الإرهاب التكفيري الجوّال بعيون اليمنيين ...بقلم/حمود عبدالله الأهنومي
الإرهاب التكفيري الجوّال بعيون اليمنيين
بقلم/حمود عبدالله الأهنومي
يسافر الإرهاب التكفيري بين عواصم ومناطق العالم كما لو أنه يتنقل في ولايات خلافته المزعومة، لا تحجزه حدود دولية، ولا تعجزه لغاته المختلفة، ولا تقصِّر به الجنسيات المتعددة؛ فمن طائرة المدنيين الروسية في سيناء إلى مسجد شبام في اليمن ليعود لتدمير برج البراجنة في بيروت ليحل ضيفا ثقيلا في باريس، وعلى المشهد الآخر ينبري داعية سعودي وهابي ليحمد ربه أن الله شوى جلود المجوس في اليمن بمفخخات من سماهم (مقاومة أزال) معلقا على تفخيخ المساجد، ويتلوه محلل خلايجي يفسر حادثة برج البراجنة بأن "حزب الله يفخخ جسده"، ثم تصف هيئة كبار علماء البلاط السعودي حادثة باريس بأنها "منافية لتعاليم الإسلام"، وكأن حرق وشوي أطفالنا ونسائنا ومجتمعنا الذي يتعرض للإبادة الجماعية من نظام ولي أمرهم نابع من روح الإسلام الحنيف!!!
**
في ما يتعلق بعمليات باريس؛ نقلت وكالات محترمة أن السعودية ومصر كانت قد أنذرتا الغرب بوشك وقوع هجمات "إرهابية"، ولم ندر ما الذي جعل الغرب يصم أذنيه عن هذه النصيحة "الأخوية المخلصة"، من نظام بريء وطيب كالسعودية؟!، كما أثار فضولنا هذا الإعلام الخليجي وتلك الجيوش الخليجية المغردة على التويتر: لم تحتفي بعثور الفرنسيين على جواز سفر سوري وُجِد بالقرب من أحد منفذي عمليات باريس، وقد هشوا وبشوا لذلك كما لو أنهم (ماجلان) حين قدم للعالم منجزه باكتشاف عالم جديد، والسؤال: ألا يجدر بهم أن يعلموا أن العالم الحر ينظر إلى بلدانهم باعتبارها المحاضن الأخصب في العالم لنمو تيارات التكفير التفجيرية وتكاثرها الهستيري على مراعي البترول ورياح الغاز الخليجية، أليس في وضع الجواز السوري ما يشير إلى محاولة خليجية غبية تريد حرف الأنظار عن مكمن الخطر إلى سوريا التي هي الأخرى تعاني من ذات الإرهاب التكفيري منذ 5 سنوات كما ورد في تعزية الرئيس السوري لنظيره الفرنسي؟!
**
لقد مكَرَ الغربُ مكرَه السيء في ليبيا وسوريا واليمن وفي العالم العربي والإسلامي، وها هو يقف خلف أوقح وأقذر عدوان عالمي في تاريخ العالم يشن على بلدنا اليمن، وتتدفق آخر ما توصّلت إليه تكنولوجيا التصنيع العسكري ليتم تجربتها على رؤوس أطفالنا، وحرق نسائنا، وتدمير منشآتنا، وهو مع ذلك يغض الطرف عن الراعية العظمى للإرهاب التكفيري وهي تسلح جماعات الإرهاب التكفيري في عدن وتعز بالأسلحة المتنوعة ليستهدفوا المساجد والكليات والمقار الحكومية في بلدنا، ويظل الغرب سادرا في غيه وهو يرى أن توظيفه لهذه الطاقات التدميرية ومباركته لها واستثماره فيها لا يجعله بمأمن من ارتداداتها السيئة والقبيحة، إنه لعب بالنار، ومقامرة لا يمكن ضبط إيقاعها مهما بلغت مخابراته الغاية في الخبث والتضليل والاختراق.
**
لم يشأ الغرب الاتعاظ من رعايته للقاعدة في أفغانستان، فبعد أن انحسر مدُّها واحترقت ورقتها أفسح المجال لتربية وحش داعش، لتحقيق جملة من الأهداف الماكرة والخبيثة، والتي منها ضرب سوريا والعراق، وإشعال حرب طائفية تلتهم الأخضر واليابس للتمهيد لشرق أوسط جديد قائم على أساسٍ طائفي وعرقي، ومنها ضرب مقدرات الشعوب الإسلامية، وتدمير جيوشها، والقضاء على دولها المستقرة، وشغلها بطاعون يلتهم الجميع، لتبقى إسرائيل محمية وفي مأمن من خطر المقاومات الشعبية لعشرات السنين، بعد أن حاق بها الخطر من كل جانب.
**
ومع ذلك فهناك أسباب موضوعية حرّكت كثيرا من الشباب العربي العاطل عن العمل والمتحمس لفكرة الدين، بوعي وبدون وعي للانخراط في هذه المشاريع التدميرية، لقد أفرز الظلم المادي الغربي والمحلي ضد الشعوب العربية والإسلامية حالة من الغليان والحماس وردة الفعل المتهورة عند شباب لا يجدون أملا ومتنفسا في حياة حرة كريمة، وهاهم اليمينون لما تنفسوا الصعداء من حكومات الارتزاق والعمالة لأنظمة الاستبداد الإقليمية والعالمية جاء العالم بقضه وقضيضه لإجهاض حلمنا في الحرية والكرامة، ليعيدوا قرارنا إلى قبضة عملائهم المستبدين؛ الأمر الذي يعطي حالة من الكره الشديد للآخر، بالإضافة إلى دور الإعلام التكفيري الهائل المموّل من السعودية رأسا والذي يتكلم بجميع لغات العالم الحية، ويحتل حيزا كبيرا من الفضاء الإعلامي، والذي أنتج تيارات تكفيرية في العمق الغربي، ثبت اليوم أنهم يشكلون رقما صعبا في هذه التيارات التكفيرية، ويثور الشك أيضا أنه أمر مقصود ومدبّر. وتقضي استراتيجيات جماعات الإرهاب التكفيري أن يتم ضرب الشعوب الغربية بقسوة ليحدث أثرا معاكسا بذات المستوى من القساوة وهو ما يساعد الأحزاب المتطرفة والمعادية للإسلام للوصول إلى الحكم، وبهذا يستفيد كلا الطرفين من تطرف الآخر.
**
والأخطر أنه لا يجري ضبط إيقاع عمليات داعش وتمدده وتوسعه دائما بحسب ما يشتهيه العازف الغربي المخابراتي وعميله المحلي، فالنيران لا يمكن ضبطها دائما، تركيا الأردوغانية المثال الأقرب الذي سمح لعشرات الآلاف من المتحمسين للجهاد في العراق وسوريا بتحقيق فرصتهم (التي تقربهم إلى الجنان وتبعدهم من النيران)، ستصطلي بنار هذه اللعبة الخطرة أكثر وأكثر كلما تقدم بنا الوقت إلى الأمام، لقد تصوّر الغرب أن داعش تجري بأعينهم، وأنها مقتنعة تماما بنظرية التمكين، فهي تطمع فقط في التهام الأراضي العربية والإسلامية لإقامة الخلافة، وأنها لن تستهدف البلدان التي تدين بالولاء لهم، ولا أستبعد حدوث تطمينات أن عمليات داعش ستنحصر على الأراضي المعادية لإسرائيل، بصدد إقامة "الخلافة الإسلامية". الخلافة التي بشّر بها الشيخ الزنداني في الثورة المغدورة في 2011م في اليمن، وفرّ في سبيل إقامتها إلى الرياض في 2015، ويتحرّك طلاب جامعته لإقامتها من خلال أكوام الجماجم البريئة والتي يخلفها أمثال (ياسر مخارش) وزملاؤه، وتباركها طائرات العدوان الذي يتنعمون اليوم على موائده. الغرب في البداية كان مرنا إزاء داعش وتظاهر بخشيته فقط من القاعدة التي ظل يعلن أنها تمثل خطورة كبيرة عليه، لأنها تعتمد سياسة التنكيل والإثخان في العدو لإضعافه فقط.
**
ليس بخافٍ أن المال الخليجي المدنّس ومدارسه الدينية التكفيرية هي من تصنع الداعشي في طوره الأساسي من دورته الكاملة، حتى إذا صار وهابيا تكفيريا وتهيأ قنبلة موقوتة تستبيح دماء جميع العالمين، تبرّعت له داعش أو القاعدة أو أخواتهما بصاعق، وركنوه في أقرب هدف من الأبرياء مسلمين وغير مسلمين. لكنه من حسن حظنا نحن اليمنيين أننا شهدنا الإرهاب التكفيري بأم أعييننا ووجدناه عيانا بيانا وهو يقتلنا في المساجد وفي الأسواق والجامعات وفي البيوت الآمنة، في شكله الرسمي، وفي شكله غير الرسمي، وأدركنا بجلاء أن (جد القرود قرد). لقد بارك الخليجيون ودعاتهم ووعّاظهم وعلماؤهم تلك العمليات التي استهدفت المساجد والمدارس والأبرياء من داعش الأرضية، كما باركوا قصف الأعراس والأسواق والمساجد والمدارس والمصانع والمؤسسات من طائرات وبوارج داعش الجوية والبحرية.
**
اليوم يدرك اليمنيون أن هذه الأفاعي التي تتحرك في الإرهاب التكفيري ليست أبدا بمعزل عن المحاضن السعودية والخليجية، ولا عن دعم الأسخياء من الأتقياء الخلايجة ومخابراتهم الذين يتقربون إلى الله بإسالة دماء أعداء الدين الوهابي التكفيري، بدءا من اليمنيين المجوس!!، إلى اللبنانيين الصليبيين والرافضة!!، والمصريين الملاحدة!!، والمغاربة المتصوِّفة!!، والأوربيين والروس المسيحيين على حد أوصاف القاموس الوهابي السعودي الطويل!!.
**
لا أعتقد أيضا أن هناك يمنيا حرا يشك اليوم في سياسة الازدواج الممقوت الذي يمارسه الغرب وهو يدعم العدوان التكفيري الرسمي وغير الرسمي ضد شعبنا، إننا نعي أن الغرب يعرف أن السعودية مملكة داعش الكبرى وفكرها ومدارسها وجامعاتها هي من تشكِّل التهديد للأمن العالمي، لكن ما يخرس الكثير عن التصريح بذلك هو ما أخرس الجميع عن الإشارة ولو بأضعف العبارات وأقل الإدانات إلى ما ترتكبه من مجازر في اليمن. إنه المال الحرام، وكون مخرجات هذه العمليات الإرهابية مقصودة لأنها تتسق والاستراتيجية الغربية في تمزيق العالم واستهدافه وإيجاد الذرائع الكفيلة بتدخله في شؤونه.
اليوم يبدو اليمينيون أكثر وعيا من ذي قبل، وساهم اصطلاؤهم مباشرة بنيران هذا الإرهاب التكفيري الرسمي وغير الرسمي في جعلهم أكثر الشعوب فضحا وتصديا لهذا الإرهاب العابر للقارات، من خلال النظر إلى أسبابه وجذوره قبل النظر إلى نتائجه وآثاره. وفي الغد سيكون العالم أكثر انضباطا وإدراكا لهذا الخطر الجوال على مذابحه.
- يرجى تسجيل الدخول لإضافة تعليقات
- قرأت 991 مرة