توتشكا .. غضب الله على القوم (المريّشين*) .. بقلم حمود عبدالله الأهنومي
توتشكا .. غضب الله على القوم (المريّشين*) .. بقلم حمود عبدالله الأهنومي
دخل الغزاة الخلايجة في سرداب أحزانهم ومآتمهم التي سوف لن تنتهي إلا بانتهاء عدوانهم على اليمن تماما، بعد عاصفة التوتشكا الموفّقة والمسدّدة برمي الله، الذي لا تخطئ مراميه، وما هذه الهبة الانتقامية لطيرانهم ضد مواطني اليمن الميمون إلا دمعة المستكبر الممرّغة أنفه.
لقد كان حظ ذلك التوتشكا عظيما؛ فبدلا من أن يكتفي بما أعلنه العدو الغازي من خسائره البشرية، والتي وصلت إلى 60 صريعا، عدا العدد الحقيقي من صرعاه، والذي يحاول التغطية على حقيقته، وبلغ حوالي الثلاثمائة قتيلا، ضم إلى ذلك خسائر مادية باهظة وكثيرة ومكلفة، فهناك مخازن من الذخيرة والأسلحة، وطائرتا أباتشي، وثلاث منصات صواريخ، وعدد جيد من المدرعات والآليات، بما يشير إلى أن هذا الصاروخ المعجزة في تاريخ الصواريخ لم يكن إلا صاروخا هيأه الله وسدد به رمية عباده المجاهدين، بحيث يوقن أي متأمِّل أن نتائجه لم تكن نتائج طبيعية بل كان هناك تدخلا إلهيا لمّح إلى نصرٍ قريبٍ وظفرٍ موعودٍ، ونكالٍ شديدٍ غير بعيد عن القوم الباغين الغازين.
وإذا كان الغزاة الخلايجة قد أغراهم الانسحاب من بعض محافظات الجنوب، فمدوا حبل أطماعهم إلى محافظة مأرب ثم إلى صنعاء فإن هذا الصاروخ قد قطع حبل هذه الأطماع ولو إلى حين، وتناولهم بصعقة دامية رفستهم إلى أسفل سافلين، وأخرجتهم من سكرتهم الجنوبية التي كانوا فيها يعمهون، ويعجبني قول فتحي بن لزرق، وهو يتوجّع للصرعى الإماراتيين، ويتبرّم من إخوته الأبطال اليمنيين الذين تنكّر لبأسهم الشديد، فقال عنهم: "إنهم قوم لا يُقْدَرُ عليهم".
بصدق أقول: أعاد المعجزة توتشكا ضبط الوهم الخليجي المستكبر على معيار الواقع اليمني العصي، فظهرت أصوات خليجية تنادي بالخروج من هذا المستنقع الدامي، ولم تخل النائحة عن بيت من بيوت تلك الإمارات المنتفخة بأوداج الاستعلاء الممقوت، والمال المدنّس، والمتلطخة بفنادق العهر، وقنوات الرذيلة والفحشاء، والمستعلية بالعظمة الزائفة، والوهم المغرور، لقد سمع كل العالمين نواحهم ورأى بكاءهم، ونقلت مراثي المتملقين إياهم تلك القنواتُ الشيطانية التي طالما حجبت مجازرهم وضحاياهم بحق اليمنيين أطفالا ونساء ومدنيين.
آن النصر لليمنيين، وآن لهم أن يروا عدوهم المجرم القاتل والمستعلي بالمال والوهم الخادع وهو يبكي أوهامه ندما، يندب حظه العاثر، ويرثي أمله التعيس، وإن كان هناك من دلالة لهذا الحدث وهو يشكل منعطفا حاسما في ثنايا هذه الحرب الفاجرة ضد اليمن والإنسان فيه، فإنها شهادة العالم جميعا أننا نحن اليمانيين الأباة الأحرار قتلنا غزاة محتلين جاؤوا ينتهكون حرمة أرضنا، ويدنّسون طهارة ترابنا، بعد أن ظلوا دهرا يفتكون بأبنائنا ونسائنا، ويدمرون كل شيء في حياتنا، ويعبثون بكل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فهل نحن في هذا يا بني آدم من الظالمين.
طالت أوهام هؤلاء الغزاة الخلايجة بطول ليل ظلمهم لشعبنا، وقبُحت بقبح الصمت العالمي المزري عن جرائمهم، وانتفخت أوداجهم بعروق النفط اللئيم، وأعطوا أنفسهم مظهرا خادعا خاطوه من وهْمِ أنهم قوى عظمى تتبختر بأموالها، وتشمخرُّ بنفوذها، فقتلها هذا الوهم الخادع، وأسلمها هذا الانتفاخ القاتل إلى سوء المصير وسهول اليمن الفاتكة، وجباله الشامخة، حيث الموت يترصّدهم في كل منعطف، والخطف يستقبلهم من الصديق قبل العدو، بغزوهم وعدوانهم أثبتوا أنهم أعداء لهذا الشعب كل الشعب، ولهذا يريدون قتله وحصاره حتى من ثرواته الطبيعية والتي طالما سلبوه القرار السيادي الذي يمكِّنه من التنقيب عليها بما يعين مواطنيه على العيش الكريم والرفاه المطلوب. إنهم يريدون أن ينتزعوا منه مأرب والجوف حيث تختزن هذه الأرض عطاء الله المخزون، لعباده أهل اليمن الميمون، بالإضافة إلى حصارهم إياهم برا وبحرا وجوا ليتسنى لهم قتله وإهانته.
غير أن اليمني الحر الكريم استطاع أن يقلب المعادلة رأسا على عقب، حين وجّه عاصفة القصاص العادل، العاصفة التوتشكية تجاه قتلة الأطفال والنساء من الغزاة المحتلين، ودل بذلك على قدرته الفائقة ومهارته المبهِرة في تلقينهم أول درس من دروس المجد والعزة والكرامة، على أن الأيام القادمة تشكل كوابيس مظلمة في وجوههم، وأياما سوداء في تاريخهم، كما دلت هذه العاصفة على أن بيد اليمني الذي يقاتل على أرضيته الثابتة والمتماسكة - مفاتيح النصر، وزمام المشهد، وريشة القدَر الذي يرسم النصر المبين، إنه اليمني العظيم الذي طالما دوّخ الغزاة المحتلين وأذاقهم سوء العذاب.
يراهن هؤلاء الغزاة الحمقى على بريق أموالهم حيث تتصوّر عقلياتهم المتكلّسة أن بإمكانهم شراء بعض القيادات القبلية والعسكرية لتسهيل مهمة تقدُّم قواتهم الغازية في عمق اليمن وصولا إلى عاصمته المحروسة، وهو رهان خاسر، وقمار بائر، وتفكير ضحل، حيث لم يعد النظام القبلي بتلك البنيوية التي كانت سائدة، فقد أصبح شيخ القبيلة منتميا لله أولا ثم لوطنه ثانيا، يرفض الإهانة والعمالة لغير الله، كما بات ابن القبيلة حرا في تفكيره، لا يرتبط بشيخه إلا بقدر مصالحه، ويما يتناسب مع اتجاهاته وميوله التي يسطِّرها اليوم في ميادين التضحية والفداء في شرق اليمن وغربه وشماله وجنوبه، وفي حالة وجود قلة قليلة من المرتزقة المؤدلجين فإنهم ظهروا اليوم مكشوفين أمام الرأي العام منبوذين بالعمالة والخيانة، ليس لهم قرار مكين، ولا رأي مسموع ولا رصين.
لم يعد أبناء شعبنا اليوم بحاجة إلى التذكير بمعاناتهم من قوى الخلايجة ومطاردتهم لهم في السهل والجبل وهم يبحثون عن أرزاقهم وأرزاق أولادهم وامتهانهم لآدميتهم وكرامتهم، بدون مراعاة لحق الإسلام وحق الجوار ولا حتى حق الإنسانية، وليسوا أيضا بحاجة للتذكير بأن أولئك المعتدين وراء كل مشاكلنا وآلامنا وفقرنا وحاجتنا حيث منعوا دولتنا من استخراج ثرواتنا التي تساعدنا على العيش الكريم، أما أن يأتي هؤلاء المستكبرون علينا والعملاء العبيد لإخوان القردة فإن مقاومتهم والجهاد ضدهم يعد من أوجب الواجبات في وعي كل يمني حر وشريف، وظهر باديا للعيان استبشار اليمنيين واحتفاؤهم بنتائج العاصفة التوتشكية اليمانية، التي لم تعكِّر صفوها غاراتهم الكثيفة والوحشية والتي دوما تستهدف المدنيين والأطفال والنساء في بيوتهم وهم آمنون.
أبالسة الخليج ومستكبروه مغرورون بأموالهم وعدتهم وعتادهم، ونحن واثقون بنصر الله لنا كوننا مظلومين بغوا علينا ودنّسوا أرضنا وقتلوا أهلنا، وميّزنا الله بالشجاعة والقوة والعزيمة الصادقة وبالرجال ذوي البأس الشديد، وبتاريخ حافل بالحرية والاستقلال وإذاقة الأجنبي سوء النكال وجحيم الوبال، وهذه الأعداد التي يعلنون عنها يوما بعد آخر ما هي إلا هدية الله التي ساقها إلى أبناء القبائل الأشاوس ليقتلوا منها فريقا، ويأسروا آخرين، وفي كلٍّ من قتلهم وأسرهم خير ساقه الله إلينا للاقتصاص منهم كما أذن الله تعالى.
إن الضرب بيد من توتشكا وإسكود ولونا وإخوتهم أصبح أمرا لازما وضروريا، وتحتِّمه ضرورة المرحلة الحساسة، ومن الأمور التي وحّدت اليمنيين جميعا ورفعت من معنوياتهم، فالشعب لا يحترم إلا قياداته القوية ومجاهديه الأبطال العظماء الذين يثخنون في العدو، ويمرغون أنفه المتسخة والوارمة بالكبر والعنجهية في ترابه الطاهر العفيف، ولا مناص عن الحفاظ على هذا المزاج الشعبي الثائر إلا بتكرار هذه العواصف القوية والدروس المجلِّية والتي تعطي دروسا استراتيجية في كل اتجاه، لكل من يريد أن يفهم، وبات واضحا أن التمسكن والتضعُّف لا يجدي لدى القوم الباغين المستكبرين؛ و(إذا غضب الله على موزة ريّشت).
--
*يقال في لهجة أهل اليمن ريّش إذا نبت له ريش، وهو مثل لمن تعاطى فعلا أكبر منه، فيقال له: مريّش.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1340 مرة