مجاعة اليمن والتكذيب بالدين........بقلم المفكر /حسن بن فرحان المالكي
مجاعة اليمن والتكذيب بالدين
بقلم المفكر /حسن بن فرحان المالكي
كلامُ مسؤول منظمة الغذاء العالمي في مجلس الأمن الأخيرة عن الوضع الإنْسَاني في اليمن محزنٌ جداً ومؤسفٌ جداً، ويُنْذِرُ بعقوبة إلهية عاجلة، ومن لم يعظه القرآنُ فلا واعظَ له. سأذكر بعضَ الآيات، لعله يتعظُ بها من يتسبّب في هذه الكارثة، من أَي طرف كان، بل الساكتُ على خطر عظيم قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذي يُكذِّبُ بِالدِّين (١)).. هذا سؤالٌ إلهي، فما جوابه الإلهي؟ اسمعوا أيها المتسببون والساكتون، اسمعوا جواب الله: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣)} [الماعون] هذا حال الساكت، فكيف هذه الآيات قد تحشرنا في (الذين يكذبون بالدين) لعدم الحض على طعام المسكين. ولأن الأقربون أولى بالمعروف. والعقوبة بسببهم أولى أيضاً، فكل من يدع عنه اليتيم (يحاول دفعه عنه)، ولا يحض (يحث) على طعام المسكين.. فهو مكذب بدين الله! ولكن عند الله فقط، وأظن أنه يكفي نعم، سورة (الماعون) حفظناها وتعلمناها من المرحلة الابتدائية، لكن، تعلمنا إلّا نعترف بها، أَوْ لا نصدقها تماماً، فلذلك لا نخاف منها!! لماذا؟ لأنه بصراحة وببساطة لا نؤمن بأن الذي يدفع عنه اليتيم، ولا يحضُّ على طعام المسكين، يكون مكذباً بالدين! عندنا المكذب بالدين، هو من يكفر بالله واليوم الآخر والقرآن… إلخ، وهذا تكذيب بالدين ولا شك، لكنه ليس كُلّ خصال التكذيب بالدين! نحن من نختار من كلام الله ما يتناسب مع ما نعتقد، ونرفض ما لا يتناسَبُ مع ما نعتقد؛ لذلك حذفنا من أذهاننا بعض ما ذكره الله من هذا. اسأل أَي أحد، من العامة أَوْ الخاصة: هل ما نفعله مع مجاعة اليمن فيه تكذيب بالدين؟ يستغرب السؤال: ويقول ما دخل هذا بهذا؟ لماذا؟ الجواب سهل جداً؛ لأنه لا يرى دفع اليتيم (عن الذات)، وترك الحض على طعام المسكين، كُلّ هذا لا يراه تكذيباً بالدين، فالدين عنده شيء آخر. وهذا التحريف للدين ليس من صنعنا اليوم، هو قديم، قد صنعه المسلمون من قديم حتى لا تتصدع رؤوسهم بالعمل المتعب، حصروا الدين في أقوال. ولذلك، التفّ من سبقنا على (الدين العملي الحقوقي) بدين (قولي شعائري) سهل! من قال كذا دخل الجنة، ومن قال.. كلا. لكن الله سبحانه وتعالى له تعريف آخر لدينه: دين الله دين عمل وصدق على الأرض، وليس مجرد أقوال وشعائر سلبية، لا تمتد إلى النواحي الإنْسَانية؛ ولذلك قال (فويل للمصلين).. لماذا؟، لأن الله يعلم بأن المسلمين سيخضعون لهذا الالتفاف على (دين الله الصعب)، وسيجعلون لهم (ديناً سهلاً)، فيه الأقوال والشعائر الفردية، وإلا، ما مناسبة أول آيتين في سورة الماعون مع الآية الثالثة {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لماذا؟ ما الرابط؟ إلّا يحتاج هذا أن نتدبر في الربط بين ثلاث آيات؟؛ لأن الله يعلم الغيب، ويعلم بأننا سنحصر الدين في أقوال وشعائر، ونترك (الثمرة) التي أرادها الله من (أديانه)، وهي نفع هذا الإنْسَان، فلذلك، قال (فويل للمصلين)؟ من هم يا رب؟ (الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراؤون، ويمنعون الماعون) عجيب! ما معنى هذه الثلاث الآيات؟ هذه الثلاث متحققة فينا، وقد تم الالتفاف عليها من قبل (الشيطان وأوليائه) بأحاديث وتفسيرات تجعل (القرآن عضين)، أَي أعضاء مقطعة، فأصبحنا نقول – وفقاً للمفسرين -: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) يتأخرون في أوقاتها، بعيداً عن علاقة هذا التفسير بالآيتين قبل؟ وهو التفاف.
اللهُ لا يريدُ أن تنسبَ إلى دينه أمثالنا، ممن لا يهمهم يتيم ولا مسكين، ويسهون عن (غايات الدين) و(يراؤون للناس) بأنهم مهتمون و… إلخ، اللهُ يجعل الويل للمصلين الذين يراؤون، كيف؟ وهل نحن منهم؟؛ لأن الصلاة يا أحبابنا لها غاية ووظيفة قد ذكرهما الله، وحدد صفات المصلين، المصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون، ليس معناها أنهم يؤخرونها عن أوقاتها، هذا كلام الرّوايات، لكن كلام القرآن عن السهو مختلف تماماً، فمن هم (الذين هم عن صلاتهم ساهون)؟، الجواب سهل جداً جداً جداً! هم (الذين يراؤون ويمنعون الماعون). الجواب مذكور في السورة نفسها، كُلّ من يرائي بصلاته ويمنع الماعون (والماعون كلمة عامة تشمل كُلّ ما يتنفع به)، فالسورة كلها فيه. سورة الماعون هي سورة أهل اليمن اليوم، وهي سورة كُلّ محاصر جائع، وهي سورة كُلّ الساهين والمرائين، سورة لهم جميعاً، وكل واحد يعرف نفسه. لا أحدد هذه الجهة أَوْ تلك، إلّا أنني أقول لكل من يتسبب في مجاعة اليمن أَوْ غيره – واليمن قريب، والأقربون أولى بالمعروف – أقول: اتق الله. الذين قد أشربوا في قلوبهم الخصومات لست منهم في شيء، إنما أقول أمامي واقع (مجاعة)، وهذا لم يأت من فراغ، فليتقِ المتسببون الله. كل من تسبب بمجاعة، من أَي طرف كان – لا تهمني الجهة – أَوْ (ترك الحث على طعام المسكين)، أَي مسكين، فالسورة تدخله في المكذبين بالدين.
أنا أخشى أن يشملنا الله بعقوبة، نحن الباحثين، أهل الرأي، لأننا نترفع على الجوانب الإنْسَانية، ولا نحض على طَعام المسكين، كلامنا متكبر. كلامنا أَكْثَره في الأفكار النظرية، من السياسات والأحزاب والمذهبيات… إلخ، كُلّ من لم يحض على طعام المسكين فهو داخل في التكذيب بالدين. سورة الماعون جعلها الله حجة على الجميع، صغيرة وواضحة جداً، ولن يسألنا الله عن الرواية، إنما (ألم تكن آياتي تتلى عليكم)؟
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 2107 مرات