جدار الصين وروسيا أمام موجة الأشقاء - حمود الأهنومي
جدار الصين وروسيا أمام موجة الأشقاء
أ.حمود الأهنومي
شكّلت الصين وروسيا في مواقفهما الأخيرة جدارا واقيا لإفشال مشروع خليجي في مجلس الأمن كان يستهدف اليمن أرضا وإنسانا واستقرارا، لقد أظهر الروس والصينيون حنكة وحرصا على الشعب اليمني وعلى استقراره كان يُفْتَرض أن يتحلى بهما الأشقاء الخليجيون ليس لمصلحة جيرانهم اليمنيين فقط ولكن أيضا لمصلحة شعوب الخليج وحكوماتها؛ حيث لن تخدم رعاية الفوضى في اليمن أيا من هذه الدول الخليجية إطلاقا، وإنما سيساهم في زعزعتها وإذكاء المشاكل والصراعات فيها.
حين ماجت موجة هروب أو تهريب السفارات الأجنبية برحيلها الكبير من صنعاء أعلن البلدان بقاء سفارتيهما، بل واستغرب الروس من مغادرة السفارات حيث لا يوجد ما يبرر ذلك الرحيل الجماعي الكبير، وإذا كان من يقف وراء هذا الرحيل قد أراد أن يكتمل مشهد الابتزاز لليمن بهذه الخطوة فإن الروس والصينين قطعوا الطريق بكل جدارة أمام هذا المخطط الذي كان ولا يزال يريد معاقبة اليمنيين؛ لأنهم نزعوا إلى حياة الحرية والاستقلال في قرارهم السيادي والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ليس هناك ما يثير الاستغراب من موقف الروس فصنعاء هي ثاني عاصمة عربية استقبلت بعثة سفارة موسكو عام 1928م، وتنامت العلاقة قوية بين الشعبين الروسي واليمني، واحتفظ الروس واليمنيون بذكريات حسنة عن بعضهما وتذكّروها كلما جرت دماء جديدة في جسم هذه العلاقة، وما يميز الروس عن غيرهم من البلدان أنهم دائما يستجيبون مبكرا للتغيرات الجارية في الشعوب، ولديهم مراكز بحوث متخصصة في الاستشعار السريع لتلك التغيرات واتجاهاتها، ولديهم القدرة الكافية في التكيف السريع بحسب المناخات الجديدة فيها، ليعيدوا استراتيجياتهم على ضوئها بما يخدم مصالح الجميع. وقد قدمت وفود روسية في الفترة الأخيرة إلى اليمن لتطلع عن كثب على الحراك الاجتماعي والشعبي الذي تفاعل بشكل دراماتيكي فيها.
وإذا كانت روسيا قد تصدّت للغرب في مواطن كثيرة من العالم من أوكرانيا مرورا بالبرنامج النووي الإيراني إلى سوريا، فإنها ضمن استراتيجيتها وعقيدتها العسكرية التي أعلن عنها بوتين قبل شهور - لا ترى حرجا في أن تقف مواقف أقوى من موقف الرفض لمشروع قرار متهور كان سيصدر بحق اليمن، إنهم يتناقضون إلى حد بعيد مع سياسة الغرب وحلفائه في المنطقة، ولا يمكن لروسيا القوية أن تكون جزءا من عملية ترويض القوى الثورية الفتية في اليمن لإعادتها إلى حظيرة بيت الطاعة الإقليمية بعد أن نضج اليمنيون من تلقاء أنفسهم لينفضوا عن وطنهم ظلال الوصاية التاريخية التي فرضتها الأموال والولاءات المترتبة عليها.
بالنسبة للصين فهي تريد النأي بنفسها حتى لا تتضرر مصالحها الاقتصادية والتي جعلت من الشرق الأوسط أسواقا مهمة لتصريف البضائع والمنتجات، وهي ليست مستعدة أن تتخلى عن هذه المصالح الموجودة من أجل سواد عيون الخليجيين، وطالما اعتمدت سياسات متوازنة في الصراعات العالمية.
من المحتمل استمرار التأييد الروسي بشكل أكبر لا سيما وهو يقرأ جيوسياسية المنطقة واليمن من منظار المتوجس القلق الذي مرن على مكائد الغرب وحلفائهم في المنطقة، ويجب على اليمنيين استثمار هذا التأييد الروسي لحقهم المشروع في ما يخدم اليمن، كما ينبغي البحث في آفاق تطوير هذا التأييد وترجمته إلى علاقات حضارية شاملة تخدم مشروع التطوير والتحديث لليمن وفي مقدمتها العلاقات الاقتصادية.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1831 مرة