فكر المجاهد وروحيته (الحلقة الأخيرة): انتظار الفرج والتمسك بالقرآن والعترة
فكر المجاهد وروحيته ( الحلقة الأخيرة): انتظار الفرج والتمسك بالقرآن والعترة
خامس عشر: ينتظر الفرج من الله
يتقلب المجاهد على متن الأحوال المتغيرة برضاء واطمئنان، فهو في حالة النصر والسراء فرِحٌ بنعمة الله، ويشكر الله عليها بمزيد من العطاء، وهو في حالة التراجع والشهادة، يحمدالله عليها ويرى أنها محنة يؤجر عليها، وتوفِّر له مقام الصبر المحمود على البلاء، فهو دائم الرضا، كثير الطمأنينة.
وهو أيضا في حالة الشدة والبلاء وفي حالة الألم والعناء ينتظر فرج الله، ويحلِّق في عالم الثقة بالله تعالى ووعدِه الحسن للمجاهدين الصابرين على البلواء، وله في رسول الله الأسوة الحسنة، حاصره الكفار هو وصحابته في المدينة المنورة وجاءت جيوشهم من أعلاها وأسفلها، فزاغت أبصار المسلمين من شدة المصيبة، لكن رسول الله كان في تلك الحالة يعيش حالة الطمأنينة بقدر ما لديه من الأمل في الله عز وجل، وفتح الله له عندئذ آمالا واسعة، وآفاقا رحبة.
إن المجاهد هو ذلك المؤمن الذي وصف رسولُ الله مقامَه وإيمانه بحسن ما أعد الله لأوليائه من النصر والتمكين، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله)[1]، هو يثق كمال الثقة أن الحياة متغيرات ولا تجري على سَنن واحدة، فالترحة تعقبها فرحة، وللباطل صولة ثم يضمحل، و (إن مع العسر يسر، إن مع العسر يسرا)، و"لن يغلب عسر يسرين".
سادس عشر: يتمسك بالقرآن والعترة
ينطلق المجاهد في حركته الدائمة مع الله من أن عدل الله وحكمته اقتضت أن لا يترك عباده هملا؛ فأمدهم بنور الرسالات، وجاءتهم رسله تترى، يهدونهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، وكانت مهمة هؤلاء الرسل عليهم السلام هو تعليم العباد لكيفية تقديم الشكر لله على نعمه، والسير على منهاج الفطرة التي فطرهم عليها، كما يعتقد المجاهد أن خاتم الرسالات السماوية رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد المجاهدين، والنبي الرحمة لجميع العالمين، وأنه حين غادر هذه الأمة تركها على المحجة البيضاء، وقد دلها على رشدها القويم، الذي لن تضل إما تمسكت به واقتفت أثره.
لم يترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمته بدون أن يضع لها ملامح الخير ومنهج الرشد والصلاح في خضم هذه الأمواج المضطربة والأهواء المتشتتة، فبيّن لهم طريق النجاة ومنهاج الصواب، ونصح الأمة وكشف الغمة، وبيّن راية الحق، لقد دلنا على سفينة النجاة التي تمخر عباب الضلالات الكثيرة والمنتشرة، فمن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى؛ ذلك أنه وضع الثقلين كتاب الله وعترته باعتبارهما معلمَي حق، ودلالتَي رشد، الثقل الأكبر كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه، والثقل الأصغر عترته أهل بيته، حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، وهو حديث مجمع على صحته من علماء الأمة جميعا، وعليه فإن المجاهد - وهو يرى رايات الجهاد المختلفة والمتناقضة - يمكنه الوقوف على أعلام الجهاد الحقيقي الشرعي، بالقيادة الشرعية التي طمأننا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنها لن تكون على ضلالة أبدا، وعليه فكل راية لا تهتدي بنور الله، ولا تحمل ثقافة القرآن، ولا تنتمي إلى أهل بيت رسول الله فهي راية يجب تجنبها، وهي راية غير مؤتمَنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)[2]، و (أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فويل لمن خذلهم وعاندهم)[3].
هذا فضلا عن أننا نقاتل رايات التحالف السعودي الأمريكي الإسرائيلي الذي يؤيده أشرار العالم، وفجاره، وهم هم من بدأونا بالبغي والعدوان، فما أضل تلك الرايات التي ركزت البغي علما، ونهجت الظلم والفظاعة سبيلا، والله معنا ولن يخذلنا بعونه تبارك وتعالى.
عليك أيها المجاهد أن تدرك من خلال القرآن الكريم أن النصر يكون مع حزب الله الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا، (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ{56} المائدة)، وقد جاءت الروايات من علماء الإسلام أن المقصود بالذين آمنوا في الآية الكريمة هو الإمام علي عليه السلام الذي تصدق بخاتمه راكعا[4]، ولهذا يوجب المجاهد على نفسه أن يتولى هذا الولي، الذي أعلنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليا للمؤمنين في غدير خم، كما في الحديث المتواتر والمجمع على صحته، قائلا: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار)، وقال: (علي مع الحق، والحق مع علي)[5]، والإمام علي هو رمز الأئمة من أهل بيت رسول الله من ورائه، فمن لا يتمسك بهم لا يأمن الوقوع في الضلال، والتخبط في أودية الضياع، ومن تمسك بهم من المجاهدين اطمأن أنه ماض في الطريق التي ترضي الله عز وجل.
يفسر السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله الموالاة بأنها المعية، حين تشعر بأنك في هذا الجانب، وتؤيده، وتتجه إليه، إنها المعية في الموقف، والمعية في الرأي، والمعية في التوجه، والمعية في النظرة، هي حالة نفسية تتحول إلى مواقف، وتنعكس بشكل مواقف، وتعتبر في حد ذاتها مهيئة لمجموعة من الأشخاص ولمجاميع من الناس ممن هم على وتيرة واحدة في الموالاة أن يكونوا على أرضية صالحة لانتشار توجُّهٍ من التوجهات[6].
إذن ليكن المجاهد صاحب معية للقرآن وأهل البيت سلام الله عليهم الذين يحيون ما أحياه القرآن ويميتون ما أماته، حيث القرآن والعترة لن يفترقا حتى ورود الحوض يوم القيامة.
نصر الله اليمن ومجاهديها الأبطال، وهزم الله أحزاب التحالف المعتدي الظالم الباغي، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.
[1] رواه الإمام علي بن موسى الرضا في الصحيفة.
[2] أخرجه الإمام الهادي في الأحكام، والإمام أبو طالب في الأمالي، والإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية، وابن المغازلي الشافعي في المناقب, والحموئي في فرائد السمطين, والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن أبي ذر الغفاري، وأخرجه أبو نعيم في الحلية, والطبراني في الكبير، والطبري في ذخائر العقبى، عن ابن عباس. والطبراني في الصغير عن أبي سعيد الخدري، وأخرجه الإمام علي بن موسى الرضا في الصحيفة, والطبري في ذخائر العقبى عن علي عليه السلام, وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن أنس بن مالك، وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في المناقب عن سلمة بن الأكوع بألفاظ متعددة.
[3] أخرجه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي من طرق عن سلمة بن الأكوع، وأخرجه كذلك الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية، ويعقوب في المعرفة والتاريخ، قال المحمودي: ورواه مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى كما في المطالب العالية، لابن حجر، وجمع الجوامع للسيوطي، وينظر الحموئي فرائد السمطين، والحاكم في المستدرك، الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين.
[4] ذكره الثعلبي والماوردي والقُشيري والقزويني والرازي والنيسابوري والفلكي والطوسي والطبري في تفاسيرهم عن: السدّي ومجاهد والحسن والأعمش وعقبة بن أبي حكيم وغالب بن عبداللَّه وقيس بن الربيع وعباية الربعي وعبداللَّه بن عبّاس وأبي ذرّ الغفاري.
[5] أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي, والحموئي في فرائد السمطين، والدولابي في الكنى, وابن عساكر في ترجمة الإمام علي، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد, والطبراني في المعجم الكبير, ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد، وآخرون.
[6] ملزمة الموالاة والمعاداة.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 3077 مرة