معركة الوعي .. بقلم: حمود عبدالله الأهنومي
معركة الوعي .. بقلم: حمود عبدالله الأهنومي
كيف يعقل أن يجهل كثير من أبناء اليمن ومن أجيالٍ متتابعة مجزرةً سعودية وقعت بحق آلافٍ من حجاج اليمن، والمعروفة - فقط في أوساط بعض المسنين وبعض المؤرخين - بمجزرة تنومة، ذبح فيها أولئك الحجاج بدم بارد وهم في طريقهم إلى الحرم المحرم في عام1340هـ، 1922م، سوى أن تلك الهيمنة السعودية على الوضع الثقافي والتربوي والفكري في اليمن خلال عقود ماضية، غطت على الجريمة، ومنعت من تنشيط الذاكرة اليمنية وتفعيلها لمعرفة عدوها الحقيقي، تلك الهيمنة من خلال النظام الحاكم في اليمن والذي كان مرتهنا للجنة السعودية الخاصة ولريالاتها السعودية المغرية، وهي الهيمنة التي يخوض اليمن اليوم معركته الفاصلة في التحرر منها بشكل كامل.
تكشف تلك المفارقة خطورة الارتهان الثقافي والفكري والتربوي لنظام متطرف وتكفيري مثل نظام مملكة قرن الشيطان، كما تبرهن على أهمية الوعي بالتاريخ وتنشيطه للذاكرة اليمنية المعتزة بهويتها الحضارية والثقافية والفكرية، والتي تقوم على التسامح والرقي والسمو والثورية الراقية، وما تمارسه السعودية اليوم من تدمير للتراث اليمني إنما هو جزء من عدوانها الممتد خلال القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين على اليمن بقصد تدمير الهوية اليمنية أو إضعاف الانتماء إليها أو الاعتزاز بها، باعتبارها أرقى الهويات المستمدة من الهوية الإسلامية المحمدية الأصيلة التي اكتسبها شعب حضاري راق مثل اليمن، وهو ما تحاذره هذه المملكة الشيطانية وقنواتها المختلفة.
أزعم أنه لو أدرجت مجزرة تنومة في مادة التاريخ والوطنية لكان لها أثر إيجابي في بناء الهوية الوطنية اليمنية ولساهمت في الاستعداد المتنوع لعدوان سعودي آخر على اليمن كهذا العدوان الذي تنزِل حِمَمُه المتوحشة على نساء وأطفال اليمن في طول البلاد وعرضها، ولشاركت في عملية تحصين وتلقيح كثير من أبناء هذا الشعب ممن اختدعهم العدوان السعودي بمبررات مختلفة لأن يسكتوا عن عدوانه مرة أخرى، بيد أن المرتزِقة منهم سوف يكونون ضمن القطيع السعودي مهما كان وعيهم ومعرفتهم؛ لأنهم ارتضوا الريال السعودي قبلة لهم يتوجهون حيثما توجه بهم.
كما أن الارتباط الثقافي والفكري والتربوي بين اليمن وجارته السيئة الناتج عن تلك الهيمنة المنبثقة عن ارتهان السلطة اليمنية لتلك الجارة، ومن خلال قنواتها ودعاتها واستغلالها للحرمين الشريفين - كان له أثره السيء في تبلّد البعض، فهناك من نزلت على رؤوسهم الصواريخ والقنابل المحرمة السعودية الأمريكية، بينما هم لا يزالون يستمعون لمحاضرات عايض القرني، ويتأثرون بفتاوى ابن الشيخ، والذين ما نزلت هذه الصواريخ والقنابل إلا بمباركتهم وتحريضهم وفتاواهم التي تدور مع رغبة السلطان حيث أراد، ألا يعطي هذا نوعا من الميوعة الثقافية والفكرية لدى بعض الفئات اليمنية التي قبلت بهذا النوع من التناقض أو التبلد. ولو أن أولئك الدعاة أو العلماء كانوا متحررين عن الرغبة السلطانية الشيطانية لرأيناهم ولو يوما واحدا وهم يخالفونها، ولو كانت اليمن هي من تعتدي على السعودية لرأينا أصوات علماء اليمن ومثقفيه عالية وصاخبة في الإنكار والتنديد.
ومهما يكن من أمر فإن المعركة طويلة، وإن أي خلل في البنية المجتمعية اليمنية سيساهم في تأخر النصر الموعود لليمنيين، وستبقى تلك البؤر الفكرية والثقافية التي خرجت من مستنقعات فكر مملكة قرن الشيطان وتفقّست عن بيضها الشيطاني - مثار مشكلات مستقبلية، وما تطالعنا به الأخبار والقنوات وبرامج التواصل الاجتماعي من صور العنف الوحشية والبطر الشيطاني لمرتزقة العدوان السعودي بحق الإنسان اليمني إلا جزء من تمظهرات هذه الثقافة الشيطانية؛ الأمر الذي يحتِّم على صانع القرار الثقافي والفكري والتربوي في اليمن العمل على تطهير المواضع الموبوءة في المنظومة التربوية والثقافية والفكرية، وسد الخلل والثغرات التي يمر منها ذلك التأثير الشيطاني الذي ينتج أو يساهم في تلك التمظهرات الداعشية الوحشية في أي بؤرة تكفيرية في اليمن.
يجب العمل والسعي الجاد على الفصل الوجداني والثقافي والفكري بين المواطن اليمني العادي وبين منابر فكر مملكة قرن الشيطان، وذلك من خلال إعادة النظر في مناهج التربية ومادة التاريخ والوطنية وإكسابها المادة الضرورية لشحذ الهوية اليمنية الحضارية المبنية على التسامح والرقي والاندماج الفطري بين مكونات المجتمع، ومن خلال الاعتزاز بهذه الهوية التي تجذّرت مئات السنين على سَنن التسامح والأخلاق والقيم العالية، حتى في ظل وجود الاختلاف المذهبي والفكري، كما يجب تنشيط الذاكرة اليمنية الواعية والحذرة بتسليط الضوء تاريخيا على أعداء اليمن الذين لم يحصد منهم سوى سفك الدماء الغزيرة والخيبة الكبيرة، وينبغي الإشارة إلى وجوب تخليد آثار العدوان العالمي الجاري على اليمن في كل شبر من مناطق اليمن، ببناء المجسمات والمتاحف الدائمة، والمعارض المتنقلة والموسمية، والمهرجانات الوطنية، ومناسبات ذكرى العدوان الأليمة، ومن خلال الكتابة التاريخية والتأليف والشعر والمسرح والقصة والفن بأنواعه المختلفة.
إن تخصيب الذاكرة اليمنية وتنشيطها بالوعي التاريخي اللازم والمطلوب هو أحد الضمانات التي تؤسس لعهد الاستقلال والحرية وبناء أجيال تعتز بهويتها اليمنية الإيمانية، والتي يجب أن تكون أبعد ما تكون عن الغفلة والجهل والميوعة الثقافية والفكرية، وهو ما سيساهم في تمتين الجبهة الداخلية، ويقرب النصر في الحاضر والمستقبل، ويبني أجيالا لا تنخدع بوسوسات قرن الشيطان وأحابيله ولجانه الخاصة.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1068 مرة