#كلمة_في_أسبوع: اليمني مستقضي ولو بعد حين .. بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
#كلمة_في_أسبوع
اليمني مستقضي ولو بعد حين
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
اليمني أبي الضيم بطبعه وتاريخه وثقافته وجغرافيته، لا يقبل الكسر، ولا يسمح بالتجاوز المهين، ولا ينسى دمه المستباح مهما كلفه الثمن.
يمكنه أن يتسامح مع أخيه في شيء لو طلب منه التنازل بصورة مؤدبة، ولربما عفى عن دم؛ وهو أغلى الأمور عنده، لكنه إذا أحس من متكبر أنه يريد إهانته أو إرغامه على أمر من الأمور ثار فيه عنفوان الغضب، واستطار فيه شرر التمرد، وقد يقدم نفسه في سبيل عشرة ريالات يحاول ظلوم أن يغتصبها منه، وهذا من مشاهداتنا اليومية.
وسأضرب مثلين أحدهما من تاريخ صدر الإسلام والآخر من التاريخ الحديث، يحكيان عن اليمني الذي لا يلين ولا يستكين حين يضام أو يضطهد.
في صدر الإسلام استمرت نزعة ثورية يمنية تجاه ولاة الأمويين ثم ولاة العباسيين، وفي العصر العباسي الأول (132هـ/ 750م – 232هـ/ 847م) إبان قوة الدولة العباسية سادت حالة من التذمر والثورية في اليمن ضد ولاة بني العباس، وفي حوالي سنة (140هـ/ 757م) أرسل أقوى خلفائهم المنصور (ت158هـ/ 775م) معن بن زائدة الشيباني بجيش جرار وطلب منه أن "يبسط السيف" على أهلها، فقتل أعدادا هائلة من اليمنيين، فازدادت الأمور تعقيدا، واشتعلت جذوة التمرد أكثر وأكثر؛ لكن لما فر عنها معن، ثم عينته الخلافة على رأس حملة إلى سجستان (وهي اليوم منطقة تشمل غرب أفغانستان وشرق إيران) كان هناك يمنيون يترصدونه للقصاص بما قتل من أهلهم، فقتلوه سنة (151هـ/ 768م).
وفي العصر الحديث وبعد أن ارتكب جند الملك عبدالعزيز آل سعود مجزرة تنومة بحق 3000 حاج يمني بعدة أعوام انطلق ثلاثة نفر من بيت حاضر صوب الأراضي المقدسة وعقدوا العزم على الاقتصاص من الملك عبدالعزيز بما ارتكبه جنوده بحق الحجاج مهما كلفهم الثمن، كانت مهمتهم (حج ولقاط أرواح)، كانوا قد ترصدوا للملك عند الطواف بالبيت وما إن رأوه حتى انقضوا عليه كالكواسر بخناجرهم اليمانية البيضاء، ومع ذلك لم يحالفهم الحظ، إذ وقعت طعناتهم على ولده وحرسه، غير أنهم أثبتوا مرة أخرى أنهم شعب لا ينسى مواجعه وآلامه، ويستطيع أن يفاجئ عدوه بما لم يكن في الحسبان.
إن ثقافة اليمني الثائرة والمتمردة والتي تنفّسها صباح مساء لعقود من الزمن، واحتضن أكثر المذاهب الدينية ثورية، بالإضافة إلى تاريخه العسكري والحربي ضد الغزاة والمحتلين، وطبيعة بلده الجبلية المتمنعة والتي تكسبه الجلد والمثابرة والصبر، وما أعطته الثقافة الجهادية التي حملها اليوم بجدارة، وأهلته لمواجهة أكبر وأقوى وأغنى تحالف عسكري عدواني ضد اليمن، كل هذه عوامل تشير إلى أن السعودية والإمارات ومن خلفهم وضعوا أنفسهم في مستنقع لا يمكنهم الخروج منه، وأنهم أصبحوا أهدافا عادلة لليمنيين وإن طال السفر.
إن يمنيا يحمل ثأره أكثر من عشرة سنوات، ويقطع بطرق السفر البدائية ما يقارب من 2500 كيلو لكي يفتك بقاتل أهله ويستقضي حق دمائهم فيه وقد كان يمثل دولة كانت من أقوى دول العالم في عصرها، يبرهن أن اليمنيين اليوم سوف لن يستكينوا ولن يستسلموا في الاقتصاص من دول التحالف وعلى رأسها نظام آل سعود وآل نهيان اللذين أدخلا الثأر والحقد في قلب كل يمني صغيرا كان أو كبيرا.
هذا اليمني الذي يتمنع في شعاب جباله ويلوذ بربه معتصما بما هيأه له من جغرافيا والذي يعيش حميمية عجيبة مع أسرته ومجتمعه سوف لن ينسى دماء أولاده، ولن يطيب نفسا حتى يرى من نثر أشلاء نسائه ودمر بيته مهانا ذليلا، سوف لن يهدأ لهذا اليمني بال ولو قطع آلاف الكيلوهات من الشدائد والأهوال، وتحمل أضعافها صبرا وجلدا من جحيم الطائرات والبوارج حتى يشفى غليله من هؤلاء الذين يعبثون بالعالم الإنساني المعاصر من غرفهم المكيفة لأهداف سخيفة، وأشعلوا حربا ظالمة مدمرة بحسب رغبات أمريكية فاجرة.
والمثل القائل: (المستقضي في سنة مستعجل) يمني طبعا.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 2680 مرة