مفاوضات العدوان وزمام المبادرة .. بقلم ....عبد الله هاشم السياني
مفاوضات العدوان وزمام المبادرة
بقلم أ. عبد الله هاشم السياني*
بعد سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء تم التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة بين أنصار الله والقوى السياسية اليمنية برعاية ممثل الأمم المتحدة وترحيب مجلس التعاون ومجلس وزراء السعودية والدول العشر الراعية للعملية السياسية وعلى رأسهم امريكا. بدا أمر التوقيع انه قبول بالأمر الواقع ومحاولة لبقاء القوى السياسية اليمنية شريكة في ترتيب انتقال السلطة واقرار الدستور بحيث لا تنفرد حركة أنصار الله بحكم اليمن وتحدد هوية نظامه السياسي وهذا ما كانت تأمل الدول العشر في تحقيقه في ضوء ضعف القوى السياسية الأخرى وعلى رأسها أمريكا والسعودية.
خلال تلك الفترة التي أعقبت توقيع اتفاق السلم والشراكة حاولت الدول الراعية للعملية السياسية الالتفاف على هذ الاتفاق والدفع بالرئيس هادي والأحزاب السياسية وفي مقدمتها حزب الإصلاح بالإسراع في إقرار الدستور وتقسيم اليمن الى أقاليم وفرض ذلك كأمر واقع على أنصار الله بدعم القوى الدولية وهنا تحرك أنصار الله وأفشلوا هذه الخطوات بسلطة الأمر الواقع.
شعرت أمريكا والسعودية بالذات أن سلطة الأمر الواقع لأنصار الله على السلطة في اليمن وخطوات العملية السياسية لم يعد بالإمكان تجاوزها ولا بد من التفكير مجددا في كيفية الانقلاب على هذه الحركة.
ولم يكن أمامها سوى القوى السياسية التي فقدت مصادر قوتها والرئيس هادي الذي فقد ايضا قراره السياسي قوته وفاعليته لاستخدامها كأدوات رسمية للانقلاب على الحوثيين وعليه تم التخطيط لإخراج هادي وتهريبه من صنعاء الى عدن حيث لا سلطة هناك للحوثيين ومن هناك يدير هادي اليمن كرئيس شرعي مع حكومة بحاح بدعم دولي وإقليمي ويتم التعامل مع الحوثيين كحركة انقلابية متمردة ومع صنعاء كمدينة محتلة.
سارعت حركة أنصار الله (الحوثيين) الى السيطرة عسكريا على عدن بعد وصول هادي اليها ونقل الدول الراعية سفاراتها وبعد اتضاح مخطط تلك الدول التآمري، وهذا مالم تكن أمريكا والسعودية تتوقع وقوعه ونجاحه، وهنا لم يكن أمام أمريكا والسعودية سوى اللجوء إلى خيارهما الأخير في خطتهما، وهو شن حرب شاملة على اليمن تستهدف كل مقومات الدولة اليمنية التي يمكن لأنصار الله والجيش من الاستفادة منها في رد العدوان والتركيز على تدمير المطارات المدنية والطائرات الحربية والدفاع الجوي وكل معسكرات الجيش والأمن ومخازن الأسلحة وقصف كل مقومات الدولة والمجتمع من مباني ومستشفيات وطرق وجسور ومصانع ومدارس ... إلخ، كل ذلك حتى تقضي على حركة أنصار الله وتتيح للقوى اليمنية الأخرى كحزب الإصلاح والقاعدة المؤيدة للعدوان من السيطرة على اليمن والإمساك بزمام المبادرة من جديد.
بعد مضي أربعة أشهر على العدوان الشامل الذي دمر كل شيء في اليمن لم تستطع دول التحالف تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة أو غير المعلنة، ومع تعدد المبادرات الداعية لإيقاف العدوان إلا أن السعودية القائدة لهذا التحالف كانت غير قادرة على القبول بأي من المبادرات أو حتى القبول بهدنة حقيقية كونها لا تملك أي ورقة سياسية أو تواجد على الأرض يمكن الاعتماد والركون عليه في مفاوضاتها رغم شعورها بضرورة خروجها من هذه الورطة التي وقعت فيها، وبهذا الوضع دخلت دول العدوان في طريق مسدود فلا هي تستطيع إيقاف العدوان ولم يعد من صالحها الاستمرار فيه ولا هي جاهزة للدخول في المفاوضات.
في يوم توقيع الاتفاق النووي الإيراني التي كانت دول الخليج والسعودية بالذات تحسب له ألف حساب كانت السعودية وتحالفها قد عملت وجهزت وخططت لهجوم على مدينة عدن تقوده الإمارات في نفس اليوم، على أمل أن تحقق إنجازا عسكريا امام مواطنيها الذين سيتلقون اخبار النجاح الاستراتيجي لإيران.
ولكي تقول إنها قادرة أن تحقق نصرا في عاصفتها التي أعلنت في اول أيامها انها لمنع المشروع الإيراني من التواجد والتمدد في اليمن والجزيرة ولتخرج من الإحراج العالمي الذي يتهمها بعدم القدرة على خوض معركة برية في الأراضي اليمنية.
ويبدو أن الإمارات كان لها الدور الأساسي في التمهيد للإنزال البري عبر ميناء الزيت في عدن وفي اختيار نوعية الآليات والمدرعات والدبابات والأسلحة الحديثة لهذه العملية العسكرية التي وصلت اعدادها بالمئات بعد عمل استخباراتي نوعي شاركت فيه أجهزة أجنبية، وقد ساعد على اختراق تلك القوات لعدن حالة الاسترخاء التي كانت تعيشه اللجان الشعبية وقوات الجيش ومنح أعداد كبيرة منهم إجازة العيد، إلى جانب الدور الكبير للطيران السعودي الذي قام به في نفس اليوم بمئات الطلعات على مواقع اللجان والجيش اليمني، وقصف مواقعهم وأماكن تواجدهم وقام بتمشيط أرض المعركة بطريقة غير مسبوقة، بإعانة البوارج العسكرية من البحر التي كانت تلاحق صواريخها بكثافة نيران عناصر اللجان والقوات المسلحة على مستوى الأفراد، وكان لتنسيق قوات التحالف مع المجاميع المسلحة من تنظيم القاعدة وداعش والحراك وضمها إلى قواته قد وفر للقوات الغازية سهولة التحرك على الأرض ومقاتلين عقائديين بين صفوفها كل ذلك منح السعودية والتحالف الإنجاز العسكري الأول الذي كانت تسعى لتحقيقه
بعد تمدد قوات التحالف بالتعاون مع مجاميع القوى الجنوبية في محيط عدن ووصولها إلى قاعدة العند الجوية وتوجهها نحو محافظة أبين شعر تحالف العدوان بانه قد حقق نصرا كبيراً في عدوانه على اليمن، وفتح لوسائل إعلامه الضخمة بأن تعلن أنها ماضية في معركتها البرية حتى تحرر صنعاء العاصمة وتخرج الحوثيين منها في حين ان عدن نفسها لازالت غير خاضعة لأي قوة موحدة تحت قيادة واحدة، وأنها في الظاهر خاضعة لقوات التحالف ومن معها عسكرياً إلا أنها من الناحية الإدارية والأمنية ليست خاضعة لتلك القوات؛ ولذلك لم تستطع السعودية بعد مرور أكثر من أسبوعين من الوفاء بوعدها في إرجاع الرئيس هادي وحكومة بحاح إلى عدن وممارسة سلطاتهم الرسمية منها. في حين أن حركة أنصار الله والجيش والأمن اليمني يسيطران على معظم المحافظات اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء عسكريا وأمنيا وإداريا ويشرفان على تسيير وظائف الدولة في جميع مؤسساتها.
ومن الصعوبة بمكان بل من الاستحالة أن تحقق قوات التحالف أي نجاح عسكري خارج حدود المحافظات الجنوبية سواء في تعز أو في مآرب لأسباب عديدة أهمها أن هذه المحافظات ليس لديها حافز الانفصال الذي كان أهم عامل في تعاون سكان عدن مع قوات التحالف الغازية، وهذا يعني أن القوى اليمنية التي تواجه العدوان السعودي لازالت تمسك بزمام المبادرة في اليمن رغم تواجد قوات التحالف في عدن ومحيطها والتي تراه قوات التحالف ومن معها نصرا كبيرا.
وهكذا يبدو المشهد اليمني حيث دول التحالف تآمرت على أنصار الله الممثل لثورة ٢١ سبتمبر التي انطوت تحتها المحافظات الشمالية الزيدية والشافعية والتي أرادت سياسيا عدم إعطاء هذه الحركة أي دور رئيسي في العملية السياسية في البداية، ثم تراجعت وعملت على أن لا تكون هذه الحركة صاحبة الدور الرئيس في العملية السياسية. ثم لما عجزت قررت محو هذه الحركة من الخارطة السياسية من خلال عدوانها الشامل على اليمن، ولما فشلت في ذلك ها هي تقبل الحوار وتعترف بها كمكون رئيس وتعمل في نفس الوقت على إرجاع الإخوان والحراك والمؤتمر الشعبي الى المشاركة السياسية.
ولعلها في المفاوضات تحقق من جديد مالم تحققه بالعدوان مستغلة انفتاح ايران على الحوار في المنطقة وعلى غزوها البري لعدن والمحافظات الجنوبية، ورغبة العالم على تسوية شاملة لبؤر التوتر في المنطقة (سوريا اليمن العراق ليبيا)، ولكن زمام المبادرة لازال في أيدي أنصار الله الذي لا يمكن من بعد الآن تغييره، والعالم كما أسلفت قد قرر وقف العدوان والبحث عن حل لما يحدث في اليمن وليس أمام السعودية ومن معها إلا القبول بالواقع أو تنتظر لتغيير محتمل في موقف إيران إذا ما فشلت المفاوضات ولدخول أقدامها في مستنقع اليمن وإلى أجل غير مسمى.
*رئيس مركز الرائد للدراسات والبحوث - صنعاء
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1465 مرة