من برج البراجنة إلى باريس.. نفس الرسائل المعمّدة بالدم! .. نبيل نايلي
من برج البراجنة إلى باريس.. نفس الرسائل المعمّدة بالدم! .. نبيل نايلي
حتى ساعة كتابة هذه الأسطر تشير المحصلة شبه النهائية لتفجيري برج البراجنة حسب بيان وزارة الصحة اللبنانية إلى 43 قتيلا و239 جريحا ! في اعتداء جبان هو الأكثر دموية تبناه تنظيم داعش، وأطلق عليه إسم “العملية الأمنية النوعية”! مستهدفا من نعتهم ب”تجمّع المرتدّين”!! فيما أُعتقل انتحاري ثالث في موقع التفجيرين ليعترف خلال التحقيقات بأنه ينتمي للتنظيم “الدولة الإسلامية، ويكشف عن “وجود خطة بأربعة هجمات انتحارية”! أيادي الغدر الجبانة التي نفذت جريمتها لا حرمة لها! تفجّر متى وأين شاءت.. شارعا سكنيا كان أو تجاريا.. لا فرق بين حسينية أو مسجد أو فرن أو مقهى، فقط الموت.. والموت الأعمى!
من يدقّق في حجم وأسلوب ومضاعفات هذه العمليات كما في أرشيف التحقيقات مع الموقوفين من الموتورين الموعودين ب”فسيح الجنان وحوريات العين”! لا شك تبيّن له أن أدوات القتل هذه وبيادق حروب الوكالة وحطبها، أضحت تملك البنية التحتية المتكاملة من التمويل إلى التخطيط مرورا بالتجنيد فالتسليح.. وصولا إلى التنفيذ الفعلي بما يستلزمه من متطلبات لوجستية وبشرية وأمنية، دون أن ننسى «البيئة الحاضنة» متعدّدة الجنسيات! وما لم يمسك من يتصدّى إلى هذه الجماعات بأطراف هذه المنظومة جميعها، سيظلّ كمن يخبط خبط العشواء! وإن أحبط عملية ظلّ تحت رحمة عمليات أخرى!!
لهذه القوى من –عرب وعجم- ممن يذرفون دموع التماسيح ويرسلون تعازيهم تباعا إلى لبنان، ويصفون الجرم ب”الدنيء وغير المبرّر”، وب”الجريمة الموصوفة”، و”التفجير الإرهابي”، ف”الإرهابي الشنيع″ وأياديهم ملطخة حتى الأطراف بدماء الضحايا في كل خاصرة نازفة من هذا الوطن المستباح، نقول لقد أخذتم حصتكم من دمنا، فأرحلوا! أ تُسلّحونهم وتُموّلونهم وتُطلقون لهم العنان وتُذكون نيران حروب مسالخنا الطائفية التي تكاد تعصف بما تبقّى من وطن، ثم تقيمون حسينيات العزاء لضحايا من فرّختهم وكالات استخباراتكم؟ يقدمون لكم أوراق اعتمادهم، ولا يفعلون سوى تعزيز مواقع رعاتهم الإقليميين والدوليين التفاوضية!
جرح لبنان الغائر، من جراحات هذه الأواني المستطرقة المتحللة وعمق المعركة الممتدة من برج البراجنة إلى ليبيا مرورا باليمن من عمق وحجم هذه المؤامرة! واختيار من يخطّط لهذا التنظيم لسوري وفلسطينيين لتنفيذ هذه المذبحة ليس اعتباطا لمن يقرأ وراء السطور!!
من تفجير شرم الشيخ إلى تفجيرات اللاذقية فهجمات برج البراجنة ومساجد بغداد..نفس الرسائل المعمّدة بالدم المسفوح في انتظار “مداولات”.. فيينا! وكواليسها المنهمكة في فكّ شفرة “الحمض النووي” لمن هو “الإرهابي” ممن هو “المعتدل الديمقراطي”..في لائحة تُعدّل متى شاء البياطرة الذين يُعزوّن لبنان.. في ضحك على الذقون فاق النفاق الموغل في سفلى الدرجات من النار!
من جبل مغيلة بسيدي بوزيد تونس.. إلى برج البراجنة في ضاحية لبنان.. إلى لاذقية سوريا.. إلى بغداد العراق، وصولا إلى باريس..ليس بين رصاص الإرهاب مسافة!!! مع سيعقب ذلك من مضاعفات! 128 ضحية وحوالى 250 مصابين بجروح ..منهم 99 في حالة حرجة، حصيلة دامية لمذبحة باريس البارحة. باريس التي تحولت لساعات إلى ساحة حرب. هجمات متزامنة وعمليات انتحارية..واجراءات استثنائية! من حالة الطوارئ في عموم فرنسا إلى إغلاق الحدود! ثمانية مسلحين على الاقل يرتدون سترات ناسفة شنّوا اعتداءات على 6 مواقع، في أعنف هجمات تشهدها أوروبا منذ الاعتداءات على قطارات مدريد عام 2004.
الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذي أعلن حالة الحرب، ألمح إلى “عملية نفذها تنظيم داعش”، الذي تبنّى العملية باللغة الفرنسية، موضحا وهو الأخطر، أنها “تمّت بتخطيط وترتيب للاعتداءات تمّ من الخارج وبمساعدة من الداخل”! لافت أيضا إجماع أغلب الخبراء ورجالات الإستخبارات ودوائرها على أن الغارات ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا لم تعد كافيه وتتحدث عن استراتيجيات بديلة..خطاب الرئيس الفرنسي الأشبه بخطاب جورج بوش، عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر، الذي عقبه غزو العراق، خطاب فسّر فيه فرانسوا هولاند الهجوم البربري، تماما كما أجيب على السؤال الأمريكي “لماذا يكرهوننا؟”، فسّره ب”معادات من نفذوا الهجمات ل”طريقة عيش الفرنسيين” و”ديمقراطية فرنسا وقيمها”، وانتهى بوعيد صارم “بالضرب دون رحمة ودون هوادة في الداخل والخارج.”! خارج يجمع من فكوا شفرة الخطاب الرئاسي على أنه يعني سوريا.. ارتجاجات تسونامي باريس النازفة، سنشهدها قريبا. ومخرجات إجتماع فيينا لن تكون إلا المؤشّر!!
هلاّ استفاق من تلهّى بالعبث العدمي حتى بات اللهب على مشارف هشيمه؟ هل يستوعب الآن من توهّم للحظات أن مثل هذه التنظيمات المعدّلة جيناتها استخباريا مضبوطة الإيقاع والفعل، محدودة بأطلس جغرافي محصورة زمنيا ومقدور على ترويضها والتعايش معها، وأنّ قرارها فعلا بيدها وليس بيد من يملك زمام الأمر توقيتا وتجنيدا وتمويلا وتوظيفا؟
تعازينا للأرامل والثكالى واليتامى وكل التعاطف مع ضحايا الإرهاب الأعمى وأسرهم، أين ما كانوا! للذين يدفعون وسيدفعون تبعات هؤلاء الذين يختطفون الإسلام منذ سفر تخليقهم في مخابر الإستخبارات وإطلاقهم أدوات وحطبا لحروب الجيل الرابع والوكالة والمناولة..
*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.
موقع رأي اليوم
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 1554 مرة