الشهيد لطف القحوم.. تعرفه الميادين ويعرفها: تحداهم.. تحداهم
الشهيد لطف القحوم.. تعرفه الميادين ويعرفها: تحداهم.. تحداهم
إعداد/ إبراهيم السراجي - صدى المسيرة
لطف القحوم الجبل اليمني الذي لم تزحزحه الطائرات وصواريخها، فقال مغرداً “والله اني كالجبل صعب اهتزازي” وأثبت زهده في الدنيا وسعيه للشهادة وهو يغرد “أشري يا هذه الدنيا جوازي.. ما أظن به حر ما أشر جوازه”، وكما رد رفيقه الثائر عيسى الليث وهو يغرد “والله إنك حر أشرت الجوازي”.
لقد تحول الشهيد المجاهد والبطل المنشد لطف القحوم إلَى أيقونة تَـحَــدٍّ وصمود أعطت الشعب اليمني دافعاً ودفعة قوية لمزيد من الصمود وأصبحت سيرته هاجساً تحرّض الشباب على الالتحاق بجبهات العز والبطولة والكرامة والشرف في مواجهة قوى الاحتلال ومرتزقتهم.
اليوم تحول لطف القحوم من منشد ومؤدٍّ للزوامل الشعبية إلَى علَم من أعلام اليمن، الشهيد الذي لم يكن يفاخر ببطولاته ولم يكن يعرف الناس عنه سوى عشقهم لصوته وهم يستمعون إلَى أناشيده وزوامله في الجبهات والتجمعات والمسيرات وفي سياراتهم ومنازلهم وهواتفهم، لكن أولئك الناس وعلاوة على عشقهم لفنه أصبحوا عشاقاً لسيرة لم نكتشفها إلا بعد رحيله فكان رجلاً ومجاهداً وبطلاً يؤمن بالوطن والحق والقضية ولا يريد منا جزاءً ولا شكوراً.
منذ الإعْلَان عن نيله الشهادة وجدناً أن لطف القحوم أصبح حيّاً في وجدان الناس في أحاديثهم في تطلع الأطفال والنساء والرجال لمعرفة سيرته وتراهم في دهشة حين يشاهدون قوته وإيمانه في المشاهد المصورة له قبيل استشهاده. لطف القحوم اليوم في كُلّ اليمن واستشهاده أكَّدَ للناس أن الشهداءَ أحياء؛ لأنه ولا مبالغة إذا قلنا إن لطف القحوم منذ استشهاده لليوم صار حديثَ الأحاديث وموضوع المجالس والمقالات والنقاشات.
منذ اندلاع العدوان الأمريكي السعودي على اليمن كان صوتُ القحوم وقودَ الجماهير في مسيراتهم الغاضبة والصامدة والمتوعدة للعدوان، وكانت الجماهير وفيةً لهذا الرجل، فكان تشييعُه ثورةً بحد ذاته.
لطف القحوم.. استشهادُه كان مثقاب فتيل الحرية في قلوب الجميع
إذا كانت سيرةُ الشهيد القحوم الجهادية في الميادين قد أصبحت واحدةً من أهم السير التي تلهم الشعبَ اليمني في دفاعه عن ثورته وقيمه ووطنه فإن صوتَه أصبح لازمةً وصدىً يردده الجميع من أطفال ونساء ورجال.
يقول الباحث الأكاديمي حمود الأهنومي “أعتقد أن نبأ استشهاده كان مثقابَ فتيل الحرية في قلوب الجميع لقد نجح لطف رحمه الله في إشعال نار الحرية في قلوب اليمنيين على مدى أجيال”.
وعن أهازيج وزوامل الشهيد التي صارت تردد في كُلّ مكان يقول الأهنومي “أولادي الأربعة يعشقون لطفَ القحوم ويحفظون كثيراً من أناشيده، وأجزم أن كثيراً من الأولاد والكبار والصغار يحفظونها أَيْضاً النساء والرجال يرددون أهازيجه الجهادية أيضاً”.
ويضيف الأهنومي “هؤلاء الأطفال الصغار الذين يتعثرون في بعض الحروف لا يمكنهم التعثر أبداً في استقاء معاني الحرية وقيمها التي علّمهم إياها لطف أيضا إنه ليس شخصاً عادياً، لقد كان قائداً عظيماً، والقادة لَا بُـدَّ أن يكونَ استشهادُهم درساً خالداً للأجيال”.
ويؤكّد ذلك القيادي في حزب الاشتراكي نايف حيدان وهو يقول: “استطاع الشهيد لطف القحوم جذب حب وانتباه الأطفال قبل الكبار، فباستشهاده ظهر حجمُه الحقيقي ومقدار شعبيته التي لم يكن يعلم بها هو، كان الطفل يتشرب كلمات زوامل لطف لتكون منهاجاً يسير عليها مستقبلاً، ولطف لا يعلم بهذا، يردّد الكبار كلمات زاملة ويشتد حماسهم لمواجهة العدوان، ولطف لا يعلم ما تأثير هذا الزامل على شعب بأكمله، شعبٌ عشق الزامل وأدمن صوت لطف، وَلطف لا يعلم، كان باستطاعة لطف أن يكتفيَ بجهاده بالكلمة وكل من سمع كلامَه سيتوجه للجبهة وَسيبذل كُلّ ما في وسعة لرفد الجبهة، إلا أن عشق وحب لطف للوطن أجبره إلا أن يكون في مقدمة الجبهات”.
الشهيد.. سباقٌ بين الصدى والرصاصة
لم تتوقف كتابات الإعلاميين والناشطين وهم يحاولون أن يعطوا الشهيدَ القحوم بعضَ حقه تارة بتثمين دوره الجهادي بالكلمة بصوته الذي كان وما يزال يرافق المجاهدين ويعطيهم شحنةً قويةً للتقدم في الميادين، وكذلك يحاولون إعطاءه حقه وهم يتناولون صولاته وجولاته في الميادين، وآخرها جبال هيلان بمأرب، حيث كانت محطته الأخيرة.
وعن ذلك يقول الإعلامي محمد الصفي الشامي: “ترجَّلَ المنشدُ المحاربُ والثائر المجاهد لطف القحوم وارتقى، وغادرنا إلَى الحياة الأبدية للسماء، واختاره اللهُ واصطفاه نحو ذُرَى العظمة والشرف، الشهداء استبشروا بقدومهِ إليهم، ونحن بكينا لفقده دماً”.
ويضيف الشامي: “ودّعنا الشاب الثلاثيني الذي كان يملك صوتاً يُلهب على وقع جلجلة زواملهِ حماس المجاهدين، ويشحذ الهمم في ميادين القتال، ويزيد من لهفة الشوق لخوض غمار المعارك بساحِ الحرب واجتياحها، وقنص واصطياد جحافل الغزاة ومرتزقتهم، ودك مواقعهم وآلياتهم الحربية الثقيلة، وفتح أبواب السعير بوجوههم على ترانيم وأهازيج وألحان تلك الزوامل التي يشدو بها بصوتهِ الجهوري الحماسي، وكأنها تُعبد الطريق نحو الانتصار”.
أما الناشط هاشم مفضّل وقبل أن يتحدث عن الشهيد يرى أن على الجميع المسارعة لاقتفاء خطوات القحوم وليس الاكتفاء بالبكاء عليه، إذ يعتقد أن سيرة الشهيد يجب أن تترجم إلَى واقع في نفوس وتحرك الشباب، فيقول مخاطباً الجميع: “أنت تُحب لطف القحوم وتُحب الشهداء، أظهر لهم حبك وانطلق كما انطلقوا، وقاتل كما قاتلوا، وطلق الدنيا وأعشق الآخرة. أنت وأنت تختلق الأعذار لنفسك.. قارن نفسك حينها بشهيدنا المقدام وشهدائنا العِظام وكيف أنهم قتلوا العذر بداخلهم وحطموا جبروت نفوسهم وجعلوها لله ذليله وفي سبيل وطنهم رخيصة”.
الشهيد الحي عبر الأجيال
لطف القحوم كغيره من الشهداء العظام لم توقف الرصاصة التي قتلته حياتَه، بل انها امتدت لتكونَ حياةً لكل الناس، وهو ما يراه الباحث حمود الأهنومي الذي واصل حديثه عن الشهيد قائلاً: “هذا الذي ملأ الدنيا نشيداً وهتافاً للحرية والجهاد والكرامة ستظل أجيال اليمن تعزف على وقعها حركة ومسعى لعقود”.
فيما يحكي القيادي الاشتراكي نايف حيدان عن لحظة انتهاء الجماهير من تشييع الشهيد فيقول: “بعد التشييع رأيت الحزنَ بوجه طفلي الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره سمعته يتساءل: ليش يموت لطف! فتحت له زامل وقلت له: هذا لطف اسمعه، لطف حي في قلوبنا، لطف لم يمت. الشهيد لطف القحوم قال في هذا الزامل: (شعب اليمن قد هب كله ثائر، كبر بوجه الظلم والاستكبار، ونشوف من باينتصر في الآخر الجندي الحافي أو إلا الطيار).
ويضيف: “مؤشر حب الأطفال والكبار وحزنهم على الشهيد يبعث على الاطمئنان بأن جيلاً قادماً لن يفرِّطَ بسيادة اليمن ولن يعيشَ إلا بكرامة وإباء وأن شعباً لن يقبَلَ بغازٍ أو محتل في أرض اليمن، وأن كُلّ كلمة قالها في زوامله ستكون برنامجاً يسير عليه كُلّ حر في هذا الوطن”.
وكذلك يختم الإعلامي محمد الصفي الشامي حديثه عن الشهيد بالقول: “صوتٌ غرَسَ في نفوس الكثيرَ منا الإيمان، وثقافة الاستشهاد والاستبسال. ومن أعماله التي كانت كطلقات رصاص بندقية يمنية أصيلة لم تخطئ هدفها استمدينا الثقة بالله والقوة والصمود والشجاعة والفخر والحمية والتضحية، وختم آخر دروسهِ لنا بـ “والله إني كالجبل صعب اهتزازي”.
يا لطف
سيظل صوتُك يتلو علينا تسابيح الانتصار
يا لطف
ستبقى حياً بأعمالك الخالدة التي تسكن القلوب
يا لطف
ستشاركنا زواملك نيابةً عنك في القتال حتى تُرفع راية النصر المبين
يا لطف
والله إنك حر أشَّرت الجوازي
يا لطف
الوفاء ما تغير.. عهد الأحرار باقي
لطف القحوم.. الصديق عن قرب
كما عرف اليمنيون لطف القحوم صوتاً مجاهداً وثائراً وعرفوه رجلاً مقاتلاً قوياً وشهيداً يلهم الأجيال إلا أن ثمة جوانبَ يهتم اليمنيون بمعرفتها وهي تتعلق بالشهيد الصديق الوفي لأصدقائه.
في حياته عرف القحوم كثيراً من الأشخاص والشخصيات، فكان سَرعانَ ما يدخل إلَى قلوبهم وهو بدوره كان الصديق الذي يجده أصدقاؤه قُربَهم في أحزانهم قبل أفراحهم.
الشهيد الصديق لطف القحوم كما يقول عنه عمار مفضل أحد أصدقائه: “كان فعلاً كالأخ الحكيم في توجيهاته والصديق في كلامه والأب في تربيته”.
ويروي الصديق قائلاً: “يوماً من الأَيَّام قلت له ما شاء الله قد بتتواضع أَكْثَـر مني قال هذا شيء واجب وانا مجرد فرد من جنود ربي والله يتقبلنا”.
ويضيف “بسبب الحروب السابقة كان سمعُه ضعيفاً وبرغم هذا كان يمر من أي شارع وإذا أشار له شخص ما يتظاهر أنه لم يسمعه وكأن فعلاً سمعُه قوياً ثم يسلم على هذا الشخص ويعزمه على الغداء ويلح في ذلك ثم أقوم بسؤاله عن هذا الشخص من يكون؟ فيقول لي لا أدري.. لا أتذكره. يقول لي هذه الكلمات وألاحظ الاحمرارَ في وجهه ويقلي أهم شيء إنه من جنود ربي باغديه وأدي له قاتي”.
في ذاكرة كُلِّ من عرف الشهيد حكايات لا تنتهي كلها تحدثنا عن تواضعه وصبره وإيمانه وأخلاقه ومناقبه التي لا حدود لها.
الشهيد في ضيافة الشعر والشعراء
من أَكْثَـرِ الأمور التي لاحظها الناس أنه وفور الإعْلَان عن استشهاد المجاهد لطف القحوم لم تمر إلا دقائق انهالت فيها القصائدُ التي رثاه بها الشعراء.
ومن أول تلك القصائد التي رثت الشهيد لحظة إعْلَانه استشهاده كتب الزميل والشاعر عبدالقوي محب الدين قصيدةً هنُا بعضاً منها:
يااا لطف،
واهتاج المساءُ الكتوم:..
غرّد..
ويرتد الصدى بالهموم..!!
.
.
يااااا لطف،
والصمت الفصيح الأسى..
يهمي جراحاً، من نزيف الغيوم..!!
.
.
يا نخلة الأشواق:
كيف انحنى..
جذع المنى؟.. قالت بريح السّموم..!!
.
.
يا ريح:
لن يحني الهبوب الألى..
شاءوا،
كما لم يحنِ لطف القحوم..!!
.
.
ما زال لطفُ الله.. صوتاً بهِ..
نجتاحُ ساحاتٍ،
ونُردي خصوم..!!
.
.
ما زال -رغم الفقد- روحاً، بها..
نسعى،
لتدنو من منانا النجوم..!!
إلى الشاعر الذي أحبته الجماهير وارتبطت قصائدُه بالثورة الشاعر معاذ الجنيد فكان من أوائل من رثى الشهيد القحوم، وهنا أَيْضاً بعضاً من تلك القصيدة التي كتبها:
سيظلُّ صوتُك َ
شعلةً أبديةً للثائرين
سيظلُّ صوتُكَ
زيتَنا، ووقودنا
في نصرة المستضعفين
ستظلُّ يا لطف القحوم
بكل معركةٍ،
ونصرٍ حاضراً ومجاهداً عبر السنين..
سيظلُّ صوتكَ في المعارك
كالجنود المُنزَلين
مُناصراً، ومُثبِّتاً لقلوب قومٍ مؤمنين..
وكالرصاصة، كالسلاح
على صدور المعتدين
فانشد زواملكَ الأبيةَ
للنبيِّ، وللحسين.
فلك الهناء بما لقيتَ
لنا العزاء بما سنلقى
في هواك من الحنين.
وعليك يا (لُطف) السلام مُعمّداً
ببشائر النصر المبين.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 4745 مرة