السيد العلامة/ مجدالدين المؤيدي
مولده
ولد رحمه الله في 26 شعبان سنة 1332هـ، بالرضمة من جبل برط، دار هجرة والده الأولى، لَمَّا انتقل إلى هنالك من هجرة ضحيان صعدة، مع مَن ارْتَحل من العلماء الأعلام إلى مقام الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، لاستقرار الإمام هنالك، وقيامه بواجب الدعوة، ونشر العلم الشريف، رغم استيلاء الأتراك على أكثر قطر اليمن.
نسبه
نسبه الشريف من جهة الأب:
هو الإمام الحجة المجدد للدين، المحيي لما اندثر من علوم آبائه الأكرمين، مولى المؤمنين، أبو الحسين مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبد الله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار القاسم بن الإمام النَّاصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
نسبه الشريف من جهة الأم:
والدته هي بنتُ الإمام المهدي لدين الله أبو القاسم محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام المؤيد بالله أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي التقي بن محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن سيد العابدين علي بن الحسين السبط بن الإمام الوصي علي بن أبي طالب.
نشأته
شبَّ زاده الله شَرَفاً بين هذه الأسرة الكريمة، وعليه رقابة عين العناية القدسية، وتوجيهات العواطف الروحانية الأبويّة، فَدَرَجَ بين أحضان البيئة العربية، والتربية الهاشميّة العلويّة، يتلقّى المواهب الفطرية السنية، وفتوحات الطموح إلى المعالي والعبقرية، فصَفَت سريرتُه، وخَلُصت عن كل شائبة سجيتُهُ، وانطبعت نفسه بمبادئ الخلاصة المصطفاة، ومقوّمات السعادة والصراحة في ذات الله، وطَهُرت طفولته الغضّة عن أوضارِ لداته، وحاز المُثُل العليا في عنفوان حياته، وربَّ صغيرِ قومٍ كبيرُ قومٍ آخرين، فنبغ منه مثقّف مؤيّد، ومقوّم مسدَّد، مؤهّل للمكرمات، مرشّح للكمالات، وقد استزاد من ظروفه المحيطة، ولمحاته الصادقة الحديدة، عِلْماً إلى فَهْمٍ، وتصميماً في الجدّ والعزم، كي يلحق بركبه.
دراسته ومشائخه
أقبل بكلِّيته إلى العلم وشغف به وعكف عليه، وألبّ به، وقد ساعده اتقّاد ذهنه.فدرس على والده جلّ العلوم، المنطوق منها والمفهوم، في: النحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، واللغة، والأصولين، والتفسير، والحديث، والفقه، والفرائض، ومعرفة رجال الرواية، والتاريخ، والسير، وغير ذلك. وأخذ عن المولى السيد العلامة نبراس آل محمد وحافظهم الأوحد الحسن بن الحسين بن محمد الحوثي- أدام الله علاه– في مختلف العلوم، وأجازه فوق ذلك بالإجازة العامة في جميع مسموعاته ومستجازاته، ومؤلَّفه العظيم التخريج على الشافي، الذي فَوَّضَهُ في ترتيبه وتنقيحه، وشيخُهُ المذكور أخذ عن والده، وهو عن الإمام المهدي محمد بن القاسم الحسيني. كما تلقّى المؤلف عن المولى السيد الحافظ المجتهد المطلق شيبة الحمد عبد الله بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي في بعض علوم العترة، وأجازه إجازة عامة في جميع مؤلَّفاته التي منها: الجدوال مختصر طبقات الزيدية، وجميع مسموعاته ومستجازاته، ومؤلّفات والده الإمام الهادي، وشيخُهُ المذكور أخذ عن والده الآخذ عن الإمام المهدي أيضاً. وله مشائخ غير من ذُكر أخذ عنهم وأخذوا عنه.
أمَّا المولى السيّد العلامة بدر آل محمد: محمد بن إبراهيم المؤيدي الملقب بابن حورية رضي الله تعالى عنه، فأجازه إجازة عامة نثراً ونظماً، ثم ساق في ذكر مشائخه، وطرقه وإجازته للمؤلف، كما أجازه غيرهم من العلماء المبرّزين.
وبعد أن استولى على عِلْمَيْ الدراية والرواية، وسلَّمته أزمَّتها أربابُ التحقيق والهداية، طار اسمُه، وشاع ذِكْرُه، وعَظُم خطره، فصار قِبْلةَ الأصابع، وممثّل الفضيلة الجامع، ورائد المتطلِّعين إلى ذروة الفوز والفلاح، وطليعة السابقين من دعاة الحكمة والعدالة والإصلاح، تَلْهج الألسن بمحامده، وينشر الأثير آيات مجده وشواهده، ولذلك خَفَّت إليه جموع الطلبة، أهل الهمم الساميات، وأحدقت به الآمال من كلّ المناحي والجهات، فبسط لهم من خُلُقِه رحباً، ومنحهم إقبالاً وقُرباً، وملأ قلوبهم شغفاً بالعلم وحباً، وشحذ عزائمهم، ورَتَق ما فتق من تصميمهم ونشاطهم، فكان لهم أخاً شغوفاً، ووالداً براً عطوفاً، وصَيّباً هتّاناً دفوفاً، أنساهم عن الآباء والإخوان، وعن نفيس الجواهر والعقيان، فسبحان ربّ يعطي مَنْ يشاء ما يشاء، أريحيَّة هاشميّة، وأخلاق محمديّة، وتحملات علويّة.
تنقلاته وجهوده في نشر العلم
إبان الستينيات والحرب اليمنية بين الجمهوريين والملكيين, انتقل وأسرته إلى نجران في جنوب المملكة العربية السعودية واستقر بها ما شاء الله, وهنالك أحاط به طلاب العلم المتلهفون إلى سماع دروسه، فقام بدوره في نشر المعارف بعيداً عن وطنه، ثم انتقل إلى الطائف وهنالك أدى نفس الوظيفة، فما زال يَتَنَـقَّل بين نجران والطائف وجدة والرياض ومكة والمدينة وصنعاء وصعدة، وفي كل مكان يهطل على قلوب طلاب العلم كهطول الماء على الأكباد الظامئة.
أسلوبه في التدريس
ومهما ينسَ من شيء لا ينسى أسلوبه الحسن، وطرائقه الفذّة في التدريس، والتلقين بالتوضيح والتفهيم، والصبر على طبع المعاني في قرارة نفوس الطلبة، وتصويرها الممتاز، والتنازل إلى حدّ أن تهال عليه المناقشة والاعتراضات، فيُرْسل عليها أشعة أنواره، وصحاح علومه وآرائه، فتنسخ غياهبها، وتقطع شجونها، فيتحوّل المعترض مقتنعاً راضياً مستسلماً، لكنه آمن من مغبّة الخطل والخطر، مستلزماً لنتائج مقدّماته في الورد والصَدَر. على هذا أنه دائم البحث في الدفاتر، منكتاً عن ذخائر النفائس والجواهر، مشرفاً على همسات الأفكار والخواطر، وفلتات الأصاغر والأكابر، مميزاً الصحيح من الردي، كاشفاً عن الوجه الشناعة والوضي، إن ردّ أفحم، أو استدلّ أجاد وأفهم، أو جُوري سبق، أو اسْتُمطِر تدفَّق.
هو البحر من أي الجهات أتيته..
بغزارة في المادة، وقوّة في العارضة، وبُعْد في النظر، وإجازة في وجازة، وسهولة في جزالة، وطلاوة في بلاغة، وإبداع في الاختراع، وسعة في الإطلاع، ووقوف عند الحد، وتصميم في دعم كيان الحق، واقتحام في غمار الفحول، وانقضاض للأخذ بتلابيب الجهول إلى حضيرة المعقول والمنقول، كم نَعَش حكماً دفيناً من بين أطباق الحضيض، وعدل في مهارة للتثقيف أَوَد القول المهيض، مع نظمٍ فائق، ونثرٍ مسجع متعانق، وحلّ لمشكل، وبرءٍ لمعضل، وتبيين لمجمل، وتوضيحٍ لمبهم، وجمعٍ لمفترق، وقيدٍ لآبدة، وسيطرة على شاردة، وإيراد في إقناع، وَدَّع للخصم في أَجَمِ الانقطاع، والحال يشهد، والعيان فوق البيان.
ورعه وزهده ومعيشته
نشأ على الزهد واستمر عليه لم يكن مترفاً ولا مشغولاً بالرفاهية، لا فقيراً فقراً مدقعاً يزدريه الأراذل، و لا ثرياًّ ثراءً مبطراً، يقنع من الزاد بما يقيم صلبه غير شره ولا نهم، لا يبالي بالزمان ولا يهمه اكتساب درهم و لا دينار. ورع عفيف، لم يخالط الدولة ولم يقم بوظيفة قط سوى تدريس العلم وراتبه مشترط أن يكون من أموال المعارف الموقوف على العلماء والمتعلمين. لم يقم بقضية تتصل بالدولة إلا نافعاً أو شافعاً لضعيف ظُلِم.
قسمه الشهير
قال: "قَسَمَاً بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيْرِ، قَسَمَاً يَعْلَمُ صِدْقَهُ الْعَلِيْمُ الْخَبِيْرُ أنْ لا غَرَضَ لَنَا وَلا هَوى غَيْرَ النُّزُولِ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوُقُوفِ عَلَى مُقْتَضَى أَمْرِهِ، وَأَنَّا لَو عَلِمْنَا الْحَقَّ فِي جَانِبِ أَقْصَى الْخَلِقِ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيِّ، أَو قُرَشِيٍّ أَوْ حَبَشِيِّ لَقَبِلْنَاهُ مِنْهُ، وَتَقَبَّلْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمَا أَنِفْنَا مِن اتِّبَاعِهِ، وَلَكُنَّا مِنْ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِ وَأَتْبَاعِهِ، فَلْيَقُلِ النَّاظِرُ مَا شَاءَ، وَلا يُرَاقِبْ إلاَّ رَبَّهُ، وَلا يَخْشَى إلاَّ ذَنْبَهُ، فَالْحَكَمُ اللَّهُ، والْمَوعِدُ الْقِيَامَة، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ".
- قرأت 64455 مرة