آل سعود يعكسون البوصلة....بقلم/طلال ياسر
آل سعود يعكسون البوصلة
بقلم/طلال ياسر
في الوقت الذي كان يُنتظر فيه من القمة العربية اتخاذ موقف حاسم من جريمة التهويد الممنهج التي تقوم بها “إسرائيل” لمعالم مدينة القدس التاريخية، يأبى سلمان بن عبد العزيز آل سعود بحكم طبيعة عائلته الوظيفية في المنطقة إلا أن يصنع أزمة جديدة تذهب باهتمام الجميع مئة وثمانين درجة بشكل عكسي.
فهذا التزامن الغريب والمريب بين العدوان السعودي على اليمن وموعد انعقاد القمة العربية لا يوحي أبداً ببراءة الهدف الذي جاء من أجله، لأنه سيؤدّي تلقائياً إلى تهميش القضية المركزية للأمة العربية (قضية فلسطين) وتحويلها إلى قضية ثانوية وتفريغها من أهميتها وحساسيتها، وهو بطبيعة الحال يصرف نظر المشاركين بالقمّة عن موضوع محاربة الإرهاب الداعشي الذي يقوم به كل من الجيشين العراقي والسوري بالنيابة عن العرب جميعاً، بل عن العالم أجمع، وهو الإرهاب الذي لم يعُد يخفى على أحدٍ في هذا العالم أنه مصنوع من المال الخليجي النفطي والسلاح الأمريكي الصهيوني لأداء مصلحة متبادلة تمكّن دول الخليج من تحويل كل من سورية والعراق دولاً تابعة للوصاية والهيمنة الأمريكية من جهة، وتنقذ الدول الغربية من أزماتها المالية المتتالية عبر إنعاش سوق السلاح الغربي من خلال صفقات بمئات المليارات من الدولارات التي تدفعها دول الخليج لتدمير جيوش دول الطوق ومحو تاريخها العريق وكل مقوّمات القوة فيها، وكل ذلك طبعاً لا يخدم من حيث النتيجة إلا أمراً واحداً هو تمكين “إسرائيل” من إعلان نفسها “ دولة يهودية” باعتراف جميع العرب بعد أن تتمكّن من تفريغ فلسطين من كل أهلها الحقيقيين مسلمين ومسيحيين.
ولكن لماذا يقوم سلمان بإخراج هذا العدوان في القمة العربية على أنه تنفيذ لمقررات القمم العربية السابقة حول معاهدة الدفاع العربي المشترك وتشكيل قوة عربية تنفيذاً لذلك؟، ويركز في الوقت ذاته على أن الدول التي تشارك معه في العدوان على اليمن هي دول تمثل السنة في المنطقة في مواجهة تمدّد إيران “الشيعية”، ولكن هنا من بوابة جماعة “أنصار الله” في اليمن التي تنتمي طائفياً إلى المذهب الزيدي؟.
يعلم الجميع في العالم العربي أن الأئمة الزيديين حكموا اليمن قروناً طويلة وحافظوا على استقلال هذا البلد طوال هذه القرون ضد الغزو العثماني وغيره، وأن اليمن لا يوجد فيه إلا مذهبان دينيان هما المذهب الشافعي والمذهب الزيدي، وهما متقاربان كثيراً ومتعايشان، كما أن وجودهما في اليمن كان متزامناً، فلماذا يحاول آل سعود الآن اللعب على الوتر الطائفي في هذا البلد، وهل بات الوقت ضيّقاً على آل سعود للتمكّن من تفجير حرب شيعية سنية في العالم الإسلامي، حتى استعجلوا في شنّ هذه الحرب تحت هذه الذريعة ووفقاً لهذه الفرضية؟.
إن المتابع لمسيرة هذه العائلة “آل سعود” عبر تاريخها منذ استيلائها على الحكم في “نجد والحجاز” من خلال امتطاء صهوة “الفكر الوهابي” الذي صنع خصيصاً لإلغاء كل أشكال التعايش بين المذاهب الإسلامية الذي كان قائماً في أشدّ ظروف الاختلاف السياسي في الدول الإسلامية عبر التاريخ، إنما يلاحظ نهجاً واحداً لهذه العائلة قائماً على أساس زرع بذور الخلاف بين أتباع المذاهب الإسلامية ومحاربة أي نوع من أنواع التقارب بينهم، حتى إن هذه العائلة قدّمت لصدام حسين فقط مئتي مليار دولار لمحاربة إيران تحت شعار “محاربة التمدّد الشيعي ومنع تصدير الثورة الإيرانية”، وكأن الثورة الإيرانية سلعة استهلاكية يتم تصديرها من بلد إلى آخر، وكذلك عمل إعلامها الديني “المتأسلم” على التركيز على القضايا الخلافية بين المذاهب وتكفير كل من يخالف “المذهب الوهابي المختار” إمعاناً في إحداث الفرقة بين المسلمين، كما دعمت مهلكة آل سعود جميع الإرهابيين الموجودين في العالم وأرسلتهم إلى سورية والعراق بدعوى محاربة التمدّد الإيراني في هذين البلدين، وهي ترفض كل المحاولات الصادقة من جمهورية إيران الإسلامية للحوار حول جميع المواضيع الخلافية المطروحة، فلماذا كل هذا التمحّل في إثارة الخلافات بين الدول الإسلامية؟ وهل يتم هذا الأمر عن سوء تقدير فقط؟.
وهل آل سعود حقاً يخشون الحوثيين لمجرد أنهم يربطون طائفياً بينهم وبين إيران، أم لأنهم يعتبرون الحوثيين فعلياً امتداداً للأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن قروناً طويلة ويعرفون حقيقة القبائل التي كانوا يحكمونها وخاصة في نجران التي ينتمي إليها آل سعود، وبالتالي يستطيعون فضح حقيقة هذه العائلة، وهذا الأمر بالنتيجة سيقود الحوثيين إلى المطالبة بأراضي أجدادهم الأئمة الزيديين من جيزان إلى صامطة وبلجرشي، إلى أبها في أقصى الشمال حتى حدود الطائف، وهي مدن تشهد أسماؤها على أصولها اليمنية تاريخياً.
من كل ما تقدّم يتبيّن أن لا أحد في هذا الكون يمكن أن يقتنع بأن آل سعود طلبوا تأييد كل من مصر وباكستان “أكبر دولتين إسلاميتين” وغيرهما من الدول التي تدّعي حماية “السنّة” في المنطقة، لمجرّد أن الهدف إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد بعد أن خرج من العباءة السعودية، بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونقول: إن العدوان السعودي على اليمن إنما هو عملية حرف نهائية للبوصلة عن “إسرائيل” بوصفها العدوّ الأول للعرب، وتنصيب “إيران” عدوّاً للعرب بدلاً منها حتى لو رفضت إيران ذلك، وذلك في تزوير مفضوح لحقيقة مخاوفهم من أن تتسلّم في اليمن حكومة مستقلة سيادية تملك قرارها، وبالتالي تستطيع أن تتخذ القرارات الجريئة في القضايا القومية، وبالتالي تعرّي آل سعود وتفضحهم وتنزع عنهم آخر أوراق التوت التي يستترون خلفها، ولاسيما أن الذي جاء بالحوثيين إلى السلطة هي ثورة شعبية عارمة ضدّ الفقر والتهميش والتبعية والوصاية التي عمل نظام آل سعود على تكريسها طوال الفترة الماضية في اليمن.
*موقع قناة المنار
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1683 مرة