التكفير كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله .. بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
التكفير كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
في الليلة الماضية استيقظت عدن على مرأى جثة الشيخ سرحان العريقي الهامدة، المعروف بالسم الشيخ راوي، وهو الخطيب السلفي المفوه، وأحد أبرز قيادات عدن التكفيرية الذي تولى قيادة ما سمي بمقاومة البريقة، واستخدمته القوات الغازية الأجنبية عصا طيعة لتسيارها، ومنبرا تكفيريا وتحريضيا لعدوانها، لقد وجدت لحيته الطويلة وقد تخضّبت ربما على يد أحد طلابه من أتباع المدعو نشوان العدني والي ولاية عدن الداعشية، من يدري لعل القاتل كان أحد الحريصين على حلقة الشيخ راوي القتيل، ولعله كان أحد رواد مسجده مسجد ابن القيم يتشوق لسماع خطبه التحريضية ضد المسلمين بمختلف انتماءاتهم.
هذه الحادثة تختصر مشكل العلاقة الشائكة والمعقدة بين أفرع السلفية التكفيرية، بين السلفية العنفية (الجهادية) التي توظفها وتخترقها الأنظمة، والسلفية السرورية التقليدية التي تتبع الأنظمة وتطبل لها، لقد اعترف عادل الكلباني إمام الحرم المكي في مقطع فيديو على اليوتيوب أن فكر داعش وعقيدتها تتطابق مع عقيدة الوهابية السعودية، هذا يمثل وجه العلاقة بين الشيخ راوي القتيل الذي علّم ذات دهر هؤلاء الدواعش سحر التكفير، وقاتله المفترض، الداعشي الوهابي الذي طور التكفير إلى الغدر والانتحار والتفجير، إنها لعنة الوهابية حيثما حلت وأينما دخلت، تكفر المسلمين، وتفخخهم، وتنتهك حقوقهم، ولكنها أيضا لأنها ممعنة في التشوق للدماء والأشلاء فإذا لم تجد من تقتله، فإنها تقتل بعضها، وتغدر بنفسها.
هذا هو المشروع التكفيري الفوضوي الذي أنتجته السعودية ومالها الموبوء ونشرته كوباء مستطير يجتاح العالم الإسلامي، وهاهي تدمر اليمن اليوم لكي تفرضه بالقوة؛ وإلا فما بال عدن التي يدّعون تحريرها من أهلها، تغوص في بحيرات الدماء، وتخوض فتنة الوهابية الدهماء، وتغرق في مستنقع التكفير الذي صدحت به منابر مساجد عدن دهرا من الزمن، صباحا ومساء، ثم يأتي أحد منظري هذا العدوان (آل مرعي) ليستمهل صبرنا عشر سنوات في البقاء تحت رحمة المفخخات والانتحاريين، تلك الأموال الوهابية الخليجية المدنّسة هي التي غيّبت عن عدن روح تسامحها الديني وسيماءها التاريخية المتمثلة في أولياء الصوفية وأحباب الشافعية.
في عدن تخبرنا حسابات التكفيريين بمختلف توجهاتهم، أنه يوجد السلفيون المدعومون من الإمارات، وهناك من هو مدعوم من جهات تجارية خليجية، وسعودية، وهناك مجموعة نشوان العدني الداعشية التي تعلن مسؤوليتها عن عمليات التفجير والاغتيالات اليومية، وهناك مجموعة أبو سالم القاعدية التي تتربص بها ريب المنون، وهناك مجموعة الإخوان، وهناك الحراك، بفصائله المناطقية والقبلية، بالإضافة إلى قوات الغزاة شذاذ الآفاق المجلوبين من كل حدب وصوب.
داعش تحاول تثبيت قدمها المرتكسة في الإثم والعدوان في عدن بعمليات من هذا النوع، بينما تستولي القاعدة على عاصمة لحج في الأسبوع المنصرم، وهي التي ثبتت يدها يد بلعيدي التي أمسكت يوما برقاب الجنود اليمنيين فذبحتهم في حوطة حضرموت، وقذفت بقنبلتها اليدوية على أطباء وطبيبات ومرضى مشفى مجمع العرضي في صنعاء؛ وهناك إلى الشرق في المكلا حيث خالد باطرفي يفرض سيطرته بالحديد والنار، ويتقاضى وهو المنعوت بالإرهاب في الدوائر الأمنية العالمية ملايين الدولارات، حيث تمر من تحت معطفه وارادات وصادرات النفط والبضائع المختلفة، وتتنافس دولته القاعدية مع داعش حضرموت على القضاء على المعالم الثقافية الصوفية، من الأضرحة والزوايا، باعتبارها شركا كما تنص على ذلك العقيدة الوهابية المتزمتة، كما تبشر بها منشورات وزارة الأوقاف والحج السعودية المجانية، وفي كل من شبوة وأجزاء من حضرموت الساحل والوادي تتحرك القاعدة مسابقة للزمن لحشد التأييد لها والتبشير بتمددها ريثما يصدر الإذن من المخرج، لتكتمل الصورة النهائية، من جانب آخر هناك مجاميع داعشية تحاول فرض نفوذها وسيطرتها في داخل حضرموت، وتتبنى عمليات انتحارية، ضد أبناء حضرموت.
نار التكفير في حضرموت تضطرم أيضا بين أتباع هذا الفكر التكفيري، فهناك داعش، وفي الأسبوع المنصرم دعا التنظيم أتباعه إلى الهجرة إلى حضرموت، لشد أزر أنصاره هناك، ما يشير إلى تحركٍ ما يعتزمون تنفيذه، ومع ذلك فلشدة وقسوة المنهج الداعشي حديث العهد باليمن، والذين لم يسبق لهم أن اكتسبوا مهارة المجاملة للقبائل اليمنية كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة، يبدو أن تمدد داعش أصيب بنكسة حيث اعتزل عشرات من أنصاره عن الانتماء لواليهم في اليمن بسبب ذبح التنظيم لفردين من أبناء قبيلة العوالق، ثم انقسم هؤلاء المعتزلون فمنهم من لحق بالقاعدة، ومنهم من لا يزال ينتمي إلى داعش البغدادي، مع التحفظ على واليهم في اليمن، وجرى على إثر ذلك عمليات تصفية من التنظيم لبعض هؤلاء المعتزلين، باعتبارهم مرتدين ويجب تطبيق الحد عليهم، وحملت لنا الأخبار هجوم عناصر من داعش على بيت أحد من هؤلاء المعتزلين، ولولا أن الحظ حالفه بغيابه عن بيته تلك اللحظة، لكانت قد مرت على حلقه سكين لا تبقي فيه نفسا ولا تذر. ويبدو أن التوازن والتربص والتأجيل للمعركة الفاصلة بين داعش والقاعدة في هذه المناطق هو ما يزال سيد الموقف، مع أنه لا يكاد أبدا يمر يوم إلا ويتم فيه قصف تكفيري متبادل بين (ضباع القاعدة) و (خوارج البغدادي) على حد وصف كليهما للآخر منهما.
ومع ذلك فإن بيانا صدر عن المعتزلين من داعش قبل أيام يشير إلى أن عصابة مكونة من عناصر من داعش المعتزلة وداعش البغدادي وقاعدة الظواهري اختطفوا مواطنين حضرميين اتهموهما بالصوفية والتي تعني لديهم الشرك بالله، وطلبوا من أهلهما فدية وصلت إلى خمسين مليون ريال، ثم خرج ثلة من هؤلاء ليتبرؤوا من هذا الصنيع، ويتدافعوا المسؤولية فيما بينهم مبرئين ذينك المواطنَين من التصوف؛ أي أن هؤلاء المتوحشين قد يجتمعون ولكن على المواطن البسيط من أهل هذا البلد المنكوب بهم، وهذا هو ما جمعهم تحت راية واحدة للعدوان على الشعب اليمني، فزارهم توشكا باب المندب، وخلط دماءهم المتنافرة إلا على كره شعبنا.
معهد انترابريز الأمريكي المقرّب من دوائر الاستخبارات الأمريكية نشر في منتصف ديسمبر الماضي خارطة تشير إلى أماكن وجود القاعدة وداعش في العالم، ومنها المحافظات الجنوبية، ومحافظة مأرب، وادعى فيها استهداف الأمريكيين لهم، غير أن الواقع يكذب ذلك، بل ما نراه هو أن التحالف الأمريكي السعودي الإسرائيلي ينفذ عملية تدمير ممنهجة للمحافظات اليمنية التي لا يوجد فيها داعش ولا القاعدة، إلا بشكل متسلل وغير طبيعي، هاهي القاعدة تتحكم في حضرموت ولحج وشبوة بكل حرية وأريحية، وتشارك في ما يسمى بالمقاومة في تعز ومأرب والجوف، وتنفذ أجندات التحالف في تكدير صفو الأمن في صنعاء والحديدة وذمار وإب، ومع ذلك شاء لطف الله أن تتلقى هذه الجماعات ضربات قاتلة في كل من أمانة العاصمة، والحديدة خلال الأسبوعين المنصرمين.
لا توجد بيئة حاضنة لهذا الفكر التكفيري في المحافظات التي يمسك زمام الأمور فيها الجيش واللجان الشعبية، لأن السعودية فشلت في التبشير فيها إلى حد كبير ولوجود رصيد ثقافي تاريخي وفكري مناوئ ومتناقض مع الحركة التكفيرية الوهابية، ولوجود حراك ثقافي قرآني فضح المؤامرات الأمريكية والصهيونية التي تمثل السعودية وهذه الحركات التكفيرية العنفية أحد أذرعها المنفذة في المنطقة، هذا الرصيد الثقافي والفكري والقرآني والتاريخي الممانع هو أحد الأسباب التي استثارت قوى الشر العالمية اليوم لتعلن هذا العدوان على اليمن.
إن ما يدور في عدن والمحافظات الجنوبية من تكفير وتفخيخ وعمليات انتحارية داخل خيمة من سموهم المقاومة، وكذلك استهداف الأبرياء من الناس هو المشروع الذي يحمله الغزو العالمي ويريد فرضه على اليمن، ومن الصعب أن نتصور هذه المجاميع الهدامة والتدميرية وقد أمسك كل منها بشارع في صنعاء، وهذا الفصيل يقتحم هذا المسجد لتفجيره لأن إمامه ينتمي للفصيل (ق)، بينما يهاجم ذاك هذه المدرسة لأن مديرها ينتمي إلى (د). إنه لمن الحكمة أن نستوعب مقدار النعمة التي تعم صنعاء اليوم وقد تطهرت من هذه الأقذار والأمراض القاتلة، ومن روائع الحكمة أن لا نكون (المرضى) في الأثر القائل: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرف قدرها إلا المرضى).
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1591 مرة