الحرب السنية الشيعية .. عنوان إثارة ، أم حقيقة مثارة ؟ ..... بقلم /عبدالله علي صبري
الحرب السنية الشيعية .. عنوان إثارة ، أم حقيقة مثارة ؟
بقلم /عبدالله علي صبري
ليس جديدا القول إن تداعيات الانتصار الاستراتيجي للمقاومة الإسلامية إثر العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، قد أجهض مشروع الشرق الأوسط الجديد ، في صدمة هزت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها ، وألحقت بالكيان الصهيوني هزيمة قاسية هي الأولى من نوعها منذ نشوء دولة إسرائيل.
وضاعف من الصدمة عاملان اثنان :
الأول : الفشل الذريع لسياسة بوش ومن معه من المحافظين الجدد في إدارة العراق وتثبيت الأمن والاستقرار لمواطنيه.
الثاني : العجز البين لهذه الإدارة في التعاطي مع الملف النووي الإيراني ، رغم التهديدات المتوالية التي توعدت بها طهران .
إن المتتبع لمسار الأحداث في المنطقة يجد أن العجز الأمريكي في استخدام الحل العسكري مع إيران لا ينم عن خوف من الهزيمة الحربية فحسب ، إنما الخوف أيضاً أن تتحول إيران إلى عراق ثانية ! ، وهو ما لا يمكن أن يطيقه المجتمع الدولي, عوضاً عن الداخل الأمريكي.
واستمرار هذا العجز الأمريكي هو اعتراف ضمني بالدور والمكانة الإقليمية لإيران.
بيد أنه بدلاً من الاعتراف بالأمر الواقع والبناء عليه ، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة استعمارية إلى الأساليب العتيقة في إثارة التوترات والنزاعات بين دول المنطقة، فوجدت في الورقة المذهبية فرصة ذهبية !
خـنوع عـربي
إذا كانت واقعة إعدام صدام حسين ، قد أججت الفتنة المذهبية في العراق والمنطقة ، فإن اشتعال هذه الأزمة لا يخدم أي من أطرافها ، فالإدارة الأمريكية التي تغذي هذه الانقسامات ، وتعتبر المستفيد الوحيد منها ، لا تسعى إلى عزل إيران إقليمياً فحسب ، ولكنها تعتمد خطة التفتيت والتفكيك بحيث تبقى إسرائيل لوحدها اللاعب الرئيس في المنطقة العربية.
والمؤسف أن التعاطي العربي مع التحديات الراهنة يفتقد إلى الحد الأدنى من التضامن والشعور بالمسؤولية ، فعوضاً عن الموقف المخزي للأنظمة العربية من الاحتلال الإثيوبي للصومال ، لا نجد لهذه الحكومات صوتاً ذو أهمية حول الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين والسودان ،وغيرها .
وهكذا وضع لا شك أنه يمنح بعض دول الجوار (إيران ، تركيا ، إثيوبيا وإسرائيل ) فرصاً أفضل للتعبير عن مكانتها في المنطقة على حساب الدول العربية التي بات معظم حكامها أسرى الإدارة الأمريكية يأوون إلى كنفها ويستنجدون بها ليس ضد الدول المعادية لهم ، وإنما ضد شعوبهم أيضاً .
وفي هذا السياق لا يأبه الحكام العرب لخطورة الورقة المذهبية ، ما دام خطرها لا يتهددهم مباشرة ، بل المؤسف أيضا أن بعض القادة العرب يستمرىء النفخ في نار الفتنة إرضاءً للأسياد في البيت الأبيض ، في خنوع مخزِ غير مسبوق .
إن خطر المذهبية في الماضي كما في الحاضر يكمن في استخدامها ، وتوظيفها سياسياً بهدف إلهاء الشعوب عن المخاطر الحقيقية المحدقة بمجتمعاتهم ، وإلا فإن التعايش المذهبي بين المسلمين هو السائد تاريخياً. ويتضاعف الخطر عندما يتلقف المتعصبون والغلاة هذا التوظيف ، ويقف العقلاء حيارى لا يحقون حقاً ولا يبطلون باطلاُ .
وباستقراء وتتبع الأزمات العربية –العربية وأزمات العرب مع جيرانهم سنلحظ أن العامل المذهبي – الديني محدود جداً ، فحتى الحرب العراقية /الإيرانية لم تكن سنية /شيعية – كما يراد تصويرها – فمعظم أفراد الجيش العراقي حينها كانوا من الشيعة العرب ، ثم إن الحرب المحتملة مع إيران سيكون طرفها المقابل الولايات المتحدة الأمريكية أو إٍسرائيل ، وليس السعودية أو مصر .
أزمـــة مواطـــــنة
معروف أن إذكاء الفتن والانقسامات في المنطقة كانت – وما تزال – نتاج سياسات استعمارية رفعت شعار فرق تسد وقد حذت النظم العربية المستبدة حذو الاستعمار ، فحولت التنوع العشائري والمذهبي بل والسياسي إلى ساحة شقاق وصراع فيما بين هذه القوى ، بهدف تثبيت أمن نظام الحكام ، ولو على حساب أمن المجتمع .
وقبل أن يكون الانقسام المذهبي ورقة تدخل خارجي ، فإنه في الأساس يعكس أزمة مواطنة في معظم المجتمعات العربية ، كذلك الأمر بالنسبة للانقسامات الطائفية والعرقية والطبقية ، فغياب المواطنة المتساوية يلحق بالمواطن من الدرجة الثانية شعوراً بالضيم والإقصاء ، ما يؤثر مباشرة على درجة ولائه لوطنه وربما لأمته ، وقد ينتج عن ذلك نوع من التطرف الفكري ، الذي يتحول إلى عنف أعمى ، وبالذات في مواجهة الأنظمة وأجهزتها القمعية .
مخطىء من يظن أن قوى التدخل الخارجي تستطيع زعزعة الوحدة الوطنية لأي مجتمع ، ما لم تكن هناك قابلية لهذا الانقسام قبلاً ، وما حدث في العراق جاء ليصب الزيت على النار ، بإذكاء الفتنة المذهبية وصولاً إلى الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد .
وهي الحالة التي كادت أن تتكرر في لبنان، ويراد لها أن تشتعل في اليمن ، وبدلاً من أن نحلم بالوحدة العربية ، يبقى الحفاظ على الدولة القطرية غاية المطلب.
ولا يتصور أحد أن الحفاظ على الوحدة الوطنية لأي دولة ، يأتي بتوحيد أحزابها أو مذاهبها ، أو عشائرها ، فالتنوع في إطار الوحدة عامل قوة إذا ما أحسن استغلاله ، وإدارة الاختلاف المصاحب له .
طـرف ثالـث
وعود على بدء ، فإن الحديث عن الحرب السنية الشيعية ليس بالجديد ، فقد رافق الحرب العراقية الإيرانية ، كما رافق أزمة الرهائن الإيرانيين في أفغانستان إبان نظام طالبان .
ولا شك أن الإعلام يعتبر الطرف الثالث في هذه الفتنة ، فمن يتابع الفضائيات العربية وحوارات المتعصبين التي تنطلق منها ، يعتقد أن الشارع العربي بات مهيأ لاقتتال لا يبقي ولا يذر .
لقد شكلت التداعيات الأخيرة في العراق ولبنان واليمن تحديا كبيراً أمام الإعلام العربي الذي بدا عاجزاً عن التعاطي مع المشكلة المذهبية ، وضبط إيقاعها ، فأفرزت كثير من القنوات سموماً طائفية لا ينقصها التخبط والتعصب عوضاً عن السطحية والماضوية التي تعود بمجتمعاتنا إلى الوراء مئات السنيين .
كما شكلت هذه الأزمة تحدياً مضافاً للنخب السياسية والمثقفة ، يستوجب عليها الشروع في حوار مسئول على المستوى القومي ، والقطري ، و بحيث تتسع دائرة الحوار لتشمل المكونات السياسية والاجتماعية الفاعلة ، في إطار من المسؤولية الوطنية ، وعلى قاعدة المواطنة المتساوية بعيداً عن الإقصاء والتهميش ، مع إِشراك القوى الحقيقية المعبرة عن الجمهور ، دونما اكتفاء بحوار النخب على أهميته وضرورته .
إن الشيعة بمختلف تفرعاتها فرقة إسلامية ذات تاريخ عريق ، وقد تأسست في البلاد العربية قبل أن تصبح المذهب الرسمي للجمهورية الإيرانية ، وما يخيف حقاً أن الشيعة العرب يحسبون في الغالب على إيران بهدف تجريدهم من حقوق المواطنة ، عوضاً عن التشكيك في ولائهم لأوطانهم وعقيدتهم .. وما تزال وطنية ( حزب الله ) مطعوناً فيها من قبل البعض داخل لبنان وخارجه ، ولم تشفع له عند بعض الغلاة الدماء الزكية التي قدمها شهداء المقاومة دفاعاً عن كرامة لبنان وكل الأمة العربية والإسلامية !!
ومن لهم موقف من شيعة لبنان لا يرون في المشهد العراقي سوى أن الشيعة يستأثرون ، متناسين أن مصيبة العراقيين سواء فجماعات القتل لم توفر السنة ولا الشيعة وقلما وجهت حرابها إلى صفوف العدو الغاصب لأرض الرافدين.
انكشاف مبكر
من حق البعض التخوف على الأمن القومي العربي إذا ما استمر تصاعد القوة الإيرانية في المنطقة ، لكن المشكلة أن اختلال موازين القوى في المنطقة ليس طارئاً ، فإسرائيل تهيمن منذ خروج مصر من معادلة الصراع العربي –الإسرائيلي منتصف السبعينات ، وتفاقم اختلال الأمن القومي العربي بتورط العراق في الحرب مع إيران ، ثم مع احتلال العراق للكويت ، والاستنجاد الخليجي بأمريكا والغرب للحد من طموحات النظام العراقي في المنطقة .
ومنذ تأكيد القادة العرب على السلام في قمة بيروت 2003، كخيار استراتيجي مع العدو الصهيوني ، لم يعد مقنعاً الحديث عن أمن قومي عربي ، ويدرك العقلاء أن توحيد الصف العربي ضد إيران بدعوى الانتصار للمسلمين السنة لن يخدم في النهاية سوى المشروع الأمريكي – الصهيوني .
لقد انكشف الأمن القومي العربي مبكراً ، ما يفرض على الأنظمة العربية الحذر من مغبة الاستسلام لمخطط الفتنة ، فنجاح إيران في مسعاها النووي ليس موجهاً – بالضرورة – ضد العرب بقدر ما هو موجه ضد إسرائيل .
وقد يستفيد العرب من توازن القوى بين إيران وإسرائيل خصوصاً وأن للنظام الإيراني موقف أخلاقي ملتزم تجاه القضية الفلسطينية ، بل إن الموقف الإيراني يساعد اليوم على بلورة محور إقليمي مقاوم في مواجهة المحور الصهيو – أمريكي .
ولمحور الصمود هذا دوافعه ومبرراته المنطقية ، وتشكله ليس بالمستحيل ، فها هي أمريكا اللاتينية تفتح نوافذ الأمل ، وتبشر بتمردها على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية ، باقتراب النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب .. وعلى الأنظمة الرسمية يقع العبء الأكبر في تحديد موقع العرب في الخارطة الدولية الجديدة .. أمامها مفترق طرق ، إما الخروج من الوصاية الأمريكية ، وتعزيز الاستقلال العربي ، وإما التسليم لسياسة الفوضى الشاملة التي لن تكون خلاقة !!
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1158 مرة