمع بشري كانوا أهل شرك فهداهم الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنالوا شرف صحبته ونصرته والاستشهاد بين يديه وبذل المال والروح والولد فداء له وللإسلام وهم المهاجرون والأنصار ولهم فضلهم وليس منهم الطلقاء وهم غير معصومين يخطئون ويصيبون وفيهم المحسن وفيهم المسيء ومنهم من نافق كعبدالله بن أبي وفيهم من أٌقيم عليه حد من حدود الله وفيما يتعلق بمن تقدم الإمام علي عليه السلام بالخلافةالتي هي استحقاقه الشرعي فتقدمهم خطأ ولكن لهم سابقة الإيمان فلا سب ولا براءة منهم وإما توقف دون سب أو ترضية مع التخطئة مع الاعتراض على من يسب ولا اعتراض على من يرضي وفيما يتعلق بأهل البيت فليسوا معصومين وهم بشر يخطئون ويصيبون ولكن لا يجتمعون على خطأ ولهم فضلهم وقدرهم وقد خرج مع الإمام زيد عليه السلام كثير ممن يقدم أبي بكر وعمر وعثمان ويفضلهم على الإمام علي عليه السلام كالمعتزلة وتأييد من يعتقدون ذلك أيضاً كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيهم من الفضلاء والفقهاء والعلماء .
وخطر الطائفية هو التحسس المفرط والفرز حسب الموقف من القضايا السابقة والاعتراض الفج والجدل العقيم وعدم الاعتراف بالآخر وفكره والطائفية لا تقتصر على جهة دون أخرى فكل من بنا موقفه من الآخر على قضية خلافية فهو طائفي والغريب أننا نتكلم كثيراً عن خطر الطائفية وأننا نريد الأمة كل الأمة ووحدتها وفي ممارساتنا بمجرد قضية واحدة ننسف بتعاملنا كل ما نتكلم به وندعو إليه فمن يتحسس من قضية أبي بكر وعمر ويوالي ويعادي بسببها هو نفس من يتحسس من قضية الإمام علي ويوالي ويعادي بسببها في الوقت الراهن وفي مسيرة الثورة وفي ظل أوضاع الأمة المتردية وسوء أوضاعها الداخلية كون الطائفية هي الثغرة الكبيرة التي يدخل منها العدو الصهيوني إلى داخل الأمة ليمزق ويفتن ويفرق ومنها تفشل الثورات ونبقى نتصارع في التاريخ وفي بطون الكتب وعلى المنابر وهو قد صرعنا وأخذ منا ولاية أمرنا ويحكمنا ويعين من يشاء وينص على من يريد ويعزل هذا ويرفع هذا ويتدخل على خط الثورات ويوجهها حسب مصالحه وبما يعود بالنفع عليه ويحصن إسرائيل .
وهذا الفكر الوسطي الملتزم الحريص على وحدة الأمة وتعاطيها المسؤول مع واقعها وحاضرها وشد انتباه الأمة إلى مواجهة أعدائها وخصوصاً فيما يتعلق بعملائهم في الداخل من سلطات وحكومات وما يتعلق بالأعداء الخارجيين والأجانب وبالخصوص ما يتعلق بقضية فلسطين .
والعجب من أن هناك محاولات للتقريب بين المذاهب والمناداة بالوحدة الإسلامية العمل في هذا الإطار وصوب هذا الاتجاه والتي اُنشئت لذلك المؤسسات وهي لا يجعل هذا الفكر الوسطي منطلقاً بل تغيبه ويذهب من هم على طرفي نقيض للتقارب من الأطراف ويتركون الوسط الذي يمثله هذا الفكر العظيم والذي يمكن أت يلتقوا عنده.
والأعجب من ذلك الحديث عن الصحوة الإسلامية دون الإشارة إلى هذا الفكر الثوري الجهادي الذي لم يفتأ قط ولم ينم أبداً والاستدلال بتاريخ لا يتجاوزه عمره أربعين سنة وتركوا الاستفادة أصلاً من الصحوة الإسلامية بنموذجها الحسيني الزيدي الذ ترك وراءه تاريخاً مليئاً بالعظماء والقادة والثورات والشهداء والانتصارات والإنجازات والمكاسب .
محنة التكفير
من أبرز التحديات التي تواجه الأمة في ثوراتها وفي توحدها هو الفكر التكفيري وأعمال التكفيرين الذين لا يمتلكون بصيرة ولا وعي واللافت في أن من أبرز أسباب التكفير هي عدم الوضوح فيما يتعلق بالخلافات الداخلية في الأمة الإسلامية والتساهل العقائدي في الفكر الذي صنعه الظلمة كمبرر لظلمهم - كما ذكرنا في البداية – أن الإيمان قول بلا عمل وأن من ارتكب الكبائر سيشفع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه ما زال مؤمناً سيدخل الجنة وإن لم يتب وأن الله قدر المعاصي وخلقها وأجبر العباد عليها وأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وأن طاعة الظالم واجبة وإن أخذ الأموال وقصم الظهور وحرمة الثورة عليه ما لم يُظهر كفراً مباحاً ولأن الناس بشر يختلفون مع بعضهم البعض أو تحتم مصلحتهم الوقوف في وجه بعض أو تدفعهم الظروف إلى الخروج والثورة على الحكام كما حصل في السنوات الماضية بحق أو بدون حق وعقيدتهم تحرم ذلك وتصف الجميع بالإيمان وتعدهم بالجنة مهما عصوا يتمسكون بهذه العقائد كونها تحاكي أهوائهم فيلجئون إلى تكفير خصومهم كمبرر لقتلهم وسحقهم – وهو في الحقيقية غير مبرر بالنسبة للكفار الحقيقين لأن الإسلام أخلاق حتى في القتال وإنساني في الحرب - وإلى تكفير الحكام الذين يريدون الخروج عليهم كذريعة للخروج من الزامات عقائدهم بالإضافة إلى تغذية الأعداء للخلافات وتوسيع الهوة بين المسلمين وتوفير البيئة الحاضنة الدولية والإقليمية والمحلية لهم وصناعتهم بالشكل الذي يريدون وهنا تبرز عظمة فكر الثورة الذي يقول ويعتقد بالخروج على الظالم دون تكفيرهم فيخرجون لأنه ظالم غير كافر ولا يكفرون من معه ومن في صفه وللإمام زيد عليه السلام كلمة مشهورة تعالج هذا الموضوع وهي (عباد اللّه ! لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل اللّه، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن اللّه يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسًا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسًا بغير حق. عباد اللّه البصيرة .. البصيرة)
فالبصيرة هي التأكد أن لإنسان يقف الموقف الصحيح ويقاتل مع قائد شرعي مؤمن تقي ويقاتل في المكان الصحيح ويقاتل بالأخلاق الصحيحة وبالأساليب المشروعة فلا تفخيخ ولا أحزمة ناسفة ولا غدر ولا قتل أبرياء مع إعطاء خط رجعة لمن عاد إلى رشده ولا كذب ولا شحن ولا تعبئة طائفية أو مذهبية أو حزبية بل وعي كامل ونية لله صادقة وحرص شديد على الناس وعلى هدايته حتى من يقاتلهم ولا يأخذ احد بذنب أحد بحجة الانتماء المذهبي أو الطائفي فالبصيرة هي الإجابة الصحيحة لعدة أسئلة مثل: لماذا أثور؟ وما هي أهدافي؟ وما غايتي وقصدي ونيتي؟ ومع من أثور؟ وكيف أثور؟ وضد من أثور؟
الرافضة
ارتبط هذا المفهوم في أذهان كثيرين بالمقلوب فأصبح من يثور يطلق عليه رافضي رغم أن الرافضة هي من رفضت الجهاد والثورة ضد الظالمين والأعجب منه أنه يُطلق على من يتحرك في مواجهة الصهيونية ويقف ضد سياسيات الولايات المتحدة الأمريكية .
وقبل الولوج في مناقشة هذا المفهوم لا بد من توضيح بداية ظهور هذه التسمية وملابساتها وحيث أن لها علاقة بثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام وباختصار فأول من أطلقها هو الإمام زيد نفسه على قوم تراجعوا في اللحظات الأخيرة خوفاً وجبناً عن الجهاد معه والمشاركة في ثورته واختلقوا عذراً أنه ليس الإمام وإنما هو جعفر الصادق عليه السلام وفي رواية أخرى ينكرها البعض لكن سنناقشها على افتراض صحتها وهي أنهم قالوا للإمام زيد رحمك الله ! ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ قال زيد: رحمهما الله و غفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً ، قالوا: فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت، إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم! فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا بظالمين، فقال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا: سبق الإمام، وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد توفي يومئذ، وكان ابنه جعفر بن محمد حياً، فقالوا: جعفر بن محمد إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة.
وكانت طائفة منهم قبل خروجه مروا إلى جعفر بن محمد بن علي، فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه، فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا، فجاءوا فكتموا ما أمرهم به).
ومن خلال التأمل البسيط للرواية نجد الآتي:
أن الإمام زيداً أكد فيها على أفضلية الإمام علي عليه السلام وعلى أحقيته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أحقية أهل البيت عموما بقوله: (إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين)
وأيضاً وضح رؤيته المتوازنة في ابي بكر وعمر كونهما تقدما الإمام علي عليه السلام بأنهم اخطئوا ولكن لم يبلغوا بذلك عنده كفراً وأشاد بعدلهم في الأمة ولم يتبرأ منهما ولا سبهما بل ترحم عليهما وذلك بقوله: (رحمهما الله و غفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً) وطلب الرحمة والمغفرة هي من أخطأ ويقول أيضاً: (إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة)
ويوضح عليه السلام أن لا مقارنة بينهما وبين ظلمة بني أمية بقوله: (إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم)
كما وأهم ما ركز عليه الإمام زيد في فكره الثوري والجهادي وهو موضوع في غاية الأهمية ودرس لكل الثوار وكل الأمة هو أن هذا الموضوع ليس من أهداف الثورة فلم يثر ويخرج على بني أمية من أجل خلافة الإمام علي عليه السلام ولا حتى من أجل إمامة أهل البيت ولا ضد خلافة أبي بكر وعمر بل ضد من يظلم الأمة كلها وهو عليه السلام وأهل البيت وكل الأمة وحتى الرافضة الذين رفضوه مظلومون وحتى الظلمة من بني أمية يظلمون أنفسهم وهذا قمة الوعي الثوري وأرقى الأهداف التي هي بحجم الأمة فلذلك دعا من سماهم الرافضة فيما بعد إلى الثورة رغم موقفهم من ابي بكر وعمر ولم يأمرهم بالتخلي عن رؤيتهم دعاهم إلى الجهاد ووضح أن هدفه هدف إسلامي إنساني وليس طائفي مذهبي بقوله: (وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل) وفي هذا إلجام لمن يريد تحويل مفهوم الرافضة ويجعل سبب تسمية الإمام زيد عليه السلام لهم بهذا الاسم رفضهم لخلافة الشيخين حيث أنهم يطلقون هذه التسمية ويصمون بالرفض بمجرد أن يفضل أحد الإمام علي عليه السلام وهو مبدأ الإمام زيد نفسه والعجيب أنهم بذلك يسمون الإمام زيداً بهذا التسمية من حيث يشعرون أو لا يشعرون كونه يؤمن بأحقية الإمام علي عليه السلام كما سلف ذكره والأعجب أنهم يأخذون بتسمية الإمام زيد ثم يضللونه بسبب عقيدته ومواقفه وفكره السياسي وبسبب ثورته وخروجه على الظالم الذي ما سمى الرافضة رافضه إلا لتركهم الجهاد معه بل ويقدسون من خرج الإمام زيد عليهم ويعتبرونهم أولياء الأمر الشرعيين ويحرمون الخروج عليهم وإن هؤلاء المتناقضون من أكثر من يسئ إلى الشيخين أبي بكر وعمر حيث يصورون أن أبا بكر وعمر كانوا بمثل أخلاقهم وأن عقيدتهم مثل اعتقاداتهم مع العلم أن عقيدة الشيخين في الله تعالى سليمة ومثل عقيدة الإمام علي عليه السلام عقيدة التوحيد والعدل والوعد والوعيد وكان الإشكال فقط في العقيدة السياسية .
ثم إن التركيز على مفهوم الرافضة الذين لم يُقاتلوا الإمام زيداً عليه السلام وإنما تخلوا عنه في ظرف حساس ولحظة حرجة غير منطقي أمام التساهل وعدم تسليط الأضواء على من قاتلوا الإمام زيداً وجاهدهم الإمام وثار عليهم وقتلوه وقطعوا رأسه وصلبوه عارياً وأحرقوه وحتوه وذروا رماده في نهر الفرات والبساتين لأن ذلك تمييع لقضية الثورة في الإسلام حيث يُشنع على الرافضة ولا يُشنع على قتلة الإمام زيد .
سيجول في الأذهان الآن تساؤل وهو هل كل من قال بإمام الإمام جعفر الصادق عليه السلام رافضي طبقاً لسبب التسمية؟ وكيف ذلك ومنهم اليوم من ثار ويثور كما صنع الشعب الإيراني في ثورته الإسلامية وكما يصنع حزب الله في جهاده ضد الصهيونية؟
والذي نستطيع قوله في الإجابة على هذه التساؤلات هو أن لفظ الرافضة ضد لفظ الجهاد الواعي طبعاً والملتزم بأخلاق الإسلام ومن هذا المنطلق فمن يجاهد منهم ويثور فلم يعد رافضي بل مجاهد مع حق عدم قبول بعض الأفكار الغير منطقية لديهم مع الاحترام الكامل والتأييد الجهادي لهم ضد أعداء الأمة والدعم الساسي في هذا الجانب دون الذوبان في التفاصيل المذهبية عندهم وإذا كنا لا نرضى أن نتمذهب بفكرنا فبالأحرى أن لا ننحدر إلى مربع المذهبية والطائفية بفكر غيرنا و إن من يقعد ولا يجاهد حين تتوفر المعطيات للجهاد من الزيدية أنفسهم ويقعد ويتعذر ويتعلل بمتابعته شخص قاعد يقول أنه هو الأولى بالاتباع من الشخص القائم الذي أثبت كفاءته وجدارته وأهليته فهو رافضي والتاريخ يكرر نفسه والذين من هذا النوع مشكلتهم جهادية وليست الإمامة ولو قام القاعد الذي يلتفون حوله لخذلوه وتركوه ولادعوا أن الواجب اتباع غيره فمثل هؤلاء لا يثورون حتى يوم القيامة لأنها نفسية مترسخة فيهم .
الهدف الثوري
ليس الهدف في قيام الثورة في الإسلام بالخروج على الظالم هدف جزئي أو محدود بل هو هدف عظيم شامل كبير بحجم الأمة فهو أرقى وأسمى وأكبر وأجل وأعظم من الهدف الحزبي أو السياسي البحت أو المذهبي والطائفي كما أنه ليس هدف انتقامي ولا شخصي للقائد لأنه إصلاح الأمة طاعة لله وأي هدف أعم وأكمل من إصلاح الأمة الذي اشتمل على أهم المجالات التي بصلاحها تصلح كل الأمة ولهذا تمنى الإمام زيد عليه السلام لو لأنه ممسك بالثريا ويقع على الأرض ويتقطع قطعة قطعة وأن الله يصلح به أمر الأمة الإسلامية ويقول: (والله لو أعلم أنه تؤجج لي نار بالحطب الجزل فأقذف فيها وأن الله أصلح لهذه الأمة أمرها لفعلت) إنه التفاني من أجل الغاية النبيلة وهو نفس هدف جده الحسين عليه السلام الذي قال: (والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله) وصلاح الأمة باستقامة دينها ولذا قال الإمام الحسين عليه السلام أيضاً: (إن لم يستم دين محمد إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) .
وتحقيق هذا الهدف العظيم يتمثل في عدة خطوات حددها الإمام زيد عليه السلام في ستة بنود في دعوته بقوله: (إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين، وقسم الفيء بين أهله، وردّ المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب)
الخطوات العملية لإصلاح الأمة
- الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعلم وبصيرة ولهذا يقول في رسالته لعلماء الأمة: (يا معاشر الفقهاء ، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم؛ هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله ونقسم فيئكم بالسوية، فسلوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم عما سألتم فولّوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني) لأن العلم بالقران والسنة العلم النافع الذي ينفع الأمة من أهم شروط تحقيق هذا الهدف ولذا كان من شروط ومواصفات القائد العلم لأن علماء السوء قد كتموا الحق وداهنوا الظالمين وما زالوا كذلك حتى زماننا هذا بفتاويهم الدموية وتدجينهم أبناء الأمة للظالمين وكم اختلقوا أحاديث تتعارض مع القران الكريم وتدخلوا في علم الجرح والتعديل حسب أهوائهم وأهواء الظلمة فردوا وكذّبوا كل ما هو ضد الحكام وصححوا وحسنوا الموضوع الذي يخدمهم والدعوة إلى القرآن والسنة والعمل بهما كفيل بتصحيح عقائد وأفكار الناس المغلوطة وهدايتهم إلى كل خير وتهذيب أخلاقهم وجعلهم خير أمة أخرجت للناس بتطبيق التعاليم الإسلامية فيهما وإقامة الشريعة بوجهها المشرق والجذاب .
- جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين يعني الحفاظ على الكرامة الإنسانية لأن الظالمين هم سبب محنة الأمة وهم ظلامها وهم من يهدرون الكرامة الإنسانية وبقاؤهم استمرار للمأساة والمحنة والوضع السيء والمنحط وجهادهم كلمة دينية تنبئ عن أهمية إزالتهم ووجوبية مواجهتهم لكن مع الأخذ في الاعتبار الدفع عن المستضعفين لاسترداد كرامتهم المهدورة لأن الظالمين يستضعفون الناس وفي حال الثورات عليهم يفتكون كثيراً بهم لتخويف الناس ومن أجل تحميل الثوار المسؤولية جراء ذلك وكم قامت ثورات بجهاد الظالمين دون الدفع عن المستضعفين فكانت أنصاف ثورات لأن الثورة إذا لم تتبع أحوال المستضعفين والمظلومين وتنصفهم وتخرجهم من السجون وتفكهم من الاعتقال وتتبع أثر المخفيين قسراً منهم وتفك أسرهم فهي ثورة مشوهه بل لا تستحق تسمية الثورة .
- قسم الفيء بين بأهله وهذا يعني العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين الناس حسب الاستحقاق الشرعي لأن الظالمين يأخذون أموال الدولة ويضاعفون الضرائب على الشعوب ولا يكتفون بذلك بل يأخذون أموال الناس الخاصة بهم وينفقونها على نزواتهم ويكنزونها لأنفسهم ويسحقون الناس بسياسة الإفقار والتجويع والترغيب والترهيب فيختل النظام الاجتماعي وتكثر الجريمة وقسمة الفيء بين أهله ويدخل فيه في هذا الزمان الجمارك والضرائب والثروات النفطية والمعدنية والسمكية وأي دخل للأمة وهو إصلاح اقتصادي شامل.
- رد المظالم بمختلف أشكالها التي ظلم الظالم الناس بها والتي تظالم الناس فيما بينهم ورد المظالم يعني الإنصاف ورد الحقوق المنهوبة لأصحابها وإذا لم تكن الثورة من أجل ذلك فما قيمتها أصلاً وهذه الخطوة من أهم الخطوات التي يلمسها الناس ويشعرون بها وبأن هناك تغيير إيجابي وحقيقي مما يدفع بالناس إلى دعم الثورة والحفاظ عليها .
- نصر أهل البيت على من نصب لهم الحرب لأن الله تعالى أمر بمودتهم ومحبتهم واتباعهم ولكن تحول الأمر بالنسبة لهم إلى قمع وقتل وتشريد وسب ولعن وتشويه وحرب إبادة وجرائم بحقهم يندى لها جبين الإنسانية ومآسي لا تُحصى وكما نقول في هذا العصر جرائم بحق الإنسانية فلم ينالوا أبسط حقوق الإنسان وكل ذلك أصبح سياسة الدول بدءاً بمعاوية ومن تلاه إلا من عصم الله عبر مئات السنين هذ السياسة ما زالت مستمرة حتى وقتنا الحاضر مستهدفة من يحمل فكر الثورة والجهاد من أهل البيت ولهذا كان نصرة أهل البيت عليهم السلام ليعيشوا على الأقل مثل غيرهم وهذه الخطوة خطوة من خطوات إصلاح الإمة وكيف تصلح الأمة وعلاقتها مع أهل بيت نبيها بهذا الشكل المؤلم أضف إلى ذلك أن أهل البيت يمثلون المنهج الإسلامي النقي البريء من تشويهات التكفيريين ومن تشويهات المتشددين بل وحتى من مغالاة البعض ممن ينتسب إليهم ومن غيرهم.
وعلى كل فالإصلاح الشامل يعني الوقوف ضد الفساد والإفساد الذي يمارسه الظالم والذي قال الله تعالى فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) ففي المجال السياسي برهن الدولة وسياستها واستقلالها وسيادتها بيد أعدائها بمعنى أنه عميل كما أنه يولي المناصب العليا والأدنى في الدولة بيد فاسدين مثله وفي المجال الثقافي يزيف ثقافة الأمة ويصد عن الثقافة الإسلامية المستقاة من القران الكريم والسنة الصحيحة المطهرة وفي المجال الإجتماعي يفرق بين الناس ويفسد أخلاقهم و...الخ .
وضعية الأمة البعيد عن الإسلام
من المؤسف جداً أننا وصلنا إلى حالة من التنكر العملي للدين الإسلامي بحجة إخفاق كثير من الحركات الإسلامية التي جسدت الدين بطريقة غير صحيحة وبتصرفات قاصرة وبممارسات إجرامية وغير أخلاقية وبسلوكيات رذيلة وزاد الطين بله ظهور الحركات التكفيرية كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة ومن على هذه الشاكلة وليس ظهور هذه الحركات صدفة ولا عفوي بل ظهور مصطنع ومرتب وممنهج الغرض منه تشويه الإسلام وترسيخ قناعة لدى الناس أن صورة الإسلام هكذا حتى يهربون منه بذريعة أن يكون بذلك الشكل ولذلك أي دعوة للعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم صار فهمها أنها بتلك الطرق العقيمة والأساليب الخبيثة وهذا يُعد من أكبر التحديات التي تواجهها الثورة في الإسلام ومهمة غير سهلة لإقناع الناس بجدوائية الإسلام العملية لأن الكل يتحدث عن الإسلام مجرد نظريات فقط والواقع بعيد عن التعاليم الإسلامية فلا حدود تُقام ولا عدل مبسوط والأحكام معطلة والشريعة مجمدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مفعل وهذا من أهم دواعي الثورة وأسبابها فهذا الإمام الحسين عليه السلام يشرح وضعية الأمة وسبب خروجه وثورته الكربلائية بقوله: (ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المسلم في لقاء الله عز وجل، وإني لا أرى الموت فيه إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً) ويقول الإمام زيد عليه السلام: (كيف لي أن أسكن، وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، والله لو لم يكن إلا أنا وابني يحيى لخرجت وجاهدت حتى أفنى) وقد وصل الحال إلأى ا، اليهود يسبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ولي الأمر فلا ينكر عليه بل ينكر على من ينتهر اليهود والثورة على هذه الوضعية وشرحها الناس تُعد من أهم استعادة ثقة الناس بالدين وتعاليمه لأنهم سيرون نموذجاً إسلامياً راقياً وحضارياً وأخلاقياً نموذجاً عزيزاً كريماً ينسف تلك الصورة المشوهة للإسلام ويرسم أجمل صورة يمكن لعين أن تراه على وجه الأرض .
الثورة العسكرية "الجهاد المسلح والخروج القتالي"
تأتي مرحلة الثورة المسلحة والقتالية على الظالم كآخر مرحلة من مراحل الثورة التي تمر بها من إبداء النصح له ووعظه وتبصيره ودعوته للخير لأن الغرض إصلاح الوضع والمعارضة السياسية للظالم والتوجه الثوري ضده هو ليس مجرد جدل سياسي أو توجه عبثي وتصيد أخطاء ومكايدة بل معارضة وثورة ملتزمة لا تمانع من التوصل إلى أي حل يحقق الأهداف النبيلة بأقل الخسائر وبعد استخدام التعبير السلمي بالمظاهرات والاعتصامات والعصيان المدني وتوعية وتبصير المجتمع بالأهداف وبعد الثورة الفكرية التصحيحة للأفكار والعقائد الذي بُني عليها الظلم .
وعند الحديث عن مبدأ الخروج على الظالم أي عن الثورة المسلحة تُطرح هذه التساؤلات: لماذا الخروج على الظالم؟ لماذا الثورة على ولي الأمر الظالم؟ والتساؤلات التي يجب أن تُطرح فعلاً في الساحة هي: لماذا الظلم؟ ولماذا يتولى ظالم ولاية الأمر؟ ولماذا يجب طاعته؟
والإجابة على كل هذه التساؤلات منها ما مر خلال ما سبق ومنها أن سؤال لماذا الخروج على الظالم إجابته في نفس السؤال وهي لأنه ظالم :
- لأن الظالم قد تجسد الظلم فيه وفي أفعاله وسياسته وبالخروج على الظالم نخرج الظلم من الأمة وندخل إلى العدل .
- لأن الظالم يمنع الناس من الدين الحق الذي يرفض ظلمه لأن الإسلام خروج على الظلمة على مستوى البشرية أفتراه يقدس ظالم باسمه .
- لأن الظالم هو من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف والسكوت إقرار له وإذا لم تأمر الأمة بالمعروف وتنهى عن المنكر فإنها هي من تؤمر بل وترغم على المنكر وتُنهى وتُمنع عن المعروف .
- لأن الظالم هو أساس الفساد وبالخروج عليه تتطهر الأمة من فساده وفساد من معه وإذا تغير السلطان تغير الزمان .
- لأن الظالم يفتت الجبهة الداخلية للأمة ويمزق النسيج الاجتماعي للمجتمعات ويفتن الناس ويمزق ويثير فيهم النزعات والعصبيات وينخر في عظم الأمة ويفت في عضدها .
- لأن الظالم يُعتبر من أكثر الثغرات التي يدخل منها أعداء الأمة إلى قلب الأمة ويعيثون الفساد في صميمها وينفذون حتى إلى الدين ليزيفوه بالإضافة إلى أنه يستقوي بهم على ابناء أمته .
- لأن الظالم في حالة دخول وتدخل في دين الناس باستمرار فيتدخل في الأمور العبادية والعقائدية والتاريخية يتدخل في كل شيء .
- لأن الظالم عدو لله تعالى والله تعالى لم يأمر بطاعة فاسق وظالم وهو الذي توعدهم بالخلود في جهنم وأمر المؤمنين بمواجهتهم وإخضاعهم للحق وسحقهم إن اقتضى الأمر .
- لأن الظالم يعمل ضد ما جاء الإسلام للحفاظ عليه وهي حرية الناس وكرامتهم ونشر العدالة فيما بينهم وبسط الإنصاف .
- لأن الظالم يحتل مكان يدعي أنه خليفة وولي أمر امتدادا لولاية الرسول وخلافته وهو على النقيض تماماً من أخلاق وسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
- لأن الظالم حجر عثرة أمام انطلاقة الأمة لنشر قيم الخير وبث العدالة في الأرض وكيف يتقبل العالم الإسلام وهو مرهون بيد ظالم .
- لأن الظالم يربي الأمة على نفسية الخضوع وهي النفسية التي أذلت الأمة وجعلت الأمة تخضع لحفنة من اليهود والصهاينة وهم من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة .
- لأن الظالم يخرج الأمة من النور إلى الظلمات الظلمة السياسية والظلمة الاقتصادية والظلمة الثقافية والظلمة الاجتماعية والظلمة العسكرية والظلمة الأمنية و...الخ .
- لأن الظالم منبع الفتنة الدينية والدنيوية ويفسد ويقتل وتتكبد الأمة الخسائر على كل المستويات في كل يوم هو باق فيه يحكمها والخروج عليه يوفر على الأمة الكثير .
- لأن الظالم يظلم ملايين وغير منطقي أن نحافظ على شخص على حساب أمة بكاملها .
- لأن الظالم لا يهتم بأمر المسلمين ولكن يهتم بأمر نفسه وأسرته ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم وبدل أن يخدم الأمة يستخدمها .
- لأن الظالم هو من بدأ بالظلم والخروج نتيجة وردة فعل منطقية عليه فهو من يتحمل المسؤولية كاملة .
- لأن الظالم يعتبر طاعته واجبة وإن كانت طاعته معصية لله وأوامره مناقضة لأوامرالله فيجعل من نفسه نداً لله تعالى .
- لأن الظالم هو من يشق عصا الطاعة التي أمره الله تعالى بها ويخرج من الجماعة التي تعتصم بحبل الله .
- لأن الظالم يمثل بقاءه حاجز أمام الأمة من الدفاع عن نفسها ضد أعدائها .
- لأن الظالم يرتكب الجرائم التي يجب إقامة الحدود الشرعية على مرتكبها وكيف تكون الحدود إليه وهو من يتعداها والخروج عليه بمثابة إقامة الحد عليه .
- لأن الظالم بظلمه يتعارض مع الفطرة السليمة والذوق الإنساني .
- لأن الظالم ضيع كل الفرص التي عُرضت عليه لإصلاح الأوضاع وإشاعة العدل .
- لأن الظالم مثل الأخطبوط يمد أرجله إلى كل شيء ويجثم على كل شيء وقطع رأسه كفيل بالتحرر منه .
- لأن الظالم ليس قدراً من الله تعالى على الأمة وإذا كان الله قد جعل مخرج للمرأة التي يظلمها زوجها بخلعه فكيف لا يجعل للأمة خلع من يظلمها .
- لأن الظالم سبب الواقع السيء الذي تشكوا منه الأمة والخروج عليه تغيير لهذا الواقع إلى الأفضل وحركة لإصلاحه .
- لأن الظالم بظلمه خرج من ولاية الأمر ولا يجوز متابعته كالصلاة التي إذا خرج الإمام فيها عن أركانها وما يتعلق بها واستحدث ما ليس فيها بطلت إمامته .
ثم لم تعد المسألة حول حرمة الخروج على الظالم بل حرمة التخلف عن العادل وحرمة الدخول مع الظالم في ظلمه .
ثم لا يوجد ثورة إلا ومبررها وجود الظلم وما ثارت الشعوب العربية فيما يُسمى بالربيع العربي إلا والمبرر الظلم والفساد وهذا من الشواهد الواقعية على فطرية الخروج على الظالم .
محاذير
لقد قامت ثورات كثيرة لكن لأنها عفوية وعشوائية ولم تحسم موضوع القيادة فشلت فشلاً ذريعاً وربما يكون وضع ما قبل الثورة أفضل مما بعدها فالثورة الفوضوية المليئة بالمكونات الثورية المختلفة والائتلافات المتعددة والأحزاب المتباينة هي في الحقيقة تقدم خدمة مجانية لظالم آخر ليعتلي سدة الحكم بدلاً عن الظالم الأول .
إن التركيز على إسقاط الظالم كهدف فقط خطأ كبير لأن الحقيقة الثورية في الإسلام وحسب مبدأ الخروج على الظالم هو إسقاطه من أجل إفساح المجال للعادل بدلاً عنه لأنه إذا لم يتحقق تنصيب العادل الذي هو قائد الثورة والمتحمل مسؤولية توجيهها وإدارتها إنها تصبح نصف ثورة ومن هنا فإن الخروج والثورة بقيادة الإمام العادل الشخصية البديلة عن الظالم ضرورية وشرط أساسي في نجاح الثورة فإن الفوضى ستعم والمشاكل ستزداد والتدخل الخارجي سيحول المسار والخلافات الجانبية والمذهبية والطائفية والمناطقية بين الثوار ستظهر وتبرز إلى الواجهة وستنشأ الأحزاب الجديدة التي تزيد الفرقة وتصبح الثورات لإسقاط الأنظمة دون بناء الدول ويدخل الناس في فراغ سياسي وفراغ دستوري كما يٌقال ثم يدخل الوضع إلى الفترة الانتقالية التي هي إجهاض للثورة بكل المقاييس لأنها فترة ذبح الثورة بسكين الفراغ السياسي وطعنة لها بالتدخل الخارجي وفترة تُدار من الخارج وليس من الداخل وفرصة له لتخطيط المسألة السياسية وتصميم المستقبل عكس أهداف الثورة وفترة إذكاء النعرات والتمزيق والتفريق وإيقاظ الفتنة وإشعال الصراعات وافتعال الأزمات وفترة داعمة للظالم الذي تم إسقاطه وخلعه وتيئيس للناس من إمكانية التغيير وقتل الأمل في قلوب الجماهير والوقوف في المنتصف فلا إمكانية للتراجع وصعوبة في التقدم وفترة لمسخ الوعي والفكر والتطلع والأمل والطموح والتغيير وحتى للمناعة الشعبية والجماهيرية تجاه القضايا المصيرية للشعب والأمة وما كانوا لا يرضون به سابقاً يرضون به ويتعودون عليه خلال هذه الفترة وتصبح الثورة خدمة مجانية للأعداء وينقلها الأعداء إلى مؤامرة لانتقال الناس من الثورة إلى التسليم بالأمر الواقع ونقل تفكيرهم من الثورة والتغيير إلى الطمع في السلطة والتنافس عليها والانشغال بالقضايا الهامشية على حساب القضايا الأساسية وبتفاصيل التفاصيل .
أخيراً
لا يمكن للسياسيين فقط إصلاح أوضاع البلاد والعباد لأنهم كاذبون كما لا يمكن للتجار ذلك لأنهم طماعون ولا لأصحاب الجاه والمناصب لأنهم أنانيون ولكن قائد عادل برؤية شاملة كاملة صحيحة جامعة وخطوط عريضة يسوس بعلم وتقوى ويعمل بحرص على الأمة وإتقان ويتحرك بجدية وهمة ويضحي برضى ورغبة .
وهو بخروجه على الظالم فإنه يقوم بواجبه سواء انتصر أو استشهد وهو في كلا الحالتين يقدم شهادة حية وصادقة على عظمة الحق ويشهد على ضعف الظالم الذي يستمد قوته من ضعفاء النفوس ومن سكوت الناس ومن مداهنة العلماء الذين باعوا ذممهم بثمن بخس
وهكذا من خرجوا على الظلم واستشهدوا كالإمام الحسين والإمام زيد عليهما السلام فقد انتصروا استراتيجياً كون ثوراتهم الرد الأمثل والموقف الواضح الحاسم الذي يبطل افتراءات الملوك والظلمة في حرمة الخروج عليهم فالسلطات تسخر امكانيات الدولة الجبارة المالية والسياسية والإعلامية والثقافية والدينية و...الخ ولا تمتلك الثورة إلا الموقف القوي والصاعق الذي يرغم أنف الظالم ويمرغه في التراب ويكسر هيبته ويفضحه ويحرر الناس من الخوف منه وما زالت تلك الثورتين العظيمتين والثورات التي على دربهما ملهمات الأجيال الثورية وأصل فكر المقاومة والجهاد الذي كادا أن يُطمسا وإن الشهداء الذين تساقطوا عبر التاريخ في مواجهة الظلم قد تبرعوا بدمائهم لإنقاذ حياة الأمة المهددة بالموت بسبب مرض الظلم الذي انهكها فكانت تلك الدماء الزكية تجري في عروق الأمة وتبقىها حية تماما مثل ما يتبرع المتبرع بالدم لإنقاذ مريض مهدد بالموت .
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 8470 مرة