نص كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السادسة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في هذا اليوم المبارك، وفي هذه المناسبة الغراء، نتوجه أولاً بالشكر لله “سبحانه وتعالى” الذي له الفضل والمنَّة أولاً وآخراً فيما تحقق آنذاك وبعد ذلك من إنجازاتٍ كبيرة على يد هذا الشعب المبارك في هذه الثورة المباركة: ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
كما نتوجه بالتبريك والتهاني إلى شعبنا العزيز بهذه المناسبة، وأيضاً بما يحققه أبطاله- بتوفيقٍ من الله، ومعونةٍ من الله، ونصرٍ من الله- من انجازاتٍ كبيرة على كل المستويات، في جبهات العزة والكرامة، وفي كل مجالات الإبداع والعمل، وعلى المستوى التصنيعي، وعلى المستوى الاقتصادي… وفي كل المجالات العلمية وغيرها.
هذه المناسبة هي محطةٌ مهمةٌ جدًّا؛ لأنها مناسبةٌ عن الثورة الشعبية التي أصبحت هي الآن محطةً انطلق من خلالها الشعب للخروج من الماضي المظلم والسيء والكارثي، الذي كان قد وصل إليه الوضع في البلد، وأيضاً لبناء المستقبل على أساسٍ من المبادئ والقيم التي ينتمي إليها هذا الشعب، ولتحقيق الأهداف والطموحات والآمال المهمة، وفي مقدمتها: الحرية والاستقلال.
والحرية والاستقلال هي أول الإنجازات وأكبر المميزات لهذه الثورة الشعبية، وأكبر الأهداف أيضاً لهذه الثورة الشعبية؛ لأهمية هذه المسألة على مستوى شعوب الأرض بشكلٍ عام، يبرز هدف الحرية والاستقلال؛ باعتباره الهدف الأول لأي شعب، لأي بلد؛ لأنه بدون حريةٍ واستقلال، معناه: أن يعيش الشعب في حالةٍ من الاستعمار، والخنوع، والاستعباد، والإذلال، والقهر، معناه: مصادرة القرار، معناه: مصادرة المستقبل، فشعبٌ لا حرية له ولا استقلال له يعني لا كرامة له ولا مستقبل له.
الشعب الذي يعيش خانعاً وخاضعاً ومستسلماً تحت سيطرة أعدائه السيئين، الظالمين، المجرمين، المتسلطين، إذا كان راضياً بذلك فهو رضي على نفسه بالغبن، فمعناه: أنه قد أصبح مفلساً من الشعور الإنساني الفطري بالتوق للحرية والكرامة، ومعناه: أنه رضي لنفسه بالدون والغبن والضعة، ورضي على نفسه بالذلة والهوان، ويخسر كل شيء، يتحول إلى شعبٍ مستعبد، وشعبنا اليمني هو شعبٌ حرٌ بفطرته الإنسانية وبهويته الإيمانية، وشعبٌ يعشق العزة والكرامة، ولذلك لا يمكن أبداً أن يقبل بمصادرة حريته واستقلاله.
إذا استذكرنا تلك المرحلة والظروف التي أتت فيها الثورة الشعبية، والتي تحقق من خلالها إنجاز الحادي والعشرين من سبتمبر كيف كانت، ندرك جيداً أنَّ المرحلة آنذاك وأن الوضع السائد في تلك المرحلة كان وصايةً وضاحة، واستعماراً وسيطرةً خارجية على هذا البلد، ونتج عنه نتائج خطيرة وحسَّاسة جدًّا في واقع هذا البلد.
الأمريكيون وضعوا أنظارهم على هذا البلد، حاله حال بقية بلدان وشعوب أمتنا الإسلامية، من واقع وبدافع عدائي واستعماري، وطمع، وهناك دوافع كثيرة تدفعهم- وهي بالتأكيد غير مشروعة- للتركيز على اليمن، في مقدمتها: الموقع الاستراتيجي الجغرافي لهذا البلد، والثروة الوطنية الهائلة، التي لا زالت موجودةً في باطن الأرض وفي ظاهرها لم تستثمر بعد، ولم يستفد منها هذا الشعب بعد، وكذلك التركيز على الإنسان اليمني فيما يمثله من أهمية؛ لأنهم يعرفون أنَّ هذا الشعب إذا كان في وضعيةٍ متحررة، فهو شعبٌ يملك المؤهلات لأن يكون له دور إيجابي وكبير بحساب هويته الإيمانية، ودوره التاريخي على مستوى واقع الأمة ككل، وأن يكون عضواً في الأمة الإسلامية فاعلاً ومميزاً، وذا دورٍ مهم، فهم يحسبون كل هذه الحسابات، وهم استراتيجيون في نظرتهم وتركيزهم، فركزوا على هذا البلد ضمن البلدان التي ركَّزوا عليها بشكلٍ رئيسي في استهدافهم للأمة الإسلامية في كل بلدانها وفي كل شعوبها، وتدخَّلوا في شؤون هذا البلد، واستفادوا من السياسات الخاطئة التي اعتمدت عليها السلطة في تلك المراحل، والتي اتجهت نحو التناغم معهم، والتماهي معهم، والتواطؤ معهم، والاسترضاء لهم، في مقابل الحفاظ على المناصب والمصالح الشخصية والفئوية، وأيضاً بحسابات خاطئة، إن كان أحدٌ آنذاك يتصور أنه يعتمد الأسلوب الصحيح، والسياسة الصحيحة في التعامل مع هذا التهديد وهذا الخطر، فهو أيضاً كان خاطئاً في ذلك، فتدخَّلوا في شؤون هذا البلد، ومن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر زادت تدخلاتهم بشكل كبير، صنفوا اليمن باعتباره من المناطق المستهدفة بالنسبة لهم تحت عنوان الإرهاب، وتحركوا بنشاط كبير، وتدخلات واسعة، وازدادت وتيرة هذه التدخلات لتدفع بالسلطة آنذاك إلى الدخول في حرب أهلية لاستهداف الأحرار من أبناء هذا الشعب في عددٍ من المناطق، ثم اتجه الأمريكيون للتدخل في كل شؤون هذا البلد بشكل كبير، فتدخلوا في كل المجالات: على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، على المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، وكان تدخلاتهم في الملف الاقتصادي أيضاً تدخلات خطيرة، وأصبح السفير الأمريكي آنذاك يتدخل على المستوى الرسمي في كل المؤسسات والوزرات، فهو يتدخل في القضاء، ويلتقي بالجانب القضائي، ويتدخل بفرض سياسات وإملاءات وتوجهات، يتدخل في المؤسسة العسكرية، ويلتقي بالضباط والقادة العسكريين، ويعمل على صياغة برنامج معين- بالتأكيد- ينسجم مع السياسات الأمريكية، ويحقق الأهداف الأمريكية، ثم على مستوى الأجهزة الأمنية، ثم على مستوى المجال السياسي مع السلطة والأحزاب… وهكذا فتح السفير الأمريكي آنذاك برنامجاً في كل مجالات وشؤون هذا الشعب، من النوافذ الرسمية في كل مؤسسات الدولة ووزاراتها، ثم أكثر من ذلك: اتجه إلى الاختراق للحالة الشعبية، وبدأ بتنسيق علاقات مباشرة مع بعض الشخصيات الاجتماعية، وبعض المشائخ، وبعض الوجاهات، وحاول أن يعزز له ارتباطات مع بعض المناطق، وأصبح يتجه أيضاً إلى وجهة أخرى: هي المجتمع المدني؛ ليتغلغل من هذه النافذة، وعلى العموم لم يبق السفير الأمريكي آنذاك في صنعاء نافذة من النوافذ التي يتسلل من خلالها للتدخل في كل شؤون هذا الشعب إلا وتسلل منها ودخل منها، ويكفي مراجعة للأرشيف الإعلامي آنذاك، على مستوى القنوات الفضائية بما فيها الرسمية، والصحف آنذاك بما فيها الرسمية، وسيجد الإنسان كل الشواهد الدامغة التي تثبت هذا الكلام الذي قلناه، فأصبح يتدخل في كل شؤون هذا البلد بما يخدم السياسات الأمريكية الاستعمارية العدائية، لم يكن تدخله إيجابياً، ولا لمصلحة الشعب اليمني، ولم تكن النتائج التي تنتج عن تدخلاته وإملاءاته، والسياسات التي يفرضها، والأنشطة التي ينفذها، لم تكن نتائج إيجابية، ولم يكن لها أي ثمرة طيبة أو إيجابية في واقع هذا الشعب، وكنا نرى- بكل وضوح- كيف يتدهور الوضع في كل المجالات: على المستوى الأخلاقي والقيمي والمبدئي والثقافي والفكري، وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وعلى مستوى بنية الدولة التي كان ينخر فيها كالسوس، وكانت تتخلخل أكثر فأكثر حتى أوشكت على الانهيار التام، وبنظرة وتأمل واضح فالمسار الذي كان يدفع به الأمريكي من خلال سفيره يدفعه به الوضع في البلد هو مسار يتجه بهذا البلد نحو الانهيار التام وأوشك، وصل إلى حافة الهاوية، لولا هذه الثورة الشعبية التي تداركت الأمور، وفرملت عند حافة الهاوية، وأعادت الاعتبار لهذا الشعب.
السلطة آنذاك اتجهت اتجاهاً خاطئاً، وكثيرٌ من القوى السياسية اتجهت اتجاهاً خاطئاً نتيجةً للأطماع والمكاسب الشخصية والفئوية الضيقة المحسوبة بحساب المصلحة الشخصية أو المصلحة الحزبية، وأيضاً النظرة إلى أمريكا، والانبهار بأمريكا، والاستسلام أمام أمريكا، البعض كانوا يظنون أنه ليس بالإمكان الصمود في مواجهة الاستهداف الأمريكي، وأن الحل هو التماهي والتواطؤ مع الامريكي، والتناغم مع سياساته، أو التجند معه، وهو استغل هذا التوجه، وأولئك لم يكونوا يؤمنون بالشعب اليمني بقدر ما يمتلك من طاقات وقدرات وقيم ومبادئ تؤهله للصمود أمام هذا الاستهداف، والحفاظ على حريته واستقلاله وصون كرامته بالاعتماد على الله “سبحانه وتعالى”، وبالاستناد إلى تلك المبادئ والقيم والتاريخ المشرف، فغياب هذه النظرة إلى الشعب (النظرة الإيجابية والمبدئية والمهمة)، والدوافع التي أشرنا إليها من: خنوع لأمريكا وانبهار، وهزيمة نفسية، وأطماع ومكاسب حزبية، فئوية، شخصية…إلخ. ساهمت في أن ينجح السفير الأمريكي، والشواهد كثيرة، وكثيرٌ منها أيضاً يمكن أن يظهر في المستقبل أكثر فأكثر. اتجهوا بالبلد نحو الانهيار، حرصوا على أن ينزعوا من هذا البلد كل عناصر القوة، وكل المقومات على المستوى الاخلاقي والمبدئي والفكري والثقافي، تدخلوا في السياسة التعليمية تدخلاً خطيراً جدًّا، يقوض المبادئ الأساسية التي تجعل هذا الشعب متماسكاً وصامداً تجاه التدخل الخارجي، وحساساً تجاه المصادرة للحرية والاستقلال، وأصبحت السياسة التعليمية تدجينية، تدجِّن أبناء هذا الشعب، وأيضاً السياسة الإعلامية أصبحت تدجينية، إضافةً إلى تغذية كل عوامل الانقسام الداخلي، كانت هذه سياسة رئيسية، ركَّز عليها الأمريكيون وعملاؤهم والمتناغمون معهم، والمستجيبون لهم من أبناء هذا البلد من القوى السياسية والسلطة آنذاك، فبرزت إلى حدٍ كبير إثارة النعرات العنصرية والطائفية، والحساسيات المناطقية، وبعمل نشط وتعبوي بشكلٍ عجيب ولافت وغير طبيعي أبداً، وبالجملة كلما يمكن أن يمهد للسيطرة الأمريكية الكاملة والمباشرة وينزع عن هذا الشعب وهذا البلد كل عناصر القوة والتماسك كانوا يشتغلون عليه، والتفاصيل كثيرة تحت هذا العنوان، كثيرة جدًّا، وما من مجال من المجالات إلا واشتغلوا على هذه القاعدة، وبما يخدم هذا التوجه.
في المجال السياسي كان الوضع يتأزم أكثر فأكثر، الانقسامات تشتد أكثر فأكثر، السفير الأمريكي يلتقي بهذا الحزب ويعطيه وعوداً ويشجعه، ويلتقي الحزب الآخر ويفعل معه نفس الشيء، ويشجع هذا على القيام والتحرك ضد هذا، ويسعى إلى تفريخ كثير من الكيانات والقوى المتناقضة، ويعمل على التحرك تحت كل العناوين على قاعدة: تفريخ المزيد من الكيانات المتباينة، أتى العنوان فيما يتعلق بالمرأة في هذا السياق، كيف يثيرون انقساماً تحت عنوان حقوق المرأة وحقوق الطفل، ثم اتجهوا أيضاً على المكونات الاجتماعية، اتجهوا إلى المكونات السياسية، وكان المسار- كما يتضح- طويلاً، يهدفون من خلاله إلى بعثرة هذا الشعب وتفكيك كيانه تحت كل العناوين؛ حتى لا يبقى رابطٌ جامعٌ يجمع أبناء هذا البلد ويحميهم من الانقسام، ويصبح كل شخص أو كل فئة بسيطة من أبناء هذا الشعب ينظرون إلى أنفسهم كفئة مستقلة عن بقية أبناء هذا البلد، لا رابط يربطهم بهم ولا يجمعهم معهم، وكلٌّ يتجه لمصارعة من تبقى من أبناء هذا البلد في إطار أهداف صغيرة، ونفسية صغيرة، وذهنية صغيرة، ومشاريع صغيرة، وأجندة صغيرة، عملية تفتيت، تذويب، ودفع نحو التلاشي والانهيار بكل الوسائل، والبعض كان يتفاعل مع ذلك، وينبهر بمثل هذه المؤامرات التي تطرح بأساليب معينة، وتقدم لها مبالغ زهيدة لتمويلها وتشجيعها، وهكذا كانت المسألة خطيرة جدًّا.
في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كل هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كل الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حلِّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك.
مع ذلك كانت القروض من الخارج مستمرة، وما يأتي تحت عنوان هبات يأتي أيضاً، ولكن من دون أن يكون مجدياً، أو على الأقل يخفف من مستوى المعاناة الاقتصادية، فالأزمة خانقة جدًّا، الحصول على البترول آنذاك أصبح صعباً، مع أنَّ البلد ليس في حرب، مع أنَّ الثروة النفطية تحت سيطرة الدولة، مع أنه لا حصار على دخول المشتقات النفطية إلى البلد، لم يكن البلد لا تحت حرب، ولا في حصار خارجي، بل إنَّ البلد آنذاك في مرحلة يزعم الخارج أنه يساند السلطة التي كانت قائمةً بأمر هذا الشعب آنذاك، وأنه إلى جانبها، تعلن دول الخليج بكلها أنها إلى جانب تلك السلطة، يعلن ما يسمى بالمجتمع الدولي (أمريكا والدول الأوروبية) بكلهم أنهم إلى جانب تلك السلطة، وأنهم يدعمونها، وأنهم يقدِّمون لها الهبات والأموال، وتتلقى منهم الدعم السياسي، والحماية الكاملة، ومع ذلك انهيار اقتصادي مستمر ومستمر، يوشك أن يتجه بالبلد نحو الهاوية، كيف هذا؟!
هناك فارق كبير بين الضائقة المعيشية التي يعاني منها الشعب اليوم، وبين ما كان يعاني منه الشعب آنذاك، فارق ما بين السماء والأرض، الضائقة المعيشية اليوم هي نتيجة لحرب شاملة على بلدنا، عدوان بتحالف دولي إقليمي محلي على هذا البلد، وحصار خانق، ومنع لسفن المشتقات النفطية من الدخول إلى البلد، وسيطرة على الثروة النفطية في هذا البلد من جانب تحالف العدوان وعملائهم، الدولة اليوم في صنعاء لا بيدها الثروة النفطية، ولا بيدها المنافذ البرية والجوية والبحرية، هي جزءٌ منها مغلق، وجزءٌ منها تحت سيطرة مباشرة لتحالف العدوان، وسفن المشتقات النفطية من الذي يمنعها اليوم حتى لا تدخل إلى ميناء الحديدة، وإذا دخل منها شيء يدخل بعد تأخير لفترة طويلة، وينتج عن هذا التأخير غرامات مالية كبيرة؟ تحالف العدوان، من الذي تآمر على البنك المركزي حتى عطَّل دوره تماماً في صنعاء، إلَّا الدور الضئيل والمحدود، وأوقف كل نشاطه المباشر الذي كان يقوم به فيما قبل، وحوَّل هذا النشاط إلى عدن؟ تحالف العدوان، من الذي تآمر اليوم على العملة الوطنية واستهدفها في قيمتها أمام الدولار؟ تحالف العدوان، من الذي يتآمر الكثير من المؤامرات الاقتصادية التي يشنها حرباً على كل أبناء هذا البلد؟ تحالف العدوان، فهناك فرق ما بين الضائقة المعيشية اليوم، وما بين الانهيار الاقتصادي الذي كان قائماً في تلك المرحلة، والذي كان بفعل سياسات وتوجهات وإملاءات، ولم يكن بفعل ظروف، اليوم هو بفعل ظروف، ظروف حرب وحصار، آنذاك كان بسبب سياسات وتوجهات وحسابات، وهذا هو الفارق الكبير جدًّا.
ولذلك في الوقت الذي رضخ فيه أولئك في السلطة وبعض القوى والأحزاب وتماهوا تماماً مع الوصاية الخارجية، وصولاً إلى إدخال البلد في وصاية علنية وصريحة تحت عنوان البند السابع، ووصاية الدول العشر، وأصبح السفير الأمريكي في صنعاء بشكل رسمي وصريح، وبقرار من مجلس الأمن، هو المسؤول الأول في الوصاية على هذا الشعب وهذا البلد، وسلمت له السلطة بذلك وسلمت له بعض القوى السياسية معها بذلك، وكان حوله سفراء من تبقى من الدول العشر كأعوان للسفير الأمريكي بمنزلة الوكلاء لمحافظ محافظة مثلاً، وأصبح هو الذي يقرر أولاً السفير الأمريكي، يجتمع بسفراء الدول العشر من أعوانه ووكلائه، ويرسم لهم المهام والسياسات والتوجهات والتعليمات، ثم تقدم إلى من يسمى بالرئيس، ورئيسه السفير الأمريكي، ثم تنزل عبره إلى بقية المؤسسات، وفي بعضٍ من الأحيان لا تزل حتى عبر من يسمى بالرئيس، بل يباشر السفير الأمريكي لقاءاته بهذا الوزير أو ذاك وبهذا المسؤول أو ذاك ويوجهه بشكلٍ مباشر، وهو يتجه للتنفيذ، توجيهات مباشرة وتنفيذ مباشر، وهذا مثبت في الصحف، في وسائل الإعلام، في القنوات الفضائية، في ارشيفها مثبت.
والسفير الأمريكي- كما قلنا- هو يعمل بسياسات عدائية، وصل التفريط بسيادة هذا البلد: إلى القبول بقواعد عسكرية أمريكية في هذا البلد، بدءاً بقاعدة في العاصمة صنعاء، وأتى المارينز الأمريكي إلى صنعاء، وتواجد في صنعاء، وأصبح له قاعدة في صنعاء، وتواجد في داخل العاصمة صنعاء، في تفريط واضح باستقلال وسيادة هذا البلد، وقاعدة أخرى في العند، وكان التوجه نحو المزيد والمزيد من القواعد في محيط صنعاء، في معسكرات معينة نعرف أسماءها، وفي مناطق أخرى، القائمة للسفير الأمريكي في القواعد العسكرية، وفي كلما يضمن له السيطرة الأمنية، والسيطرة في كل المجالات، قائمة طويلة، والمخطط واسع، والتوجه كبير، والمجال أمامه مفتوح، هذا الذي حصل، المجال أيضاً أمامه مفتوح، وكانت هذه مأساة بحق شعبنا، شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن الحكمة، أن يأتي السفير الأمريكي ويكون معه قواعد عسكرية، وعناصر أمنية، ويتدخل في كل شؤون هذا البلد، ويكون قراره فوق كل قرار في هذا البلد، وهو الأساس الذي يبنى عليه في الواقع التنفيذي في كل المجالات، طامة، كارثة ومأساة حقيقية، وخطر كبير يشكل تهديداً لهذا البلد؛ لأنه- كما قلت- كان يتجه بهذا البلد إلى حافة الانهيار، والضعف، والعجز، بما يمهد لسيطرة أمريكية في واقع مهيَّأ، وفي ظروف ملائمة بالنسبة للأمريكي، يكون هذا الشعب قد فقد كل عناصر القوة، وكل وسائل المواجهة، ويكون قد أصبح في وضعية ضعيفة جدًّا، ومجهزة ومهيأة للسيطرة الأمريكية بدون كلفة ولا عناء، يكون هناك من قد أعانه على تنفيذ مخططاته ومؤامراته التي توصل الناس إلى مستوى من الضعف والانهيار يساعد على السيطرة الأمريكية بدون تعب وعناء، هذه مأساة، مأساة كبيرة ومؤلمة جدًّا، هذا على المستوى الداخلي.
أما على المستوى الخارجي كذلك، فيما يتعلق بسياسة هذا البلد تجاه قضايا الأمة، وتجاه الأحداث الإقليمية والدولية، في نفس الوقت يُتَّجَه بالسلطة آنذاك في تبني سياسات خاطئة ومنحرفة ضمن المسار الذي يحدده الأمريكي، فضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية شيئاً فشيئاً، وتراجع المواقف الرسمي شيئاً فشيئاً، وكان مسار التراجع مستمراً، وواضح حتى في بعض المكونات والأحزاب والقوى المعروفة آنذاك التي كانت تظهر تفاعلها مع الشعب الفلسطيني، فبات التراجع واضحاً في سياساتها ومواقفها، ووصل الأمر إلى مراحل خطيرة جدًّا، يعني: أصبح هناك تنسيق سري مع الإسرائيليين؛ للتمهيد لإقامة علاقات تتصاعد، وتتجه نحو المزيد والمزيد من تعزيز هذه العلاقة، وتقوية هذه العلاقة، وهناك ما سيكشف هذا الجانب في الأيام القادمة إن شاء الله، هناك ما يكشف هذا المسار المنحرف الخطير، الذي بدأت السلطة تسير فيه آنذاك للتطبيع مع إسرائيل، والعلاقة مع إسرائيل، وإلى مستوى أنه أتى آنذاك مسؤولون في مراحل معينة اسرائيليون إلى صنعاء بطريقة سرية، وكانت لهم لقاءات، وكان هناك اتفاقيات، وكان هناك ترتيبات لتعزيز هذه الحالة في المستقبل وفق مسار مرسوم، وهو شيء طبيعي في ظل الخضوع لأمريكا، ولكنه غير طبيعي بالنسبة لهذا الشعب في هويته الإيمانية، في موقفه المسؤول، في موقفه الإنساني والمبدئي في العداء للعدو الإسرائيلي، لكن من يخنع لأمريكا يمكن أن يحدث منه أي شيء.
على العموم في ظل تلك الوضعية المتردية والسيئة، والتي أوشك الشعب فيها أن يخسر حريته واستقلاله وكرامته ومستقبله، وكان كل شيءٍ فيها يتجه نحو تحقيق وتنفيذ السياسات الأمريكية التي تساعد أمريكا على السيطرة التامة على هذا البلد، وبمعونةٍ من أعوانها الإقليميين والمحليين، تحرَّك الشعب اليمني، تحرَّك تحركاً فاعلاً، وتحركاً يعبِّر عن هويته الإيمانية، عن إحساسه بألم المعاناة التي كانت سائدةً آنذاك، عن إدراكه للمأساة التي قد وصل إليها، وتحركاً يعبِّر عن كل مكوناته الحرة، يعني: لم يكن هذا التحرك منحصراً على مكونٍ معين على المستوى الاجتماعي أو السياسي، الأحرار من أبناء هذا البلد من كل المكونات، ومن كل المحافظات، تحركوا بمسؤولية، وبوعي، وبجد، وباعتمادٍ على الله “سبحانه وتعالى”، في ثورةٍ شعبيةٍ مميزة؛ لأنها ثورة أصيلة، لم تكن امتداداً لأي توجه خارجي، ولا بدفع من أي جهة خارجية، إنما كانت نابعةً من وعيٍ وإحساسٍ بالمسؤولية، ومن واقع معاناة حقيقية يعاني منها الشعب آنذاك، فهو تحركٌ واعٍ، وتحركٌ مسؤول، وهو تحركٌ نابعٌ عن معاناةٍ حقيقية وتحرك فاعل وحكيم ومميز بخطواته الحكيمة والصائبة والمميزة والفاعلة والقوية، وهو يعبر فعلاً عن هوية هذا الشعب التي أبرز عناوينها: الإيمان والحكمة، رأينا الإيمان في تلك الحركة النشيطة والفاعلة والقوية والشجاعة والعزيزة لهذا الشعب الذي هب من مختلف المحافظات، هبت قبائله وتحرك أحراره نحو المخيمات ونحو الساحات بنشاط، بفاعلية، بشجاعة، بقوة، بعزة، في مقابل الحالة التي كانت قد سادت على الوضع الرسمي والسياسي من الخنوع والاستسلام، والتذلل أمام الأمريكي، وأمام أعوانه من السفراء الأجانب، حتى باتت السفارات وضباط المخابرات هم من يصدرون التعليمات والأوامر والتوجيهات لأبرز المسؤولين، لكن الحالة الشعبية كانت حالةً مختلفة، برز الإباء اليماني والشجاعة اليمانية وتُرجِمت الحرية بالقول وبالفعل في ذلك التحرك لجماهير هذا الشعب، ما أجمل تلك المواكب التي اتجهت نحو عواصم المحافظات، ثم نحو صنعاء! وما أجمل ذلك التجمهر الواسع لأبناء هذا الشعب، وذلك التحرك الجماهيري البارز والحاشد والهادر في الساحات، وتلك الأصوات التي امتلأت بها الساحات، وسمع بها كل العالم، وتلك القبضات والصرخات، وارتفاع الأيدي الذي كان حاضراً يعبِّر عن موقفٍ وقرارٍ واعٍ وحكيمٍ وصحيحٍ ومبدئٍ وإنسانيٍ وأخلاقي، خطوات متسارعة، وعملية منظمة، ووصل الحال بأولئك الأجانب الذين كانوا يقودون هم الحالة الرسمية والسياسية من أوكارهم في السفارات، وصلت بهم الحالة إلى إرباك شديد أمام هذا التحرك الذي تفاجئوا به، لقد كانوا يقيسون الحالة الشعبية بقياس الحالة الرسمية والسياسية، وكان لعابهم قد سال، وأطماعهم قد كبرت، حتى ظنوا أن هذا الشعب فريسةً سهلة، وظنوه لقمةً سائغة، ففوجئوا بحالة مختلفة كلياً عن تلك الحالة الرسمية والسياسية المتوددة إليهم دائماً، الخانعة لهم دائماً، والمنحنية أمامهم دائماً، إذا بهذا الشعب أبي وحر، وصوته مرتفع، ومواقفه قوية، وثباته على موقفه صلبٌ وصامد، لا تراجع، ولا انكسار، ولا مساومة، عمدوا إلى خطوات للترهيب، إلى إثارة العناوين الطائفية المناطقية، عمدوا إلى القمع، فوجه إليهم هذا الشعب صفعةً تاريخيةً مدوية يوم انتهكوا الخط الأحمر المتمثل بدماء أبناء هذا الشعب، آنذاك خاطبناهم بلسان هذا الشعب، وقلنا لهم: إياكم أن تسفكوا دم أبناء هذا الشعب، دم هؤلاء الأحرار الذين تواجدوا في ساحات العاصمة صنعاء وهم ينادون بصوت هذا الشعب، بآماله، بتطلعاته، ليس لهم أي مطامع ولا أي مطالب فئوية، أو حزبية، أو شخصية، مطالبهم جامعة، وصوتهم يعبر عن كل هذا الشعب، ولمصلحة كل هذا الشعب، لا تسفكوا دمائهم، إن سفكتم دمائهم فالموقف سيكون موقفاً آخر، لم يستوعبوا هذا التحذير، ولم يدركوا قوة وفاعلية هذا الشعب المستمدة من توكله على الله، ومن هويته الإيمانية، ومن مبادئه وقيمه الفطرية والإيمانية، لم يستوعبوا هذا التحذير، فعمدوا إلى سفك دماء أبناء هذا الشعب، ولم يدركوا له حتى حرية التعبير، وحرية الكلمة، وحرية أن يعبر عن قضاياه المحقة، ومطالبه المشروعة، وعندما سفكوا دمائه أتتهم الصفعة المدوية المفاجئة المذهلة التاريخية، فكان يوم الحادي والعشرين من سبتمبر يوماً من أيام الله “سبحانه وتعالى”، وحسم الموقف بسرعة مذهلة جعلتهم في حالة من الذهول والدهشة، لا يستوعبون ما الذي حصل، ولا أعرف في تاريخنا المعاصر مثيلاً لمثل ذلك الإنجاز الذي لم يكن يتحقق بمثل تلك الدقة، وبمثل تلك الطريقة التي تمثلت فيها السلامة، والمحافظة على حياة الناس وممتلكاتهم وحقوقهم، وسرعة الإنجاز بأقل كلفة، لولا توفيق الله “سبحانه وتعالى”، كان توفيق الله ومعونته ونصره وتأييده ورعايته لهذا الشعب المظلوم هو سر النجاح الذي لم يكن له من مثيل في سرعة حسم الموقف بطريقة هادئة وسريعة وعجيبة ومدهشة لكل العالم.
واستمروا من بعد ذلك بالرغم مما تميزت به هذه الثورة من الإنصاف، ومد الأيدي للسلام مع كل أبناء ومكونات هذا البلد، ومد الأيدي للشراكة مع الجميع، والتركيز على المسارات والأهداف والسياسات كيف تكون بناءة ولمصلحة هذا الشعب، وفوق كل الحسابات الشخصية والفئوية والحزبية، استمرت مؤامراتهم، فكانت هذه الثورة لهم بالمرصاد، عند كل مؤامرة كانت هذه الثورة تحبط هذه المؤامرة بالاعتماد على الله “سبحانه وتعالى”، وباليقظة التامة، والوعي الكبير، حتى يئسوا في نهاية المطاف فاتجهوا لعدوان خارجي، اتجهوا لعدوان خارجي معروف، وهذا العدوان الخارجي هو لنفس الهدف، لهدف السيطرة على هذا البلد، واحتلاله، ومصادرة حريته واستقلاله، ومنذ اليوم الأول لهذا العدوان وإلى اليوم، وبعد ألفي يوم منذ بداية هذا العدوان ندرك جميعاً أهمية وقيمة ذلك الإنجاز الوطني الشعبي الثوري، وندرك أيضاً مدى هذا الصمود كل هذه الفترة؛ لأن هذا الشعب له قضية عادلة، وله مطالب مشروعة، وله أهداف هي حق، شعبنا مظلوم، هو يريد أن يكون حراً مستقلاً هذا حقٌ مكفولٌ ومعترفٌ به؛ إنما هؤلاء لا يريدون أن يقبلوا لشعبنا بهذا، ويستكثرونه عليه، الأمريكي يستكثر هذا على الشعب اليمني؛ لأن الأمريكي يريد أن تخضع له كل شعوب وبلدان أمتنا الإسلامية، ويستكثر هذا على شعبنا أعوان أمريكا، أعوانها وأنصارها وأدواتها وعملائها وخدامها، مثلما هو حال النظام السعودي والنظام الإماراتي ومن معهم، فدخلوا في هذا العدوان الظالم الذي لا مبرر له، وارتكبوا أبشع الجرائم بحق هذا الشعب في كل هذه الأيام التي مضت، أكثر من ألفي يوم في كل يوم جريمة ارتكبوها بحق هذا الشعب، واتجهوا كجزءٍ من مؤامراتهم على مستوى الأمة بكلها.
ونحن كنا ننادي حتى في أيام التصعيد الثوري، ما قبل الحادي والعشرين وما بعد الحادي والعشرين من سبتمبر كنا ننادي ونهتف بأننا متمسكون بقضايا أمتنا الكبرى، وأننا جزءٌ من هذه الأمة، نحن شعب اليمن جزءٌ من هذه الأمة، نعيش نبضها وآلامها وهمومها وقضاياها، ونواجه معها التحديات، ولا نقبل بالتجزئة التي تهدف إلى عزل كل بلد من بلدان وشعوب أمتنا الإسلامية للاستفراد به، وبهدف إيجاد مناخ وبيئة ملائمة لتصفية القضية الفلسطينية، فاتجه الأعداء في كل هذه المرحلة إلى شن حربٍ شعواء ظالمة شاملة على بلدنا، مع حصار اقتصادي واستهداف اقتصادي كبير، ومعروف ما يعانيه شعبنا اليوم نتيجةً لهذا العدوان، ونتيجةً لهذا الحصار، إلا أن المسألة واضحة، وأتت كل الشواهد التي تشهد لذلك، البعض من الصم البكم العمي الذين لم يكونوا يستوعبون ما يسعى له الأمريكي وأعوانه آنذاك، وما يعملون من أجله في هذا البلد، وكانوا متأثرين إما بارتباطاتهم الحزبية والمذهبية، وحساباتهم الفئوية الخاصة، أو بارتباطهم الفكري والثقافي بالخارج؛ لأن البعض لم يكونوا يعيشون مع هذا الشعب اليمني أصالته الإيمانية، كانوا ولا يزالون- ومنهم قيادات في حزب الإصلاح- يكفرون أبناء هذا الشعب، ويرتبطون على المستوى الثقافي والفكري بقرن الشيطان الذي طلع من نجد، وينظرون بسلبية تامة إلى هذا الشعب وإلى تاريخه بكله، وبالتالي فلهم موقف سلبي وسيء وأسود تجاه هذا الشعب، وهم يحملون تجاهه الضغينة، والحقد، والعقد، والأحقاد الشديدة، ولذلك فلهم موقف من هذا البلد ومن هذا الشعب، وهم يحسون بارتباطهم بالآخرين بأكثر من ارتباطهم بهذا الشعب، يشعرون بالانفصال عن هذا البلد في كل شيء، على مستوى هويته، وثقافته، وفكره، وأخلاقه، وعاداته، وتقاليده، فيحسون بأنفسهم شيئاً جديداً مختلفاً، وله ارتباط بجهات خارج.
وعلى كُلٍّ هذا العدوان وإلى اليوم اتضحت الحقائق الدامغة على أن هدفه الرئيسي كما في السابق (ما قبل الحادي والعشرين) كذلك إلى اليوم هو الاحتلال لهذا البلد والسيطرة عليه، البعض اتضحت لهم هذه الحقيقة مؤخراً، بعد ما اتجه النظام السعودي للسيطرة على المهرة، والسيطرة على سقطرى، عندما اتجه السعودي والإماراتي تحت الإشراف الأمريكي، والقرار الأمريكي، والإدارة الأمريكية للسيطرة لصالح أمريكا على هذه المناطق التي لا يوجد فيها أحد من جانب القوى الثورية والحرة والوطنية في البلد، ولا يوجد فيها أصلاً جبهات تبرر التواجد والسيطرة المباشرة لأولئك، أيضاً أتى الأمريكي ليسيطر في حضرموت ويضع له قاعدة في مطار الريان، وله قاعدة أخرى في شروره، ويتجه إلى تقوية هذه القواعد، وله تواجد إلى مستوى معين في عدن، والمسار بالنسبة له مسار توسعي، بالنسبة للأمريكي؛ إنما هو يسعى إلى أن يكون في إطار تحالف العدوان، في إطار السعودي، وفي إطار الإماراتي؛ لأن الأمريكي لا يريد أن يتحمل الكلفة في المواجهة مع هذا الشعب، الأمريكي بات يدرك منذ ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وما بعدها، ويدرك أيضاً في التحرك الفاعل ما قبل الثورة في بعضٍ من المحافظات أن هذا الشعب ليس لقمةً سائغة، وليس فريسةً سهلة وأن المواجهة معه مكلفة للغاية، والأمريكي لا يريد أن يدفع هذه الكلفة، يريد أن يدفعها عنه أدواته الغبية الجاهلة الحمقاء، يريد أن تكون على حساب البقرة الحلوب، يريد أن يدفع النظام السعودي وأن يدفع النظام الإماراتي الكلفة الاقتصادية كاملة، وأن يدفعوا له التمويل اللازم لأي قاعدة يتواجد فيها، وأن يدفعوا قيمة كل طلقة وكل قذيفة وكل صاروخ يستهدف به هذا الشعب؛ حتى لا يخسر أي شيء، بل يريد أن يربح المزيد والمزيد، ثم أن تكون حتى عملية إشرافه على تحقيق أهدافه والعمل على إنفاذ مؤامراته ممولة من أولئك الأغبياء، من البقرة الحلوب، والماعز الأخرى، إذا كان النظام السعودي هو البقرة الحلوب، فبإمكاننا أن نسمي النظام الإماراتي بدلاً عن الأمريكي سنتبرع هذه المرة ونسمي النظام الإماراتي بالماعز الحلوب أيضاً، الأمريكي اكتفى بوصف الإماراتي بالمحارب.
على كُلٍ هو يريد أن يتحمل أولئك الأغبياء الكلفة كاملة، ولكن كل ما يعملونه في الأخير هو لتمكين الأمريكي، ولمصلحة الأمريكي، وهم يجعلون من أنفسهم جنوداً مجندةً معه على المستوى العسكري، ثم يجعلون من إمكاناتهم ومقدراتهم إمكانيات لصالح دفع وتسديد فاتورة كل تلك الأعمال التي تخدم الأمريكي، وتنجز له مؤامراته، ثم يسعون كذلك على المستوى الإعلامي لتسخير كل إمكاناتهم الإعلامية من قنوات، وصحف، وإذاعات، لتكون بوقاً ينفخ فيه الشيطان الأمريكي بما يخدم كل سياساته ومؤامراته في استهداف الأمة، في التضليل للرأي العام، في التضليل الثقافي والفكري، في قلب الحقائق، في الشغل لاستهداف الأمة على المستوى النفسي، هذا هو المسار، وهذه الجبهة واضحة، ومؤخراً أتت الحفلة (حفلة ترامب لإعلان التطبيع مع إسرائيل)، وما سبقها أيضاً من جانب النظام السعودي من فتحه لأجواء بلاد الحرمين الشريفين للطائرات الإسرائيلية والحركة الإسرائيلية، وغير ذلك من الخطوات التي سبقت والخطوات التي ستأتي، كل هذا كشف لشعبنا اليمني جميعاً، وللشعوب في كل بلدان عالمنا العربي والإسلامي، الحقائق ماثلةً وواضحةً وجليةً للعيان، كل ما في المنطقة مما يشتغل عليه النظام السعودي، والنظام الإماراتي، وآل خلفية في البحرين، والعسكريون في السودان، ومن يدور في فلكهم، ومن يحذوا حذوهم، ومن يرتبط بهم، هو في النهاية يصب بكله لمصلحة أمريكا وإسرائيل، فالمعركة معركة الأمة في مواجهة استهداف وراءه أمريكا ووراءه إسرائيل؛ أما من ارتبط من أبناء هذه الأمة بالأمريكي والإسرائيلي ثم اتجه للإعلان عن ارتباطه الذي كان قديماً، وإنما يتعزز أكثر فأكثر ويشمل مجالات أخرى كانت تحتاج إلى الإظهار العلني، لم يكن بالإمكان أن تكون مخفية، ولا تحت الطاولة، لا بدَّ فيها من العلن، أجندة، مؤامرات، مشاريع عمل علنية، أولئك الذين اتجهوا ذلك الاتجاه يعملون كل شيء لمصلحة أمريكا وإسرائيل، وهم الخاسرون، خيارهم خاسر، ورهانهم خاسر، وعاقبتهم سيئة في الدنيا والآخرة.
ولذلك نحن نقول لشعبنا العزيز: لا تستوحش من التحالفات والعداوات والجفاء والنكران الذي عانيت منه في محيطك العربي طوال هذه الفترة، منذ بداية العدوان وإلى اليوم، ونقول للشعب الفلسطيني لا تستوحش اليوم وأنت ترى إعلان ما كان مخفياً من أولئك؛ لأن أولئك الذين اتجهوا اتجاه العمالة والخيانة، وسخروا أنفسهم وإمكاناتهم ومقدراتهم، وجعلوا كل برنامجهم العملي في خدمة أمريكا وإسرائيل هم الخاسرون، عاقبتهم هي الخسارة الحتمية المؤكدة المتيقنة التي نص عليها الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}، ونحن نرى مثلما قال: {فَتَرَى}، تصبح مشاهد مرئية مشاهدة للعيان، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، فهم حسبوا أن ضمان مستقبلهم هو بهذه المسارعة، وبهذا الارتباط غير الشرعي بأمريكا وبإسرائيل، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (35) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، من كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم هم الذين يحملون لواء الإسلام والعروبة، وأنهم هم الرافعة الحقيقية للأمة في قضاياها الكبرى، وأنهم هم الظهر الدافع والصُلُب والعمود الفقري للشعب الفلسطيني، وأنهم هم أصحاب الحضن العربي، برزوا هم المرتبطون، برزوا هم بارتباطهم الواضح المكشوف العلني الفاضح بالإسرائيلي والأمريكي، وبالأجندة الأمريكية والإسرائيلية، ومن الغريب ومن المضحك أن يكون تحت عنوان السلام واتفاقيات السلام، وكأن جلاوزة آل خليفة الذين يسلطونهم لظلم الشعب البحريني، وكثيرٌ منهم أتوا بهم من الخارج واستأجروهم لعمليات القمع ضد شعب البحرين العزيز، كأنهم كانوا في عمليات هجومية لاقتحام المعسكرات الإسرائيلية وتطهير القدس الشريف، ثم اتجهوا نحو تل أبيب، وبالكاد نجح ترامب في عقد معاهدة وصلح مؤقت بين آل خليفة وبين الإسرائيلي لتحقيق السلام، وكأن النظام الإماراتي الذي يتجه أيضاً بكل أنشطته العدائية ضد أبناء هذه الأمة وفي مقدمتها الشعب اليمني، ويعمل لإثارة الحروب والفتن بين أبناء هذه الأمة، ويمول كل أعمال القمع والاستهداف والمؤامرات ضد أبناء الأمة في عددٍ من البلدان الإسلامية والعربية، كأنه كان في معركة ساخنة جدًّا مع الإسرائيلي؛ بينما أتى ترامب ليهدئ الأوضاع بين الطرفين، وليعمل هدنة معينة، وهكذا هو حال النظام السعودي، أو العسكريين في السودان، أو من سيحذو حذوهم من المطبعين والمطبلين، والمرتبطين بتلك الأجندة والمؤامرات الخارجية.
من الغريب أن يكون كل ذلك تحت عنوان السلام، ثم يقدم أبناء هذه الأمة المتمسكون بحقهم المشروع الواضح في الحرية والاستقلال والكرامة، المبني على أساس هويتهم الإسلامية وانتمائهم للإسلام، يقدمون هم وكأنهم لا يريدون السلام، وكأنهم من يثيرون المشاكل، وكأنهم سبب أزمات ومشاكل هذه الأمة، فيما يتجه أولئك الذين دخلوا تحت عنوان اتفاقيات سلام مع الإسرائيلي للحرب والعدوان، وإثارة الفتن، وسفك الدماء، وحصار الشعوب، والاستهداف لها بكل أشكال الاستهداف، ويبذلون في ذلك ما يمتلكونه من إمكانات وقدرات عسكرية واقتصادية وإعلامية، كل ذلك يسخر بشكلٍ عدائي لاستهداف شعوب هذه الأمة، ومنها: الشعب اليمني، الشعب اللبناني، الشعب السوري، الشعب العراقي، شعوب المغرب العربي، الشعب المصري… كل شعوب المنطقة، يتجهون هذا الاتجاه، أين هم وأين السلام! إذا لم يكن سلامهم حتى تجاه أبناء شعوبهم، كيف هي عدائية النظام السعودي تجاه الشعب في المملكة العربية، لأبسط موقف، لمخالفة في رأي معين، لتعبير في حرية عن موقف سياسي معين يمكن أن ينال الإنسان حكم الإعدام بكل بساطة، يمكن أن يعتقل على أبسط كلمة مخالفة للتوجه السياسي السعودي، يمكن أن يحصل أشياء كثيرة، عدائية مفرطة جدًّا، وممارسات إجرامية ومتوحشة تجاه أبناء هذه الأمة، وسلام مع الصهيوني والإسرائيلي، وتحالفات مع الإسرائيلي والأمريكي، وتعاون مع الأمريكي والإسرائيلي، هذه هي حالة النفاق المتمثلة بالولاء للكافرين والذلة أمامهم، والولاء للطاغوت والارتباط به، الطاغوت الأمريكي والإسرائيلي، والعداء لأبناء هذه الأمة، العزة، القوة، الشدة، البطش، الجبروت بحق أبناء هذه الأمة؛ والتذلل، والتودد، والخنوع أمام أعداء هذه الأمة، أمام الأمريكي والإسرائيلي، هذا هو الحال الراهن، لنعرف جيداً أين نحن، كل الذين يقفون من أبناء شعوب أمتنا وبلدانها على أساس مبدأ الحرية والاستقلال والكرامة، والتمسك بحقهم في الحياة بكرامة، في مقابل ما عليه الآخرون الذين يرتبطون بالأمريكي والإسرائيلي، ويعملون لمصلحة الأمريكي والإسرائيلي، حتى على حساب أنفسهم هم؛ لأن خسارتهم محققة، إنما يعملون لتمكين الإسرائيلي والأمريكي؛ أما هم فهم يخسرون، وهم يدفعون الكلفة باهظة، باهظة جدًّا على كل المستويات وفي كل المجالات، ويخسرون الخسارات الكبيرة والفادحة.
فنحن في الموقف الحق في ثورتنا، وفي تصدينا للعدوان، وفي تمسكنا بالأخوة الإسلامية مع أبناء أمتنا، في تمسكنا بالقضايا الكبرى وموقفنا الثابت المساند لشعبنا الفلسطيني المظلوم، في تمسكنا بالإخاء مع أبناء أمتنا الإسلامية، في الوقت الذي يذهب أولئك للتطبيع والعلاقة والارتباط العلني المكشوف مع إسرائيل، يتحدثون عن العلاقة والأخوة ما بين أبناء العالم الإسلامي في هذا الشعب وهذا الشعب وكأنها جرم، وكأنها وزر، وكأنها من المحرمات والمعايب؛ بينما هي فريضة إسلامية وعمل شريف نظيف مقدس، واجبنا كأمةٍ إسلامية- كما هو الحال عليه في واقع محور المقاومة- أن نكون أمةً واحدة، موقفها موحد، رؤيتها موحدة، توجهها موحد في التصدي للاستكبار الأمريكي، والتصدي للعدو الإسرائيلي، والدفاع عن هذه الشعوب تجاه تلك المؤامرات، سواءً كانت تلك المؤامرات بتنفيذ مباشر من الأمريكي والإسرائيلي، واعتداءات مباشرة، أو عبر أدواتها، بعض الأنظمة، إضافةً إلى القوى التكفيرية، عندما نواجه، عندما نقدم التضحيات، فنحن نواجه بحق؛ لأننا نواجه عدواناً، ونواجه معتدين ومستكبرين ومتسلطين وظالمين، ونحن نسعى لتحقيق السلام بمفهومه الصحيح والحقيقي؛ لأننا أمةٌ تنتمي لهذا الإسلام، وتنتمي وتؤمن بكتابه الكريم الذي قال عنه الله “سبحانه وتعالى”: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: من الآيتين15-16]، نحن نريد السلام الحقيقي، سلام الأحرار، سلام الشجعان، سلاماً بحرية، سلاماً من الهيمنة الأمريكية، من السيطرة الأمريكية.
التسليم للأمريكي بالأرض والقرار والسيادة والثروة والخنوع التام لا يسمى سلاماً، هو استسلام، تسليم فلسطين والقدس للإسرائيلي، وهدر كرامة وحق الشعب الفلسطيني لا يسمى سلاماً، يسمى استسلاماً.
نحن شعوبٌ حرة تريد السلام، السلام هو من أسماء الله الحسنى، هو السلام المؤمن، واسمنا هو مسلمون، وديننا هو الإسلام، وكتابنا الذي هو من الله “سبحانه وتعالى” وحيه وكلماته هو يهدينا إلى سبل السلام التي نحصل من خلالها في الأخير على السلام الحقيقي، الذي هو نتاجٌ لردع، وليس استسلامٌ ناتجٌ أو معبرٌ عن حالة خضوع، التعبير عن حالة الخضوع والاستسلام والتسليم للعدو بكل شيء، والهدر للكرامة والحرية والاستقلال، وتقديم كل شيءٍ للعدو، هذا هو استسلام، هذه مسألة معروفة في العالم بكله.
أما السلام الذي ننشده، والسلام الذي نسعى لتحقيقه فهو السلام الحقيقي الذي يكفل لنا حريتنا واستقلالنا وكرامتنا، ويحفظ لنا أن نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من انتمائنا لهذا الإسلام العظيم، وعلى أساسٍ من هويتنا الإيمانية، ثم نبني أنفسنا وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، لنمتلك كل عناصر القوة التي ندافع بها عن أنفسنا، عن أرضنا، عن عرضنا، عن كرامتنا، عن حريتنا، عن استقلالنا؛ حتى نصل إلى درجة الردع الذي يحقق سلاماً حقيقياً، وسلاماً عادلاً، وسلاماً صحيحاً، وليس استسلاماً.
لاحظوا، في حفلة الخيانة التي أقامها ترامب، أتى المجرم نتنياهوا ليتحدث أمام أولئك المنافقين الذين حضروا ويتباهى بأن القوة هي التي حققت لإسرائيل ما وصلت إليه يعني من خنوع أولئك العملاء أمامها، من استسلامهم لها، من ارتباطهم بخدمتها وأجندتها، أنه تحقق بالقوة، وأتى ليقرأ نصاً نسبه إلى النبي داوود عن أهمية القوة وما يتحقق من خلال القوة، هل أحد منهم- من أولئك الذين حضروا- كان بالإمكان أن يكون له هذا المنطق، ليقول أنه من موقع القوة أرغم الإسرائيلي على السلام، لم يكن بوسع أحدٍ من أولئك الذين حضروا أن يقول كذلك؛ لأن الأمر مختلف، لأن الحالة بالنسبة لهم كانت حالة استسلام وخنوع.
ولذلك نحن نقول أن أحرار هذا العالم الإسلامي في كل بلدان وشعوب أمتنا هم ينشدون السلام، هم يسعون لتحقيق السلام لأمتهم؛ لأن الأمريكي ليس مصدر سلام، ولا الإسرائيلي مصدر سلام، الأمريكي مصدر شر واستعمار وعدوان وإجرام، قنابله وسياساته ومواقفه ومؤامراته هي التي دمرت الأمة، هي التي ألحقت بالغ الضرر وبالغ العناء بالأمة الإسلامية بشكلٍ عام، وبالمجتمع البشري بكله، هي التي تلحق الضرر في كل الواقع البشري، سياساته هي التي جلبت المشاكل البيئية والتصحر، ونتج عنها مشاكل كبيرة في البيئة، على مستوى البيئة، وسياساته هي التي يترتب عليها حروب، وانقسامات، ومشاكل، واختلالات أمنية، وأزمات اقتصادية، ومجاعات، ونزوح، وبؤس واسع في العالم ينتشر بفعل السياسيات الأمريكية والتوجهات الأمريكية، وبفعل المؤامرات الإسرائيلية.
فالإسرائيلي والأمريكي ليسا مصدر سلام، مصدر السلام هو الله، وتوجيهاته وكتابه وهديه وتعليماته التي تبني منا أمةً قويةً تمتلك حضارةً قويةً، وتتمتع بالاستقلال الحقيقي، وتبني مسيرة حياتها على أساسٍ من هويتها وانتمائها هو الذي يحقق السلام، السلام بمفهومه الحقيقي، فنحن سنجاهد؛ لنحقق لأنفسنا السلام، نتصدى للعدوان؛ حتى نحصل على السلام، نقف بوجه قوى الشر والطغيان والإجرام لمنع شرها، والتصدي لطغيانها وإجرامها؛ لكي نحقق السلام، سنصنع ما نستطيع، ونعد ما نستطيع من القوة؛ لكي نحمي أنفسنا ونحمي أمتنا، ونحقق لأمتنا السلام، سننفذ توجيه الله “سبحانه وتعالى”: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، حتى نصل إلى المستوى الذي يمثل عامل ردعٍ فيحقق لنا السلام، المفهوم الحقيقي للسلام هو الذي يقدمه القرآن، وهذا ما يتباها به العدو في واقعه، هو لا يتحدث بمثل ما يتحدثون.
وعلى كل هذه المرحلة منذ بداية العدوان وإلى اليوم صمودنا، ثباتنا كشعبٍ يمني، تماسكنا في مواجهة الحصار الخانق، والاستهداف الشامل هو نتاجٌ لهذه الثقافة الواعية، التي تعي جيداً أن القوة، أن الثبات، أن الصمود، أن التصدي للطغيان والشر والإجرام هو الذي يحقق للأمة الحرية، والكرامة، والاستقلال، والسلام، والأمن الحقيقي، صمودنا وتماسكنا هو نتاج لهذه الثقافة، لهذه القيم التي نتمتع بها كشعبٍ يمني، نتيجةً لإرثنا الإيماني الذي ورثناه عبر الأجيال، ونتربى عليه في كل جيل، وحجم الإنجاز يقاس بمستوى الصعوبات من جانب والظروف والمعاناة والتحديات، وأيضاً يقاس الإنجاز بمستوى حجم الواقع، فمن جهة نحن تحركنا من ظرف صعب، نتيجةً لكل مخلفات الماضي، وما وصل إليه واقعنا في البلد نتيجةً لهذا الماضي، ومن جهة حجم هذا العدوان كبير، تحالف العدوان بكل إمكاناتهم الهائلة يعتدون على بلدنا وعلى شعبنا وعلى أمتنا، فالصمود الفعال، الصمود القوي، الصمود في الموقف المتقدم الذي نصنّع فيه السلاح من الكلاشنكوف حتى الصاروخ، والذي نعمل فيه على الإنتاج الاقتصادي بشكلٍ مستمر، من خلال العناية بالقطاع الزراعي وغيره، والذي نسعى فيه- على الدوام- لتماسك جبهتنا الداخلية، يعتبر إنجازاً مهماً، وبالروح الثورية، وبالهوية الإيمانية، وبالانتماء اليماني الأصيل الذي هو ممتزجٌ بالإباء في فطرته وجبلَّته، هذا يعتبر إنجازاً مهماً إلى حد الآن، وما يمكن أن يترتب عليه هو الكثير إن شاء الله؛ لأنه- يا شعبنا العزيز ويا أمتنا الإسلامية- بدون استقلال, وبدون حريةٍ وتحررٍ كامل، لا يمكن أن تبني الأمة لنفسها حضارة، ولا يمكن أن تبني لها مستقبلاً، ولا أن تصنع لها مستقبلاً لصالح أجيالها اللاحقة والآتية، فالتحرر والاستقلال التام والخلاص كلياً من التبعية للأعداء، للارتباط بالطاغوت المتمثل بالأمريكي والإسرائيلي، هو عنوان رئيسي يجب أن تعمل عليه الأمة حتى يتحقق، وهدف استراتيجي، والنتائج مهمة جدًّا، صحيح أننا نقدم التضحيات الكبيرة، وأننا نعاني معاناة كبيرة، ولكنها معاناة لها ثمرة، لها نتيجة طيبة، والتحولات على المستوى العالمي باتت ملحوظة، دول كثيرة اتجهت نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية، وبات هذا واضحاً على المستوى الاقتصادي، على المستوى السياسي، ولربما في المستقبل حتى على المستوى العسكري، لربما تأتي صراعات وحروب معينة ما بين الأمريكي وقوى أخرى في هذا العالم، دول معينة، شعوب معينة، فالتحولات على المستوى العالمي هي إيجابية، والصبر في سبيل أن نحقق هذا الهدف المقدس الذي ننطلق فيه من منطلق انتمائنا وهويتنا الإيمانية كعملٍ مقدس، وكهدفٍ مقدس، وكجهادٍ مقدس يستحق منا الصبر، ويستحق منا التضحية.
كان بالإمكان أن يكون هذا العناء وأشد منه في خدمة أمريكا، كما هو حال الآخرين، هم يبذلون المليارات، وهم يدخلون في مشاكل اقتصادية، لكن لمصلحة أمريكا وإسرائيل، هم يخسرون على المستوى البشري، ويقدمون الخسائر الكبيرة قتلى وجرحى، لكن في سبيل خدمة الأمريكي والإسرائيلي؛ أما نحن فما نقدمه في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ولما يحقق لنا الحرية والاستقلال والكرامة على أساسٍ من انتمائنا الإسلامي وهويتنا الإيمانية، فما من خسارة بالنسبة لنا؛ لأنه عناء على أساسٍ محقٍ، ولهدفٍ مشروع، ولمطالب محقة ومشروعة، ولأهداف عظيمة ومقدسة، ومحسوبٌ عند الله “سبحانه وتعالى” في الدنيا، ومحسوبٌ عند الله “سبحانه وتعالى” في الآخرة، يجب أن نصبر، وأن نواصل المشوار، وأن نثبت، وأن لا نتزحزح، وأن لا نتأثر بأي وسائل يعتمد عليها الأعداء بهدف التأثير على وعينا كشعوب، أو كسر إرادتنا كأمة، يجب أن نثبت.
وفي هذا اليوم التاريخي وهذه المناسبة العزيزة نؤكد على التالي:
ثباتنا كشعبٍ يمنيٍ من منطلق هويته الإيمانية ونهجه الثوري التحرري على موقفنا المبدئي الديني الأخلاقي في التمسك بقضايا أمتنا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية بأركانها الثلاثة: شعباً ومقدساتٍ وأرضاً، ونعتبر هذا الموقف جزءاً من التزامنا الإيماني والأخلاقي، وعليه فإننا نعتبر كل أشكال التطبيع والتعاون مع العدو الإسرائيلي خيانةً للانتماء الإسلامي، وخروجاً عن صف الأمة، والتحاقاً بركب الأعداء، كما أنه بالمعيار السياسي خطأٌ استراتيجيٌ وخسارةٌ فادحة على كل المستويات لمصلحة عدوٍ مستغلٍ لا يقدر للمهرولين إليه ذلك، ولا يحسب لهم بارتمائهم إلى أحضانه أي قيمة، يعني: هو يحقِّرهم، هو يسيء إليهم، هو يستخف بهم، هو يسخر منهم، يعتبرهم مجرد محاربين، وبقرة حلوب… وأوصاف أخرى، كما أن ذلك من عوامل الإخلال بالأمن وزعزعة الاستقرار في البلاد العربية وعلى مستوى العالم الإسلامي، يعني: أنهم لا يحققون السلام، وليس للسلام أي وجود في سياساتهم ولا في توجهاتهم، هم يخرِّبون الأمن والاستقرار في المنطقة أكثر فأكثر.
نؤكد الثبات على مبدأ الأخوة الإسلامية، والتصدي لكل مساعي التفريق بين المسلمين، ومساعي حرف بوصلة العداء تحت العناوين الطائفية والسياسية والمناطقية والعرقية، التي باتت برنامجاً رئيسياً يعمل عليه المنافقون الموالون للطاغوت الأمريكي والإسرائيلي، كل شغلهم في هذا: التفريق بين المسلمين تحت كل تلك العناوين، وفي نفس الوقت ولاء للطاغوت الأمريكي والإسرائيلي، في الوقت الذي ينبغي فيه تعزيز كل أواصر الأخوة، والمحبة، والتعاون بين أبناء الأمة الإسلامية جمعاء، للتصدي للاستكبار الأمريكي، وتحقيق الاستقلال التام، ورعاية المصالح الحقيقية لكل شعوب وبلدان المسلمين، كما نؤكِّد على تضامننا مع كل المسلمين الذين يعانون من الظلم والاضطهاد في مختلف بقاع العالم.
نؤكد على استمرارية مشروعنا الثوري التحرري الذي نسعى فيه لتحقيق الأهداف المشروعة والآمال المحقة لشعبنا العزيز في التحرير الكامل والشامل لبلدنا، والاستقلال التام لقراره، ولبناء دولته على الأسس العادلة والمشروعة، المنسجمة مع هويته الإيمانية، والمرتكزة على الشراكة الوطنية، ومنع الاستبداد والتسلط والاستئثار بكل أشكاله وعناوينه الفردية والعنصرية والفئوية والمناطقية، كما نؤكد على مواصلة التصدي للعدوان الغاشم، الساعي لاحتلال بلدنا، والسيطرة على شعبنا، والمرتكب للجرائم الفظيعة اليومية، مع ما يمارسه من حصارٍ شاملٍ ظالم.
إنَّ التصدي لهذا العدوان بجدية ومصداقية وفي كل المجالات، هو مسؤولية إيمانية وإنسانية ووطنية على الجميع في هذا البلد، بحسب إمكاناتهم وقدراتهم، وبما يحقق التكامل والانسجام، وقوة الموقف في كل مجالٍ وميدان، وقد تجلى ولا يزال الأكثر مصداقيةً من أبناء هذا الشعب وعطاءً وتضحيةً وجدًّا وعملاً وفعلاً واهتماماً ووفاءً لأداء هذا الواجب.
وفي هذا السياق فإني أنصح المقصِّرين، والمفرَّطين، والمتربصين، وأصحاب الأولويات الهامشية الأخرى، والمعقدين، المنصرفين نحو أداءٍ سلبي لتبرير تفريطهم بهذا الواجب الكبير الأولى، أنصحهم بمراجعة واقعهم، وإعادة النظر في موقفهم، وأن يزنوه بميزان التقوى والأخلاق، فالجميع في موقع المسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، إضافةً إلى المسؤولية التاريخية، ووصمة العار الأبدي للمتخلفين عن أداء هذا الواجب المقدس.
كما أشيد وأثني ببالغ الثناء والتقدير والإعزاز والتبجيل والإكبار لكل الأوفياء الصادقين من أحرار وحرائر شعبنا، الذين يبذلون الغالي والنفيس، ويقدمون التضحيات برحابة صدرٍ واعتزاز، ويعملون بكل جد، وبمسؤولية عالية، واهتمام كبير، وبإيمانٍ وتقوى وإنسانيةٍ وضميرٍ وأخلاق في التصدي للعدوان في كل المجالات، وللعمل على تعزيز كل عوامل الصمود، وأسأل الله أن يبارك فيهم، وأن يتقبل منهم، وأن يكتب أجرهم، فبجهودهم، وبتضحيتهم، وبعطائهم، وبصبرهم يحقق الله الأهداف الكبرى والعظيمة لهذا الشعب، وهي: الحرية، والكرامة، والاستقلال، والنهوض الحضاري، وبها يبقى لهذا الشعب إيمانه وحكمته وأخلاقه وقيمه، وبها ضمان الحاضر والمستقبل لهذا البلد.
كما أوجه النصح للمتورطين في الخيانة والمخدوعين بهم لمراجعة حساباتهم، فقد بات من الواضح أنَّ كل جهودهم وخسارتهم هي تصبُّ في تمكين الغزاة الأجانب من احتلال البلد والسيطرة على هذا الشعب، فما يقدمونه هو أكثر مما يحصلون عليه، وخسارتهم رهيبة وفادحة وشنيعة، فهم يخسرون في سبيل أن يمكنوا السعودي والإماراتي، ومن ورائهما الأمريكي والإسرائيلي، لاحتلال هذا البلد والسيطرة عليه، يقدمون في سبيل ذلك كل شيء، يخسرون إنسانيتهم، وشرفهم، وكرامتهم، ووطنيتهم، وإيمانهم، ومستقبلهم في الدنيا والآخرة، كما أنهم يصمون أنفسهم بوصمة العار والخيانة أمام كل الأجيال الآتية، كما فعل الذين من قبلهم مع الاستعمار البريطاني وغيره، ولم تشفع لهم العناوين الكاذبة، والتبريرات الزائفة. وفي هذا السياق فإني أشيد بكل الذين استفاقوا من غفلتهم وأدركوا الحقيقة بعد أن توالت الشواهد الدامغة على طبيعة أهداف ومخططات تحالف العدوان، سيما بعد احتلال سقطرى والمهرة، والسيطرة المباشرة من الأجنبي على المواقع والمنشآت الوطنية من مطارات، ومنافذ، وقواعد، وجزر…إلخ.
أدعو شعبنا العزيز (يمن الحرية والإباء والكرامة، يمن الإيمان والحكمة) إلى الاستمرار وباهتمام وعناية أكبر بالنهضة الزراعية التي هي عمودٌ فقري للاقتصاد الوطني، ودعامة أساسية للصمود والتماسك الاقتصادي، والعناية بكل ما يساهم في تقوية وتطوير هذا المجال، وتحسين الجودة الإنتاجية، بالتنسيق مع الجهات الرسمية المعنية، ومنها اللجنة الزراعية، إضافةً إلى المبادرات الذاتية والمجتمعية.
أدعو إلى العناية المستمرة في الحفاظ على السلم الاجتماعي، والحفاظ على وحدة الصف وتماسك الجبهة الداخلية، والاستمرار بعناية أكبر بكل مساعي المصالحة الاجتماعية، وفي الأنشطة التوعوية والتعبوية، والتصدي للطابور الخامس من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، والجواسيس الذين يعملون لصالح تحالف العدوان بنشر الشائعات، وإثارة الفتن، وتثبيط الناس عن التصدي للعدوان، والتشويش عليهم بالتضليل والدعاية الإعلامية، وبنشر الفساد والدعارة، والإتجار بالمخدرات، وكل أشكال التخريب والإفساد التي يعتمد عليها تحالف العدوان بهدف كسر إرادة الصمود وضرب الروح المعنوية التي تستند إلى المبادئ والقيم الإيمانية، كما أدعو إلى العناية القصوى بالتكافل الاجتماعي، والعمل الخيري والإغاثي والإنساني، والاهتمام المستمر بإخراج الزكاة ودفع الزكاة لما يساعد على تحقيق ذلك.
وختاماً أقول لتحالف العدوان: إننا كشعبٍ يمني بهويته الإيمانية، وباعتماده كلياً على الله “سبحانه وتعالى”، كما صمدنا لألفي يوم مضت بالرغم من حجم ومستوى العدوان والحصار، جاهزون ومستعدون ومقررون- بالاعتماد على الله “سبحانه وتعالى”، وبالتوكل عليه- للصمود والثبات بفاعليةٍ عالية، ومسارٍ- بإذن الله تعالى- تصاعديٍ ومتقدم لألفي يوم وألفي يوم وألفي يوم إلى نهاية التنفس.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 360 مرة