السعودية.. التحالف العقيم والعاصفة العاقر..بقلم/أمين أبوراشد
السعودية.. التحالف العقيم والعاصفة العاقر
بقلم/أمين أبوراشد
منذ يومين سُئل المتحدِّث السعودي بإسم "عاصفة الحزم" العميد الركن أحمد العسيري خلال مؤتمرٍ صحفي: إذا كانت عاصفة الحزم تؤدي مهامها بضرب الحوثيين والمتحالفين معهم من الشعب اليمني، فما تفسيركم لإنتشارهم في كافة المحافظات واستمرار صمودهم؟ فأجاب: هذا ليس إنتشاراً بل إنكفاءً لأنهم يختبئون مع أسلحتهم الثقيلة والخفيفة ومضاداتهم الأرضية بين المدنيين!
لكن التصريح الأبلغ عن الوضع الميداني على الأرض في اليمن، ورد يوم أمس الإثنين على لسان أستاذ القانون والناشط السياسي اليمني المُقيم في السعودية الدكتور محمد العوَّادي، ردّاً على أسئلة إحدى الفضائيات العربية الداعمة لعاصفة الحزم:
- ما تفسيركم لقوة الحوثيين في المحافظات الجنوبية وفي محيط عدن بالذات؟ فقال: للأسف،إن قبائل الشمال خيَّبت آمالنا، ولا بدّ للقبائل الجنوبية التي تُواجه الحوثيين وجيش علي عبدالله صالح من أن تُزوَّد بالأسلحة والذخائر من الجو لتستمر في صدّ الهجمات.
- ما رأيكم بالتدابير التي اتَّخذها الرئيس عبد ربّه منصور هادي بإقالة قادة عسكريين ونيَّته تعيين بدلاء عنهم؟
الجواب: ليس المهم إتخاذ القرارات من بعيد، لأنه حالياً لم تعُد هناك مؤسسة عسكرية إسمها الجيش اليمني على الأرض، وكافة ألوية الجيش إما موالية للحوثيين أو للرئيس السابق علي عبدالله صالح!
وعليه، فلن نرمي كل التُّهم على الأميركيين رغم تورّطهم وتوريط السعودية وحلفائها معهم في مستنقع لا خلاص منه في اليمن، لأن ثلاثة أسبابٍ محض سعودية واضحة للعيان أدَّت الى هذا التورُّط: أولاً، وصية مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود التي يُقال أنه أودعها لأبنائه "خيركم وشرُّكم من اليمن"، فكان لا بدّ من ردَّة الفعل "العائلية" المرتعدة وهبوب العاصفة المرتجلة لأن الحوثيين كانوا قد بلغوا حدود عدن، وثانياً، عملية إثبات وجود ضرورية للعاهل الجديد الملك سلمان وسط صراع الأجنحة داخل العائلة المالكة، وردّ إعتبار للمملكة نتيجة فشل المبادرة السياسية السعودية في اليمن، والتي أدَّت الى إقالة علي عبدالله صالح وتمرًّد الشعب اليمني بعد ذلك على المبادرة السعودية الفوقية في عهد الملك الراحل عبدالله، وثالثاً وهو الأهم، إستعراض قوّة سعودي في أسبوع الإتفاق والتفاهم على الملف النووي بين إيران ودول "الخمسة زائد واحد".
أمَّا وقد حصل هذا التورُّط، فالعبرة ليست بقصف المرافق العسكرية والمدنية والبنى التحتية لليمن من فوق، خاصة أن هذه البُنى هي أصلاً الأكثر تواضعاً من أية دولة فقيرة في العالم، وبإمكان هذا التحالف إستكمال القصف التدميري لليمن من الجو دون تمييز بين منشآت عسكرية ومدنية، وقتل العسكرين والمدنيين وتشريد مئات الآلاف من بيوتهم، ولا العبرة في قصف مرفأ عدن بالبوارج الحربية كما حصل يوم أمس الإثنين في محاولة فاشلة لإعادة توازن القوى، بل العبرة في النزول الى الأرض، وهذا إن حصل فهو من قبيل الجهل بتاريخ اليمن ويشبه الى حدّ بعيد "عاصفة رملية" إستناداً الى الحقائق التالية:
1) اليمن لم ينجح أيّ مستعمرٍ في دخولها عبر التاريخ، وتركيبتها العشائرية والقبلية تجعل العصبية العشائرية والأعراف القبلية سائدة على أي نظامٍ أو قانونٍ وضعي.
2) إن تركيبة الجيش اليمني من ضبَّاط وأفراد هي من أبناء القبائل الكبيرة التي لها سلطتها على الأرض بقوتها الذاتية، سيما وأن هذه القبائل تمتلك على امتداد الأرض اليمنية 60 مليون قطعة سلاح، وعلاقة الدولة والمؤسسة العسكرية تتمّ عبر "مونة" زعماء القبائل والعشائر على الشعب والجيش، وهذا ما يفسِّر الولاء الكامل للجيش اليمني لعلي عبدالله صالح حتى بعد رحيله عن السلطة كونه ينتسب الى أكبر العشائر اليمنية.
3) عدن استقبلت الرئيس - المستقيل/العائد - عبد ربّه منصور هادي لكونه ينتمي الى القبائل الجنوبية، لكن زعماء العشائر وقادة الحراك الجنوبي عندما زاروه في عدن أكَّدوا على قرارهم بعدم العودة الى الوحدة مع الشمال، وأن انفصال الجنوب عن الشمال كما كان قبل العام 1990 هو أمرٌ حتمي وقرار نهائي مع تأكيد رفضهم فكرة تقسيم اليمن الى ستة أقاليم، وتمسُّكهم باليمن الجنوبي دولة مستقلَّة.
4) لا الحلّ السياسي السعودي نجح في إعادة اللحمة الى اليمن بعد عزل علي عبدالله صالح، ولا تدمير اليمن بالطائرات والبوارج سيُخضع العشائر والقبائل اليمنية، ولا النزول الى البرّ اليمني سيكون لصالح السعوديين، لأن السعودية تُزيل حالياً 96 قرية من جنوبها المتاخم لليمن بعد أن هجرها أهلها نتيجة المواجهة مع الحوثيين لعدَّة أيام عام 2009، وإزالة هذه القرى بالكامل تأتي خشية أن تكون ملاذاً للقوى اليمنية في أية معركة برِّية يمنية – سعودية.
والخلاصة، إن الوضع اليمني باقٍ على ما هو عليه لفترة طويلة، وسيبقى عبد ربّه منصور هادي رئيساً صورياً من السعودية، والسلطة على الأرض هي للحوثيين ولألوية الجيش المدعومة من العشائر الكبيرة وفي طليعتها عشيرة علي عبدالله صالح، والحل الوحيد الأوحد لليمن اليوم أو بعد سنوات، هو في تأسيس مجلس عشائري شبيه بمجلس "اللويا جرغا" في أفغانستان، وداخل هذا المجلس تتحاور العشائر والقبائل وتخرج عنه القرارات بمصير اليمن، والسلام على المبادرة السعودية ومخرجات الحوار السابقة لأن الأرض اليمنية تحكي إنتصارات حوثية بالتحالف مع ثلثي الشعب اليمني، ولا تراجع عن هذه الإنتصارات والإنجازات ولو تحالفت ضدّ اليمن كل أمم الأرض، وما على السعودية سوى أن تحزم أمرها وتنسحب "تكتيكياً" من مهزلة المغامرات غير المحسوبة ومن "عاصفة الحزم" ...
*موقع المنار
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 3626 مرة