بعض الجذور العميقة للمشهد العربي المعاصر : حمود الأهنومي
بعض الجذور العميقة للمشهد العربي المعاصر
أ.حمود الأهنومي
ما يحدث في اليمن هو جزء من العالم العربي الذي يعيش اليوم حقبة ما بعد انفراط الدولة المركزية وفقدان الهوية الوطنية الحقيقية ويحصد نتائج مرحلة فشل الدولة العسكرية التي كان الاستبداد والقائد الاوحد احد مرتكزاتها الرئيسة.
في القرن المنصرم انتصرت حركات التحرر والثورات ضد الاستعمار فأنتجت جمهوريات هجينة أخذت الشكل الصوري للجمهورية وبقيت بذات الأساليب القمعية التي كانت عليها حكومات الاستعمار والأنظمة الملكية السابقة.
حين تقدم حلا شكليا لا يعالج الموضوع فانك تزيد الحالة سوءا
لاحظوا الاضطراب ينحصر في الجمهوريات ما عدا البحرين طبعا
لماذا؟
لان الانظمة الجمهورية تغنت بحكم الشعب لنفسه كذبا ولم تمكن الشعب من ممارسة هذا الادعاء على أرض الواقع فكانت مرحلة تحكم فيها الحزب الفرد أو الحاكم الأوحد الذي لم يتردد أحيانا في تصفية زملائه وتم كتم الصوت الشعبي بمظاهره المختلفة الى اسوأ الظروف والأحوال.
لقد كانت الشعوب في ما سمي بالأنظمة الجمهورية محشورة في هامش ضيق وكانت على النقيض الكامل مع السلطة الحاكمة. بل ومارست عملية تضليلية مرافقة للقمع بتجنيد قلة نخبوية من الشعب ضد أكثرية فيه.
يتضح اذا أنه لم تكن السلطة أبدا صدى للشعوب كما هو المفترض بل ولم تكن متناغمة معها على طول الطريق.
وفي ظروف الاستبداد والقمع واختزال الهوية الوطنية في شخصية الحاكم الذي يصور نفسه كنصف اله وأنه الوطن والثورة والجمهورية ووووو وفي ظل الادعاء السافر بان هناك شعبا يحكم نفسه بنفسه تنشأ حالة التململ والتبرم فتأتي حالات الشد والجذب وبداية مسلسل الأزمات وانعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم وتبدأ الشعوب في الجرأة على تناول الذات السلطوية بالنقد أو التمرد ومع استمرار الصراع يتضح أن السلطات الحاكمة سلطات هشة وضعيفة ومتناقضة وليست بمستوى القوة الذي حرصت على الظهور به.
شيئا فشيئا تقتضم الشعوب مساحة فكرية و اجتماعية وسياسية أكبر للتحرك في مواجهة السلطات المتناقضة مع نفسها وتاريخها
وفي ظل هذه الأوضاع تعبر الشعوب عن نفسها بكل ما فيها من تناقضات واهتمامات واتجاهات وأفكار وأمراض كانت مضغوطة تحت السطح وتقذف بكل ذلك الجيد والعفن الى العلن وتظهر الامراض المجتمعية والفكرية والسياسية للعيان.
أما لماذا لم يحدث هذا في الانظمة الملكية فأولا أتوقع أن هذا سيحدث ولو بعد حين اذا أخفقت تلك الانظمة في ايجاد الدولة العادلة وسبب استعجال هذا الحراك في البحرين هو الاستبداد القمعي صادر عن أقلية مستبدة لا تستند الى قاعدة شعبية واسعة مع وجود حراك شعبي جماهيري قوي معادلته أصبحت في قوة النظام الحاكم.
وثانيا فان الانظمة الملكية لم تقدم نفسها على انها انظمة يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه اي انها لم تحرك طموحات وغرائز الشعب في حكم نفسه بنفسه وقطعت عليه هذا الباب من أول الأمر ومع ذلك فاني أتوقع أنها لن تكون بمنأى عن هذا الطوفان ذي الجذور العميقة.
لقد كانت الشعوب محصورة ومحشورة في دائرة ضيقة من قبل السلطات المستبدة واليوم تتحرك الشعوب باتجاه التضييق على الحكام بشكل فوضوي وغير منضبط ومع ذلك فحظ اليمن أن قوة صاعدة ومتنامية هي قوة أنصار الله استطاعت التقاط النفس والتيار الشعبي وامسكت الزمام تحت قيادة منضبطة ومهما كان هناك من أخطاء فان انضباط التحرك الشعبي الجماهيري تحت قيادة واحدة ومركزية جنب اليمن مصائر خطيرة كتلك التي تواجهها ليبيا الحالة الأشبه والأقرب باليمن مجتمعيا وسياسيا وتاريخا معاصرا. علينا أن نتصور حجم المأساة ومستوى التدمير لو كانت هناك مجموعات غير منضبطة هي التي استولت على صنعاء أو على دار الرئاسة كما حدث في اليومين الماضيين وقد شهدنا مستوى عاليا من الحرفية العالية من الانضباط العسكري كما لو كانت لجان أنصار الله من جيش دولة قوية تتحكم في كل افرادها.
اذا من الخطأ بمكان عزو ما يحدث اليوم الى ظروف وعوامل بسيطة وسطحية وقريبة كما أنه لا يجوز غض الطرف عن الجذور العميقة والتي نشهد اليوم نتائجها من خلال خيبات الأمل التي حصدتها الشعوب بعد مرور هذه الحقبة الطويلة من الأنظمة الفاشلة.
الدولة العادلة التي تنسجم مع شعبها وتشكل انعكاسا جيدا لاحتياجات وتطلعات شعبها هي الدولة التي يكتب لها النجاح والاستمرارية.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1630 مرة