اليوم الذي دخل فيه اليمنيون الإسلام من أيام الله التي ينبغي التذكير بها..............بقلم / حمود عبدالله الأهنومي
اليوم الذي دخل فيه اليمنيون الإسلام من أيام الله التي ينبغي التذكير بها
بقلم / حمود عبدالله الأهنومي
يقولُ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم5.
سأل أحد الإخوان أعزهم الله وأكرمهم: (ما هـي أيامُ الله في هـذه الآية؟ ومـا دلالة إضافتها إليه سبحانه؟ مـا هي أيام الله التي كانت في وقت موسى وبني إسرائيل؟ مـا هي الأَيَّـام التي كانت أو ستكون مع خاتم الأنبياء وأمته؟ هـل الخطاب محصور أو مقصور على موسى وبني إسـرائيل؟ كيف نفهم خطاب الله تعالى فهما منسجماً مع خطاب القرآن العالمي المتجاوز لحدود كُلّ زمان ومكان؟)
حاولت قدر جهدي الضعيف وبضاعتي القليلة أن أجيب فقلت: (أيام الله) هي الأَيَّـام التي ظهر فيها أمر الله على كُلّ أمر، وتجلت قدرته بحيث لم تظهر معها قدرة لغيره، وانتصر فيها نوره على كُلّ ظلمة، وقد قالت العرب: يوم بني تميم، ويوم عبس، ووو لليوم الذي انتصروا فيه على عدوهم، وظهرت كلمتهم، فكل يوم يكون فيه التأثير الكامل لله تعالى ومن أجله وفي سبيله نعمة أو نصرا على عدو أو تدميرا لمناوئ يعتبر من أيام الله التي ينبغي التذكير بها.
قال في الميزان: “و نسبة أيام خاصة إلى الله سبحانه مع كون جميع الأَيَّـام وَكل الأشياء له تعالى ليست إلا لظهور أمره تعالى فيها ظهورا لا يبقى معه لغيره ظهور، فهي الأزمنة وَالظروف التي ظهرت أو سيظهر فيها أمره تعالى وَآيات وحدانيته وَسلطنته كيوم الموت الذي يظهر فيه سلطان الآخرة وَتسقط فيه الأسباب الدنيوية عن التأثير، وَيوم القيامة الذي لا يملك فيه نفس لنفس شيئا وَالأمر يومئذ لله، وَكالأَيَّـام التي أهلك الله فيها قوم نوح وَعاد وَثمود فإن هذه وَأمثالها أيام ظهر فيها الغلبة وَالقهر الإلهيان وَأن العزة لله جميعا.
وَيمكن أن يكون منها أيام ظهرت فيها النعم الإلهية ظهورا ليس فيه لغيره تعالى صنع كيوم خروج نوح (عليه السلام) وَأصحابه من السفينة بسلام من الله وَبركات وَيوم إنجاء إبراهيم من النار وَغيرهما فإنها أَيْضاً كسوابقها لا نسبة لها في الحقيقة إلى غيره تعالى فهي أيام الله منسوبة إليه كما ينسب الأَيَّـام إلى الأمم وَالأقوام وَمنه أيام العرب كيوم ذي قار وَيوم فجار وَيوم بغاث وَغير ذلك”.
ومن دون شك فإن اليوم الذي دخل فيه اليمنيون الإسلام يوم من أيام الله التي ينبغي التذكير بها؛ إذ كان نصراً لله ومنه تعالى، وكان نعمة أنعم الله بها على آبائنا، وهي نعمة تستوجب الشكر له تعالى؛ ولهذا لما بلغ رسول الله إسلام همدان سجد لله شكرا، وقال: (السلام على همدان) ثلاثاً.
وكل الأَيَّـام التي يكون شأنها ذلك الشأن وأمرها ذلك الأمر فهي من أيام الله التي ينبغي التذكير بها.
ولعل من أيام الله التي أمر موسى عليه السلام بالتذكير بها ما ورد بعد ذلك من تذكيره سلام الله عليه لقومه بنجاتهم وتهيئة الأسباب التي يسرها الله لهم، والفوز والنصر لهم على عدوهم، قال في التحرير والتنوير: “فإن ذلك كله مما أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهمُوه، وكله يصح أن يكون تفسيراً لمضمون الإرسال؛ لأن إرسالَ موسى عليه السلام ممتدّ زمنه، وكلما أوحى الله إليه بتذكيرٍ في مدة حياته فهو من مضمون الإرسال الذي جاء به فهو مشمول لتفسير الإرسال”.
تأمل هذه الآيات التي أعقبت الآية السابقة والتي ذكّرت بالقوة الحقيقية لله في صناعة تلك الأَيَّـام التي لا تنبغي إلا لكمال قدرته وعظيم سلطانه، والتي تعيش ذكرى أيام الله الماضية واللاحقة من أيام الآخرة، وتربط مصيرهما برباط واحد: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)).
ومنه أيضاً قوله تعالى في سورة المائدة: حاكياً عنه سلام الله عليه: (يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)، “هو من التذكير المفسّر به إرسال موسى عليه السلام. وهو وإن كان واقعاً بعد ابتداء رسالته بأربعين سنة فما هو إلا تذكير صادر في زمن رسالته، وهو من التذكير بأيام نعم الله العظيمة التي أعطاهم” (التحرير والتنوير).
ولما كانت أيام الله التي وجب التبليغ بها فيها ذكر العقوبات ومعنى الزجر المفيد للصابرين وفيها ذكر النعم التي تحث الشاكرين حسن الختم بقوله تعالى: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). وهذا يردُّ على من حاول قصر (أيام الله) على أيام العقوبات والنصر الإلهي ضد المعاندين، وكذلك على من حصرها على نعمه تعالى على المؤمنين.
وإذا كان الخطاب موجها في الآية إلى موسى سلام الله عليه فلا يعني هذا أننا غير معنيين به، فالتذكير والعظة هي مهمة الأنبياء والدعاة إلى الله عز وجل في كُلّ وقت وزمان.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الذي بعثه إلى قُثَمِ بن العباس عامله على مكة:
(أَمَّا بَعْدُ، فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ، وَاجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ، فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ، وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ، وَذَاكِرِ الْعَالِمَ، وَلاَ يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلاَّ لِسَانُكَ، وَلاَ حَاجِبٌ إِلاَّ وَجْهُكَ…).
وهذا يفيد أن مهمة التذكير بأيام الله مهمة مستمرة لا تتوقف عند أمة موسى عليه السلام؛ إذ التذكير بها استدلال على وجود الله وقدرته ومعيته لعباده المؤمنين الصابرين الشاكرين. وورد لديه سلام الله عليه في صفات الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، حين مر على الآية الكريمة (في بيوت أذن الله أن ترفع….)، فقال سلام الله عليه:
(إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جَلاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ، وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ، مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ، وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ،…).
إذن نخلص من هذا أن أيامَ الله هي الأَيَّـامُ التي لله فيها خصوصية تتميز بها عن بقية الأيَّــام، وجمعة رجب إن صح أنها أول جمعة دخل فيها أهل اليمن الإسلام تعتبر من أيام الله التي ينبغي التذكير بها، وبالنعمة التي يجب على اليمنيين أن يشكروا الله من أجلها، حيث دخل الناس دين الله أفواجا، فكان النصر الإلهي الذي يستدعي منهم اليوم أن يكونوا عند مستوى هذه النعمة، ليفيدهم الشكر، وإذا ما شكروا لله فإنه قد تأذن ليزيدنهم خيراً إلى خيرهم، وهداية إلى هدايتهم.
وصلى اللهُ وسَلَّمَ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1353 مرة