اليمن.. معجزة الصمود....بقلم/عبدالرحمن راجح
بعد أربع سنوات من العدوان السعودي على اليمن اليوم هناك سؤال مهم يطرحه الجميع وهو كيف استطاع اليمنيون الصمود بهذا الشكل؟
أمضى العدوان السعودي الإماراتي ومن تحالف معهم ضد اليمن عامه الرابع وسيدخل يوم الثلاثاء الموافق 26 مارس عامه الخامس. عدواناً حضي بدعم أمريكي وغربي وإسرائيلي غير مسبوق وتم فيه استخدام جميع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية وحضي العدوان بدعم سياسي وحقوقي وإعلامي هائل، لكن اليوم وبعد أربعة أعوام من العدوان والحصار المفروض على البلاد لا يختلف اثنان بأن اليمنيون صنعوا معجزة واستطاعوا أن يفشلوا هذه الحرب الكونية وأن يدخلوا السعودية ومن معها في مستنقع كبير ابتلع أموالهم ورجالهم وشوه وجوههم داخلياً وخارجياً ونقل الحرب من داخل اليمن إلى العمق السعودي والإماراتي، وأصبح للحرب تداعياتها في قلب واشنطن وعواصم الدول الأوروبية.
ولكي ندرك هذه المعجزة التي صنعها اليمنيون فلا بد لنا أولاً الإشارة إلى الوضع الذي كانت اليمن تعيشه قبل العدوان والأهداف التي رسمتها السعودية لحربها. فالوضع الذي كانت تعيشه اليمن قبل العدوان بدون شك أغرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان يتطلع لكرسي العرش في بلاده ويخوض صراعا سياسيا مع أبناء عمومته إلى شن الحرب حيث اعتقد أن حربا لأسابيع سوف تمكنه من قبضة اليمن ويخرج منتصراً في حرب قصيرة يستطيع من خلالها الترويج لنفسه والظهور بمظهر البطل القومي السعودي داخل المملكة وخارجها وأنه الأجدر بحكم السعودية عن باقي أبناء عمومته.
فاليمن في تلك الفترة كانت تعيش انهيارا تاما للدولة ومؤسساتها الحكومية وكان الجيش اليمني قد تلاشى وانتهى بسبب سياسة الفوضى التي نفذتها الرياض وواشنطن في اليمن في عهد الملك عبدالله خلال ما سُمّي بالمبادرة الخليجية.
الجماعات الارهابية التي صنعتها الفوضى كانت تسيطر على العديد من المناطق والاغتيالات السياسية والامنية لا تتوقف وبلغ عدد قتلى الاغتيالات المئات اكثرهم من افراد الجيش واساتذة الجامعات والشخصيات الوطنية التي كانت محسوبة على حركة أنصارالله في ذلك الوقت كما لحق الأذى بالشعب والمواطنين وتم استهداف المساجد في صنعاء والجوف وصعدة وراح ضحيتها المئات. كما أن العديد من المناطق كانت تشهد حروبا بصبغة قبلية حاولت السعودية إثارتها من أجل إضعاف حركة أنصارالله الصاعدة وتحجيم تمددها في ذلك الوقت.
المشهد السياسي أيضا كان منهارا وملتبسا ومتأزما والاختلافات والصراعات بين القوى السياسية الحاكمة بعد ثورة فبراير عام 2011 على أشدها ما شكل انهيار تام للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وفي ظل الأوضاع الملتبسة والوضع المنهار ومع انتصار ثورة 21 سبتمبر الذي قادتها حركة أنصارالله ومثلت طرف ثالث للأزمة وما نتج عن تلك الأحداث من فرار الجنرال الأحمر ومن معه وما تلاها من تحولات سياسية وعسكرية أدت في نهاية المطاف إلى استقالة هادي ثم فراره الى عدن، عجلت على ما يبدو بالتدخل السعودي الامريكي المباشر في اليمن حيث كانت الرياض وواشنطن تعتقد أن باستطاعتها من خلال التدخل العسكري المباشر حسم الوضع خلال أسابيع أو أيام نظرا للانقسامات والحالة الصعبة التي يعيشها اليمن وانهيار الجيش والقوى الامنية وكذلك التحاق العديد من القيادات السياسية والعسكرية والقبلية بالرياض
ومن هذا المنطلق اعتقدت الرياض ان الحرب لن تستغرق اسابيع او شهر واحد وأنها بغاراتها الجوية والدقيقة التي تقودها وتشرف عليها واشنطن سوف تستطيع تحييد قوات أنصارالله العسكرية ومن تبقى من الجيش ثم الضغط عليهم لتسليم صنعاء ومن ثم عودة هادي ومن معه من المسؤولين والعسكريين الذين فروا إلى الرياض إلى صنعاء وعودة حكم السعودية على اليمن ولكن بشكل أقوى وأبرز عما كان سابقا.
وقد استندت السعودية في عدوانها على تحشيد طائفي وضخ إعلامي وأكاذيب وشائعات روجت لها في إمبراطوريتها الإعلامية بهدف إيجاد انشقاقات دينية وسياسية وشعبية في اليمن وصنعت المبررات الدينية والسياسية والقومية لهذه الحرب وعملت على شراء الذمم والمواقف السياسية للدول والافراد إبتداءاً من مجلس الامن والشخصيات السياسية والشركات حتى مشائخ القبائل والافراد داخل البلاد. وبدأت السعودية الحرب بضربات قوية وتدمير غير مسبوق وقتل المئات في مجازر لم تشهدها اليمن طيلة تاريخها في مسعى منها لادخال الرعب في قلوب اليمنيين والإستسلام في أسرع وقت. وتخلت السعودية عن أي التزام أخلاقي فاستهدفت الطرق والمصانع والمدارس والمساجد المستشفيات والمساكن وصالات الأعراس والاجتماعات وكل شيء يتحرك، كما فرضت حصارا مطبقا جوا وبحرا وارضا واسقطت مئات الآف من الصواريخ والقذائف ولم تترك سلاحاً إلا واستخدمته.
ومع اشتداد الحرب ودخولها أشهر وسنوات أدرك الجميع أن السعودية دخلت مستنقعا كبيرا في اليمن حيث واجه التصعيد السعودي المدعوم من أكثر من 22 بلدا ثبات وصمود أسطوري قل نظير وأثبت عامل الوقت والزمان أن التصورات الاولية للحرب كانت خاطئة وحتى التوغل الذي حصلت عليه السعودية في الجنوب والمناطق الشرقية لم يكن انتصارا ذو أهمية كبيرة أو عامل مهم في اخضاع اليمنيين وتسليمهم للسعودية بل أن حتى هذه المناطق أصبحت عاله كبيرة على السعودية من خلال الضخ المالي الذي تدفعه الرياض وابوظبي لشراء الولاءات وصناعة جيوش وجماعات أكبر عددا حتى من جيوشها الوطنية أضف الى ذلك الاختلافات والصراع بين هذه الجماعات.
ومع صمود اليمنيين وثباتهم وامتصاصهم للضربات الأولى بدا الرد اليمني يثبت جدارته من خلال استنزاف الثور السعودي الهائج أولا وثانيا تطوير القدرات واستيعاب الحرب من خلال التصعيد في الحدود السعودية وتطوير القدرات العسكرية واستطاعت الصواريخ اليمنية أن تصل إلى جميع المدن السعودية وأن تستهدف قصر الملك ووزارة الدفاع كما تطورت القدرات لاحقا واستطاعت الطائرات المسيرة الوصول إلى مطارات العدوان في الرياض وأبوظبي.
أما في الجبهات الداخلية والحدود فقد صنع المقاتل اليمني الحافي معجزة لا يتصورها أحد وواجه الآلة العسكرية الأمريكية ودمر الدبابات والمدرعات بوسائل بسيطة واستطاع أن يدحر آلاف الجنود والمرتزقة الذين تم تجميعهم من مختلف أنحاء العالم وصمد بدون غطاء جوي امام مئات الالاف من الضربات العسكرية التي كانت تتجاوز المئتين غارة في ساعات محدودة على بعض الجبهات.
الشارع اليمني الذي عانى هو الآخر من أكبر أزمة إنسانية وتجويع ممنهج وانعدام لأبسط مقومات الحياة وانهيار تام للنظام الصحي والتعليمي أستطاع الصمود ودعم الجبهات بالمال والرجال وضرب مثلاً لا يتصوره الكثير في الباس والشدة والصبر والمثابرة والإصرار على هزيمة السعودية.
ومن خلال المعطيات يتضح جلياً أن الصمود والثبات اليمني استطاع إفشال العدوان و إدخاله في دوامة من التناقضات والأزمات الداخلية والخارجية ويعد بقاء اليمن واستمرار الحرب لخمس سنوات في حد ذاته انتصاراً ساحقا للقوى اليمنية المناهضة للعدوان، الذي كان يتوقع الكثير سقوطها خلال أسابيع أو أشهر كما أن الأهداف السعودية المعلنة المتمثلة في إعادة اليمن كحضيرة خلفية وكذلك تدمير القدرات العسكرية والصاروخية لحركة أنصارالله والجيش اليمني هي أيضا فشلت فشلا ذريعا وقد شاهدنا أن القدرات الصاروخية العسكرية تطورت بل أن السعودية أصبحت تشتكي منها ومن تطورها كما أن حركة أنصارالله اليوم أصبحت أقوى بألف مرة من حيث التنظيم والتسليح والاستعداد والسياسة من الفترة التي انطلق فيها العدوان قبل أربع سنوات أضف إلى ذلك أن السعودية لازالت تأكل ضربات موجعة بشكل يومي في حدودها وأصبحت الجبهة الحدودية جبهة استنزاف عسكري ومالي للنظام السعودية.
هذا كما استطاعت القوى المناهضة للعدوان في صنعاء ترتيب أوضاعها وتجاوز أكثر العقبات والفتن التي صنعهتا السعودية في الداخل وتجاوز المجلس السياسي العديد من الجبهات الداخلية وأصبح أقوى الآن في مواجهة العدوان.
أوضاع السعودية والإمارات في المناطق التي يسيطرون عليها في الجنوب والشرق أيضا ليست جيدة وهي دليل وأضح على فشل هذه الدولتين حيث ارتفعت الأصوات المطالبة بإخراجهم واتخذ الحراك الشعبي الرافض لتواجد هذه الدول في الآونة الأخيرة طرق وأساليب متعددة خاصة في محافظة المهرة التي تطمع السعودية السيطرة عليها كما تصاعدت الانتقادات والاختلافات بين المرتزقة على الأرض والتحالف السعودي الإماراتي وبات العديد من مؤيدي العدوان سابقا ينتقدونه اليوم ويشنون حملات ضده تطالبه بالرحيل وترك اليمن ويحملونه كل المصائب والمآسي والكوارث الحاصلة. وأصبحت الانشقاقات والاتهامات والاختلافات والصراعات تحيط بالتحالف السعودي من الداخل والخارج.
ولقراءة مجريات الاحداث وتسلسلها منذ بدء العدوان حتى اليوم نستخلص ان السعودية اليوم تعيش ضعفا شديدا في حربها على اليمن وان هزيمتها اصبحت موكدة خاصة مع التطورات الحاصلة في الداخل الامريكي والموقف الامريكي والغربي المتحول تجاه بن سلمان فبعد أربع سنوات حرب وحصار يجمع العديد من المحللين على فشل السعودية وعدم استطاعتها في فرض إرادتها وأهدافها على اليمنيين في المستقبل ويعتبرون صمود اليمنيين في وجه العدوان معجزة القرن الجديدة.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 838 مرة