نص المحاضرة الثامنة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في (دروس ما بين الهجرة وعاشوراء) 1440هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يتضح لنا من خلال المحاضرات الماضية ومن خلال العودة إلى القرآن الكريم والتأمل في سيرة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله والتأمل فيما يعبر عن الامتداد الأصيل للإسلام في حركة الإمام علي عليه السلام في حركة الإمام الحسين الإمام الحسين في نهضة الإمام الحسين عليه السلام يتجلى لنا أهمية مبدأ المسؤولية في الإسلام ويتضح لنا أيضا من خلال العودة إلى واقع الأمة عبر التاريخ وفي العصر في زمننا نحن يتجلى لنا بوضوح ما يمثله هذا المبدأ من أهمية كبيرة جدا تتصل وترتبط بواقع حياة الناس بواقع حياة الناس لاستقامة دينهم واستقامة دنياهم المسؤولية في كل جوانبها المتعددة المسؤولية في إحقاق الحق وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله إلى آخره، المسؤولية في هذه الاتجاهات تشكل جانبا أساسيا ومعلما رئيسيا في الإسلام أضاعته الأمة على مدى أجيال على مدى قرون من الزمن وكان لإضاعته آثار سلبية ومدمرة في واقع الأمة وبشكل رهيب جدا.
في استعراض النصوص القرآنية تبين لنا حتى موقع هذا المبدأ من الدين وتجلى لنا أنه يشكل جزءًا رئيسيا، الإخلال به إخلال بالدين وإفقاد للدين من أثره وثمرته في الحياة وتفريغ له من مضمونه الجوهري والأساسي ولذلك سعى الطواغيت والمجرمون والمظلون والمفسدون إلى التركيز عن هذه الجوانب مع الإبقاء على جوانب أخرى ولكن على نحو مستغل ومفصول مفصول عن الأسس ومفصول عن الثمرة كما بينا في الكلمات الماضية، فيتجلى لنا أن هذا المبدأ الذي ارتبط به في النص القرآني التأكيد على أنه إحدى الواجبات الأساسية والرئيسية والدينية وأنه لا بد منه في تحقيق الإيمان وفي أن يتحقق لنا في واقعنا مصداقية انتمائنا الإيماني وأنه كذلك لا بد منه في أن نكسب رضا الله لا بد منه للأخذ بأسباب الرحمة الإلهية وأن الله قدم بشأن هذا الأمر كثيرا من الوعود وكثيرا من الوعيد الوعود في حالة الاستجابة والطاعة والانطلاق على أساس توجيهات الله في ذلك والوعيد عندما تفرط الأمة في هذه المسؤولية وتقصر في هذا الواجب كما قرأنا قول الله سبحانه وتعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] وقرأنا قوله تعالى: [إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] وكم في القرآن مما يتصل بهذه المسألة من وعد أو وعيد من جانب الله سبحانه وتعالى، يتضح لنا في واقع الحياة بحسب ما تعانيه أمتنا اليوم مشاكل كبيرة جدا كما قلنا لا يزال الدين الإسلامي في بعض شعائره وفي بعض أعماله في بعض سلوكياته حاضرا بشكل كبير في ساحتنا الإسلامية هذه نعمة ولكن الخطأ هو كما كررنا هو في فصل هذا الجانب عن الجوانب الأخرى؛ لأن فصله عن الجوانب الأخرى أعدمه الكثير من آثاره الإيجابية في واقع الحياة وجعله على نحو يمكن استغلاله من جانب قوى الطاغوت والإجرام، الإسلام في صلاته مثلا لا يزال بفضل الله وبحمد الله حاضرا بشكل كبير في ساحتنا الإسلامية وشعائر الصلاة تؤدى بشكل كبير من الملايين وهناك الكثير جدا من المساجد والملتزمين بأداء هذا الواجب الملايين من أبناء الأمة الإسلامية، الصيام كذلك لا يزال كثير من أبناء الأمة الإسلامية يؤدون هذا الركن وهذه الفريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى، جوانب معينة بارزة في ساحتنا الإسلامية في نفس الوقت نعاني كأمة إسلامية في معظم أقطارها ومعظم بلدانها وشعوبها من ظلم شديد جدا على كل المستويات على كل أنواع وأشكال الظلم فساد بشكل رهيب جدا اختلاف وتمزق حالة رهيبة جدا من التخلف وانعدام الوعي مشاكل كبيرة جدا تعاني منها الأمة ومنكرات كثيرة موجودة في الساحة وغياب إلى حد كبير لثمرة الإسلام في أثرة في الناس وفي أثره في الحياة فيما يحققه من عدل من خير من رحمة من صلاح لحياة الناس لدينهم ودنياهم لشؤونهم وتعاني الأمة إلى حد كبير في معظم بلدانها من سيطرة قوى الشر والإجرام والطاغوت وهيمنة فئات النفاق والعمالة والارتهان لأعداء الأمة للأمريكيين والإسرائيليين إلى آخره.
طبعا هذا لا ينسجم مع الإسلام بأي حال من الأحوال بمعنى الإسلام كدين في قرآنه وبحركة وسيرة نبيه صلوات الله عليه وعلى آله ليس مصمما ليكون على هذا النحو فحسب على هذه الشاكلة التي عليها الأمة الإسلامية في معظم أقطارها في هذا الزمن شعب مسلم يصلي ويصوم ينتمي إلى الإسلام جزء لا بأس به من الشعائر الإسلامية موجود في واقعه ولكن يخضع بالمطلق للسياسات الأمريكية والإسرائيلية ويتحرك النظام فيه أو السلطة فيه لخدمة أمريكا بكل ما تستطيع وتؤقلم واقع البلاد في الاتجاهات في الثقافات في المواقف في التوجهات في أشياء كثيرة بما يتناسب مع السياسات الأمريكية الشيطانية أو بما يهيئ ذلك البلد أو ذلك الشعب لتقبل التحالف مع إسرائيل والعداوة لآخرين من أبناء الأمة الإسلامية والتآمر على آخرين من أبناء الأمة الإسلامية وظهور كبير من المفاسد والمنكرات التي تدمر أخلاق المجتمع المسلم وغياب في الاهتمامات الكبرى وانعدام للإحساس بالمسؤوليات ذات الأهمية الكبيرة في القرآن وفي حركة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، ليست المسألة مبنية على هذا الأساس لا في القرآن ولا في حركة الرسول وسيرته صلوات الله عليه وعلى آله.
لاحظوا عندما نعود إلى القرآن الكريم ونجد الحضور الكبير في آيات كبيرة جدا حول مبدأ المسؤولية في كل جوانبه بأكثر من أي فريضة عملية أخرى بأكثر من أي فريضة عملية أخرى ونرى أنه ارتبط بهذا المبدأ كثير من النصوص القرآنية التي تعطيه أهمية قصوى أهمية كبيرة جدا ومن موقعه في الدين لدرجة أنه لا يمكن أن يقبل منا الدين إلا به بدون هذا المبدأ بقية ما نأخذ به من الدين لن يدخلنا الجنة ولن ننجو به من النار هذا ما يؤكده القرآن الكريم وإلا ما فائدة أن يقول الله سبحانه وتعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] ما قيمة أن يقول: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ] ما قيمة أن يقول: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] ثم على أي أساس يمكن للإنسان سواء باسم عالم أو أمير أو ملك أو رئيس أو زعيم أو بأي صفة أو شخص عادي بأي صلاحية يمكنه أن يشطب بكل بساطة جانبا أساسيا من دين الله من دين الله أتى هذا الجانب حتى بأكثر من الصيغ والتوجيهات والتشريعات والأوامر والآيات القرآنية والنصوص النبوية وحركة الرسول بشأنه بأكثر من المسائل الأخرى التي نراها إلزامية علينا في واقع الحياة نرى الصلاة إلزامية هي إلزامية ولا يمكن تركها وإذا تركها الإنسان ترك عمود الإسلام وأخل بركن رئيسي في الإسلام لكن جانب المسؤولية كذلك جانب أساسي كل ما يمكن أن تقرأه عن الصلاة في القرآن أن الله أمر بها رغب فيها توعد على تركها إلى آخره، هو موجود عن جانب المسؤولية عن الجهاد عن الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر إلى آخره، موجود وبكثير فما الذي يبرر للإنسان أن يتهرب من واجب كهذا من مسؤولية كهذه من جانب أساسي من الدين الإخلال به يؤدي بالإنسان إلى الضياع إلى الهلاك إلى الخسران إلى ألا يقبل منه ما بقي من الدين، فالمسألة مهمة جدا مهمة في موقعها من الدين كما قلنا وكما قرأنا في النصوص القرآنية وهي جزء يسير مما ورد من القرآن في مئات الآيات القرآنية ثم في واقع الحياة كما أكدنا وكررنا وذكرنا أمثلة في واقع الحياة.
اليوم تعاني أمتنا الإسلامية من الظلم أمة مظلومة وشعوبنا شعوب مظلومة ومشكلتنا كشعوب عربية مثلا: أننا أتينا كأجيال لم ننعم بالعدل لم نتذوق العدل الذي جاء به الإسلام وذلك كثير من الناس لأنه لم يجرب أن يعيش واقع العدل كما قدمه الإسلام لا يدرك الفارق لا يدرك طبيعة ما تعانيه الأمة ومدى معاناتها فيما هي فيه لأنه أصلا لم يتذوق عدالة الإسلام ولم يعرف البعض يعني لم يعرف حتى عبر التاريخ كيف كان الإسلام تحت قيادة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وما تحقق مثلا كيفا أقيم العدل في ظل ولاية الإمام علي عليه السلام في ظل مراحل من التاريخ محددة جدا فالكثير من الناس لما لم نخض كشعوب هذه التجربة تجربة الإسلام في عدالته تجربة الإسلام في مسؤوليته تجربة الإسلام في مبادئه تلك العظيمة التي تصلح واقع الحياة وتبني واقع الحياة فالكثير من الناس يرضي الحال الذي هو فيه؛ لأنه يظن أن الأمر هكذا لا مناص منه وهذا أقصى أو أفضل ما يمكن أن نصل إليه في واقع الحياة أن نكون هكذا على هذا النحو البئيس كشعوب عربية وكأمة مسلمة على هذا الواقع البئيس المتخلف حتى عن سائر ما في الدنيا عن بقية ما عليه أمم الأرض الأخرى من يهود ونصارى وبوذيين وفئات أخرى لها عقائدها لها قناعاتها لها اتجاهاتها التي تنتمي إليها سواء دينيا أو لها رؤيتها السياسية التي بنت عليها واقع حياتها، الواقع الذي نعيشه كأمة مسلمة واقع مأساوي ومظلومية كبيرة جدا وأتى إلى واقع كثير من شعوبنا ترى ما تعيشه من ظلم إما ظلم شامل في كل نواحي حياتها أو ما في جوانب معينة ومظلومية بارزة وبينة وغبن فاحش على مستوى التربوي والتثقيفي على مستوى الحرية والكرامة على مستوى قيم أساسية وصحيح هناك كيانات بدأت تظهر في الساحة وتتحرك آخذة بهذه المعالم وهذه المبادئ المهمة جدا وتقارع قوى الطاغوت وهي محاربة في داخل ساحتنا العربية والإسلامية كما هو الحال في الحرب التي يشنها العدوان الأمريكي السعودي على بلدنا وعلى شعبنا اليمني المسلم لما تحرك لما تحرر لما انطلق ليكون حرا، فنحن عندما نتأمل الواقع الذي نعيشه كأمة مسلمة وكشعوب مسلمة المظلومية الكبيرة التي نعاني منها في فلسطين وفي غير فلسطين في ميانمار في اليمن في العراق في دول كثيرة ظلمت وعانت بفعل هذا الطرف أو ذاك وكل الأطراف تلك من ورائها أمريكا وإسرائيل لو نأتي لنقول من المعني برفع الظلم عنا من هو المعني من الذي ننتظر منه أن يؤدي هذا الدور؟ من المعني بإقامة العدل فينا حتى ننعم بالعدل حتى نتخلص من الظلم في ساحتنا العربية والإسلامية؟ هل مثلا نعول على الأمم المتحدة وننتظر لها أن تكون جهة تأتي لتحقق العدل وتقيم العدل وترفع عنا الظلم وتصلح لنا واقع هذه الحياة حينها كمن يعلق أمله على سراب كالذي يطلب السراب يريد أن يشرب منه وهو ليس ظامئ هو ظامئ وليس الذي يراه إلا سرابا ليس ماءً القضية واضحة جدا.
الأمم المتحدة ليس لها حتى صلاحية لنفسها تعطي نفسها صلاحية أن تكون قراراتها كأمم متحدة ملزمة أو أن تكون فيها أطراف تتجه بجدية كبيرة جدا لإحقاق حق ما أو لدفع ظلم ما أو لإقامة عدل هنا أو هناك لا تمتلك العدالة لا في آلية عملها ولا في قدرتها ولا في اتجاهاتها دول كثيرة عندما تجد إلى واقع هذه الدول متفرقة جزء منها ظالم وجزء منها مظلوم والظالم هو ذلك الظالم الذي لا ننتظر منه أن يقيم العدل والمظلوم هو ذلك الضعيف المغبون الذي ليس له هناك في تلك المؤسسة الدولية صلاحية أن يفرض شيئا أو يقرر شيئا، ماذا فعلت الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني على مدى 70 عاما فأكثر؟ ماذا فعلت؟ لا شيء ومظلومية واضحة جدا مجلس الأمن نأتي إلى مجلس الأمن أبرز الدول الأساسية التي لها أعضاء دائمون في مجلس الأمن هي ما يعبر عنها بالدول الكبرى يعني ذات النفوذ الأوسع في الأرض في العالم في الواقع البشري من حيث قدرتها العسكرية ومكانتها السياسية وكذلك إمكاناتها الاقتصادية بنفوذها الواسع بثقلها الاقتصادي والسياسي بقدرتها العسكرية تصبح ذات نفوذ كبير في الساحة العالمية يأتي في الترتيب لهذه الدول رقم واحد أمريكا ماذا تنتظر يعني من أمريكا أن تقيم العدل وهي منبع الظلم منبع الشر منبع الإجرام تأتي لتنتظر الأمريكي ليقنع بقية أعضاء مجلس الأمن يقنع البريطاني يأتي البريطاني الذي كان المستعمر ما قبل الأمريكي وورث عنه الأمريكي دور الاستعمار للشعوب ولاضطهاد للمستضعفين والتآمر على الشعوب المستضعفة السيطرة عليها ونهب ثرواتها والتلاعب بأوضاعها تأتي إليهم إلى الأمريكي والبريطاني ومن معهم مع الأمريكي والبريطاني ليقيموا عدلا هنا أكبر من ساند الكيان الإسرائيلي في فلسطين من هو أولا من عمل كل ما يلزم لإنشاء هذا الكيان على أرض فلسطين هو بريطانيا ورثت أمريكا الدور عن بريطانيا في تقديم رعاية شاملة وكاملة وحماية للإسرائيلي من بعد البريطاني دور لعبه الأمريكي فكيف تنتظر من الأمريكي عندما تتأمل هذه الأيام ما يفعله ترامب بشكل مباشر أمريكا تتدخل بشكل مباشر ضد الشعب الفلسطيني تصبح شريكا مباشرا لإسرائيل في الأذى للشعب الفلسطيني في مصادرة أراضي الشعب الفلسطيني في استهداف المقدسات فلسطين في التآمر على الشعب الفلسطيني بكل أشكال التآمر ليس فقط دور الحماية والدعم المفتوح لصالح الكيان الإسرائيلي بل إلى جانب الدعم المفتوح والكبير للكيان الإسرائيلي التدخل المباشر والعمل المباشر مع الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني هل يمكن أن تقول عن أمريكا راعية السلام أم منشأ الفتن والعدوان والإجرام؟ نأتي إلى مظلوميتنا كشعب يمني من الذي يشرف على هذا العدوان ويرعاه ويبرره ويوفر له كل أشكال الحماية والدعم والغطاء السياسي ويقدم له الدعم اللوجستي ويشترك فيه على مستوى التخطيط والتدبير والإشراف بكل أشكاله وعلى مستوى التدخل المباشر في كثير من الأحيان الأمريكي ويأتي وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام ليتحدث في الكونجرس ويقدم شهادة يشهد هو على أن هذا العدوان يتحاشى إلى حد كبير استهداف المدنيين في ظل عدد هائل جدا من الجرائم في ظل جرائمه اليومية بحق المدنيين بحق المصالح العامة بحق الشعب اليمني في كل أشكال وأنواع حياته ومقدراته ومتطلباته كل أشكال الضرر تحصل بهذا الشعب من جانب أمريكا بالدرجة الأولى قبل أن تكون السعودية التي هي مجرد أداة النظام السعودي الذي هو مجرد أداة والنظام الإماراتي الذي هو مجرد أداة كذلك بيد الأمريكي.
عندما تعاني شعوبنا من وطأة الظلم وتحس بمرارة الظلم وهذا يحصل طبعا عندما تشتد وتيرة الظلم وتصل إلى مستويات ساخنة بمعنى بمراحل معينة وشعوبنا المظلومة تتأقلم إلى حد كبير مع ما تعانيه من الظلم ولكن الظلم والشر والفساد والإجرام والطغيان لا يبقى في واقع الحال عند مستوى معين هذه قاعدة مؤكدة تشهد لها الحياة وقائع الحياة التاريخ في حاضره وفي ماضيه يشهد لها الطغيان والإجرام والشر والفساد لا يبقى عند مستوى أو حد معين يتعاظم يكبر يكبر يزداد شعوبنا اعتادت في مراحل معينة أن تتأقلم مع حالة تعيشها لا يتوفر منها إلا أقل القليل من العدل أشياء بسيطة جدا والمساحة الهائلة قد تكون أكثر من 95% من الظلم بكل أشكاله إن لم تكن أكثر بكثير يعني نسبة العدل الذي يتحقق لشعوبنا نسبة ضئيلة للغاية مع ذلك كانت شعوبنا تتأقلم مع تلك النسبة الضئيلة لأنك احسب حساب الظلم وما تعانيه الأمة في كل مجالات حياتها ليس فقط اقتصاديا أو أمنيا أو عسكريا حتى على المستوى الثقافي و الفكري من أكبر ما ظلمت به الأمة هو التضليل الثقافي والفكري لأنه ترتب عليه مآسٍ كبيرة جدا دخول الأمة في حالة من العمى والتيه والتخبط وانعدام الرؤية هو حالة رهيبة جدا من المعاناة والإحباط واليأس لدى الكثير من أبناء الأمة، فعندما نأتي إلى حجم المظلومية التي تتكاثر وتزداد إلى أن يضطر شعبٌ هنا أو شعب هناك للتحرك عندما تصل الأمور إلى مستويات كبيرة جدا المعاناة هائلة فيحس بوطأة الظلم ومعاناة ومرارة الاضطهاد وحينها يتطلع إلى الأمم المتحدة ليتنظر لها من يتنظر إلى الأمم المتحدة فهو ينتظر للسراب كما قلنا واقع الشعب الفلسطيني شاهد والشعوب التي تحررت تحررت بجهدها مع اعتمادها على الله وليس بالأمم المتحدة أبدا ما هناك شعب تحققت له العدالة أبدا والخلاص الكامل بمجرد اهتمام الأمم المتحدة أو من مجلس الأمن لم يحصل ذلك أبدا بل هناك أحداث مأساوية جدا لشعوب راهنت على الأمم المتحدة فأسهمت في وقوع جرائم كبيرة جدا بحقها كما حصلت مثلا في البوسنة والهرسك كانت بعض المدن يجمع سكانها في مكان بجور المدينة أو خارج المدينة يجمع أعداد كبيرة من السكان ويطلب منهم أن يسلموا كل ما بحوزتهم من أسلحة وتكون أحيانا حتى بأعداد بسيطة وعلى أساس أن تتوفر لهم حماية كاملة من الأمم المتحدة وجمعت بعض المدن في البوسنة على هذا الأساس اجتمع سكانها في معسكرات كلاجئين تحت حماية الأمم المتحدة ثم ترفع الأمم المتحدة يدها عنهم بعد أن سلبت منهم حتى سلاحهم ويأتي آنذاك الصرب في البوسنة؛ ليقوموا بارتكاب أبشع جرائم القتل والإبادة وقامت حينها الأمم المتحدة بالتجنيد جمعت للصرب أعداد كبيرة آلاف من المسلمين ونزع أي أسلحة متبقية لديهم وتجهيزهم للإبادة ثم تنسحب عنهم وتتركهم ليأتي الصرب فيعملوا على إبادتهم آنذاك وهناك شعوب أخرى لها تجارب مأساوية وكارثية من خلال الأمم المتحدة فلا يعول أبدا لا على الأمم المتحدة ولا على أي طرف هنا أو هناك.
القرآن الكريم يعلمنا الله فيه بأن المسؤولية في إقامة العدل وتحقيق العدل وتحقيق القسط في هذه الحياة هو نحن المسلمين الذين آمنوا الناس هذه مسؤوليتهم لا يمكن أن يتطلعوا إلى قوى الشر لتكون هي قوى تحقق الخير والعدل في هذه الحياة ولا يمكن حتى أن يتنظروا من الله سبحانه وتعالى أن يقوم هو بما هو مسؤولية عليهم مسؤولية هي عليهم جزء من التزاماتهم الدينية والإيمانية والعبادية يتعبدون الله بها الله غني ليس بحاجة إلى ذلك ولا يمكن أن يتدخل بشكل مباشر ليقوم هو بمسؤولياتنا العملية والتزاماتنا الدينية بدلا عنا ماذا يعني ذلك هو الرب جل شانه هو الملك والخالق وليس هو المأمور الذي تصل إليه الأوامر وينفذ نحن من علينا ذلك ولهذا لا يمكن مثلا أن ننتظر ليوم من الأيام نستيقظ فيه فجرا أو في الصباح الباكر فإذا بالأرض قد امتلأت عدلا وزال عنها كل ظلم وجور وكل طغيان وإجرام وصلحت أمور الحياة كيف تدخل في الليل والناس نيام وأصلح الله كل شيء، لا، المسألة ليست كذلك أبدا الله جل شأنه يقول[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ] يقول هو جل شأنه [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ] الناس هم المعنيون بإقامة القسط مسؤولية عليهم يدخل ضمنها الكثير من الأعمال من الجهود والأنشطة من الاهتمامات العملية وتحتاج قبل ذلك أن تكون ضمن اهتمامات الناس على المستوى التثقيفي والتعليمي وعلى المستوى التربوي وأن تكون جزءًا رئيسيا من برنامجهم العملي في هذه الحياة وجزءًا أساسيًا من التزاماتهم الدينية في هذه الحياة كما هي الصلاة كما هو الصيام كما أي التزام ديني آخر، فالمسألة مرتبطة بأدائنا وكما قلنا يتضح أصالة هذا الموضوع بالنظر إلى حضوره الواسع في النصوص القرآنية في آيات الله في أوامر الله الكثيرة جدا بهذا الشأن في مئات الآيات في القرآن الكريم وبأكثر حتى من الصلاة آيات أكثر بكثير ثم في حركة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الذي كان جزء كبير من أعماله واهتماماته وأنشطته وبرنامجه وحركته جهاد وأمر بالمعروف ونهي عن منكر وما يتصل بذلك إقامة للعدل أم إلى آخره، حركة واسعة مساحة واسعة في حركة رسول الله في حياة رسول الله في أعمال رسول الله في جهود رسول الله في اهتمامات رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله كماهي واضحة جدا وحاضرة في سيرته في ما عبر عنه القرآن وفيما رواه التاريخ فكيف غابت كيف غابت على مدى زمن طويل لدى فئات واسعة من أبناء الأمة لا أقل، غابت لدى الجميع لدى فئات واسعة من أبناء الأمة وإلى اليوم الحال هو نفسه لا يزال الكثير من أبناء الأمة كثير من الشعوب كثير من البلدان كثير من المناطق حتى في القطر الواحد مثلا عندنا في اليمن ليست كل منطقة يحظر فيها في العام التثقيفي والتعليمي والتربوي الحديث عن هذه المسألة الدينية المهمة كماهي في القرآن كماهي في حركة رسول الله وسيرة رسول الله وأعمال رسول الله وأقوال رسول الله صلوات الله عليه وآله هل هي حاضرة بمستوى أهميتها بمستوى حضورها في القرآن بمستوى حضورها في السيرة النبوية ؟ لا، غائبة إلى حد كبير جدا بل عندما غابت إلى حد كبير جدا في الساحة الإسلامية وصل الحد إلى أن يكون أي تحرك يخالف هذا المزاج العام مستغرب لدى الكثير من الناس وغير مرغوب فيه غير مرغوب فيه في بعض المناطق لا يرغب الناس حتى أن يسمعوا كلاما في هذا الشأن حتى أن يسمعوا آيات من القرآن الكريم حتى أن يسمعوا مثلا سورة الصف أو أن يسمعوا سورة التوبة أو أن يسمعوا سور من القرآن الكريم تتحدث عن هذه المسائل بشكل واسع، ليس عندهم رغبة أبدا بهذا الشأن.
نحن عندما نلحظ اهتمام كبير بحركة رسول الله، حضور واسع في النص القرآني، تأثير كبير جدا في أوامر الله وتوجيهاته، ثم فجوة كبيرة بين هذا وبين ما هو سائد في الساحة الإسلامية من جمود لدى أكثر الأمة وحالة من التنصل الكامل عن المسؤولية بل حالة من الانفصال عن هذه المسؤولية وشطب لها بالكامل من الالتزامات الدينية والبرامج العملية.
هذه الفجوة كيف حدثت؟ من المسؤول عن إيجاد هذه الفجوة؟ كما قلنا هذا ورائه شغل كبير لم يأت من فرغ هناك من اشتغل عندما أتى بنو أمية إلى السلطة وأداروا شؤون الأمة الإسلامية، أداروها بناء على أسس جديدة غير ما كان عليه رسول الله وليس امتدادا لما كان عليه رسول الله ولما أتى به القرآن، بل بنقاد البديل عن العدل، الظلم، الفساد، المنكر وسنتحدث عن هذا في كثير إن شاء ابتداء من المحاضرة القادمة التي نسلط الضوء فيها على هذه المسألة، وجهد واسع بذل وترافق معه أنشطة واسعة ولذلك عندما نأتي لنتحدث عن الأسباب:
أولًا: هناك جهات اشتغلت على الموضوع بقصد بشكل مقصود بهدف إبعاد هذه المسائل والمعالم الرئيسية عن واقع الساحة الإسلامية للتمكن من السيطرة عليها بشكل مريح.
ثانيًا: غاب في الساحة الإسلامية الاهتمام بهذا الموضوع بالرغم من حضوره كما قلنا في القرآن وفي حركة الرسول على مستوى هذا الغياب على مستوى المناهج التعليمية، التثقيف، الخطاب الديني، وعلى مستوى المسار التعليمي، كم مدراس في الساحة الإسلامية في المنطقة العربية وفي غيرها بلدان كثيرة كم هناك من خطباء! كم هناك من مساجد! كم هناك من منابر! كم هناك من أنشطة تثقيفية وتعليمية وتوجيهية ولكن يغيب منها بشكل كبير جدا الحديث عن الجهاد بمفهومه الصحيح عن إقامة العدل عن إحقاق الحق عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن مواجهة الفساد عن السعي لإصلاح واقع الأمة وبناء واقعها كما ورد في القرآن الكريم وفي الاقتداء برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، يغيب هذا إلى حد كبير جدا، فالغياب في التثقيف في التعليم في الإرشاد لدى كثير من الناس، يجلس البعض من علماء الدين طول عمره البعض يدرس طول عمره ويخطب ويعلم ويرشد ويعظ، ولا يتحدث عن هذه المسائل نهائيا، يتجاهل كل النصوص القرآنية المتصلة بهذا الشأن كل الآيات القرآنية ذات العلاقة، ويتجاهل ما ورد عن رسول الله صلوات عليه وعلى آله، ويتجاهل كل ما هو ما قائم في الساحة في الواقع من مظالم ومعاناة وعن واجب الأمة تجاه ما هو حادث وحاصل، كم هناك من كتب كتبت وألفت كم هناك من أنشطة تقدم كما قلنا في هذا الزمن حتى عبر وسائل حديثة من قنوات، من إذاعات، من برامج سجلت، من وثائقيات كثيرة يغيب هذا الموضوع نهائيا يغيب عند أكثر أبناء الأمة ليس عند الجميع عند أكثر أبناء الأمة، غياب هذا الجانب وصل كما قلت إلى درجة أن يصبح مستغربا وغير مرغوب، عندما يسمعون من يتحدث فهناك الكثير ممن لا يرغبون أن يسمعون ما يقال في هذا الشأن أبدا، عندما مثلا إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روي عنه أنه قال فيما معناه "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" لاحظ أن غربة الإسلام هذه ليست غربته في صلاته ولا في صيامه، وليست غربته في عناوينه العامة الأولى هذا يمكن أن تكون قائمة، ويمكن أن تكون موجودة، ويمكن أن تكون غير مستغربة، فليس غريبا أن يدعو إنسان ما إلى الصلاة أو أن يشاهد إنسان يصلي وليس غريبا أن يأتي من يحث الناس على صيام شهر رمضان أو أن يجد الناس إنسانا يصومه وأمور كثيرة يعني ليست غريبة ليست غريبة في الساحة، لكن هناك فعلا غربة للإسلام في معالمه الرئيسية.
الإسلام الذي يستنقذ الناس من العبودية لغير الله ويحررهم من الطاغوت ويستقل بهم في شئون حياتهم من التبعية للمستكبرين هذا إسلام غريب وهذا خطاب غريب وهذا منطق غريب لدى كثير من الناس لدى فئات واسعة من أبناء الأمة، الإسلام الذي يعطي مسالة الوعي ويربط الأمة بمصادر الهداية ويعطي لمسألة الوعي أهمية كبيرة جدا ويركز على تنوير الناس بالقرآن الكريم وتبصيرهم ببصائره وأن يحملوا الوعي تجاه حياتهم والواقع من حولهم وأعدائهم وما يتصل بذلك من مسؤولياتهم إلى آخره.
هذا خطاب غريب غير مألوف وغير مرغوب فيه لدى فئات كثيرة من أبناء الأمة، والإسلام الذي يلزم بإقامة العدل ودفع الظلم ومواجهة الطغاة والطغيان وإصلاح واقع الحياة بناء على توجيهات الله وأوامره وهديه كذلك غير مرغوب وغريب جدا، الإسلام الذي فيه جهاد بمفهومه الصحيح في مواجهة العدوان على الأمة في دفع الأخطار عن الأمة عن المستضعفين، غريب وغير مألوف وعند البعض ما يعرفه من مرة يعني مثلما يشاهد مسألة لا يعرف ماهي مجهولة نهائيا وليس فقط مستغربة، والإسلام والإسلام في هذه المعالم الرئيسية هو الذي شهد الغربة في واقع الساحة الإسلامية وبات الكثير من الناس ينظرون باستغراب ويعتبرون المسألة هذه ليست مسألة مهمة ولا يريدون أن تكون حاضرة وأن تكون موجودة يريدون لها أن تقصى أن تبعد أن تحذف أن تشطب أن لا يسمعونها وألا يشاهدون شيئا عنها غربة الإسلام في هذه غربته في هذه ولهذا عندما قال رسول الله فطوبى للغرباء فقيل من هم يا رسول الله؟ قال فيما معناه "الذي يصلحون عند فساد الناس" يسبحون كما يقال عكس التيار، الاتجاه والمزاج العام، مزاج يعيش حالة التبعية التي ينتج عنها الفساد التبعية للطغاة والمجرمين والمنافقين والضالين والفاسدين فيفسدون الآخرين بفسادهم، هؤلاء يأتون كما يقال ليسبحوا عكس التيار لديهم اتجاه مختلف عن المزاج العام الذي لدى كثير من الآخرين كثير من الناس.
فنحن نتحدث عن أن من أهم الأسباب في غياب هذه المعالم الرئيسية وهذه المسألة المهمة للغاية هي:
1- فصلها عن الاهتمام التعليمي في المناهج والأنشطة والبرامج والخطاب الديني وعن التثقيف وعن الإعلام في زمن الإعلام.
2- فصلها عن برنامج واجبات الأمة والتزاماتها الدينية، دائما في الخطاب الديني والتعليم الديني يقال للناس واجباتكم هي التالي أن تصلوا خمسكم أن تزكوا مالكم أن تصوموا شهركم أن تحجوا إلى بيت ربكم واكتملت المسألة كملت كمل الدين نفذت بقية الالتزامات يأتي البعض ليضيف قسطًا يسيرا من الالتزامات الأخلاقية في المعاملة وفي المحرمات كذلك جزء محدود منها وتنتهي المسألة، ثم لا تذكر من هذه القائمة من الالتزامات الدينية والواجبات لا أن تجاهدوا ولا أن تأمروا بالمعروف وتنهون عن المنكر وطبعًا بالمفهوم الصحيح القرآني وليس بالمفهوم الداعشي ولا بمفهوم الجامدين الذين يجمدون كل النصوص القرآنية بتحيلاتهم ولا كذلك يقال للناس وأن تقيموا العدل في حياتكم هذا يحذف إقامة العدل في الحياة والأمر بالمعروف والجهاد إلى أخره والإنفاق في سبيل الله تحذف في كثير من المناطق في كثير من المدارس في كثير من الأنشطة التثقيفية والتعليمية في الخطاب الديني لدى الكثير من الناس تحذف هذه وكأنها ليست من الواجبات لا وردت بشأنها نصوص قرآنية ولا كان لها حضور ولا وجود في حركة رسول الله صلوات الله عليه وآله حتى بات البعض ينظر إلى المسألة أنها فقط بهذا المستوى واجباتنا الدينية والتزاماتنا الدينية هي واحد أثنين ثلاثة أربعة تلك الأشياء الاعتيادية الروتينية ما عداها ليس إلزاميًا أو قد تم سقوطه بأساليب وحيل جعلت منه أمرًا غير إلزامي وغير واجب ولم يعد مطلوبًا وهو كان حالة استثنائية للعصر الأول وكأنه لا حاجة إلى العدل لا حاجة إلى العزة ولا حاجة إلى الخير ولا حاجة إلى المنعة ولا حاجة إلى القوة إلا للمسلمين الأوائل في عصر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله هم فقط من كانوا يحتاجون إلى العدل إلى الخير إلى العزة إلى الكرامة إلى الاستقلال إلى الحرية بقية المسلمين في كل عصر وجيل ليسوا بحاجة لا إلى عدالة ولا إلى حرية ولا إلى استقلال ولا إلى كرامة ولا إلى عزة ولا إلى أي شي من هذه وطبيعي أن يكونوا ضحية ضعفهم وشتاتهم وتفرقهم وانعدام كل عوامل النهوض بالمسؤولية لديهم، لا، المسألة كل البشرية بحاجة إلى العدل بحاجة إلى الكرامة بحاجة إلى هذه المبادئ العظيمة والمهمة، فعلى كل حال في الذهنية العامة فيما يقدم للناس على أنه يمثل العناوين من واجباتهم والتزاماتهم الدينية كان يشطب منه عند كثير من الناس مثل هذه المسائل أيضا من الأسباب الخطيرة جدًا والمؤثرة بشكل سلبي التحريف التحريف من هذه العناوين بتطبيقها على غير مصاديقها وباستغلالها في غير مواضعها، كما هو الحال بالنسبة للتكفيريين يرفعون عنوان الجهاد في سبيل الله ولكن أين يتحركون بهذا العنوان يتحركون به في غير مصاديقه، في نهاية المطاف يصبح الأمر في حقيقته التحرك في خدمة أمريكا هذا هو واقعهم، في مصلحة إسرائيل هذا هو حقيقة ما هم عليه ليس ما هم في جهاد ليس جهادًا في سبيل الله هو تحرك في خدمة أمريكا وإسرائيل واستهداف للأمة وتوجه نحو كل ما يمكن أن يساهم في تقويض هذه الأمة والإضرار بهذه الأمة.
التحريف هذا ليس جديدًا يعني منذ زمن بعيد وهو يستخدم من فئات الضلال نفسها ولكن المسألة ليست معقدة لتعرف هل يستخدم هذا العنوان بحق أو بغير حق ليست معقدة المسألة يمكن أن تكون واضحة لا تحتاج إلى أن تكون غامضة للغاية، مثلًا هناك باطل من المؤكد أنه باطل أمريكا باطل أمريكا شر إسرائيل شر وباطل جهات كلنا نعرف أنها جهات على باطل وأن تحركها حتى في ساحتنا الإسلامية لا يمكن أن يكون بخير ولا لخير ولا لصلاح ولا بحق ولا لحق أبدا.
جهات نعرف جميعاُ أنها جهات شر جهات ضلال جهات فساد جهات طغيان تعرف أن كل ما هو امتداد لها ومرتبط بها ومتصل بها أنه لن يكون إلا شرًا وفسادًا وضلالًا وباطلًا مهما حمل من عنوان أتى بعنوان ديني أو أتى بعنوان علماني أو أتى بعنوان قومي بأي عنوان أفهم أنه يكذب في عنوانه وأن العنوان الذي حمله إنما حمله للخداع والتضليل للسذج والمخدوعين والذين أيضا يريدون أن تقدم لهم عناوين للتغطية على حقيقة ميولهم وعلى طبيعة انحرافهم لأن البعض من الناس تكون الصورة واضحة لهم ولكن يرغب أن يكون للموضوع عنوان يتستر به وهو يعرف أنه عنوان مزور وأنه لا ينطبق على واقعه بأي حال من الأحوال.
عندما تأتي لتتأمل كثيرًا من الوقائع والأحداث التي تحرك فيها التكفيريون وحملوا عنوان الجهاد بدءا من حرب أفغانستان كان من الطبيعي مثلًا أن يكون هنالك جهاد في أفغانستان لإخراج المحتل السوفيتي ولكن ليكون تحركًا صادقًا نابعًا من إرادة تحرر وليس من استغلال لصالح أمريكا آنذاك ما الذي حصل أمريكا كانت ترغب وضمن حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق أن تعمل على إضعاف الاتحاد السوفيتي وتنتقم منه ضمن برامج وأنشطة واسعة لها واستهدافات متنوعة تسعى إلى تقويضه والتخلص منه والدفع بهِ إلى حافة الانهيار، هي تحركت بوسائل وعناوين وطرق متعددة، واحدة من هذه الوسائل التي تحقق لها هدفين الهدف الأول الإضعاف آنذاك للاتحاد السوفيتي والاستنزاف له، والثانية العمل على السيطرة على أفغانستان بشكل مباشر من جانب أمريكا، فما الذي عملت أمريكا اتجهت إلى السعودية إلى النظام السعودي ومعه بعض دول الخليج على أساس أن يقوموا بالآتي:
أولًا: يعملون على توفير طاقة بشرية وتغطية الموارد البشرية بتجميع عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من المقاتلين الذين يذهبون إلى أفغانستان ليقاتلوا هناك باسم الجهاد في سبيل الله بإخراج الاتحاد السوفيتي بعد استنزافه وفي النهاية تتمكن أمريكا من المجيء وتحتل فيرفع عنوان الجهاد؛ لأنه عنوان سيحاط بفتاوى دينية من علماء البلاط لدى السعودية وأمثالها والمرتبطين بها في العالم الإسلامي.
ثم يدفع بالشباب من كافة المناطق والبلدان العربية والإسلامية للتحرك إلى هناك تحت عنوان الجهاد المقدس والواجب والذي صدرت به فتاوى من فلان الذي هو من هيئة كبار العلماء وفلان مفتي دولة كذا وفلان الذي هو كذا بألقابهم وأسمائهم وأساليبهم المعروفة للترويج والإقناع ثم أن تقوم أيضًا بالتمويل لمستلزمات هذه الحرب التمويل المادي توفير المال اللازم والكلفة تحمل الكلفة اللازمة لتلك الحرب، قام النظام السعودي ومعه بعض الأنظمة لكنه هو الذي تولى المسألة بالدرجة الأولى قام بكل هذا الدور وبقيادة هذا الدور كلفة مادية زخم تحشيد كبير جدًا من مختلف البلدان التي انطلق منها الكثير والآلاف من الشباب، في بعض الإحصائيات أن الذين تحركوا من اليمن تقريبا ستين ألف, ستون ألف مقاتل تحركوا من اليمن للمشاركة في حرب أفغانستان تحت عنوان الجهاد في سبيل لله ! آنذاك قالوا أفغانستان بلد محتل وبما أن الاتحاد السوفيتي احتل أفغانستان يلزم وجوبًا كل شعوب المنطقة أن تذهب للجهاد في أفغانستان، حتى تطهر أفغانستان وتعمل على تنظيفها بالكامل من سيطرة الاتحاد السوفيتي، انتهت المسألة تحققت أهداف أمريكا في الاستنزاف الهائل للاتحاد السوفيتي وإلحاق نكبة كبيرة بها على المستوى الاقتصادي, وأن تستنزف الأمة الإسلامية, وتقدم الشعوب العربية تضحيات كبيرة جدًا وتقدم تلك الدول العربية مبالغ هائلة جدًا لتمويل الحرب والقيام بتكلفتها, والعنوان كان الجهاد في سبيل الله! لماذا لم يجب هذا الجهاد بنفسه في فلسطين لإنقاذ الشعب الفلسطيني لدحر إسرائيل؟! لماذا لم يصدر علماء السعودية علماء النظام السعودي في هيئة كبار العلماء والمفتين وغيرهم آنذاك نفس الفتوى لتحرير فلسطين من سيطرة إسرائيل؟!
واضح لأن المسألة باعتراف الأنظمة العربية وباعتراف الأمريكيين أنفسهم وباعتراف بعض قادة تلك الجماعات التكفيرية الثلاثة اعترفوا المخطط والممول والمنفذ ثلاثتهم اعترفوا أن مسألة التحرك للقتال في أفغانستان آنذاك كانت بإرادة أمريكية ورغبة أمريكية وطلب أمريكي.
إذًا لا تتوقع من أمريكا أن تطلب منك خيراَ أن تطلب منك ما هو رضا لله وفي الوقت نفسه ما فيه مصلحة حقيقية لك.
ألم يكن بالإمكان أن يكون هناك جهاد غير مرتبط بأمريكا ولا يحظى بالتمويل طبعًا الخليجي من النظام السعودي وغيره ولا يحظى بذلك الإقبال والالتفات الواسع والزخم الكبير من الفتاوى ونحوها في النهاية ما الذي حدث؟!
بعد الاستكمال لإخراج السوفيت من أفغانستان والسيطرة التامة عليها في ما بعد وبعد وبعد، أتت أمريكا احتلت أفغانستان وأصبحت أفغانستان أصبح بلدا محتلا من أجنبي (كافر) بحسب التسميات التي يركز عليها أولئك فما الذي حصل؟ لم يأتوا من جديد ليقولوا وجب نفس الجهاد الذي وجب آنذاك أيام الاحتلال السوفيتي لأفغانستان لماذا؟ لأن المحتل اليوم هو الأمريكي.
تلك الفتوى ذلك التحرك النشط في مختلف البلدان العربية والإسلامية أولئك الخطباء والمرشدون وغيرهم والمفتين كل أولئك سكتوا، ولم يأتوا من جديد بمثل ما فعلوا أيام الاتحاد السوفيتي.
لماذا لم يفعلون مثل ما فعلوا آنذاك ويتحركون في ساحتنا العربية والإسلامية لاستنفار المسلمين والوجوب الحتمي واللازم والفوري بالجهاد ضد أمريكا في أفغانستان؟ لأن المحتل هو الأمريكي والقوم يتحركون وفق البوصلة التي يحددها الأمريكي، يعني أنهم يتحركون بعنوان الجهاد أينما أرادت منهم أمريكا أن يتحركوا.
لم يجعلوا من فلسطين أولوية لتحركهم نهائيا لا آنذاك ولا اليوم ولا قبل اليوم ولن يجعلوها بعد اليوم, فلسطين وفيها مشاهد مقدسة مساجد مقدسة فيها ثالث الحرمين الشريفين الأقصى الشريف مكان مقدس يعترف المسلمون بقدسيته وأرض مباركة وفيها الكثير أيضًا من المشاهد وكذلك المقدسات المتعددة ومع ذلك بمكانتها حتى داخل الثقافة الإسلامية لم يجعلوها من أولوياتهم أبدا، لم يجعلوا إسرائيل العدو رقم واحد, يرفضون ذلك نهائيًا مع إن الله يقول: (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) مع ما يفعله اليهود الصهاينة وما فعلوه عبر كل هذه التاريخ من بداية غزوهم لفلسطين وإلى اليوم ومؤامراتهم على الأمة بكلها, ولم يقبلوا أن يجعلوا أمريكا في تصنيفهم هي العدو بشكل جاد وحقيقي فيتحركون وفقًا لذلك ولمناهضتها بالفعل.. لا، فعلوا بوصلتهم تمامًا في سوريا إلى حيث تريدهم أمريكا وإسرائيل أن تكون وكان موقفهم متطابقًا مع موقف الأمريكي والإسرائيلي والفارق لم يكن إلا في العناوين وإذا لم يكن الفارق إلا في العناوين والمضمون واحد والتوجه واحد والموقف واحد في أصله فاعرف أن ذلك من الباطل من الباطل، اتجهت بوصلتهم في العراق بوصلة واحدة اتجهت بوصلتهم في اليمن لتكون بوصلة واحدة, وإذا موقف مثلا الزنداني، صعتر بعض علماء التكفيريين لا يختلف نهائيًا عن موقف نتنياهو الموقف لنتنياهو الموقف للداعشي الموقف للقاعدي الموقف للأمريكي تجاه الحرب على شعبنا اليمني نفس الموقف, وكل منهم يسعى إلى إبادة هذا الشعب وإلى ضرب أحراره وإلى القضاء عليهم, كل ينادي نتنياهو ينادي الزنداني ينادي صعتر ينادي فلان وعلان كم من خطبائهم كم من قادتهم كم من رموزهم ينادي! ترى الموقف واحد ويتحركون في جبهة واحدة تأتي القاعدة لتقول نحن نقاتل الحوثيين في أحد عشر جبهة يعني يقاتلون الشعب اليمني في أحد عشر جبهة إلي جانب من؟! أي جبهات هذه؟! هي نفسها الجبهات التي يديرها السعودي ويشرف عليها الأمريكي وترى الجميع يتحركون في اتجاه واحد العدو واحد والموقف واحد فقط تختلف العناوين فقط الأمريكي له عنوانه السعودي له عنوانه والداعشي له عنوانه والموقف هو واحد يتجهون في جبهات موحدة للعداء ضد أطراف معينة هنا أو هناك تعرف أنهم على باطل وأن موقف القاعدي الداعشي التكفيري بكل أشكاله هو امتداد للموقف الأمريكي الإسرائيلي وما كان امتدادا للموقف الأمريكي الإسرائيلي من اليقين المؤكد أنه باطل لن يكون أبدا حقًا ولا بحق نهائيًا المسألة ليست مستعصية على الفهم، فإذًا عملية التحريك من خلال استغلال هذا العنوان وتشغيله في غير مواضعه وإطلاقه على غير مصاديقه هو واحدة من هذه الوسائل التي تؤثر سلبا في التفاعل مع العناوين هذه في مضمونها الحقيقي ومضمونها الصادق ومفاهيمها الصحيحة المتطابقة مع القران الكريم.
من حق شعبنا اليمني المسلم بهويته الإيمانية أن ينطلق في الدفاع عن نفسه وهو معتدىً عليه من قوى ظالمة ومعتدية وباغية ترتكب بحقه أبشع الجرائم من حقه أن ينطلق تحت عنوان الجهاد في سبيل الله فيتحرك بدافع إيماني ويلتزم بالضوابط والأخلاق والتشريعات والتوجيهات التي يلزم بها المسلمون في قتالهم وهم يقاتلون من يعتدي من هو ظالم ومجرم وطاغية ومستكبر ومتجبر، يتحركون للتصدي له بتلك الضوابط والأسس وفق الطريقة التي رسمها الله في كتابه وسماها جهادا طريقة لها دوافعها النبيلة والمشرّفة لها منهجها الراقي والعظيم والعادل تجد حتى على مستوى الممارسات يأتي أولئك بكل أشكالهم الذين في صف العدوان ويثبتون بممارساتهم الإجرامية إن من خلال القصف العشوائي بقنابل الطائرات وصواريخها للمدنيين وللمصالح العامة وارتكاب أبشع المجازر الجماعية بحق الناس، وإن بممارساتهم مع الأسرى من تعذيب من جرائم من انتهاكات وصولًا إلى الفظائع التي باتت اليوم معروفة عنهم وتتحدث بها حتى التقارير الدولية والأممية من انتهاكات الأعراض من اغتصاب من جرائم بشعة جدًا، كيف يمكن أن نقول عن أولئك أنهم جهات في حق وعلى حق.
فنحن في هذا الزمن نلحظ كيف ظُلمت الأمة في ما فصلت به عن المسؤولية الرئيسية المهمة التي تنطبق مع المفاهيم القرآنية ومع ما عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وينبغي أن نكون متنبهين أن الاستغلال السلبي من البعض لهذه العناوين لا يعني أن نعطّل هذه العناوين ولا يعني أن نتركها ولا أن نهجرها ولا أن نبتعد عنها في ماهي عليه كعناوين وبمضامينها الصحيحة، بمضامينها الصادقة بمصاديقها في الواقع بالالتزام بما يتعلق بها من منهج ومبادئ وتعليمات إلهية من الله سبحانه وتعالى في الواقع، حتى لا نقبل بأن تكون مشوهة وبالتالي محذوفة ومشطوبة فلا نجد لها وجودًا إلا في القرآن ثم تغيّب عن الواقع لا، لتُستخدم بصدق في واقعهم ولا تعطل لاستغلال أولئك لها بشكلٍ سلبي، الأعداء أنفسهم هم رغبوا في ذلك أن تستخدم بشكل مشوه حتى تشوه حتى يشمئز الإنسان عندما يسمع مفردة جهاد أو مفردة أمر بمعروف ينطبع في ذهنه عندما يسمع كلمة جهاد التصرفات التي يمارسها التكفيريون، الجرائم الوحشية والبشعة التي يرتكبونها، أو ينطبع في ذهنيته عندما يسمع أمر بمعروف ونهي عن منكر ما عليه مثلًا هيئة الأمر بالمعروف والنهي والمنكر في السعودية التي لديها اهتمامات هامشية وأشياء عجيبة وغريبة جدًا وتمارسها بحق المواطن العادي فقط، وتعطل قضايا رئيسية وكبيرة وعناوين عظيمة ومهمة تصلح واقع الحياة، أو ينطبع في ذهنيته كذلك في مسألة إقامة الحق والعدل ينطبع في ذهنه تنظيم داعش أو ينطبع في ذهنه فئة هنا أو هناك، كل أولئك أُريد منهم من جانب أعداء الأمة الإسلامية أن يحملوا هذه العناوين ليشوهوا هذه العناوين في ذهنية الناس، حتى يفصلوا الناس عن هذه العناوين في مضامينها الصحيحة كما وردت في القرآن وفي حركة رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) أُريد لهم ذلك وفعلًا أثروا في ذلك في ذهنية الكثير من الناس، في ذهنية الكثير من الناس الذين لم يفهموا بعد كيف هي المضامين الصحيحة لتلك العناوين فتأثروا تأثرًا سلبيًا.
فنحن معنيون أن نعود إلى هذه المعالم وأن نعرف أن الأصالة في الإسلام هي أن نلحظ هذه المعالم الرئيسية كما هي في القرآن، أن الإنسان الصادق وأن العالم الرباني الذي هو عالم حقيقي هو من يتحرك ويُعطي هذه المعالم الأساسية نفس مستواها من الأهمية بحسب ما وردت في القرآن وبحسب ما كانت في حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأن الذي يهمش هذه المسائل ويتجاهلها هو يظلم نفسه ويظلم الناس، هو لا يتجه في الاتجاه الصحيح المنسجم مع القرآن والمقتدي برسول الله (صلوات الله عليه وسلامه عليه وعلى آله) هو يؤثر على الناس سلبًا حينما يغيّب عن ذهنيتهم ومن واقع اهتماماتهم مسائل أساسية لا تجاهلهم لها ولا تغيّيبهم لها ولا تنكرهم لها سيفيدهم، إنما سيضرهم إنما تكون النتيجة التمكين للطغاة التمكين للأعداء، التسليط للأعداء، وهذه نتائج كارثية جدًا، الأمة مكثت في كثير من أبنائها على مدى أجيال تتجاهل هذه المسائل، لا عدل ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولا ولا إلى آخره، النتيجة ماهي؟ بل يروّج في المفاهيم الأخرى أنه لا مانع من استحكام سيطرة الطاغوت والظالمين والمجرمين وأن يديروا هم شؤون الأمة وأن وأن.. وشُطبت تلك المسائل من برنامج الأمة كلها من موقع السلطة والقرار إلى المواطن العادي، شُطبت مسألة العدل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الجهاد في سبيل الله، كل ما يتصل بذلك وفق مفاهيمها الصحيحة، شُطبت خرجت عن دائرة الاهتمام، يأتي لك الأمير أو الزعيم أو الملك أو بأي مسمى والموضوع مشطوب عنده، خلاص مسألة مالها لزوم عندهم ليست من الدين ولا لها أهمية عندهم وشطبت في أنشطة واهتمامات كثير من العلماء، يسمى عالمًا كبيرًا ويُطلق له أيضًا ألقاب معينة البعض قاضي القضاة البعض شيخ الإسلام البعض كم يا ألقاب، ويشطب المسألة لا تدخل ضمن أنشطته ولا تثقيفه ولا تعليمه ولا نصحه ولا مواعظه ولا اهتماماته بأي شكل من الأشكال، ثم في بقية واقع الأمة وصولًا إلى الإنسان العادي الذي هو ضحية لما هناك وهناك، النتيجة ماهي؟ النتيجة تستحكم المظالم ينعدم العدل إلى حدٍ كبير تكثر المفاسد تكثر المفاسد إلى حد كبير جدًا، ثم على المستوى التربوي تربى الأمة تربية بتقبّل الظلم للألفة بالمفاسد تألف المفاسد ولا تشمئز منها كثير من المفاسد تحصل والمنكرات وكذلك المظالم، وتأقلم مع ذلك الواقع إلى أن يصل إلى مستوى فظيع جدًا جدًا، عندما نأتي إلى القرآن الكرم لنرى العواقب السيئة لهذا التجاهل ولهذا الإعراض لهذا الإهمال الذي هو عصيان لله سبحانه وتعالى في مسائل مهمة جدًا أمر بها وألزم بها وأكد عليها ووعد وأوعد بشأنها وعد فيما إذا أطيع فيها وتوعد فيما إذا عُصي فيها، المسألة ليست سهلة، الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) نجد سخط كبير جدًا لعن من أنبياء الله ومن الله سبحانه وتعالى ووعيد شديد بالعذاب وبالسخط الإلهي والعذاب الأبدي، الخلود في جهنم، ومن أبرز ما حصل وتسبب في ذلك كله، لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه ويتولون الذين كفروا، انحراف كبير جدًا في مسألة التناهي عن المنكر هيأ الساحة لأن تمتلئ بالمنكرات وتكبُر فيها المنكرات وتعظم فيها المنكرات، إذا ما هناك نهي، وكذلك فيما يتعلق أيضًا بالتولي للأعداء هذا ينتج عنه حتى تبعيه لهم في كثير من المواقف والسياسات ويدخل أثر ذلك إلى واقع الأمة إلى كل شؤون حياتها، إلى اقتصادها إلى إعلامها حتى إلى السلوكيات الاعتيادية في الحياة، اليوم ألا نرى آثار هذه التبعية في ساحتنا الإسلامية حتى في قصة الشعر، حتى في الملابس والزين، حتى في أشياء كثيرة، ترى الكثير يتطلع إلى هناك من كبير الأمور إلى صغيرها تبعية بشكل أحمق حتى وبشكل غريب وساذج.
فإذًا المسألة عندما نأتي لنقول لا لزوم لكل هذه المسائل ما الذي ينتج عنه، في الحديث عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) (لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ) وفي بعض الروايات: (ولَتَنْهَوُونَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ) النتيجة هي التسليط للأشرار وهذا الذي حصل في واقع الأمة أشرار الأمة هم المتسلطون عليها في كثير من المناطق وهم المسيطرون عليها وهم المتحكمون في شؤونها وهم على قمة زعامتها وإدارة شؤونها بما يخدمهم وبما يضر بالناس، بما له أبلغ الأثر والضرر وأقساه في واقع الناس وفي حياتهم في كل شؤون حياتهم.
فنحن معنيون اليوم من واقع ما نعاني كشعوب مظلومة تتطلع إلى العدل تحتاج إلى العدل تحتاج إلى الخير تحتاج إلى التربية الإسلامية والإيمانية الصحيحة التي تزكو بالنفوس التي تنمّي معنى الكرامة ومعنى الحرية في أعماق النفوس، التي تربينا على الخير والصلاح والزكاء والطهارة، التي تعود بنا إلى قيمنا وأخلاقنا القرآنية والإسلامية التي تعيدنا إلى الصراط المستقيم فنتمسك بالقرآن منهجًا ونقتدي بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قائدًا وأسوةً ومعلمًا نحتاج إلى هذا كله ونحتاج أيضًا إلى استعادة المَنّعة والقوة لنواجه التحديات؛ لأننا إن رضينا لأنفسنا بالضعة والهوان والضعف والعجز النتيجة أن نخسر كل شيء دنيانا وآخرتنا، تكون المسألة كارثية علينا جدًا.
إذا أردنا أن نستعيد إلى واقعنا أن نستعيد القوة والعزة والكرامة والمنعة وأن نكون في مواجهة التحديات في موقع القوة، يجب أن نعود أولًا إلى تلك المبادئ إلى تلك الأخلاق إلى تلك المعالم الرئيسية لنبني عليها حياتنا، حنيئذ سنستعيد القوة وسنكون في مواجهة التحديات والأخطار من واقع قوي، قوتنا ستبدأ أولًا بقوة إيماننا بقوة وعينا بقوة إرادتنا بصحة وسلامة نظرتنا بفهمنا الصحيح والواقعي للحقائق من حولنا وفي حياتنا، وفي إدراكنا للتحديات والأخطار القائمة والموجودة والتي لا يجدينا أن نغضض أعيننا عن مشاهدتها أو عن التنبه لها ولا أن ندسّ رؤوسنا في التراب كالنعامة، لا، لا بد أن نستيقظ أن نستشعر المسؤولية أن نتحرك أن نعي جيدًا أننا بحكم إسلامنا وقرآننا والاقتداء بنبينا المعنيون أولًا وأخيرًا لنتحرك بتلك المبادئ والقيم للدفاع عن أنفسنا وعن حريتنا وعن كرامتنا وعن استقلالنا ولإقامة العدل في حياتنا ولدفع الظلم عن أنفسنا ومن واقعنا أيضًا، نحن المعنيون بذلك، مسؤولية علينا أمام الله سبحانه وتعالى، يسألنا عنها يوم القيامة يعاقبنا على التفريط بها وفيها في الدنيا والآخرة.
أسال الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 411 مرة