مشروعُ الإحياء في مواجهة الاغتيال الأَمريكي للأُمَـم............بقلم/ إبراهيم السراجي
مشروعُ الإحياء في مواجهة الاغتيال الأَمريكي للأُمَـم
بقلم/ إبراهيم السراجي
في الوقت الذي كان الشهيْد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) يلقي محاضرته بعنوان “خطر دخول أمريكا” في فبراير من العام 2002 كان العالم الاقتصادي الأمريكي “جون بيركنز” ما يزال خائفا من نشْر كتابه الذي يفضح الأساليب الاستعمارية الأمريكية للشعوب الأخرى؛ لأنه كان يتعرض لتهديدات بالقتل، وهو القرصان الاقتصادي الذي عمل مع المخابرات الأمريكية، كما يتحدث عن نفسه لاحقا، ويمارس دوره في عمليات الاستعمار الاقتصادي لبلدان العالم الثالث وتوريط الرؤساء والحكومات عبر تقديم الرشوات لهم وابتزازهم لأخذ قروض من الولايات المتحدة باسم تطوير البنية التحتية في بلدانهم إلى أن يورطوا معهم تلك الدول في مستنقع الديون والتبعية، وإذا تمرد أحد أولئك الرؤساء، كما يقول بيركنز، كانت الولايات المتحدة ترسل أجهزة استخباراتية خاصة لتصفيته.
في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة قد أحكمت قبضتها على الغالبية العظمى من الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية على مدى العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية 1939-1945، كانت المخابرات الأمريكية تحارب بطرق سرية وعبر تلك الأنظمة أي مشروع أو فكرة تنطلق وتتجه عكس التيار الاستعماري الأمريكي بشكله الجديد، استنادا لتلك الأنظمة التي صنعتها بريطانيا وحافظت واشنطن على بقائها إلى اليوم.
ورغم أن النظام في اليمن لم يكن استثناء بين تلك الأنظمة التي سارت في الفلك الأمريكي، إلا أن انطلاقة المسيرة التي قادها الشهيْد القائد كانت تمثل خطرا كبيرا على الهيمنة الأمريكية؛ ولأن الشعب اليمني في ذلك الوقت كان منفصلا عن النظام في مسألة الاختراق الأمريكي مقارنة بجيرانهم في الدول الخليجية، فقد وقف ذلك عائقا أمام التحـرك الأمريكي المباشر الذي لجأ لمحاربة المسيرة بصور أخرى؛ لأن التدخل المباشر كان سيضع الأمريكيين في مواجهة مع كل الشعب اليمني.
وفي ظل تلك المعطيات والظروف التي استتبت للهيمنة الأمريكية، كانت انطلاقة الشهيْد القائد لمواجهة هذا المشروع الذي هيمن على العالم تمثل فارقا بحد ذاته صنعه الشهيد. أيضا لم يتنبأ الشهيْد القائد بما تخطط له الولايات المتحدة، لكنه استطاع بوعي منفرد أن يقرأ أولا طبيعة التحـركات الأمريكية في دول ما يعرف بـ “العالم الثالث”، ويبحث في أبعادها وما وراءها؛ ليستنتج خطورة المشروع الاستعماري الأمريكي على العالم العربي والإسلامي، وكان هذا فارقا آخر، صنعه الشهيد.
وانطلق الشهيد بعد ذلك للمهمة الأصعب وهي التواصل مع الناس، مع تباين مستوياتهم التعليمية وتباين وعيهم، والتوصل لأسلوب بسيط استطاع من خلاله بالأدلة والبراهين والقراءات الصحيحة أن يقنع الآخرين بما يقوله، رغم أنه كان يتحدث عن خطر كبير يتهددهم دون أن يكون الناس قد لمسوا بشكل مباشر تلك الخطورة عليهم؛ نظرا لأساليب المخابرات الأمريكية في الاختباء وراء عدة أستار تمنع البسطاء من تمييز وجود الأمريكيين خلف كل ما يحدث؛ ولذلك خاطب الناس في محاضرة (الشعار سلاح وموقف) وهو يرد على من يقول إن الخطر الأمريكي ما يزال احتمالات.. قائلا: “أمامك شواهد في بلدان أخرى، شواهد فيما يحصل في البلدان الأخرى؛ لأنها سياسة واحدة, ما تراه في البلدان الأخرى ستراه في بلادك على أيدي الأمريكيين, ما نقول إنها أشياء ما زالت فرضيات، قد رأوا أفغانستان، ورأوا فلسطين”.
بين خطر دخول أمريكا والاغتيال الاقتصادي للأمـم:
في العالم 2004 صدر كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمـم” الذي عرف بأنه “اعترافات قاتل اقتصادي”، وهو عبارة عن مذكرات يحكي فيها مؤلف الكتاب الخبير الاقتصادي الدولي “جون بيركنز” الذي ولد عام 1945، رحلته العملية مع المخابرات الأمريكية كقرصان اقتصادي، أو كما يقول “بيركنز” عن الكتاب بأنه الأسلوب الجديد للولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على دول العالم الثالث.
بيركنز أدلى بشهادته عبر برنامج وثائقي تلفزيوني، وتحدث عن الكتاب قائلا بأنه أراد أن يكشف للعالم الدور الذي لعبه في عمليات الاستعمار الاقتصادي لبلدان العالم الثالث، وذلك من خلال رشوة وابتزاز رؤساء وملوك الدول النامية وجبْرهم على قبول أخذ قروض من الولايات المتحدة الأمريكية تحت ذريعة تطوير بنياتها التحتية وجلب التقدم والمنفعة مقابل منح الشركات والبنوك الأمريكية كافة الامتيازات في جميع المناقصات والعقود، لكن الحقيقة كانت إدخال هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الاقتصادية للولايات المتحدة، وحسب شهادته كذلك في برنامج رحلة في الذاكرة على قناة روسيا اليوم، إذا ما حاول أحد الزعماء السياسيين رفض شروط التعاون أو الإذعان للحكومة الأمريكية فإن هذه الأخيرة ترسل أجهزة خاصة سماها في كتابه بـ “الجاكلز” لتصفيته، مستشهدا بما حدث لعدة رؤساء وملوك في عدة دول كإيران وبنما والإكوادور والعراق، بدء بالإطاحة برئيس وزراء إيران السابق محمد مصدق واغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في ديوانه بالسعودية وعمر توريخوس في بنما.
الكتاب أصْبـح في سنة صدوره الأكثر مبيعا في التأريخ آنذاك، وتمت ترجمته إلى أكثر من 30 لغة وصدر باللغة العربية في العام 2012 .
ويكشف الكتاب أساليب المخابرات الأمريكية لإخضاع الدول والحكومات، وكيف تساهم الشركات الأمريكية الكبرى في ذلك، وتكمن الخطورة التي يمثلها الكتاب على المشروع الأمريكي بأن مؤلفه لم يكن منظرا أو مجرد خبير اقتصادي يقدم تحليلات، بل كان أحد أهم القراصنة الاقتصاديين الأمريكيين وعمل على إخضاع دول مثل الأكوادور وبنما وكولومبيا وإيران والسعودية.
بالمقابل وفي وقت مبكر، كان الشهيْد القائد قد استطاع تعقب خطوات “بيركنز” وزملائه ممن عملوا مع المخابرات الأمريكية في معظم دول العالم، ووانطلق ليحذر الشعب اليمني من مغبة التخاذل والركون إلى احتمال عدم وقوع ذلك الخطر؛ ولذلك لم يكن غريبا أن يواجه “بيركنز” تهديدات جدية بالتصفية الجسدية إذا أقدم على نشر كتابه، وكذلك لم يكن غريبا أن تتحـرك الولايات المتحدة لمحاربة المسيرة الذي قادها الشهيْد القائد في بدايتها، وأن تتعرض حياة الناس الذين كان بحوزتهم نسخ من “محاضرات الشهيْد القائد” للخطر والبعض منهم تمت تصفيته بالفعل.
الأساليب التي انتهجتها الولايات المتحدة لاستعمار الشعوب ونهب ثروات الدول وإخضاع الأنظمة والحكومات في أمريكا اللاتينية وآسيا والمنطقة العربية، بطريقة جعلت تلك الدول رهينة الهيمنة الأمريكية التي تضع الشعوب أمام خيارين: إما القبول بالفتات الذي تبقيه لهم الشركات الأمريكية التي تتولى نهب ثروات الشعوب.. أو المعاناة من الحروب وأعمال التخريب التي تفتت البلدان برعاية المخابرات الأمريكية.
ودون أن يكون لدى الشعوب ما تواجه به هذا التوجه الأمريكي، ودون أن يكون هناك وعي وإدراك للمخططات الأمريكية تصبح الدول خاضعة للهيمنة الأمريكية، وهذا ما دفع الشهيْد القائد للتحذير من “خطر دخول أمريكا اليمن”؛ باعتبار أن هذا الدخول سيكون نسخة مماثلة للدخول الأمريكي في دول مثل بنما والاكوادور وكولومبيا وأندونيسيا وغيرها.
عمل الشهيْد القائد على مسارين.. الأول: التوعية بهذا الخطر الذي لم يكن مجرد احتمال، فمؤشراته كانت قائمة، كما حدث في الهجوم على المدمرة الأمريكية “كول” في خليج عدن، والذي كانت تريده واشنطن ذريعة لغزو اليمن أو اخضاع النظام بالكامل، والثاني: دفع الناس للإعداد والتجهيز للوصول إلى المستوى المطلوب؛ لحماية اليمن من أخطار الدخول الأمريكي والشركات الاستعمارية الأمريكية.
وفيما يقول “بيركنز” في كتابه الشهير: إن الشركات الأمريكية أصْبـحت الوجه الجديد للاستعمار الأمريكي للشعوب والدول وثرواتها، من خلال سرد حقائق ووقائع من تجربته كقرصان اقتصادي ساهم في إخضاع الحكومات، فإن الشهيْد القائد، وقبل أن يصدر كتاب بيركنز، قال في محاضرة خطر دخول أمريكا اليمن: “لا تدخل الشركات الأمريكية بلدا إلا وتنهب ثرواته، إلا وتستذل أهله، لا يدخل الأمريكيون بلدا إلا ويستذلون أهله. لكن بأية طريقة؟ عن طريق الخداع لحكوماتهم ولشعوبهم، تبريرات يصنعونها، ونصدقها بسرعة، ونوصلها إلى بعضنا بعض، نوصلها بشكل من يريد أن يقبل منه الآخر ما يقول، أي نحاول أن نقنع الآخرين بهذا المبرر”.
بالمقابل يعترف “بيركنز” أنه وزملاؤه القراصنة الذين عملوا لصالح المخابرات الأمريكية أوصلوا “الإكوادور” إلى الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون.
ويضيف بيركنز، وهو يكشف كيف انقضت بعد ذلك الولايات المتحدة على الاكوادور التي قال إنه لم يكن أمامها لشراء ديونها سوى بيع غاباتها لشركات البترول الأمريكية.
النقطة الأكثر خطورة التي يكشف عنها “بيركنز” أن هدفهم من إغراق الاكوادور بالديون كان مخزون غاباتها من النفط والذي كان يقال بأن الأرض تحتها بها مخزون من النفط منافس لنفط الشرق الأوسط.
بعد اكتشاف الشركات الأمريكية للبترول في الاكوادور التي يفترض أنها كانت ستنعم بالخير؛ بسبب هذه الثروة، إلا أن بيركنز يقول إن الشركات الأمريكية اليوم تحصل على 75 دولار من كل 100 دولار من قيمة النفط في الاكوادور التي تحصل على 25 دولار وتقوم الأخيرة بدفع 22.5 لسداد ديونها الخارجية والتي هي في الحقيقة ديون لأمريكا ويتبقى لها 2.5 دولار فقط من كل 100 دولار.
المخابرات الأمريكية وتشويه المشاريع المناهضة للهيمنة:
عندما تصطدم الولايات المتحدة بأي مشروع وطني يقاوم هيمنتها في أية دولة من الدول، يأتي دور المخابرات الأمريكية لتلعب خلف الكواليس لتشويه ذلك المشروع وتلجأ واشنطن لتمويل جهات إعلامية ومنظمات تعمل بغطاءات متعددة ووظيفتها الرئيسية تشويه المشروع المناهض للولايات المتحدة وهيمنتها من داخل المجتمع ذاته كي لا تبدو هي في الصورة وعندما تفشل تقوم بالخطوة الأخيرة وهي اغتيال الشخصيات التي تقود الوعي الشعبي ضد الهيمنة الأمريكية.
وفي هذا المجال يوجد في كتاب “بيركنز” واقعة تكشف الأساليب الأمريكية في تشويه المشاريع المناهضة لهيمنة الولايات المتحدة والمتعلقة بتشويه صورة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في زمن الشاه وصولا للانقلاب عليه من قبل المخابرات الأمريكية في العام 1953م، بالمقابل هناك الحرب الإعلامية التي مولتها أجهزة المخابرات الأمريكية ضد مشروع الإحياء والوعي الذي قاده الشهيد حسين بدر الدين الحوثي وصولا لاستشهاده في العام 2004م.
وضمن ما جاء في كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمـم” لمؤلفه “جون بيركنز” يروي الأخير كيف قامت المخابرات الأمريكية بإسقاط رئيس وزراء إيران محمد مصدق الذي انتخب مرتين الأولى عام 1951م، ورأى أن الشركات الأمريكية تستولي على ثروات الشعب الإيراني من النفط وقام بتأميم تلك الشركات.
وجدت الشركات الأمريكية نفسها خارج إيران، وكانت الولايات المتحدة تخشى لأسباب تتعلق بالتنافس مع الاتحاد السوفيتي، الدخول في حرب لغزو إيران وإسقاط محمد مصدق الذي لقيت خطوته بتأميم شركات البترول قبولا شعبيا؛ ولذلك كما يروي “بيركنز” لجأت الولايات المتحدة لمخابراتها “سي آي إيه” التي ابتكرت أسلوبا جديدا في ذلك الحين، وقامت بإرسال العميل السري ““كيرميت روزفلت” الذي تولى شراء ولاءات شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية في إيران بملايين الدولارات، الذين بدورهم بدأوا نشر الشائعات والأكاذيب بشكل مكثف ضد “مصدق” بشكل جعل شريحة من أصحاب الوعي المتدني في إيران تصدق تلك الشائعات دون أن يتحققوا منها سوى أن الحملة الإعلامية المكثفة لعبت بوعيهم.
كما مولت الولايات المتحدة عبر المخابرات أعمال شغب وتنظيم مظاهرات سادها العنف وانتهت بسقوط مصدق وعودة الشاه.
يقول بيركنز إن العميل السري “روزفلت” أدى دوره بمهارة شديدة، واستطاع أن يكسب الناس بالرشاوى والتهديدات وحرضهم على تنظيم أعمال شغب والسير في مظاهرات عنيفة أدت إلى خلق انطباع بأن مصدق ليس محبوبا وغير كفء، وفي النهاية سقط مصدق وأمضى بقية حياته في الإقامة الجبرية.
وبالنظر لما حدث مع رئيس وزراء إيران “محمد مصدق” الذي تم تشويه سمعته عبر المخابرات الأمريكية، نجد في اليمن أن النسخ التي عليها محاضرات السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي تواجه حربا شعواء وملاحقات أمنية تهدف لمنع وصول كلام الشهيد للناس لما فيه من حقائق ووعي يمثل خطرا على مصالح الولايات المتحدة وفي النفس الوقت ضمانا لحقوق الشعب اليمني وحماية لها من الأطماع الأمريكية.
في الوقت الذي كانت الأجهزة الأمنية تلاحق وتصادر محاضرات الشهيْد القائد كانت الحملات الإعلامية تسير على قدم وساق لتشويه المسيرة التي قادها الشهيد وخلق الأكاذيب حولها، دون أن تتطرق أو تعتمد في التشويه على مضمون أو نصوص من محاضرات الشهيد أو تسمح للناس بتقييمها، بل إن العمل المخابراتي كان يعمد لطبع نسخ من محاضرات الشهيد ويدس بين السطور كلاما مشوها وينسبه للشهيد القائد.
اغتيال وعي الشعوب.. من مزاعم التمدد الشيوعي إلى النفوذ الإيراني:
اعتمدت الآلة الإعلامية المخابراتية التابعة للولايات المتحدة على مدى الـ70 سنة الماضية؛ لفرض تدخلاتها ونهب ثروات الشعوب والسيطرة على قرارات الدول وإخضاع رؤسائها، على ذريعتين رئيسيتين ظهرت كل واحدة منهما من الواقع الذي كان يعيشه العالم على مدى تلك الأعوام، الأولى: ذريعة مواجهة التمدد الشيوعي في إطار الصراع الأمريكي على الهيمنة على العالم مع الاتحاد السوفيتي، أي منذ العام 1945 إلى عام 1990 الذي تزامن مع نهاية حقبة الاتحاد السوفيتي وانهياره، والذريعة الثانية: مواجهة النفوذ الإيراني المزعوم والحرب على ما يوصف بـ “بالإرهاب” بعد تنشيط وتشكيل الجماعات الإجرامية التي شكلتها المخابرات الأمريكية لمحاربة الاتحاد السوفيتي على رأسها تنظيم القاعدة.
تحت ذريعة محاربة الشيوعية أسقطت الولايات المتحدة عدة أنظمة واغتالت عدة رؤساء، بينهم رؤساء لم يكن لهم أية علاقة بالاتحاد السوفيتي أو بالشيوعية، لكن الآلة الإعلامية الأمريكية لعبت دورا في ربط الرؤساء الذين أرادوا تحرير بلدانهم من الشركات الأمريكية، بالشيوعية، كما حدث لرئيس بنما الذي خصص له الخبير الاقتصادي “جون بيركنز” مساحة كبيرة من كتابه، بالمقابل أيضا وفي ظل المخطط الأمريكي لفرض الهيمنة على اليمن وفرض هيمنة الشركات الأمريكية على ثروات اليمن، كان فكر الشهيْد القائد حسين الحوثي يشكل خطرا كبيرا على المشروع الأمريكي في اليمن؛ ولذلك لعبت المخابرات الأمريكية في تصوير مشروعه الوطني والأمـمي بأنه مشروع إيراني بنفس الطريقة التي كانت تصنف بها التوجهات المناهضة لأمريكا بأنها مشاريع شيوعية، وفي كلتا الحالتين كانت الأنظمة الخليجية تمثل الرافع الرئيسي في المنطقة للمزاعم الأمريكية.
بحسب كتاب “الاغتيال الاقتصادي للأمـم” قاد “عمر توريخوس” في عام 1968 ثورة في بلاده بنما ضد النظام الحاكم التابع للولايات المتحدة التي استولت على “قناة بنما” وعائداتها وبنت عليها مدينة للأمريكيين وكانت عائدات القناة التجارية تكفي ليعيش شعب بنما في رخاء غير أنهم كانوا يعيشون في فقر مدقع.
ويروي بيركنز أنه كقرصان اقتصادي وضمن مهامه المعتادة التقى “توريخوس” قائد الثورة البنمية الذي كان فطنا لدور قراصنة أمريكا، حيث يقول بيركنز إن توريخوس قال له “أنا أعرف الدور الذي تقوم أنت وأمثالك به، ولن أسمح لك بأن تلعبه هنا. إما أن تأتي بمشروعات تعود علي الشعب بالفائدة وإما فلا اتفاق بيني وبينك”.
ويؤكد بيركنز أن القائد البنمي لم يكن له أي ارتباط بالاتحاد السوفيتي ولم يكن يعتنق أفكار “الشيوعية”، وكل ما أراده هو أن يستفيد شعبه من خيرات بلادهم التي تستولي عليها الولايات المتحدة، لكن المخابرات والإعلام لعبت دورا في وصفه بالشيوعية.
ويقول بيركنز عن القائد البنمي “توريخوس” بأنه لم يكن فاسدا ولم يكن قابلا للإفساد، وبالتالي هو يمثل هدما للنظام. النظام يفترض ويقوم على أن من يحتلون المناصب العليا فاسدون بشكل أو بآخر. حين يأتي شخص ما ويهدم هذه القاعدة فإنه يمثل تهديدا للنظام في باقي الدول الأخرى، ونموذجا لكيفية رفض الهيمنة الأمريكية يمكن أن يحتذي به آخرون، وبالتالي تم تفجير طائرته واغتياله عام 1981م.
قد لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لتعامل المخابرات الأمريكية مع القائد البنمي واغتياله لقتل مشروعه المنحاز للشعب ضد الهيمنة الأمريكية، عن الأسلوب الأمريكي في مواجهة المسيرة التي قادها الشهيْد القائد حسين الحوثي، وصولا لاغتياله مع فوارق بسيطة تتعلق بظروف كل بلد وفارق أن الأول اغتيل بعد ربطه بالشيوعية والثاني بربطه بالنفوذ الإيراني.
المخابرات الأمريكية والحرب على المجتمعات المناهضة.. من كولومبيا إلى صعدة:
في كولومبيا سيطرت الشركات الأمريكية على ثروات البلاد وبنت مدنا حديثة لموظفي تلك الشركات والقيادات العسكرية والقبلية الكولومبية التي حصلت على الأموال لحماية الشركات الأمريكية ومصالحها في مواجهة أي تحـرك شعبي، في وقت كان الكولومبيون فقراء، ومخلفات الشركات الأمريكية تقضي على سبل الحياة وهي الزراعة.
شارك “بيركنز” في إخضاع الحكومة الكولومبية لأمريكا وإثقالها بالديون، كما يروي هو بنفسه، مشيرا إلى أن الكولومبيين لم يتحـركوا ضد الشركات الأمريكية رغم أنها كانت تنهب ثرواتهم، لكن أذى تلك الشركات ومخلفاتها الكيمائية قضت على الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية ليجد الكولومبيون أنفسهم أمام خطر تسبب بموت الآلاف منهم وظهور المجاعات.
يضيف بيركنز أن سكان وقبائل المناطق التي تواجدت بها الشركات الأمريكية في كولومبيا “حاولوا إيقاف المشروعات الأمريكية في أراضيهم. هم يعلمون بفساد الحكومة وبأن المشروعات التي تقام هي مشروعات لخدمة رجال الأعمال لتزيدهم ثراء على حساب الفقراء الذين سيتعرضون لضياع بيوتهم وأراضيهم التي ستقام عليها المشروعات التي تنفذها الشركات الأمريكية”، مضيفا أنهم بدأوا بادخار الأموال وتوفيرها بعدة طرق لشراء السلاح لمواجهة الشركات الأمريكية، وبالفعل بدأوا هجماتهم على تلك الشركات، وهنا تدخل الجيش الكولومبي الذي تدين قياداته بالولاء لأمريكا، وقامت بشن حرب على السكان، ولعب الإعلام الأمريكي دورا كبيرا في تصويرهم بأنهم “إرهابيون” رغم أنهم تحـركوا لإنقاذ حياتهم من الموت الذي تصدره لهم الشركات الأمريكية وكان ذلك في سبعينيات القرن الماضي.
ومن جديد لم يختلف الأمر في اليمن عن كولومبيا، فالولايات المتحدة لجأت لنفس الطريقة لمواجهة تنامي وعي المجتمع وتفاعله مع الشهيْد القائد حسين بدر الدين الحوثي، ولعبت الآلة الإعلامية دورا كبيرا في تشويه المسيرة أثناء الحروب الست على صعدة، وكان الإعلام الأمريكي يصور المجتمع في صعدة الذي انضم للمسيرة بأنهم جماعة مسلحة إرهابية وتم عزل صعدة إعلاميا عن العالم بكله رغم جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت في تلك الحروب.
أخيرا ورغم أن الولايات المتحدة نجحت في اغتيال كثير من الأمـم التي تحدث عنها الخبير الاقتصادي والقرصان السابق “جون بيركنز”، إلا أن المسيرة التي قادها الشهيْد القائد أخذت طريقها للانتشار رغم كل أنواع الحروب التي تعرضت لها وتتعرض لها اليوم، وقد أصْبـحت أملا لإحياء الأمـم في مواجهة مشروع الاغتيال الأمريكي للأمـم.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1661 مرة