فكر المجاهد وروحيته (2) الإيمان بالله والتحرك في ظلال العدل .. إعداد/ حمود عبدالله
فكر المجاهد وروحيته (2)
الإيمان بالله والتحرك في ظلال العدل
ثانيا: يؤمن بالله وينزّهه ولا يتوهمه
حين يتحرك المؤمن نحو الجهاد فهو بتأثير تفكيره الإيماني المبني على التأمل والنظر في مخلوقات الله ودلالتها على منشئها وخالقها والاعتبار بما جاء في القرآن من العبر والآيات، لقد أسلم المجاهد نفسه لله بعد أن عرفه معرفة يقينية فآمن بوجوده معه في كل لحظة وأنه المتصرف في شؤون هذا الكون والمدبر لكل ما فيه، وأنه الخالق لكل شيء فيه، بما فيه هؤلاء الأعداء الذي يجب جهادهم، وأنه القادر على التصرف في الجميع، (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الرعد16.
كما يتيقن المجاهد أن بيده تعالى مقاليد السماوات والأرض، وهو القادر على كل شيء والعالم بكل شيء، فهو القادر على نصرة الفئة المستضعفة إذا ما سلكت سبيل النصر الإلهي، الذي وضعه عالِم السماوات والأرض، فمن خلق الخلق جميعا، ويعلم كل شيء عنهم، فمن المؤكد أنه القادر على ترتيب الأمور في ما بينهم على النحو الذي يرضاه ويريده، (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيْرُ الْمُتَعَالِ) الرعد9، (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْم) الحديد: 3، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) الأنعام65.
يستمدُّ المجاهد نصره وعونه من الله الذي لا يشبه أحدا من خلقه، ويتقرب بتحركه الجهادي إلى خالقٍ قادر قوي جبار باينَ خلقَه بأنه خالقهم، وباينوه بأنهم مخلوقون له، (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى11، الذي (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام103، الذي يرسل ألطافه الخفية لرسم المشهد الأخير من مشاهد الصراع بين الحق والباطل، ويدبر النهاية المطلوبة في معركة الخير والشر بين حزب الله المجاهدين وحزب الشيطان الخاسرين.
إن الإيمان بالله حين يكون إيمانا قويا تظهر فعاليته على السلوكيات ويكون حافزا لصاحبه نحو الإنجاز الذي يرضي الله تعالى، والمجاهد حين يسلم نفسه لله ويؤمن بالله حق الإيمان، ينوِّر الله قلبه، ويُحْسِن خاتمته، ويصطفيه إليه، روى الإمام جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَنَظَر إِلَى شَابٍّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَهْوِي بِرَأسِهِ، مُصْفَرًّا لَوْنُهُ قَدْ نَحُفَ جِسْمُهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلانُ؟)) فَقَالَ: أَصْبَحْتُ يِا رَسُولَ الله مُوقِناً، قَالَ: فَتَعَجَّبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ لَهُ: ((إنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟)) فَقَالَ إنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ الله أحَزَنَنِي، وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي، فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ، وَقَدْ حُشِرَ الْخَلائِقُ لِذَلِكَ، وَأَنَا فِيهِمْ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِيهَا، وَيَتَعَارَفُونَ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا يَصْطَرِخُونَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ الآنَ زَفِيرَ النَّارِ تَدُورُ فِي مَسَامِعِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لأَصْحَابِهِ: ((هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ الله قَلْبَهُ بِالإِيمَانِ))، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ((إلْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ))، فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: ادْعُ الله لِي يَا رَسُولَ الله أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ مَعَكَ، قَالَ: فَدَعَا لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بِذَلِكَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ العَاشِرُ[1]. إنه شاب صدق الله إيمانا فجازاه الله إحسانا وإحسانا.
ثالثا: يتحرك في ظلال العدل والحكمة
يتحرك المجاهد إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل، وتثبيتا للعدل في حياة الناس؛ ذلك لأنه يوقن أن الله عدل يحب العدل، ويكره الظلم، (إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ)[يونس: 44]، حين كلفنا الله بالجهاد فإنما كلفنا به؛ لأنه حكمة وسداد، ولأنه قيمة عالية راقية يجب أن تسود حياة الناس، ولأنه خلُق راقٍ يصلح لاستقرار بني البشر فيؤدون المهام التي كلفوا بها، لقد شهد الله لنفسه بالعدل والوحدانية والحكمة والعزة، وشهد كذلك له الملائكة والعلماء، (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران18، ويأتي القرآن الكريم ليأمر بالقيم الفطرية الإنسانية، وينهى عن القيم المنحرفة، اتساقا مع مفهوم العدل الإلهي وأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، (إِنَّ اللّه يَأمُرُ بالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاء ذِيْ القُرْبَىْ وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ) [النحل: 90].
ويؤمن المجاهد أنه مسؤول عن تحركه الجهادي أيما مسؤولية، وأنه تحركٌ بمحض إرادته استجابة لدواعي الفطرة وللتكليف الإلهي، وحين يقضي على العدو فلأنه كان مسؤولا عن الإفساد في الأرض، مانعا للمنهج الإلهي أن يسود في هذا العالم، (مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّك بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيْدِ) [فصلت: 46]، ويؤمن أن كل إنسان سيُجْزَى على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولا يحمل أخٌ وزر أخيه، ولا يتحمَّل والدٌ مسؤولية أخطاء ولده، (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَومٍ لاَ رَيْبَ فِيْهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 25]، (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164]، وهذا الفكر ينعكس على أداء المجاهد نفسه فلا يأخذ والدا بفساد ولد.
ويؤمن المجاهد أن الله عندما كلفنا بالجهاد إنما كلفنا به لتقويم نصاب الحياة المضطرب وتصحيح مسارها حين تفسد؛ لأنه (وَمَا اللَّهُ يُرِيْدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ) [غافر: 31]، (وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ) [الزمر: 7]، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205]، وأي فساد وانحراف أعظم من فساد هذا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن وشعبه والمسلمين فيه، وأي ظلم يجب مواجهته مثل هذا الظلم العالمي لشعب عادل وكريم ومعطاء، لا يرضى بالظلم لأحد، ولا يبيِّت العدوان على أحد.
وما أجمل المجاهد ضد هذا العدوان وهو يتحرك في حقله الجهادي العظيم متوكلا على الله مؤمنا بقضائه وقدره، يوقن أن الله معه، وأنه يرزقه من حيث لا يحتسب، لم يشغله همُّ الفقر عن واجبه، ولا أقعدته أمواله عن فريضته، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِيْ الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6] (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابِّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) [العنكبوت: 60]، إنه وهو في تحركه العظيم والمقدّس لدفع الظالمين المعتدين والباغين الفاسقين إنما يهيئ للأمة جمعاء - وليس لنفسه فقط - أن تكون على حالة من اليسر والرفاه والسعادة، حيث سيساهم جهادُه في أن تستقوي الأمة وتستخرج خيراتها وتوزَّع ثرواتها على أفرادها توزيعا عادلا، سيعود على الجميع بالخير والنفع.
لقد باع المجاهد نفسه من مالكها الحقيقي وهو الله، فصدق مع الله البيع، وصدق الله معه في الشراء والجزاء، وإذا أصابته بلوى أو لحقت به جروح وآلام استشعر الشعور الإيماني العظيم بأن كل شيء في سبيل الله محفوظٌ ومرصودٌ، ومجازَىً عليه بأفضل الجزاء، وأنه كلما صبر في ذات الله كلما اقترب من الله أكثر، ويا له من خير عميم وأجر كريم، حيث (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُوْنَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10]، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من وُعِكَ ليلة كفَّر اللّه عنه ذنوب سنة).
ومن جانب آخر يجب أن لا تأخذ المجاهد في دين الله بعدوه رأفة ولا رحمة، لأنه يعلم أن ما أصاب هذا العدو حيث يضاد الله في أرضه، ويقف في مواجهة الحق والعدل، إنما كان بتسليط الله له عليه، وأنه إنما يعجل له بعض العقوبة التي يستحقها أصلا، (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنَوْنَ فِيْ كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوْبُوْنَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُوْنَ) [التوبة: 126]. (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) التوبة14.
[1] أمالي الإمام أبي طالب.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 860 مرة