حضــرمـوت.. ســنــة الذبــح!!
*صحيفة صدى المسيرة
يستوقِفُكَ المشهدُ قليلاً في محافظة حضرموت.. راياتٌ سوداءُ ترفرفُ على مُؤَسّسات الدولية، ومسلحون ملثمون يحملون لافتاتِ أَنْـصَـار الشريعة أَوْ تنظيم القاعدة.. إنها المكلا عاصمة محافظة حضرموت والتي باتت تُعرف لدى هؤلاء المسلحين بولاية المكلا.
خالد باطرفي أميرُ التنظيم هو المتحكمُ في زمام الأمور، وهو الآمرُ والناهي، وعن طريقه تدار مدينةُ المكلا ومسلحوه يتحكّمون في شؤون الناس.
استغل تنظيمُ القاعدة العُـدْوَانَ الأَمريكي السعودي على بلادنا، فاحتل مدينةَ المكلا مركَزَ حضرموت كبرى محافظات البلاد والغنية بالموارد النفطية، مطلع إبريل 2015.
وسلّم المحافُظ عادل باحميد حضرموت إِلَـى «القاعدة» وفَرّ مع هادي إِلَـى الرياض ونجح تنظيم «القاعدة» في عزل محافظة حضرموت عن محيطها. المحافظة التي تمثّل ثلث مساحة الـيَـمَـن.
كان باطرفي معتقلاً في سجن المكلا المركزي، قبل شَنّ «القاعدة» هجومه على المدينة وإطلاق سراح السجناء.
وتشيرُ المعلوماتُ إِلَـى أن وزيرَ الداخلية الـيَـمَـني جلال الرويشان كان قد أرسَلَ برقيةً إِلَـى محافظ حضرموت عادل باحميد – المقيم الآن في السعودية – طالبه فيها «بإرسال باطرفي فوراً إِلَـى صنعاء بعدَ ما وصلت معلومات استخباراتية للوزارة تفيد بنية تهريبه من السجن»، غير أن باحميد تجاهل الأمر لمدة أسبوعين، ثم سلّم المحافظة لـ«القاعدة» قبل أن يفرّ إِلَـى السعودية مع هادي.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية في تقريرٍ لها إِلَـى أن تسليم المكلا لعناصر «القاعدة»، جاء بالتنسيق مع السعودية في وقتٍ كان فيه هادي قد سلّم عدداً من المدن الجنوبية، وسمح لـ«القاعدة» باقتحام معسكرات الجيش والسجون في عدن وشبوة والضالع ولحج وأبين خلال أيام إقامته في عدن قبل فراره منها إِلَـى السعودية عشية العُـدْوَان الأَمريكي السعودي على بلادنا في 26 مارس 2015.
إحتلالٌ ونهبٌ
وعندَ دخول تنظيم «القاعدة» المكلا أدّت المواجهات إِلَـى تدمير العديد من مُؤَسّسات الدولة، وأُخْــرَى تعمّد التنظيم نسْفَها أَوْ نهبها، كالبنك المركزي الذي نهب كُلّ مدخراته تزيد على 27 مليار ريـال يمني ومبالغ أُخْــرَى من العُملات الأجنبية وديوان عام المحافظة وإذاعة المكلا، فضلاً عن كامل المُؤَسّسات الأمنية والمعسكرات.
واتخذت «القاعدة» بَعضاً من تلك المُؤَسّسات محاكم ومقارّ إدارية وأمنية ومالية له، فيما شلّت مختلف الإدارات الأُخْــرَى.
بعضُ الوحدات الإدارية عادت إِلَـى العمل بنصفِ طاقتها «بغرَض تسيير أمور الناس». وأعيد بعضُ المرافق التربوية والصحية والخدمية الأَسَـاسية كالكهرباء والمياه والاتصالات إِلَـى العملِ من أجل تقديم الحد الأدنى من الخدمات للأهالي، عبر كيان وسيط أنشأه التنظيم عشية إِعْــلَان «إمارته الإسْــلَامية»، وهو «المجلسُ الأهلي» الذي يتألّفُ من عناصر محليين مقرّبين من التنظيم.
المجلسُ الأهلي.. الوجه الآخر للقاعدة
بعدَ دخول القاعدة إِلَـى المكلا أنشأت ما يسمّى بالمجلس الأهلي، ويُعَدُّ الوجهَ الآخرَ للقاعدة، وقد توجّه وفدٌ منه إِلَـى السعودية والتقى بخالد بحاح في الأَشهر الأولى من احتلال المكلا، وطلب من بحاح دعمَ القاعدة وتمكينهم من السيطرة على أَكْثَرَ من المناطق المجاورة، وخرج بحاح حينها بتصريحات صحفية قال فيها: إن مَن يسيطر على المكلا ليس القاعدة وإنما أبناء حضرموت، وهو ما يؤكّد التنسيقَ الكبيرَ بين بحاح والقاعدة وتسليم حضرموت لها، كما يقول سياسيون.
وخلالَ السنوات الماضية تؤكد أَمريكا وجود عناصر تنظيم القاعدة في حضرموت، وذكرت عدداً منهم بأنهم مطلوبون دولياً، ومن بين هؤلاء منشد القاعدة غالب باقعيطي وشاكر بن هامل المتورط في تفجير الناقلة الفرنسية ومحمد صالح الغرابي المتورّط في الهجوم على نقطة المضي التي ذُبح فيها عشرون جندياً قبل عامَين وحاولت السلطة إلقاء القبض عليه بإنزال جوي ولم تتمكن، إضافةً إِلَـى فهمي محروس الذي كان مديرَ الأمن السابق للساحل، وهو الآن رئيسُ اللجنة الأمنية التي أنشأتها القاعدة ومتورط في قتل عدد من الضباط.
ويضم المجلس الأهلي مجموعةً من المتنفذين والفاسدين والسلفية المتشددة، وأغلبهم عناصرُ في تنظيم القاعدة.
جرائم التنظيم.. مارس 2016 أنموذجاً
والحديثُ عن جرائم التنظيم بحق المواطنين في محافظة حضرموت يحتاجُ إِلَـى بحث موسع وربما إِلَـى كُتُبٍ، لكنني سأختصر هنا ما تسعفني به الذاكرة من أعمال توحش وإرْهَــاب في مدينة المكلا.
سأبدأ من الأعمال الاستفزازية لهؤلاء خلال الثلاثة الأَشهر الماضية، أي منذ بدء العام الجاري 2016
في يوم الخميس 3 مارس 2016 قام التنظيمُ بإغلاق مكاتب شركات الهاتف المحمول (واي، وام تي ان)؛ بسبب رفضهما دفع الضرائب للتنظيم الذي يمارس هناك دور السلطات الحاكمة.
وفي السادس من الشهر الجاري.
وعصر الخميس في 17 مارس أقدمت عناصرُ من تنظيم القاعدة على إعدام 3 اشخاص، في ساحة عامة أمام المدرسة الوسطى بمدينة غيل باوزير بساحل محافظة حضرموت بتهمة ممارستهم للسحر والشعوذة.
ونفذت عملية الاعدام أمام العشرات من الأهالي والسكان بعد أن أعلن التنظيم اعتزامَه تنفيذ العملية بوقت سابق عبر سيارة الحسبة التابعة له بمكبرات الصوت التي جابت مدينة غيل باوزير، والثلاثة الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم ينتمون لمدينة غيل باوزير بساحل حضرموت.
وَتكررت حالات الإعدام والجلد بحق مواطنين من قبَل التنظيم خلال الفترة الماضية وتلويح بحد السيف بحق آخرين، بينهم أحداث بتهمة “سب الدين”.
وذكرت مصادرُ إعْــلَامية أن تنظيم القاعدة المتطرف نفّذ عقوبةً هي الأغرب بتأريخ المحافظة في 19 مارس، حيث قام عددٌ من عناصره في ساحة عامة بالمكلا بتنفيذ عقوبة الجلد بمؤخرات عدد من نشطاء الحراك الجنوبي بتهمة رفعهم للعلَم الجنوبي.
وفي 3 إبريل 2016 أقدم مسلحون ينتمون إِلَـى تنظيم «القاعدة» على رجْم امرأة حتى الموت بتهمة «الزنى والقوادة»، في مدينة المكلّا.
ووضع التنظيمُ الـمَـرْأَةَ داخل حُفرة في باحة مبنى المُؤَسّسة الاقتصادية العسكرية، وقاموا برميها بالحجارة، بحضور عشرات من أهالي المكلا، ومنع المسلحون الحاضرين من التقاط الصور.
وضع تنظيم القاعدة امرأة داخل حفرة في باحة المُؤَسّسة الاقتصادية العسكرية وقاموا برميها بالحجارة بحضور عشرات من أهالي المكلا بتهمة الزنى والقوادة.
النشاط السياسي.. حرامٌ في المكلا
ومع بداية سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا بحضرموت قام باعتقالِ عددٍ من القادة التابعين للأحزاب الـيَـمَـنية وخاصة القوى الرافضة للعُـدْوَان وتحديداً من حزب «المؤتمر الشعبي العام» أَوْ أُخْــرَى تابعة لـ«الحراك الجنوبي» أَوْ من أتباع الطريقة الصوفية، فيما يكون مصير أي شخص يتبعُ «أَنْـصَـار الله» أَوْ يناصرُهم هو الإعدام ذبحاً.
ويؤكد القيادي في حزب «التجمع الوحدوي»، ناصر باقزقوز أنه لا وجودَ لسلطات الحكومة في ساحل حضرموت، بما فيها المكلا، باستثناء مكتب البريد في المدينة الذي لا يزال يصرف الرواتب التي تأتي من صنعاء للمتقاعدين فقط، أما رواتب باقي الموظفين فقد عجز عن صرفها طوال الشهور الماضية.
ويضيف باقزقوز أنه «يتم تحويل رواتب الموظفين التي تصل أحياناً من صنعاء عبر أَحد الصرّافين المحليين الموالين لـ«القاعدة» والذي يعمل تحت حمايته»، لافتاً إِلَـى أن «القاعدة» يعمل على محو أيّ وجود للدولة في المناطق التي يسيطر عليها.
وبحسَبِ صحيفة الأخبار اللبنانية فإن تنظيمَ القاعدة هم من يتسلّم المواد الإغاثية المرسلَة من السعودية ومن بقية الدول، ويبيعها عبر تجار تابعين له ولحزب «الإصلاح»، بدلاً عن توزيعها على المواطنين. وفي الوقت نفسه، فرض التنظيم حظراً على كُلّ قادة الدولة والقضاء وصادر صلاحياتهم، مستولياً على مقارّهم وأخذ سياراتهم الحكومية. وبحسب المعلومات، فقد فاق عدد السيارات التي استولى عليها الـ 50 سيارة، علاوةً على نهب البنوك والمصارف واحتلال المنشآت الحكومية والاستيلاء على وثائقها والعبث بمعاملات الناس وملفّاتهم، بالإضافة إِلَـى إحراقه أرشيف بعض المُؤَسّسات، ليحوّل المكلا وبعض المدن إِلَـى ولايات تابعة له ولعزلها تماماً عن سلطة الدولة في صنعاء.
ذبحٌ واغتيالاتٌ للجنود
ويُعَدُّ الجنودُ أبرَزَ ضحايا تنظيم القاعدة، وهم من وقت إِلَـى آخر يعملون على ترهيبهم عن طريق الاغتيالات أَوْ الذبح.
وفي يوم السبت 6 مارس عمد تنظيم القاعدة إِلَـى ذبح المساعد أول عَبدالله السلفي المنتمي للواء 37 مشاة الموجود بمنطقة الخشعة، فقد تم أخذه إِلَـى منطقة المشهد بمديرية حورة الواقعة بين الوادي والساحل على مدخل وادي دوعن قبل ان يذبحوه ويتركوا جثته بداخل سيارته.
وسبق أن قام مسلحون من تنظيم القاعدة بذبح 14 جُندياً في أغسطس 2014م كأَشهر عملية نفذها عناصر من تنظيم القاعدة بقيادة جلال بلعيدي الذي لقي مصرعَه في ضربة توشكا على قاعدة العند مؤخراً.
وعُثر على عدد من الجنود والضباط مقتولين إما على سياراتهم أَوْ في الطرقات، ومن بين هؤلاء العثورُ على جثة الضابط رشيد عبدالله الحبشي مقتولاً وسط مديرية القطن.
وقُتل الحبشي رمياً بالرصاص ولم تشاهد عليه آثار تعذيب، حيث باشرت أسرة القتيل استلام جثته وسط حزن عميق لف المنطقة.
واختطف تنظيم القاعدة الحبشي قبل أَشهر وباشرت ببثّ ما قالت بأنه اعترافات له بقيادةِ جهاز الأمن القومي بحضرموت بالتعاون مع الاستخبارات الأَمريكية في تعقب وقتل عناصر التنظيم في الـيَـمَـن.
وكان أهالي حضرموت وأعيانهم قد طالبوا القاعدة في وقت سابق برسالةٍ موقّعةٍ منهم بالإفراج عن الحبشي، متهمين القاعدة بتزييف الحقائق وأن تلك الاعترافات أخذت منه بالقوة وتحت التهديد.
ومن بين الأعمال الإجْــرَامية قيام القاعدة باختطاف العقيد ناصر الصنعاني نائبِ مدير البحث الجنائي في المناطق الساحلية بالمحافظة من وسط العاصمة المكلا.
وكان تنظيم القاعدة قد تبنى يوم الأربعاء 22 فبراير 2016 اختطاف محمد باعلوي، مدير عام مديرية “حجر” في بالمحافظة، مشيراً إِلَـى أن “اعتقالَه جاء بعد تحريات واسعة وجمع للإثباتات عن قيامه بنشر فكر الحوثيين في المنطقة.
إجبارُ الناس على دفع الضرائب
ومارَسَ التنظيمُ سُلُوكاً إجْــرَامياً بحق المواطنين، عن طريق إجبارهم على دفع الضرائب بالقوة، ويعد مصدر الدخل الأَسَـاسي للتنظيم هو في الضريبة على المحروقات.
واستطاع التنظيمُ أن يوفّر مواردَ مالية يومية ثابتة، ونجح في إيجاد مصادر دخْل كبيرة نسبياً مقارنةً بوضع المنطقة، فأعاد السماح بدخول القات وتعاطيه في المكلا مقابل فرض ضريبة مضاعفة عليه، واستخدم طريقة المقاولة الجمركية في ميناء المكلا، أي عبر فرض مبلغ مئتي ألف ريـال يمني على كُلّ حاوية تدخل بغضّ النظر عن محتوياتها.
وحصل أحياناً على مبلغ مقطوع، كفرض مليوني ريـال، مثلاً، مقابل شحنة باخرة تجارية كاملة (من الحجم الصغير الذي يستوعبه الميناء).
هذه الطريقة وفّرت أموالاً طائلة للتنظيم، وقد استحسنها التجار واستغلوها بطريقتهم، حيث شهد الميناء نشاطاً غير عادي لم يسجل منذ تأريخ إنشائه.
وهدّد التنظيم بإغلاق بعض مكاتب شركات الاتصال الأربع العاملة في البلد، وألزمها بدفع عشرات الملايين من الريالات كضرائب مستحقة. ونشط في جباية الضرائب في حالات مماثلة، إلا أن مصدرَ دخله الأَسَـاسي يتمثل في الضريبة على المحروقات، حيث أضاف مبلغ 40 ريـالاً على كُلّ ليتر بحسب صحيفة الأخبار اللبنانية.
هذا الموردُ وحدَه وفّر دخلاً يومياً يقدر بنحو 400 إِلَـى 500 مليون ريـال، إِذَا ما أخذنا بالاعتبار أن حضرموت قبيل العُـدْوَان كانت تستهلك مليوناً وسبعمئة ألف ليتر ديزل (مليون ليتراً للساحل وسبعمئة ألف ليتر للداخل)، ويقابله تقريباً الرقم نفسه بالنسبة إِلَـى البترول.
عبَثٌ بالمساجد وهدم القبور والأضرحة
وضمن سيناريو الإجْــرَام والعبث بمدينة المكلا لجأ تنظيم القاعدة والعناصر الداعشية خلال سنة من السيطرة على المكلا إِلَـى هدم الأضرحة والقباب التأريخية التي تعودُ لعلماءَ ورموز دين من التيار الصوفي في حضرموت، وسلاطين حكموا المدينة في القرون الماضية.
كما قام التنظيمُ بهدم عدد من القبور في مدينة المكلا، شاكراً كُلَّ مَن سعى معه في إزالتها، ومن بينها أضرحة مَشَايخ «آل باوزير» في مديرية غيل باوزير.
وبرّر التنظيمُ في بيانه هدمَ القبور بأقوال بعض العلماء والفقهاء، التي تفيد بضرورة هدم ما يُبنى عليها.
وتتميز حضرموت بكثرة مساجدها بما يؤهلها لأن تكون مادة خصبة لدراسة مميزات عمارة المساجد والتي يزيدها تميزاً أن جميع القديم منها مبني من الطين.
وعندما نتأمل في عمارتها فستجد أن جميع مناراتها وخصوصا الطويلة منها قد بنيت على الشكل المخروطي الدائري القاعدة التي تضيق مع الارتفاع نحو القمة.
ونظراً لاستخدام الطُّوب الطيني المحلي (المدر) في البناء فذلك النمَطُ في المنائر يكونُ الأنسبَ والأَكْثَرَ قوةً (نظراً لتداخُل المدر وتماسكه في الإطار الدائري المغلق للنسق البنائي للمنارة)، وذلك إِذَا وضعنا في الحسبان الاعتماد المطلق على الطين والمدر الطيني.
إختطافُ واغتيالُ الرموز الدينية
ومن أَكْبَر الجرائم التي يرتكبها تنظيم القاعدة في المكلا عاصمة حضرموت قيامه بمضايقة الرموز الدينية المناوئة له واعتقالها واغتيال البعض.
وأقدم مسلحان يستقلان دراجة نارية يشتبه أنهما من تنظيم القاعدة الإرْهَــابي مساء الجمعة 20 يونيو 2015 على اغتيال إمام وخطيب جامع الحزم بمديرية شبام حضرموت الشيخ حسين عبدالباري العيدروس أثناءَ توجُّهه للمسجد لأداء صلاة العشاء.
وأطلق المسلحان أعيرتهَما النارية صوب الشيخ العيدروس وأردياه قتيلاً في الحال ولاذا بالفرار.. وتم نقل جثة العلامة الشهيد العيدروس إِلَـى مستشفى المدينة.
وأثار اغتيال العيدروس إمام وخطيب جامع الحزم في شبام، سخطاً شعبياً في الشمال والجنوب. ومن المعروفِ أن العيدروس كان مؤيّداً بشكلٍ علني لثورة “سبتمبر 2014»، ورافضاً للعُـدْوَان ولوجود «القاعدة» في حضرموت.
وأقدم تنظيم القاعدة مساءَ السبت 16 مايو 2015 باعتقال الشيخ القبَلي والديني الشيخ ناصر عبدالله باشيبه بافقير أَحد مشايخ قبيلة آل بافقير النعمانية إحْــدَى قبايل مناطق الواحدي بمحافظة شبوة ومعه ثلاثة من مرافقيه حيث تم التحقيق معهم واطلاق سراحهم، أما الشيخ ناصر بافقير فقد تم احتجازُه لدى أَنْـصَـار الشريعة.
ويعد الشيخ بافقير أَحد الشخصيات القبلية المتسمة بالطابع الديني ويحظى باحترامٍ واسع في كُلِّ مناطق الواحدي بشبوة.
مظاهراتُ غضب ضد التنظيم في شوارع المكلا
ولا يجرؤ أَحدٌ في حضرموت على معارضة تنظيم القاعدة؛ لأن مصيرَه واضحٌ القتل أَوْ الذبح والسحل وما إِلَـى ذلك من الأعمال البشعة الإجْــرَامية، لكن أعمالَ التنظيم دفعت المواطنين للخروج بمسيرات ومظاهرات غاضبة ضد هذه العناصر الإجْــرَامية.
فبعد مرور شهر من سيطرة التنظيم على المكلا ألقى الشيخ عَبدالعزيز المرفدي خطيب مسجد جامع الشرج خطبة هاجم فيها تصرّفات وأعمال التنظيم، وقيامهم بنهب مُؤَسّسات وممتلكات الدولة، فقام أفراد من عناصر تنظيم القاعدة باعتقاله أثناء القائه الخطبة، وهو ما أطلق شرارة الغضب في نفوس المواطنين الذين خرجوا في مسيرة جابت الشارع الأول بالشرج، مرددين شعارات ” يا باطرفي برع برع حضرموت با تتحرر.
وردّد المتظاهرون هتافاتٍ تتعهد بتحرير حضرموت من تنظيم القاعدة، مؤكدين أن تنظيم القاعدة أمَرَ القائمين على مسجد جامع الشرج بمنع الخطابة نهائياً؛ خوفاً من الانتفاضة ضدهم ووضع المسجد تحت منظار الرقابة، مستنفراً خلاياهم في المدينة لإطفاء أي تمرد ضدهم
وخرج الآلاف من أبناء مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت يوم الخميس 25 مايو 2015 في مسيرة حاشدة للمطالبة بطرد عناصر تنظيم «القاعدة» من المدينة والمحافظة، وإعَـادَة الأمن، وفكّ الارتباط عن الشمال.
وانطلقت المسيرة من شارع «الكبس»، وطافت عدداً من الشوارع، إِلَـى أن وصلت إِلَـى ساحة الحرية في مدينة المكلا.
وقد شارك فيها عدد من القيادات المحسوبة على «الحراك الجنوبي»، وأفراد من أحزاب «المؤتمر»، و«البعث»، و«الاشتراكي»، و«الناصري»، فيما غاب عناصرُ حزب «الإصلاح» بأمرٍ من قيادة الحزب، كذلك شاركت القيادات النسائية في المحافظة.
وحاول عناصر مسلحون من تنظيم «القاعدة» منع الناس من الخروج في المسيرة عبر إطلاق النار العشوائي، لكن سَرعانَ من انسحب هؤلاء العناصر بعد مشاهدتهم للأعداد الكبيرة من المشاركين.
ومساءً، شن التنظيم حملة اعتقالات واسعة ضد عدد من الناشطين الذين نظموا المسيرة، عرف منهم محمد المقري وأمير باعويضان.
معسكراتُ القاعدة والتجنيدُ الإجباري
ونتيجةً لسيطرة القاعدة على المكلا والعلاقة القوية التي تربُـطُ السعودية بهؤلاء فقد تم إنشاءُ معسكر جديد في منطقة قريبة من الحدود الـيَـمَـنية السعودية، وتحديداً قرب مطار البديع بالقرب من منطقة الخرخير، في مديرية رماه في صحراء حضرموت في الأَشهر الأولى من سيطرة القاعدة على المكلا.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “صدى المسيرة” فقد دخلت هذه المجموعة باسم الإغاثة ثم تحوَّلت إِلَـى لجنة تدريب مكوَّنة من تسعة أشخاص أربعة إمَـارَاتيين وأربعة سعوديين ويشرفُ عليهم رجل سعودي اسمُه عادل إبراهيم القاسمي.
ودخلت هذه المجموعةُ إِلَـى المكلا والتقت بأغلب المجتمع في اجتماع كبير وطلبت منهم تشكيل لجانٍ من الأهالي من كُلّ قبيلة 3 ما عدا قبيلة العوامر منها 6، بحيث يكونُ هؤلاء حلقةَ وصل بين اللجنة والقبائل ويكونون ممثلين للقبائل أمام اللجنة، وطلبوا بتسجيل الأسماء الملتحقين بالمعسكر خلال أسبوع، كما تم استدعاءُ كُلِّ مَن كان في الجيش وتم اقصاؤهم في 94 وما بعد، وقامت باستدعاء الشباب من كُلّ قبيلة 250 موزعين على أفخاذ القُبُل استدعتهم إِلَـى رماه وعملت لهم دورة مدتها 14 يوماً.
الدورة كانت أشبهَ بتعبئة عامة وتحريض ضد الشعب الـيَـمَـني والثورة الشعبية السلمية، وتمت تغذيةُ الملتحقين بها طائفياً ومذهبياً، كما قامت بتسليحهم بأسلحة أَمريكية حديثة الصنع.
وتم الإِعْــلَانُ عن التسجيل وتجنيد أفراد كحرس حدود للمناطق الحدودية الممتدة من منطقة البديع حتى الحدود المحاذية لمناطق ثمود ورماه تحت القاعدة، وسط تواطؤ من بعض المشايخ والقبائل المستهدفة مثل قبائل: العوامر والمناهير والصيعب وآل كثير وغيرها من القُبُل المجاورة.
ويقعُ المعسكرُ في منطقة “عيوه” وهي أرض تقعُ ضمن أراضي قبيلة المناهير، وتم اختيارُ هذه المنطقة؛ لأن اللجنة الاستخباراتية الإمَـارَاتية السعودية بعضَها من أفراد هذه القبيلة.
وتدفعُ اللجنة للمجنّدين الجدد مرتبات تتراوح من 2000 سعودي إِلَـى 4000 ألف سعودي، بحيثُ أن الجنودَ القدامى لهم الأفضليةُ؛ بسبب خبرتهم السابقة وانخراطهم السريع في التدريب.
وبحسبِ المعلومات فإن هذه الترتيبات تم الإعدادُ لها منذ أَكْثَر من شهر وما زالت قائمةً حتى الآن، وقد بلغ عدد المسجِّلين 1.200 مجند، وهذا العدد قابل للتوسعة بعد شهر رمضان؛ لأن العدد الذي حددته اللجنة هو 20.000 جندي.
وقد شُكّل هذا المعسكرُ تحت ذريعة حماية الأرض وحماية قوافل الإغاثة، واللجنة توحي للشباب بأنهم سيكونون تبعَ درع الجزيرة، وهو يُعتبر استقطاعاً من الأرض الـيَـمَـنية لصالح السعودية.
وتفيدُ المصادرُ أن تغذيةَ المعسكر تنقل يومياً على متن ثلاث طائرات مروحية، كما أن هناك مروحية تقوم بتأمينهم صباحاً أثناء قيامهم بالتدريبات الصباحية، ويتم نقل أَكْثَر من 65 قالباً من الثلج صباحاً ومثلها ليلاً.
وأنشأت السعوديةُ معسكراً خاصّاً بعناصر تنظيم القاعدة في مديرية زمخ ومنوخ في صحراء حضرموت في الحدود مع السعودية وتقومُ السعودية من خلاله بتجنيد الشباب وتدريبهم وإرسالهم إِلَـى الجبهات بمأرب وغيرها.
وتشيرُ المعلوماتُ إِلَـى أن اللواء 27 ميكا يُعَدُّ مصنعاً للمفخَّخين من الشباب، وأن السعوديين يقومون بغسل دماغ هؤلاء وتفخيخهم وإرسالهم إِلَـى المكلا.
وحَوَّلت عناصرُ (القاعدة) مركَزَ بالفقيه الواقع جوار القصر الرئاسي إِلَـى محكمة خَاصَّـة بها، وتقومُ بمحاكمة الناس فيها والقاضي الذي يترأسُها هو عبدالله الكثيري ويعتبر مفتي (القاعدة)، كما تم إنشاء محاكم أُخْــرَى.
وتؤكدُ مصادرُ محليةٌ بمدينة المكلا أن الأطقمَ العسكرية السعودية تدخُلُ الأراضي الـيَـمَـنية وبشكل يومي، حيث شاهَدَ المواطنون دخولَ طقمَين سعوديين يوم السبت الماضي، حيث قاما بتمشيط المنطقة ومن ثم عادا إِلَـى الأراضي السعودية عبر منطقة الخرخير ومطار البديع.
حضرموت.. المحافظة التي لم يطَلْها قصفُ العُـدْوَان
وخلالَ عام من سيطرة تنظيم القاعدة على محافظة المكلا ظلت بعيدةً عن مرمى الغارات الأَمريكية السعودية وبمنأىً عن الحصار الخانق المفروض على بقية المحافظات الـيَـمَـنية رغم خضوعها لتنظيم “القاعدة في جزيرة العرب» المدرج على «قائمة الإرْهَــاب» السعودية، والذي خصصت واشنطن، الداعمة للحرب السعودية الحالية، استراتيجية لمكافحته في الـيَـمَـن منذ أَكْثَر من عقد.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 892 مرة