قدوة المستبصرين و إمام الثائرين .... العلامة/ عبد المجيد الحوثي
قدوة المستبصرين و إمام الثائرين
السيد العلامة/ عبد المجيد الحوثي
عاش الإمام زين العابدين علي بن الحسين بعد فاجعة كربلاء مرحلة قاسية عليه وعلى سائر آل البيت بل وشيعتهم، ربما هي أسوء المراحل التي عاشها آل محمد، مرحلة مليئة بالمرارة واليأس والألم؛ لما وصل إليه واقع الأمة من ابتعادها عن منهج الإسلام الصحيح، وجفوتها لآل محمد هداة الأمة ومصابيح الظلمة، لم يكن لدى الإمام زين العابدين عليه السلام إلا أن يقوم بإعادة بناء ثقافة الإسلام الصحيحة في قلوب الناس، سواء عبر التعليم لمعالم الدين أو عبر تزكية النفوس بثقافة الارتباط بالخالق جل شأنه من خلال إنشائه المدرسة الروحية المتمثلة في الصحيفة السجادية،هذه الحالة انعكست بشكل أولي على الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام، ففي هذه الأسرة النبوية كانت نشأته، وفي هذه الظروف العصيبة والاستثنائية كان نموه وترعرعه، فنهل من علم والده الذي ألجاته ظروف المرحلة وحكمةُ الله لأن يتفرغ لتربية الأمة تربية إيمانية، وفي مقدمتها أبناؤه الأكرمون، تعلم الإمام زيد بن علي عليه السلام العلم حتى برز وفاق على جميع أقرانه، وصار فقيه آل محمد ومرجعهم، كما يخبر عنه الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (ﻛﺎﻥ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻗﺮﺃﻧﺎ ﻟﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻓقهنا ﻓﻲ ﺩﻳﻦ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻭﺻﻠﻨﺎ ﻟﻠﺮﺣﻢ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻭﻓﻴﻨﺎ ﻣﺜﻠﻪ).
جاء يوما إلى أخيه الإمام الباقر يسأله أن يعطيه كتابا لوالده ليستفيد منه، فتأخر الباقر في إعطائه الكتاب، ثم ذكر بعد فترة، فتأسف وأخرج له كتاب والده، فقال الإمام زيد قد استغنيت عنه، فقال الإمام الباقر تستغني عن كتاب والدك؟ قال الإمام زيد: قد استخرجته من كتاب الله، فاخرج الإمام زيد ما كتبه و قابله مع كتاب زين العابدين فلم يخرم منه حرفا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جودة الفهم وحسن الاستنباط والاستخراج من كتاب الله الذي تربط الإمامَ زيداً عليه السلام به علاقة وثيقة وروابط وشيجة، جعلته يعكف على تأمله اثنتي عشرة سنة، حتى سمِّي (حليف القران).
هذه العلاقة التي جعلت الإمام زيدا يرى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ضد الظالمين ضرورة حتمية، يجعلها ديننا الإسلامي ذروة سنام الإسلام، ولأن الإمام زيدا هو ذلك الثائر العالم الرباني، ولمعرفته بأهمية دور العلماء في إصلاح الأمة و تربيتها، فقد كانت دعوته موجهة بالدرجة الأولى للعلماء؛ ليحثهم على الاضطلاع بدورهم في نصرة هذا الدين الذي جعلهم الله رعاة عليه، وقدوة للأمة يقتفون آثارهم، فأرسل إليهم رسالته المشهورة:(رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة)، وقد كان لهذه الرسالة دور كبير في إيقاظ روح المسئولية والقيام بواجب الجهاد في سبيل الله في نفوس هؤلاء العلماء، فكانوا في طليعة الثوار مع الإمام زيد بن علي عليه السلام، فكان جيشه يضم معظم العلماء الربانيين في عصره، وكذا القراء والعباد، فكانوا في مقدمة الثائرين ضد الظلم والطغيان قال الإمام أبو طالب: (ﻭﺑﺎﻳﻌﻪ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺃﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻭﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﻘﻬﺎﺋﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻧﻮا ﻳﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺮا)، إلى قوله: (ﻭﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﺬﻳﻦ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺃﺧﺬﻭا ﻋﻨﻪ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﻭﺃﻋﺎﻧﻪ ﺑﻤﺎﻝ ﻛﺜﻴﺮ، ﻭﺑﺎﻳﻌﻪ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻛﻬﻴﻞ، ﻭﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺯﻳﺎﺩ، وﻫﺎﺭﻭﻥ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ[ اﻟﻌﺠﻠﻲ]، ﻭﺃﺑﻮ ﻫﺎﺷﻢ اﻟﺮﻣﺎﻧﻲ، ﻭﻣﻨﺼﻮﺭ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﻤﺮ).
وكيف لا تنطوي هذه الكوكبة وغيرهم من العلماء العاملين تحت راية هذا الإمام وهو القائل ﺣﻴﻦ ﺧﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺮاﻳﺎﺕ بين يديه مخاطبا لهم: (اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ اﻟﺬﻱ ﺃﻛﻤﻞ ﻟﻲ ﺩﻳﻨﻲ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺮﻧﻲ ﺃﻧﻲ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺤﻤﺪا ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻟﻢ ﺁﻣﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﺘﻪ ﺑﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭﻟﻢ ﺃﻧﻬﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﻜﺮ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺑﺎﻟﻲ ﺇﺫا ﻗﻤﺖ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺔ ﻧﺒﻴﻪ ﺃﻧﻪ ﺗؤﺟﺞ ﻟﻲ ﻧﺎﺭ، ﺛﻢ ﻗﺬﻓﺖ ﻓﻴﻬﺎ، ﺛﻢ ﺻﺮﺕ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻨﺼﺮﻧﻲ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺮﻓﻴﻖ اﻷﻋﻠﻰ، ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻲ ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﺤﺴﻴﻦ، ﻭﻳْﺤَﻜُﻢْ ﺃﻣﺎ ﺗﺮﻭﻥ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻴﻦ ﺃﻇﻬﺮﻛﻢ، ﺟﺎء ﺑﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻧﺤﻦ ﺑﻨﻮﻩ، ﻳﺎ ﻣﻌﺎﺷﺮ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻭﻳﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﺤِﺠَﺎ ﺃﻧﺎ ﺣﺠﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ).
ﻭﻗﺎﻝ: (ﻧﺤﻦ اﻷﻭﺻﻴﺎء ﻭاﻟﻨﺠﺒﺎء ﻭاﻟﻌﻠﻤﺎء، ﻭﻧﺤﻦ ﺧُﺰّاﻥ ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭﻭﺭﺛﺔ ﻭﺣﻲ اﻟﻠﻪ، ﻭﻋﺘﺮﺓ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﺷﻴﻌﺘﻨﺎ ﺭﻋﺎﺓ اﻟﺸﻤﺲ ﻭاﻟﻘﻤﺮ).
ﻭﻗﺎﻝ - ﻭاﻟﻤﺼﺤﻒ ﻣﻨﺸﻮﺭ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ -: (ﺳﻠﻮﻧﻲ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺗﺴﺄﻟﻮﻧﻲ ﻋﻦ ﺣﻼﻝ ﻭﺣﺮاﻡ، ﻭﻣﺤﻜﻢ ﻭﻣﺘﺸﺎﺑﻪ، ﻭﻧﺎﺳﺦ ﻭﻣﻨﺴﻮﺥ، ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻭﻗﺼﺺ، ﺇﻻ ﺃﻧﺒﺄﺗﻜﻢ ﺑﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻭﻗﻔﺖ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺇﻻ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻲ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ).
فكان بحق إمام العلماء وسيد المجاهدين وقدوة الثائرين، وكانت ثورته ثورة العلماء المجاهدين العاملين، وكان هو وأصحابه حقيقين بما مدحهم به أمير المؤمنين عليه السلام حين قال: (اﻟﺸﻬﻴﺪ ﻣﻦ ﺫﺭﻳﺘﻲ ﻭاﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﻭﻟﺪﻱ اﻟﻤﺼﻠﻮﺏ ﺑﻜﻨﺎﺳﺔ ﻛﻮﻓﺎﻥ ﺇﻣﺎﻡ اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺎﺋﺪ اﻟﻐﺮ اﻟﻤﺤﺠﻠﻴﻦ، ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻫﻮ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺗﺘﻠﻘﺎﻫﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﻤﻘﺮﺑﻮﻥ ﻳﻨﺎﺩﻭﻧﻬﻢ اﺩﺧﻠﻮا اﻟﺠﻨﺔ ﻻ ﺧﻮﻑ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﻻ ﺃﻧﺘﻢ ﺗﺤﺰﻧﻮﻥ).
فسلام الله على روحه الطاهرة وعلى أرواح الشهداء الذين قضوا معه نصرة لدين الله ومحبة لله ورسوله، وأشركنا الله في جهادهم، وجعلنا من السائرين على نهجهم، وحشرنا في زمرتهم، بحق محمد وآله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 2446 مرة