الحياد ودوره النفاقي الخطير على الأمة..!!.........بقلم العلامة /عبدالرحمن محمد المروني
الحياد ودوره النفاقي الخطير على الأمة..!!
بقلم العلامة /عبدالرحمن محمد المروني
كان للمنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مواقف سلبية كثيرة ومتعددة وقد يكون في البعض منها ما يثير الدهشة والاستغراب.. ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن موقف المنافقين في معركة أحد، وكيف أنهم تنصلوا عن المسؤولية الملقاة على عاتقهم في نصرة الدين، وحماية المدينة، والدفاع عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وتركوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين يواجهون الموت، ويخوضون مع قريش دفاعاً عن أنفسهم وعن أولئك أيضاً معركة غير متكافئة، وكانت الوقعة أليمة، واللحظات عصيبة، ونزلت آيات الوحي تهدئ من روع المؤمنين وتخفف من آلامهم ومعاناتهم، وتفضح موقف المنافقين ودورهم السلبي الخطير..
قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [سورة آل عمران :166- 167]
والآية هنا كما في غيرها من الآيات تشير إلى أن ما وقع للمسلمين في تلك المعركة أمر طبيعي وسنة من سنن الله في الخلق ليحصل الفرز وليتبين المؤمن الصادق من المنافق الكاذب .. وهو الأمر الذي حصل بالفعل من خلال الفرق الواضح بين تلك المواقف الإيمانية الصادقة للمؤمنين الصادقين، وذلك الموقف السلبي المتخاذل الجبان للمنافقين، والذي أشارت إليه الآية في قوله تعالى: ( قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ )!!
حيث وإن المنافقين قد وقفوا في تلك الغزوة موقف الحياد، وقعدوا عن الجهاد مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وتخاذلوا عن نصرة الدين والذود عن حياضه، ورجعوا إلى المدينة بعد أن كانوا قد خرجوا معه إلى بعض الطريق وكانوا قرابة ثلاثمائة وخمسين، بعد أن قال زعيمهم عبدالله بن أبي: (علامَ نقتل أنفسنا؟؟)..!! مع أنهم يعلمون أن قريشاً قد أعدت العدة وخرجت بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل مجهزين بكامل عدتهم وعتادهم، عازمين على غزو المدينة، وقتل المسلمين، واستئصال شأفتهم، وفي الوقت نفسه كان أولئك المنافقون يعلمون أيضاً شدة عداء قريش وطغيانها، وما الذي يمكن أن يحصل لو تمكن المشركون من دخول المدينة والسيطرة عليها، ويعلمون كذلك أن خروجهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خروج في جانب الحق الواضح الذي لا شك فيه ولا ريب، ويعرفون كذلك حق المعرفة أن خروجهم واجب، وأن قتالهم مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله جهاد في سبيل الله، وأن موتهم شهادة، وانتصارهم عزة، وموقفهم في تلك المواطن من أكبر الطاعات وأعظم القربات..!!
ومع ذلك كله نجد المنافقين يعتزلون المعركة ويقفون في هذا الموقف العصيب والوضع الحرج موقف الحياد.!! بل ويشككون في مصداقية جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين بقولهم: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ )!! ولسان حالهم أن خروج رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين - وحاشاهم ذلك - ليس جهاداً ولا دفاعاً عن دين ولا عرض، وإنما هو - حسبما يوحي به منطقهم - تحرك أرعن لا تتحقق منه نتيجة، وليس فيه أي فائدة، وكأنهم يقولون لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين: إنكم تؤلبون الناس ضدنا، وتثيرونهم علينا، وتسعون من خلال ذلك الحشد والتحرك إلى إلقاء أبنائنا وخيرة رجالنا إلى الموت بلا سبب ولا فائدة..!!
ولربما أشاعوا وأذاعوا أن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ومن معه من المؤمنين يجنون من وراء ذلك التحرك وما يقدمونه من تضحيات مكاسب دنيوية ماديّة من غنائم وغيرها، وانهم يريدون أن تكون لهم السيادة والشرف ويسعون إلى الرتب والمناصب... إلى آخر ما يمكن أن نتصوره من تلك التقوّلات التي دأب صف النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إشاعتها بين الناس لتبرير ما كانوا عليه من الحياد، والبحث عن أعذار واهية لتخلفهم وقعودهم عن الجهاد من جهة، ولتثبيط أفراد المجتمع عن التحرك والقيام بأي عمل من شأنه مواجهة الباطل وتحقيق أي انتصار قد يفيد المسلمين ويرفع من شأنهم من جهة أخرى..
وهو الأمر الذي نجده اليوم واضحاً ومتجسّداً وللأسف الشديد في وضعنا الحالي وحالتنا الراهنة ونحن نرى هذا العدوان الغاشم على بلد الإيمان والحكمة من قبل تحالف صليبي صهيوني، تقوده أمريكا، وتديره إسرائيل وتشارك فيه مشاركة فعلية مباشرة وواضحة دون تخفي أو مواربة، ونرى ما نتج عن هذا العدوان من الاستهداف المتعمد والمباشر لليمن أرضاً وإنساناً، وارتكاب أفضع المجازر والجرائم في حق الشعب اليمني على مرأى ومسمع من العالم، وقتل اليمنيين بالطائرات واستخدام أفتك الأسلحة التدميرية، والأسلحة الكيماوية، والقنابل المحرمة، ونشر الأوبئة والأمراض الفتاكة، وحصار كامل على أبناء الشعب اليمني وتجويعهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والمعيشية التي كفلتها القوانين والمعاهدات الدولية، بالإضافة إلى ما نراه من تحرك لأعداء الإسلام لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة لمحو الإسلام وقتل المسلمين، وتدنيس المقدسات، واحتلال أراضي المسلمين، ونهب خيراتهم، والسيطرة على ثرواتهم..
وكل ذلك وغيره مما يخطر على البال وما لا يخطر ومع ذلك لا زلنا نرى الكثير من أبناء جلدتنا من إخواننا في الدين والوطن والدم والنسب، أفراداً كانوا، أو أحزاباً، أو حكومات، نجدهم اليوم في موقف الحياد، يقفون موقف المتفرج، متخلين عن المسؤولية تجاه دينهم ووطنهم وإخوانهم المؤمنين المستضعفين، وما يمليه عليهم الواجب الديني والوطني في التحرك لمواجهة هذا العدوان الغاشم والتصدي لهذه المؤامرة الخطيرة على بلد الإسلام ومقدسات المسلمين، ولم نر وللأسف الشديد من أولئك حتى هذه اللحظة أي تحرك مسؤول أو مواقف مشرفة باستثناء مواقف نادرة وهزيلة لا ترقى إلى مستوى الحدث، ولسان حالهم اليوم هو لسان حال أسلافهم بالأمس: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ )..!!
ولله في خلقه شؤوووون..
وللحديث بقية..
================
للتأمل:
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [سورة محمد :25- 30]
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 2232 مرة