البعد الاستراتيجي لاستهداف «أرامكو» في الرياض.............بقلم/ شارل أبي نادر
البعد الاستراتيجي لاستهداف «أرامكو» في الرياض
بقلم/ شارل أبي نادر*
في مقاربة الموضوع من ناحية المسار المتطور والمتصاعد لقدرات الجيش واللجان الشعبية في اليمن، على صعيد سلاحي الصواريخ الباليستية او الطائرات المسيرة، لم يكن مفاجئا ما قامت به وحدة الطيران المسير في استهدافها الناجح لشركة «ارامكو» في الرياض، والتي اندلعت فيها النيران باعتراف القائمين عليها.
وحيث كان منتظراً وما زال، أن تشهد المواجهة المفتوحة بين من يعتدي على اليمن ومن يدافع عنه، ارتفاعاً في مستوى وطبيعة الأهداف ، وفي وسائل الاستهداف المستخدمة، جاء الاستهداف الأخير للشركة السعودية الأغنى والأهم تجاريا وصناعيا، وفي العاصمة الرياض ، ليعطي هذه المواجهة الشرسة بعدا استراتيجيا، قد يكون الأكثر حساسية وخطورة على السعودية، خلال كامل فترة الحرب التي تشنها على اليمن حتى الآن.
حققت الطائرة المسيرة صماد 2 ميزتي التوازن والتكامل والتي يمكن وضعها في خانة البعد الاستراتيجي على صعيد المعركة
طبعا، لا يمكن أن نتجاوز قيمة هذه العملية من الناحية الميدانية والعسكرية، والتي لا بد أن نتطرق إليها قبل مقاربتها لناحية البعد الاستراتيجي .
ميدانيا وعسكريا
– تأتي الأهمية الميدانية في ما يمكن ان تقدمه الطائرة المسيرة صماد 2 للمعركة ، في استهداف مواقع حيوية بعيدة كغرف عمليات أو مراكز قيادة مركزية أو بطاريات مضادة للصواريخ، وفي تحقيق عنصر المفاجأة من خلال النجاح في استهداف نقاط عسكرية معادية، بعيدة عن مسرح المعركة وخارج دائرة الخطر والاستهداف، كما هو مفترض.
– الأهمية العسكرية تكمن في ما يمكن أن تقدمه الطائرة المسيرة للمعركة الهجومية والدفاعية، في المراقبة والرصد والتشويش ، أو في منظومة الحرب الالكترونية بشكل عام، وأيضا في ما تقدمه – بعد تسللها الناجح وتجاوزها المنظومات المعادية – في القصف الجوي الدقيق ، غير المرتبط بتقييدات وصعوبات القاذفة العادية، الكبيرة الحجم إجمالا، والتي يقودها طيار يقاتل تحت ضغط نفسي كبير ناتج عن خطر تعرضه لفقدان حياته أو للأسر، الأمر غير الموجود في الطائرة المسيرة .
في البعد الاستراتيجي
أولاً: لقد حققت الطائرة المسيرة صماد 2 ميزتي التوازن والتكامل، والتي يمكن وضعها في خانة البعد الاستراتيجي على صعيد المعركة، في ظل التفاوت الواضح في القدرات والإمكانيات العسكرية والمادية بين الطرفين.
التوازن بمواجهة التفوق الجوي للتحالف المعادي، حيث شكلت مع منظومة الصواريخ الباليستية معادلة توازن وردع ، وأصبح لدى الجيش واللجان الشعبية ومن خلال هذه المعادلة ، القدرة الجدية والأكيدة على تنفيذ تهديد حيوي ذات قيمة مؤثرة ، خارج الحدود أو داخلها ، وعلى أهداف استراتيجية ، عسكرية أو اقتصادية .
التكامل مع الصواريخ الباليستية ، بحيث جاء الطيران المسير بشكل عام ، وصماد 2 بعيدة المدى بشكل خاص، لتؤمن لمنظومة الصواريخ الباليستية اليمنية، عناصر ومعطيات في المراقبة والرصد، للأهداف المتحركة أو غير الثابتة، أساسية وضرورية لتحقيق إصابتها بطريقة فعالة.
– إمكانية تنفيذ مناورة متكاملة بين الصواريخ الباليستية والطيران المسيّر، بحيث تتبادلان الأهداف بعد أن يعمد كل من السلاحين إلى استدراج وكشف تلك الأهداف، نأخذ مثلا في ذلك انكشاف منظومة صواريخ مضادة معادية، مثل (باتريوت باك 3) أثناء تصديها للصواريخ الباليستية، فعمدت حينها الطائرة المسيرة إلى الإيقاع بالمنظومة المضادة المعادية واستهدافها، وهذه المناورة قد نُفذت من قبل الجيش واللجان الشعبية اليمنية أكثر من مرة، وخاصة في جبهة الساحل الغربي مؤخرا .
ثانياً: لقد أدخلت الطائرة المسيرة صماد 2 العامل الاجنبي أو الغربي في المواجهة مع التحالف المعادي بقيادة السعودية، مع تأثيراته السلبية على هذا التحالف، وذلك على الشكل التالي:
استهداف تلك المواقع الاستراتيجية مثل شركة «ارامكو» أو غيرها سوف يخلق توترا في منظومة الإدارة والعمل والإنتاج حكما
– إن استهداف مواقع اقتصادية استراتيجية داخل العاصمة الرياض أو حتى خارجها، يضع أغلب المستشارين والمهندسين والفنيين الأجانب، والعاملين حكما في إدارة وتشغيل تلك المواقع – لأن المحليين عاجزون عن ذلك طبعا – في دائرة الخطر شبه الأكيد، الأمر الذي لن ترتاح له حكوماتهم، والتي سوف تضغط، إمّا لسحبهم وما لذلك من تأثير سلبي عميق على منظومة النفط والمال في المملكة، إمّا لإبعاد تلك الأخطار عنهم، وما يستدعي ذلك من ضغوط ديبلوماسية ودولية على قيادة المملكة لوقف الحرب أو للسير بالمفاوضات وبالتسويات السلمية والسياسية.
– إن استهداف تلك المواقع الاستراتيجية مثل شركة «ارامكو» أو غيرها، سوف يخلق توترا في منظومة الإدارة والعمل والإنتاج حكما، الأمر الذي سوف يخفّض منسوب إنتاج منشآت صناعة النفط وتصديره، وهذا لا يمكن أن تهضمه الشركات العالمية المتعاقدة مع ارامكو أو مع غيرها، لأسباب تتعلق بتوازن السوق وعجلة الإنتاج والتجارة، وحيث أن لهذه الشركات تأثيراً قوياً على حكوماتها ، سوف تضغط الأخيرة لوقف الحرب ولإبعاد خطر انخفاض منسوب أعمال شركاتها وأسواقها بشكل عام.
وأخيراً، يأتي في سياق البعد الإستراتيجي لاستهداف شركة «ارامكو» في الرياض بصاروخ موجه أطلقته صماد 2، والذي ربما يتجاوز ما ذُكر أعلاه تحت هذا العنوان، ما حققه الجيش واللجان الشعبية اليمنية من نتيجة لافتة وصادمة، في تطوير سلاح استراتيجي، يأتي من ضمن اختصاص وقدرات دول كبرى قادرة ومتمكنة، وليس من اختصاص دولة فقيرة محاصرة، تتعرض لحرب واسعة ومدمرة، مثل اليمن الجريح .
ـــــــــــ
* خبير استراتيجي ومحلل عسكري لبناني
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1320 مرة