توخي التوفيق وأسبابه من دروس عاشوراء
توخي التوفيق وأسبابه من دروس عاشوراء
هناك حالات فارقة، تستدعي الوقوف بوضوح في موقف لا مرية فيه، إنها المواقف التي يحتدم فيها الحق والباطل فينسحب المتذبذبون بين الحق والباطل، كلٌّ إلى معسكره الأصلي، حينما لا يكون هناك سوى خيارين فقط، هنا تعود الفضيلة إلى معسكرها، والرذيلة إلى معسكرها، الفرق ما بين عمر بن سعد بن أبي وقاص، وزهير بن القين هو الفرق بين الخاتمة الحسنة والخاتمة السيئة، هو درس التوفيق الذي يجب أن نعيه ونوفر بيئته، ونبذل أسبابه.
عمر بن سعد بن أبي وقاص، ابن الصحابي السابق، والذي كان لا يرتبط بعلاقة حسنة مع معاوية؛ لأنه كان يعتبره طليقا وصل إلى الحكم باستغلال دم عثمان، وكان يسميه ملكا، وفي نفس الوقت لم تكن لديه مواقف إيجابية في نصرة الإمام علي عليه السلام(مسلم، الصحيح، ج4، ص1870 رقم 2404؛ وابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3 ، ص275؛ والمؤيدي، لوامع الأنوار، ج3، ص88.)، كان ابنه عمر يتظاهر بالصلاح، ويروي الأحاديث، ولكن التظاهر لا يكفي إذا كانت النية والقرار مستلبا من قبل الأطماع، بيئته تلك التي خذلت الحق، وإن لم تنصر الباطل، ثم حب الدنيا المتمكن فيه كانت ظروفا كفيلة بتخليد اسمه في الفاجرين، لقد كان رجلا مهووسا بالإمارة والملك في حياة أبيه (ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج20، ص355)، وأي متدين تتمكن الدينا من قلبه فإنها ستورده خواتم السوء.
لهذا يجب أن يسعى الإنسان إلى تكوين البيئة الأسرية والمجتمعية التي تعين على قرارات سليمة، ويجب أن يتخلص من الظروف والبيئات التي تساعد على ارتكاب المحرمات، يجب أن يكون المؤمن مع الحق، وضد الباطل، وعليه أن لا يترك مسافة بينه وبين الحق، ولو لم يكن في خط الباطل مئة بالمئة.
ومثله أحد الكوفيين من أتباع الأمويين الذين كانوا على حظ جيد من العبادة، تضخّمت لديه قضية مقتل عثمان، وكيف كان بعض شيعة علي ينقمون عليه أحداثه تلك التي أدت إلى الثورة ضده، هذا الأموي العابد حضرت قضية عثمان ونقده من قبل أنصار الحسين بقوة في كربلاء، وسمع بعضهم ينتقدون عثمان، فغضب، وتحول إلى معسكر خصوم الإمام الحسين، حيث لم تكن لديه موازين دقيقة للفصل في القضايا والمواقف، وكانت معراجه إلى الخذيلة والخاتمة السيئة.
في الجانب المقابل كان زهير بن القين عثمانيا مواليا لبني أمية يرتبط بهم لمصالح شخصية، ولظروف المجتمع المسلم الاقتصادية حينذاك التي كانت تتحكم فيهم، حيث كان المحاربون يستلمون أعطياتهم من ديوان بيت المال، لكن كان رجلا له مروءة، آتاه الله ظروفا استفاد منها واستجاب لها استجابة إيجابية، لقد رفض الانضمام إلى الحسين في بداية الأمر، ولكن لما أرسل له الحسين ليأتي إليه ويسمع منه، حثّته زوجه الصالحة للمجيء إليه، وحينها تذكر أثرا يحث على نصرة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص203)، لقد استفاد من هذه البيئة وهذه الأحداث لينتزع قراره التاريخي بالانضمام إلى الحسين، حيث لا دنيا تؤثِّر في قوة صفائه الروحي سلبا، لما تجلى له الحق.
ومثله الحر الرياحي كان قائدا شجاعا، ومقاتلا محترفًا، وكان يعيش قوة المروءة وأجواء الفطرة، وكما يبدو أتيحت له الفرصة للتعرف على الإمام الحسين عن كثب، حين أرسله ابن زياد ليجعجع بالحسين ويضطره للمضي في الطريق التي تحصره للنزول على حكمه، لكن لأنه معدنٌ طيبٌ للخير فقد وفقه الله، وانضم في نهاية الأمر إلى قافلة الصالحين، إنه التوفيق وأسبابه الحسنة.
جدير بنا أن نقف على هذه الأسباب، وأن نشجع وجودها في بيئاتنا، وأن نعمل على دفع الظروف والأسباب السيئة التي تشجع على الانحراف شيئا فشيئا، وإذا بمن يكون فيها قد أصبح على بُعْدٍ شاسعٍ عن الحق، مثقلا بالذنوب، ومكبلا بالأطماع.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 768 مرة